الفصل الثامن

8.6K 152 8
                                    


8 ـ لن أدخـــل سجنك

لم تشاهد جيني روبرتو لما تبقى من ذلك النهار , ولا زارته ,
فقد جرح مشاعرها بقوله إنها ستزحف إليه .
جلست في غرفتها تتسلى بمراجعة رسومها , لتكتشف أن خلفية
كل تصاميمها كانت مناظر تأثرت بها هنا , مرت من عينها إلى يدها
دون أن يتأثر عقلها بها , فقد وجدت في مناظر الجزيرة عاملاً
محــركاً لاتجــاه آخر في الرسـم . . . وهي تعلم أنها قادرة على
رسمها , بل أرادت أن ترسمها , فأصابعها كانت تتوق للرسم . كان
عقلها الباطن يسجل مناظر أحست بوجوب نقلها إلى لوحة .
اليوم الثاني كان براقاً وصافياً , والشمس قوية , والبحر متألق
هادئ بالرغم من وجود بضع موجات بيضاء تبدو في الأفق البعيد
وهي تقترب من الساحل , وطيور البحر قريبة من الأرض , وهذا
دائماً يعني أن طقساً سيئاً يختبئ خلف هذه المناظر .
عندما نزلت إلى الطابق الأرضي , كان روبرتو هناك , يقرأ
الصحف . قهوة بردت في الفنجان , وقطعة كرواسان تحمل قضمة
منه .
تنفست عميقاً ثم تقدمت نحوه , فرفع نظــره إليها , وسأل :
ـ أنمت جيداً ؟
ـ نعم شكــراً لك . . وأنت ؟
ولامست إبريق القهوة لتجده فاتراً , فرن الجرس :
ـ ستأتيك ماريا بغيره .
وعرفت ماريا ما هو المطلوب , فأحضرت معها إبريق قهوة
طازجة ونظرت إلى روبرتو ويديها على خصرها :
ـ هل قلت لهــا ؟
ـ اهتمــي بشؤونك !
فشخرت ماريا وضـاقت عيناها بالغضب :
ـ أليس هذا من شأني ؟ إذا ازدادت حالتك سوءاً فمن سيعتني
بك ؟
ونظرت إليه جيني بفضول :
ـ عم تتحدثان ؟
ـ لا تأبهي لها .
فقالت ماريا :
ـ الممرضة .
فرفع رأسه ونظر إليها بغضب :
ـ عودي إلى المطبخ .
فتابعت :
ـ سيطردها .
وزعق روبرتو :
ـ أخرجي من هنا !
وأصبح فجأة كالثور الهائج , تخنت رقبته بعضلات الغضب ,
وانتفخت أوداجه , واحمرت عيناه . فخرجت ماريا رافعة رأسها , ثم
قالت وهي تغلق الباب :
ـ إذا ذهبت , فستندم .
وما إن أقفل الباب حتى احتجت جيني :
ـ لا يمكنك طردها , روبرتو , كن متعقلاً !
تناول جريدته من جديد , وهزها , ثم بدأ القراءة . فقالت جيني
بتعقل :
ـ السبب الوحيد الذي جعلهم يسمحون لك بالمجيء إلى هنا
هو اصطحابك لممرضة . فلم تبعدها ؟ وما الفارق لو بقيت ؟
ـ إنها مزعجة !
ـ ولماذا ؟ ألأنها تجعلك ترتاح . أوه روبرتو . لا تكن أحمقاً !
ـ لأنها طالما هي هنا , لن تبقــي معي أنت طوال الليل .
ارتجفت بشــدة لهــذا . . . ولم تستطع إجابته , فأخفض
الصحيفة , وفي عينه تجهم وسخرية :
ـ هل ستفعلين ؟
فاحمر وجهها وأشاحت بنظرها عنه :
ـ هذا ليس بعذر . . .
ـ إنه عذر كاف لي . أريد أن أراك معــي عندما أستيقظ .
وأحست بالنار تسري في جسدها . ففي كلامه حنان ورقة ,
وإحساس مختلف عن الرغبة المتوحشة التي كان يظهرها لها , كان
فيه شــيء من حلاوة المزاح الذي كان بينهما قديماً . . . وسألته :
ـ ومتى ستذهب ؟
ـ اليوم .
ـ بالقارب ؟
فنظــر إليها بقلق :
ـ بالطائرة . . . ولكن إياك والتخطيط لتسلل فيها حبيبتي . . .
فأنت ستبقين هنا . . . أريدك معي طوال الوقت إلى أن تقلع
الطائرة . وأتأكد أنك لم تحتالي للدخول إليها .
وسـألته مقطبة :
ـ ولكن إذا لم تكن قد تعافيت تماماً فكيف لي أن أعرف ؟ لا
يعجبني هذا روبرتو . . أرجوك . على الأقل دعها هنا عدة أيام .
ـ لا . . . إنها تتدخل في حياتي كثيراً , وعلى كل لن نحتاجها ,
فأمــي قادمة .
ـ إيفا ! . . متى ؟
ـ اليوم . . أيسعدك هذا ؟
ـ أنت تعرف أنني أحب أمك .
فابتسم وأصبحت عيناه لطيفتان تذكرانها بعيني أمه المليئتان
بالدفء.
ـ أجل أعرف أنك تحبينها . وهذا ما كان يسعدني دوماً . وهي
تحبك , أكثر مما تحب آنا على ما أظن . فأختي وأمي لم تتفقا
يوماً . فآنا تحب أن ترمي بثقلها أينما كان . . و أمي أرق من أن
تحتمل هــذا .
فقطبت جيني :
ـ آنا لم تحبني يوماً .
ـ لا .
ـ كانت تكرهني لأنني .
ـ لأنك زوجتي . أعرف هذا . كانت دائماً تغار مني ونحن
صغار . كانت تتمنى لو تكون صبياً , الابن الوحيد للعائلة . فيها
تعطش كبير للسلطة والتملك , وزوجها المسكين مضطر للتحمل .
ولكنني لا أنوي مطلقاً السماح لها بالتدخل في حياتي .
وتنهدت مرتجفة :
ـ والدك كان يكرهــني أيضــــاً .
صمت للحظــات , ثم قال :
ـ أجل . . . كان يكرهك , وأنا آســف يا حبيبتي , ماذا أستطيع
أن أقول ؟ لم يكن يثق بك لأنك غريبة .
ـ كان يفضــل جيسكا .
فرد ببرود : (( أجل )) .
ـ وفي النهاية فعلت أنت مثله .
فســارع يلف خصرها بذراعه , ويقول متأثراً :
ـ لا . .
فقالت مرتابة :
ـ وماذا تعني بلا ؟ مــا هو السبب إذن ؟
فصمت , وبدت الحيرة والارتباك في تعابير وجهه . . . وتردد
مع أنه يرغب في الكلام . . . والتوى فمه . . فهمست :
ـ لا تتلاعب روبرتو .
وتخلصت منه بشــراســة وركضــت خارج الغرفة , أحضــرت
سترتها وخرجت من الفيلا لتسير فوق الصخور عند الشاطئ .
واستدارت مرة نحو الفيلا لتجد صورته من وراء الزجاج . . كان
ينظر إليها , يقرأ غضبها من تحركات جسدها , وأحست بتزايد
غضبها لشدة شفافيتها .
لم يعتذر , لم يــشــرح , حتى ولا أبدى نــدمــه عن أي شيء . لقد
استردها , وهــي رمت بكل كبريائها أدراج الرياح عندما همست له
أنها تحبه . . ولا بد أنه راضٍ عن نفسه الآن . لقد انتصر . . ولكن
ألا ينتصر دومــاً ؟
.
أول غلطة ارتكبتها كانت ذهابها إلى المستشفى . . كان يجب
أن تقول لإيفا إنها آسفــة ولن تستطيع الذهاب .. . ففي ذهابها إليه ,
اعترفت بضعفها نحوه , ولقد تمسك بهذا الضعف . وعرف كيف
يستغل الموقف , وتركها توقع بنفسها بعد أن أعد فخه . ولو أنها
حقاً كانت تكرهه لما ذهبت إليه , لما خلعت خاتم غرانت لتستعيد
خاتمه . لما قبلته , لمـا سمحت له بمناداتها حبيبتي . . . أجل هي
من سهلت الأمور له . . . وهذا اعتراف مرير .
كان عليها العودة إلى الفيلا أخيراً . . فأين لها أن تذهب ؟
والتقاها روبرتو عند الباب , يتفرس وجهها ويقرأ بسهولة كل ما
دار فــي رأسها من أفكــار , وقال لها :
ـ تبدين كــالأموات .
فرفعت رأسها الأشقــر بمرارة , وعيناها قاسيتان شديدتا التألق :
ـ شكــراً لك .
أحـست بنفسها كالجيش المهزوم , المتقهقر دون أمل , يواجه
المنتصر القاهر . . يكره نفسه وهو من غير دفاع .
ـ أنت بحاجة إلى شراب ساخن يعيد لك قواك .
ـ هذا تصريح مقصود لإظهــار ضعفي .
وابتسمت . . دخلا إلى غرفة الجلوس حيث كانت ماريا قد
حضرت إبريق شاي ساخن . . تناولت فنجاناً , شعرت بالدفء بعده
وعاد اللون إلى وجهها , ولكنها استمرت في شعورها بعار الهزيمة .
ولاحظ روبرتو هذا متجهماً .
بعد الغداء , جلسا معاً يستمعان إلى الموسيقى . . . وأحست
جيني بنعاس غريب , فتكورت إلى جانبه كالقطة . رأسها مشدود
إلى صدره بيده . . . ولطالما كان هذا ملاذاً لا يخيب بالنسبة لها .
عندما استيقظت , لم تجد روبرتو قربها فقد وقع رأسها بكل
لطف فوق الوسائد , والغرفة معتمة بنور بعد الظهر المتأخر . وفجأة
سمعت صوت الطائرة من بعيد , فنهضت بسرعة , ومن النافذة
أخذت تراقب الطائرة تدور في دوائر فوق الجزيرة قبل أن ترتفع
وتختفي في السماء الزرقاء . إذن لقد رحلت الممرضة , وستكون
إيفا هنا بعد لحظات .
وخرجت إلى الردهة , وفتح الباب الخارجي وتناهى إليها
صوت روبرتو يتحدث الإيطالية بسرعة , وفي نفس اللحظة دخلت
إيفا . صغيرة , مرتبة , قلقة العينين , ولرؤيتها جيني ابتسمت فوراً ,
ومدت ذراعيها :
ـ يا عزيزتي ! هل اندهشت لرؤيتي ؟ أنا المندهشة لوجودي هنا .
ولكن روبرتو اتخذ هذا القرار السريع . . . كانت رحلة متعبة . .
مررنا بعاصفة كهربائية فوق المحيط . وأخذنا نعلو ونهبط ككرة
مضرب . ولكن أندرو تمتع بكل لحظة من الرحلة , لقد ظن أنهم
يفعلون هذا لأجله . . .
اختفى صوتها عندما شحب وجه جيني , وضغطت بيدها على
قلبها وكأنها تتألم . . ثم همست :
ـ ألم تكوني على علم . أوه . . . جيني !
دخــل روبرتو من الباب , والصبي على كتفه , يضحكـان . عينا
الصبي كعينا أبيه , ويداه تداعبان شعره .
ونظــرت جيني إلى وجه روبرتو بوحشية :
ـ لعنة الله عليك !
ثم استدارت وركضت تصعد السلم , وأقفلت باب غرفتها .
وجاء إليها فيما بعد ليقرع الباب , ولكنها لم ترد . كانت مستلقية
في فراشهــــا ترتجف . يدها فوق فمها والغرفة ظلاماً . وصـــــاح
بها آمـــراً بحــدة :
ـ افتحــــي الباب !
في مكان ما من المنزل سمعت ضحكة الصبي , بابتهاج على
طريقة الأطفال . وكأنما أحد يزكزكه , وعضت جيني أصابعها
محدقة في الظلمة . . . وسمعت روبرتو يطلق تهديداً فارغاً :
ـ هل أكسـر الباب ؟ أنت تتصرفين كالأطفال وحق الله !
فردت بصــوت عميق أجـش :
ـ اذهب من هنا .
ومرت لحظـات صمت , وكأنما رنة صوتها أذهلته , ثم تكلم
بلهجة مختلفة , لطيفة , متملقة :
ـ كان يجب علي إخبارك . . . أعلم . كانت صدمة لك . وأعلم
هذا أيضاً ولكنني كنت أخشى أنك لو عرفت لحاولت الهرب في
الطــائرة .
وردت عليه بنفس اللهجة :
ـ كذاب ! ما كنت لتسمح لـي بالاقتراب منها .
وصدر صوته من بين شقي الباب , وبصوت ناعم :
ـ افتحي الباب . . . من السخف أن نتحدث معاً عبر باب
موصد . أتريدين أن يسمعنا من في المنزل ؟
ـ لست أهتم . . . فليسمعوا . . . ولماذا آبه للأمر ؟
ـ سيزعج هذا أمــي .
ـ أمك ؟ إنها تعرف حقيقة شعوري تجاه الصبي . هل قلت لها
إنني أصبحت الآن عشيقتك لا زوجتك, أم لا لزوم لأن تعرف ؟
هذا ما كنت تريده منذ البداية يا روبرتو . . أليس كذلك ؟ أنا لم أكن
يوماً بمستوى أن أكون من آل باستينو . . . ولكنت أغويتني أصــلاً
دون زواج مني لو استطعت . . . ولكن لدي أب يهتم بما يحصل
لي . وكان يحميني أكثر مما كنت تتصور فلم تجرؤ على نيل ما
تريده دون زواج . وكان يناسبك أكثر لو أن لا أب لــي .
كانت تصيح , صوتها شخن , مليء بالألم والغضب . . فتمتم
بصوت منخفض بالكاد سمعته :
ـ لا تقولي هذا .
ـ لا أقول الحقيقة ؟ لماذا جئت بي إلى هنا إذن ؟ هل أحسست
بحاجتك إلي ثانية ؟ صحيح روبرتو ؟ وهذه المرة لست مضطراً
لسخافة الزواج . . ما عليك سوى أن تمد يدك وتأخذني . . .
وتوقفت كلماتها الغاضبة , الشرسة , المريرة , وسط اختناقها
بالدموع . ودفنت وجهها بين يديها .
وضــرب بقبضتيه على الباب فاهتز :
ـ افتحــي الباب !
ولم ترفع رأسها . . . بل همست بخشونة :
ـ إذهب إلى الجحيم !
ســاد الصمت , وعرفت أنه ابتعد . وبقيت مستلقية كما هي
والعتمة تزداد كثافة . وتوقفت ضحكات الصبي . . وتساءلت ماذا
يفعل روبرتو الآن . وعلمت أنها تتصرف بغباء , ولكنها لم تكن
تستطيع منع نفسها . . . ما كان يجب أن يأتي بالصبي إلى هنا .
لم يكن غضبها بسبب أن الصبي هو ابن جيسكا بقدر ما كــان
يغضبها أكثر شدة شبهه بأبيه . ووجوده الآن هنا يجعل ما يجري
بينها وبين روبرتو مخزٍ . إنها علاقة ليس لها مكان في حياته
أندرو هو ابنه . . . باستينو . . . وهي مجرد عشيقة لروبرتو . إحدى
نسائه يستغلها مثلهن . . ومع الوقت ما من شك أنه سيصرفها كما
كان يصرفهن . وسينظر إليها اندرو ليوازيها بالأخريات اللواتي مررن
في حياة أبيه . وهذا ما تجده لا يحتمل .
وسمعت صوت روبرتو فجأة يصرخ :
ـ بعد نصف دقيقة ســأطلق النار على هذا القفل اللعين .
فجلست مجفلة في فراشها . . لا يمكن أن يعني ما يقول . . .
ولكنه يعني بالطبع . فلديه مجموعة جميلة من الأسلحة في مكتبته ,
ويعرف كيف يستخدمها جميعاً . إنه رامٍ من الطراز الأول .
منتحبة . . تقدمت لتفتح الباب , فدخـل كالعاصفة والمسدس
في يده , وفي عينيه الخطر , وقال متمتماً :
ـ أيتها الحمقــاء الحقيرة !
رمى المسدس إلى الطاولة , وأمســك بوجههــا بيد وأضـاء النور
بالأخرى . فأحست بالدوار يغشى بصرها . . . وشاهد روبرتو
الدموع على وجهها وآثار الألم . وقالت هامسة :
ـ ما كان يجب أن تأتــي به إلى هنا .
ـ وهل أسألك السمــاح له بالمجــيء ؟ وكيف يمكن أن يكون
ردك ؟ كنت ستصرين على الرحيل . أليس كذلك ؟ اعترفي ؟
ـ كمــا سأصــر الآن !
وأسمك بكتفيها :
ـ لن أتركك تذهبين أبداً . أنت لـــي .
ـ لقد قلت هذا لوالدي . . وتطلقنا . . ولم تقترب مني لخمس
سنوات .
ـ لأنني كنت أعتقد أنك تنامين مع كراولي .
وصدقته . . فعمق الغيرة في صوته كان مقنعاً . وأكمل :
ـ كنت أريد قتله . . وقتلك , ولكنك اختفيت , ثم قيل لي إنك
تطلبين الطلاق مني رسمياً . . ولو كنت وجدتك لسببت لك إصابة .
عندها كنت سأتركك .
ـ ألا زلت تعتقد أن علاقتك بجيسكا غير مهمة ؟ كل ما عندك
هو الاتهام , لا تدافع عن نفسك أبداً . . ترفض أن ترى أي خطـأ
فيما فعلته . . . أليس كذلك روبرتو ؟ كل ما يهمك من الأمر أن أحد
ممتلكاتك قد شرد منك ؟
إحدى يديه , تسللت إلى شعرها , وأخذت تلف خصــلات منه
حول أصابعه . . . وقال :
ـ ولكنه لم يشرد مني ثانية . . . لقد استعدتك , وســأحتفظ
بك .
ـ وهل تظن حقاً أنــني سأرضى بأن أكون في منزلة العشيقة في
نظر ابن جيسكا ؟
تأوه طويلاً :
ـ آه . . هذا هو الأمــر إذن .
ـ لن أقبل بهذا مطلقاً .
ورد ببرود :
ـ ولنفترض أننا متزوجان ؟ فمــا الفارق ؟
وشهقت بأنفاسها , وصمتت للحظات , ثم ردت بخشونة :
ـ لم تذكــر الزواج من قبل .
فالتوت شفتاه :
ـ لم يبدُ لـــي مهماً .
ـ أتصور هذا . فكــل ما كان في بالك أن تحصل علي . أليس
كــذلك ؟
وانحنى نحوهــا مبتسماً .
ـ لا شـــيء غيره . . . ولأسابيع بعد استردادي لذاكرتي . يا
حبيبتي !
ـ خنزير !
ـ وما كان رأيك بما حدث ؟ صدقاً الآن ؟
ـ كنت أود لـو أرميك في الزيت المغلــي .
ولكنها كانت تكذب وكلاهما يعرفان هذا .
ـ فكري الآن . . لو تزوجنا, فهل ستقبلين بأندرو كابن لــي ؟
ـ أجل . . سأقبل به . . ولكنني لن أتزوجك روبرتو , في مطلق
الأحوال . فأنا لا أثق بك . فهناك الكثير من النساء في حياتك ولن
أمر ثانية في تجربة رؤية امرأة أخرى في فراشــي يوماً من الأيام .
ـ لن يحصـــل هذا .
ـ تقول هذا الآن , ولكنك سرعان ما تغير رأيك . صدقتك فيما
مضى . . . وكنت صغيرة وحمقاء . . ولطـالمــا حذرني والدي
و غرانت . . .
فاحمرت عيناه :
ـ لا تذكري اسم كراوي أمامي . . . وإلا لن أكون مسؤولاً عما
سيحصــل !
ـ أنت لم تحب غرانت يومــاً !
فضحك ضحكة غاضبة وقال :
ـ أكــره رؤيته ويكره رؤيتي . وكلانا يعرف لماذا .
وردت بهدوء .
ـ لطالما كان طيباً معــي .
ـ بالطبع . . فهو رجل صبور . يعرف ما يريد , ومستعد للانتظار
على أمل الحصول عليه .
ـ أظنك تســـيء الحكم عليه .
ـ لا . . . بل أنت من أســأت الحكم عليه . . . ولكنك لن
تتزوجيه . . . وستتركيني أعيد له خاتمة بنفسي , لأضعه في حلقه .
ـ لا تتكلم هكذا ! أنت لا تنصف غرانت ! مهما كان شعورك
نحوه فهو من ألطف الرجال الذين عرفتهم .
ـ ولكنه أساء إلينا كثيراً . . ولا ندين له بشيء . . صدقيني .
أحــســت بالحرارة تؤلم خديها :
ـ ولكنه فعل هذا لأجلي . . . كان يحاول إنقاذ ماء وجهي . .
إنقاذ كبريائي . . وأظنه كان يحاول إيهامك بأنـني لا أهتم بما
فعلت .
ـ وهل تؤمنين بهذا حقاً ؟ لقد فعل هذا لأجل نفسه ! لقد شاهد
أمامه فرصة وتمسك بها , فرصة تفريقنا والفوز بك لنفسه .
ـ كنا سنفترق على كل الأحوال بعد الذي رأيته !
فهز رأســه ببرود وقال :
ـ لا جيني . . . فما رأيته لم يفرقنا . . بل كراولي هو الذي
فعـــل.
.
وأحست باليأس . . إلا يمكن له أن يرى الحقيقة ؟ ألا يمكن له
أن يفهم ؟ أكان أعمى لهذه الدرجة تجاه خيانته لها ؟ أيمكن أن
يعتقد حقاً بأنها كانت ستتجاهل خيانته ؟
ـ نحن نتكلم بلغتين مختلفتين . . . لن أستطيع تقبل أن للرجل
الحق في الخيانة الزوجية . . ربما فتاة من بلادك قد تهز كتفيها دون
اكتراث لشيء كهذا . ولكنني أنا لن أستطيع . ويجب أن تفهم هذا .
أنا لا أتحدث عن الأخلاقيات أو القوانين . . . أنا أتحدث عن
الحــب .
وتسللت يده بنعومة من ذراعيها إلى عنقها :
ـ الحــب .
فجذبــت نفسها منه :
ـ لا تفعل هذا ! . . . بإمكانك إجباري على التجاوب . . .
ولا أستطيع الإنكـار . . ولكنني لا أتكلم على التجاوب الجسدي . أنا
أتكلـــم على الثقة , والصدق , ولا أستطيع أن أثق بك في كليهمـــا ,
روبرتو . أتظن أنني أريد زواجاً أكون خلاله محتارة دوماً , أتسـاءل
في أي فراش أنت ؟ أي نوع من الحياة هذه ؟ سـأجن في وقت قصير
وهو كتفيه :
ـ حسناً . . . أصلحــي وجهك . مشطــــي شعرك . وانزلي إلى
الطابق الأرضي قبل أن تظن إيفا ولويس أنني أقتلك .
ـ لويس ؟ وماذا يفعل هنا ؟ لماذا جاء بحق الشيطان ؟ لا تقل لي
كذلك إن أختك آنا هنا ؟ وكذلك جوليان . . هل جاءت كل عائلتك
اللعينة ؟ ماذا جرى ؟ هل هو تجمع قبيلة بني باستينو ؟
فتحرك نحو الباب , ونظر إليها من فوق كتفه :
ـ لقد طلبت من لويس أن يأتــي .
ولسبب ما , أحست بلسعة قاسية لم تفهم سببها .
ـ لم تكــن حكيماً في قرارك هذا , روبرتو . فهو سيتساءل
بفضول . . . فلطالما كان معجباً بي .
فنظر إليها بحدة :
ـ إنه يعبث مع كل أنثى يلتقي بها يا عزيزتي . . . فلقد ولد وهو
منتهز للفــرص .
ـ ألم تندهش لســـماعك أنه غازلني ؟
فابتسم :
ـ ســأدهش أكثر لو سمعت أنه لم يفعل . أنت جميلة , ولم
يفتني أبداً إعجــابه بك .
وغضبت جيني للهجته , وقالت :
ـ ولكنك كنت واثقاً جــداً مني . . . أليس كذلك روبرتو ؟
فابتسم ابتسامة غريبة وقال :
ـ أنا أثق بك عزيزتي .
وترك الغرفة . . . تاركاً إياها ترتجف من جــراء رده .
* * *

   الدوامة - شارلوت لامب        روايات احلام  Where stories live. Discover now