||الفصل الأول||

9.3K 275 97
                                    

المكان: كوكب جليزا.

على قطعة صغيرة من كوكب جليزا الكبير؛ حيث بنيت البيوت الصغيرة والمتواضعة تحفها مياه البحر والساحات الخضراء المديدة والأشجار المثمرة. هناك وبعد سهل واسع هضبة عالية بني عليها قصر متواضع يطل على بيوت تلك المنطقة ويزينها ويعطيها سحرًا خاصًا. بني ذلك القصر منذ قرون وبإمكانيات بسيطة من حجارة قوية طليت باللون الأبيض بينما طليت السقوف باللون الأزرق السماوي الجميل.

كانت السماء تبدو مصبوغةً باللون الأحمر والشمس تظهر كما يظهر القمر تمامًا عدا أنها أكثر سطوعًا منه. وعلى شرفة ذلك القصر وقفت امرأة في العقد الرابع من عمرها ترتدي فستانًا بني اللون بأكمام مرصعة بخرز بني لامع وعقدٍ زين رقبتها، ومع جمال فستانها كان شعرها البني المائل إلى الأحمر الذي يتناسق كثيرًا مع مظهرها الخارجي يتماوج مع النسيم، حدقت في البحر أمامها متأملةً اللون الأحمر الذي انعكس على وجه مياهه ومع ذلك المنظر قفزت ذاكرتها إلى زمان بعيد حيث حكايات والدتها عن كوكب الأرض، لون الشمس الأصفر ولمعان البحر تحت سطوعها ظهر باللون الأزرق الصافي. لقد سئمت من مجرد احتفاظها بكلمات قليلة وتمنت حقًا أن يأتي ذلك اليوم الذي سترى به غروب الشمس وأمامها البحر على كوكب الأرض حيث موطنها الأصلي. بينما كان الناس أمامها يحدقون بها وهي تقف على شرفة قصرها الضخم بشموخ يتأملون حدقتيها الزرقاوين حيث انعكس عليهما لون الشمس الأحمر.
منذ قرون قليلة مرفقةٍ بعدة عقود مُرة على ذلك الكوكب الذي لم يمر عليه الكثير قياسًا بكوكب الأرض وصنف على أنه كوكب مسكون ببشر جاؤوا حائرين إليه، وقد كتب على قلوبهم اليأس والحزن. ما زال شعب كوكب جليزا يقف حزنًا على ذكرى ذلك اليوم المشؤوم، اليوم الذي غادروا فيه موطنهم الأصلي، كوكب الأرض.

تنهدت جراء تذكرها لما روته لها والدتها عن هذا اليوم المر وقالت بنبرة ثابتة قوية:

«في هذا اليوم نشهد ذكرى أليمة وحدثًا مريرًا، رثاء هزيمتنا وخسارتنا لموطننا. منذ قرون قليلة وفي مثل هذا اليوم أرسلنا طغاةُ الأرض إلى هنا ولولا ذكاء أجدادنا ومعرفتهم القوية بالمجال العلمي لما كنا نقف الآن أحياء نرزق. هؤلاء الطغاة الطامعون والأنانيون أرادوا أن يعيشوا على كوكب الأرض وحدهم ولم يقبلوا بوجودنا نشاركهم الأرض. رغم محاولة أجدادنا التغلب عليهم عندما نشبت الحرب المدمرة إلا أنهم كانوا أقوى ولأنّ جدي لم يقبل بأن ينفى شعبه إلى الأبد داس على كرامته وكبريائه ورضخ لقرارهم بطردنا خارج الأرض بكل أنانية. لم يكتفوا بذلك فقط بل وقتلوا جدي ورجالنا قبل طردنا فلم يبق سوى النساء ولولا أن استطاع بعض الرجال الهرب من بين أيديهم واستطعنا الوصول إلى سكان كوكب كيبلر لكنا الآن في عداد الموتى ولكنا انقرضنا للأبد وهم ينعمون بخيرات الأرض، بخيرات موطننا الأصلي. الشر لن يغلب الخير أبدًا والآن أو لاحقًا سننتصر وسنعود إلى الأرض بكرامتنا ونطردهم نحن منها. أجدادنا بنوا هذا الكوكب لنا وجعلوا منه مكانًا صالحًا للعيش ولكن لن يذهب كل ما فعلوه لأجلنا بهذه السهولة سنعود وننتقم لهم سنستعيد موطننا. نحن نذكر ذلك اليوم ومع أننا لم نحصِ كم من السنوات الطويلة مكثنا هنا فقط لنتذكر، إن لدينا وطنًا سنعود إليه مهما امتدّ بنا الأمد على هذا الكوكب ومهما بنينا فيه أريد منكم أن تكونوا على علم أنه ليس موطننا ولن يكون كذلك».
ألقت خطابها بحزمٍ وشموخ فتعالت أصوات تصفيق الحشود المنصتة مرددين بصوت هز الساحات المديدة: «الأرض لنا وستبقى لنا».

بعيداً عن الأرض✔️Where stories live. Discover now