الفصل الأول

14.2K 263 4
                                    

تركض بكل ما أوتت من قوة وكأنها فى إحدي سباقات العدو ولكن الفارق إنها تركض بلا هدف سوى النجاة !
وقفت تضع يدها على صدرها تحاول إلتقاط انفاسها .. مسحت قطرات العرق التى تتصبب من جبينها ثم تلفتت حولها باحثة عن بصيص من الضوء بلا فائدة .. ظلام يبتلع كل ما حولها .. وقبضة من فولاذ تعتصر قلبها .
قرقعه حذائه الواثقة خلفها وصوته الخشن يتردد من حولها يبعثر ما تبقي بداخلها من رباطة جأش هاتفاً بتسلية وبأحرف ممطوطة أثارت الذعر فى نفسها : ميرنااااا
صدى صوته يحيطها من كل إتجاه ومع الظلام المحيط بها تستشعره فى كل مكان حولها .. تلفتت حولها برعب كيف إستطاع تحديد مكانها فى تلك البقعة من السواد التى تبتلعهما معاً
إبتلعت ريقها ثم عادوت الركض .. تتلفت خلفها بين الفينة والأخرى .. وفجأة سقطت فى حفرة لا تعلم من أين أتت ؟ هل ستكون سبيل خلاصها ! أم ستكون كالفأر الذى سقط بكامل إرادته فى المصيدة .. إحتضنت نفسها بخوف مغمضة عينيها عندما إستمعت لحفيف شئ يتدلى من فوقها وعندها أتاها صوته يهتف من فوقها بنبرة إنتصار : قولتلك مش هتعرفي تهربى مني
أخذت تصرخ بكل ما أوتت من قوة وصوت ضحكاتة المقيتة متزامنة مع ملامسة نصل حاد بارد لمؤخرة عنقها .. بقعة من ضوء لا تعلم مصدرها عاونتها على الرؤية فالتفتت وليتها لم تفعل !
**
هبت فزعه من نومها وقطرات العرق تتصبب من جسدها وكأن ما رأته تواً لم يكن مجرد كابوس !!
إبتلعت ريقها ومسحت وجهها بأنامل مرتعشة ثم تلفتت حولها .. لا تزال فى أسرها بأقدام تزينها أغلالاً حديدية واطباق طعامها امامها كما تركها .. يطعمها وكأنها حيوانه الأليف لا زوجته !!!!
دفنت رأسها بين كفيها وأجهشت بالبكاء .. ألا لذلك الكابوس من نهاية .. إبتسمت لنفسها ساخرة وكيف ستكون النهاية إنها حقاً لا تعلم .
عادت برأسها مستندة على الحائط خلفها والذكريات تهاجم عقلها بلا هوادة
فلاش باك ...
فى الجامعة
تتوسط صديقاتها اللاتى إنهلن عليها بالتهانى لزفافها الوشيك والذى تحدد موعده مؤخراً بعد عناء ومحاولات من خطيبها الحبيب مع والدها لإقناعه
ميرنا ضاحكة : الله يبارك فيكوا يا بنات عقبالكم كلكم ثم تابعت بإبتسامه حالمه : لما تاخدوا الى بتحبوهم
صفقت أميرة بحماس وهتفت : أيوة بقي إوعدنا يارب ثم نظرت لمحمود زميلهم والذى تربطها به علاقه حب منذ السنة الأولي للجامعة دون رباط رسمى وتابعت : ويتحرك الحجر من مكانه قولى آمين
إبتسم محمود إبتسامته الجانبية المعتادة فدارت ميرنا ببصرها بينهما وهتفت ناظرة له بخبث : يارب ياختى يارب
قطع سيل ذكرياتها صوت باب زنزانتها يفتح فنظرت للداخل بتوتر وإنكمشت على نفسها بذعر
ضيق بين عينيه ناظراً لأطباق الطعام التى لم تنقص شئ منذ البارحة وهتف بخشونة : مكلتيش ليه
إنتفضت على اثر صيحته وهمست بخوف : مليش نفس
أجفلها إقترابه المفاجئ منها فرفعت كفيها أمام وجهها ترقباً لصفعته القادمة فابتسم بشراسه مبعداً يدها عن وجهها بعنف وهمس أمام وجهها المغرق بالدموع : إوعى تفكرى إن إيديكى الحلوين دول هيقدروا يمنعونى عنك لو عاوز أضربك
بحدقتان متسعتان نظرت له ثم أومأت بطاعة
ربت على وجهها بغرور هاتفاً : جدعة كده تعجبينى
ثم وبدون كلمه أخرى مزق ملابسها متفحصاً لجسدها بوقاحة وإنقض على شفتيها ملتهماً لها فى قبلة جائعة .. لا مبالياً بدموعها التى أغرقت وجهيهما معاً .. إبتعد عنها ناظراً لها بإشمئزاز
ثم أشاح ببصره عنها مشيراً الى أطباق الطعام : الأكل ده يخلص كله وإلا .. ثم حرك سبابته محذراً : إنتى عارفة عقابى هيبقي إزاى .. نظرت له بخوف وإقتربت ممسكة لطرفى ثوبها الممزق و بيدان مرتعشتان شرعت فى تناول طعامها أمام نظراته الحاقدة .. تحرك جهه باب الغرفة وفتحه معيداً بصره لها ثم خرج صافقاً إياه خلفه !!
نظرت للباب المغلق بحزن ثم تركت ما بيدها وتحركت عائدة لسريرها تسبقها أصوات طخطخة أساور قدمها الحديدية !!
**
إبتعد عن باب القبو أو الزنزانة الإفتراضية التى هيأها لها صاعداً درجات السلم الخشبى بهدوء يخالف صخب أفكاره .. صفق باب القبو الخارجى والذى يقع بداخل مطبخ منزله بمدينة الضباب ( لندن ) التى تشبه روحه الوليدة !
أعد لنفسه فنجاناً من القهوة وجلس بغرفة المعيشة يحتسيه بتفكير .. لا تعجبه شخصيته الوليده تلك ولكنها من عبثت بكبريائه .. لم يكن يوماً حقيراً أو وضيعاً .. و ها هو يعامل زوجته بأحقر الطرق وأكثرها وضاعة .. إبتسم بسخرية محدثاً نفسه : وهل هى حقاً زوجته !!
أشعل سيجاره وسحب نفساً عميقاً مالئاً صدره بالنيكوتين الذى اصبح إدمانه .. منذ متى !!
إرتشف رشفه من فنجانه وأعاد رأسه للخلف متذكراً أول مرة رآها ......
فلاش باك
مراهقاً بالخامسة عشر جالساً تحت شجرة الليمون يقرأ بانهماك لأحد الكتاب العظام طه حسين .. إتسم بالفطنة والدهاء منذ نعومه أظافره .. ورث عن جده نهمه للقرائه فباتت ونسيه ورفيق وحدته فهو وحيد أبويه ولم يكن يوماً إجتماعياً بل إتخذ من عزلته أنيساً ورفيق ..
هرول خادم جده المطيع جابر هاتفاً : يا بشير بيه الحاج عوض بينادم عليك
بشير : جوله جاى يا جابر
جابر مغادراً : متعوجش أحسن الحاج يدبحنى كيف البهيمه
بشير ضاحكاً : جول كيف التور
أغلق كتابه وتحرك منصرفاً لحيث مجلس الجد ( عمدة الكفر )
إقترب بشير من جده مقبلاً يده كعادته : كيفك يا جدى
عوض بخشونة : زين يا وِلد إجعد جارى
جلس بشير فقد إعتاد نبرة جده ويعلم تمام العلم سبب تلك الخشونة كما يعلم جيداً ما سيقول فتلك الخشونة دوماً وأبداً يصحبها ذكره لإبنه الضال ظافر
بشير بهدوء : خير يا جدى
عوض : آنى نازل مصر انهارده وعاوزك إمعايا
بشير بقلق : نازل مصر كيف يا جدى وليه بس !
عوض : معسيبهوش اكتر من إكده لازمن يعاود إمعايا كفاياه آنى فوتله كتير
بشير : يا جدى خالى ظافر معادش إزغير
عوض وقد لانت ملامحه بعض الشئ : آنى كبرت يا ولدى وعاوز أموت على فرشتى وسط إعيالى
بشير بتأثر : متجولش إكده يا عمده آنى جاى إمعاك
عوض مربتاً على كتفه : الله يباركلى فيك يا ولدى
سافر كل من عوض وبشير الى القاهرة ووصلا الى منزل ظافر
جلسا فى غرفة الضيوف فى إنتظار إبلاغ الخادمه لولده بقدومهم
دلفت الى الغرفة طفلة فى العاشرة من عمرها ناظرة لهم بسخرية : إيه ده انتوا مين هو انتوا بوابين !
نظر لها بشير بضيق فى حين نظر لها جدها بانفعال هاتفاً : إتحشمى يا بت ظافر هو ده إستجبالك لجدك
ميرنا بتساؤل مشيرة له بسبابتها : إنت جدى
بشير معرفاً : أيوة الحاج عوض يبجى ابو أبوكى ظافر والى يوبجى خالى
ميرنا مقتربة : آسفة يا جدو ممكن ابوسك
نظر لها عوض بشموخ ورفع يده لها لتقبلها .. نظرت ليده ثم تناولتها مصافحه له واقتربت مقبله وجنته برقة
إبتسم لها بشير ومد يده مصافحاً فصافحته بدورها
أقبل ظافر مقبلاً يد والده بإحترام فتنحنح بشير ووقف هاتفاً : مش هتفرجينى على الدار يا بت خالى
ميرنا بتساؤل : دار !
ظافر موضحاً : قصده على البيت يا ميرنا يلا فرجى إبن عمتك عليه
سحبته ميرنا من يده بحماس وهتفت : يلا هفرجك اوضتى عندى لعب حلوة أوى
ضحك بشير وغادر برفقتها .....
تنظر له بتأمل فهتف بها : مالك بتبصيلى إكده ليه
ميرنا : اصل لبسك غريب اوى انت ليه بتلبس فستان
بشير ضاحكاً : دى إسمها جلابية
ميرنا بفهم : بردو بتاعه ستات ليه مش بتلبس بنطلونات زى الرجالة !
بشير بانفعال : إحترمى نفسك كيف زى الرجالة مانى راجل إجصادك
ميرنا بفضول : طيب ليه طريقتك كده بتتكلم كده ليه انا مش بفهمك
زفر بشير بضيق وهتف : غبية
ميرنا بغضب : انا غبية
بشير : إيوة
حاولت إستفزازه وهتفت بطفولية : إيوة
تركها بشير وخرج من الغرفة يغلى ... إقترب جالساً جوار جده ومال على أذنه هامساً : هنمشي ميتا يا جدى الدنيا ليلت !
عوض : نمشي كيف يا ولدى الصباح رباح
بشير بضيق : يا جدى البت بتضايجنى
ظافر متدخلاً فى الحوار : معلش يا بشير هى لسه متعرفكش وأول مرة تقابل حد من البلد هنا ثم بصوت مرتفع هتف : ميرنا
أقبلت ميرنا تركض فقرص والدها أذنها وهتف : إعتذرى لإبن عمتك
ميرنا بطفوليه : لا
ظافر آمراً : إعتذرى حالاً
ترقرقت الدموع فى عيناها وإقتربت من بشير ثم همست بهدوء خافضة لرأسها : آسفة
بشير بحزم : إرفعى راسك يا بت خالى ومتوطيهاش لأى مخلوج واصل
رفعت ميرنا عينان باكيتان نحوه بتساؤل طفولى : يعنى إيه
ضحك الجميع حتى هى اصابها ضحكهم بالعدوى ... أما هو فلقد فقد خافقه إحدى دقاته !!!
( الحب كالموت لا يعرف موعد ولا يحترم قوانين . لا يطرق ولا يستأذن . لا يعرف عمراً أو هوية . يهب كنسمه صيفيه تنعش الروح و تأسر الجسد )

لعنة عشقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن