الفصل الأول

72.8K 869 25
                                    

دلفا معا الى غرفة في آخر الرواق، هو متعثرا في مشيته كعادته في هذا الوقت من الليل وهي وراءه تجرّ ثوبها الأبيض و خيبتها . من الدرج الى باب الغرفة عشرون خطوة لماذا إذا حسِبتهم دهرا وهي تتبع خطواته المترنحة . فتح الباب بعد عدة محاولات وأشار إليها بالدخول . لم يتنحى جانبا بقي واقفا يرمقها بنظرات أتعبها المشروب والسهر . لم تتحرك هي من مكانها . بقيت تنظر إلى الأرض كأنما تستجديها أن تبتلعها الأن وليس لاحقا . لاحقا متعِبة بحق . نظر إليها بإشمئزاز أدار ضهره و دخل الغرفة. لم ترفع رأسها ولم تكلف نفسها عناء النظر ، سجن بنافذة وباب هذا ما خطر ببالها . ألم قاتل في عينيها ينذر بسيل من الدموع . لن تبكي ، لا ! ليس الآن و الوحش هنا. حبست دموعها وضعفها وتقدمت خطوة خطوة نحو سجنها. إلتفت هو بصعوبة و قال : أهلا ، نورت الغرفة بحق .
لم يكن كلامه ذا معنى بل كانت نبرة صوته خناجر تغرس في صدرها الواحد تلو الآخر. لم ترفع رأسها وإنما كانت متأكدة من أنه ينظر لها بإزدراء . سمعت خطوات غير متناسقة تقترب ، ظنتها دقات قلبها المظطربة لتكتشف بعدها أنه لم يعد واقفا حذو النافذة وإنما يتقدم ببطء نحوها. إرتجف جسدها ، وإنقطع الهواء فجأة لم تدري لما خانتها عيناها بسيل من دموع حارقة ، جميل جدا فلتلتحق عينايا بقائمة الخائنين في حياتي . هكذا فكرت قبل أن تلمح قدماه بطرف عينيها وفجأة، أحست بذراعين قويتين يشدانها بقوة مؤلمة نحو صدره. زاد إرتجافها و زادت دقات قلبها حتى أقسمت أنه يسمعُها معها. لم تعد قدرة على التنفس وقد أرجعتها ذاكرتها لتلك الليلة المشؤومة . لعنت حظها ولعنت الليلة وعائلتها والمجتمع . ولم تشعر إلا بأنفاسه الحارة تلامس وجنتها المبللة و بصوت أقرب للهمس أرسل قشعريرة في جسدها قال مستمتعا : "انت حلويتي والا ايه! والا قربي ليكي وليلة واحدة خلوكي تترعشي بين ايديا " لم تقدر على التنفس فكيف تقدر على قول كلمة واحدة . أكمل حديثه و قد قربها منه ليلتصق صدرها المتهالك بجسده وقال بنبرة واثقة "انا ماكنتش اليلة بتعنيلي حاجة ، اخدت اللي عايزو و رحت ، بس انت لا ، لازم تفضلي تحفري ورايا و تكبري الحكاية ، ادفعي تمن غبائك يا مدام " لم تفهم شيئا مما قاله ولم تكلف نفسها النظر إليه فقط جسد مُرتجف و أنفاس متقطعة. قربه منها يجعلها تتمنى الموت ، دفء جسده نار تحرقها و تقتلها . لم تدرك نفسها إلا وهو يرميها نحو السرير بقوة حتى إنكسر إطار صورة موضوعة بجانب السرير ليستقر الزجاج مرتاحا في معصمها . سرير و وحش و غرفة ، الماضي يُصور امامها ثانية . لم يكن ألم السقوط شيئا أمام الألم والفزع ألّذان تحسهما الأن. رأته يتقدم نحوها مترنحا و في عينيه حقد و كره وبدأ بفتح قميصه ضاحكا. لم تعرف مالعمل ، لكن شئ واحد فقط مُتأكدة منه : لن يلمسني ثانية ! هكذا صرخت " خليك بعيد وماتقربش حسك عينك تلمسني ، ابعد عني !!!! " ضحك فجأة من صوتها الباكي و لم يكتفي بالضحك بل قال " ومابعدتش، حتعملي ايه !! " لم تعرف كيف أتتها القوة لتصرخ وتصرخ وأخذت إطار الصورة المكسرة في يدها ولم تنتبه أنّ سلاحها قبل أن يؤُذي غريمها ، قد جرح يدها . لم تكترث ، فبعض الجروح السطحية لا تُؤلم كجرح روحنا. ضغطت على قطعة الزجاج بيدها وصرخت فيه " خطوة واحدة ، خطوة واحدة و هتشوف نهايتك . انا بحذرك ، تقربلي او تلمسني"
" تموتيني ؟! ههه كويس ، جربي يا حبيبتي "
" موتك! موتك مش حيشفي غليلي ، نهايتك مش بموتك انا عارفة ان الحياة ماعندهاش قيمة عندك ، حرسملك نهاية تانية ، نهاية تفكر فيا طول ماانت عايش"
نظر لها بإستغراب ، لم يفهم بعضا من الكلام ، سحقا للمشروب رفيقُ الدهر ، فقد أذهب عقله فكيف له أن يفهم ما تقوله . إقترب أكثر ، فضوله يقتله ليعرف إلى أي حد يمكن أن يتحداها. أخذت قطعة الزجاج وصوبتها نحو وجهه، " خطوة كمان، خطوة كمان ، وحتقول باي باي لوشك اللي بتبيع وتشتري بيه اعراض الناس "
طبعا، فتاة بذكائها تعرف كيف تنتقم، هكذا فكر في نفسه. " ما انا اشتريتك بيه، يعني من غير ملامة ههههه" لم تعد قادرة على التحمل وقربت الزجاج من وجهه أكثر.
سمع طرقا على الباب ، لم تفارق عينيهِ عيناها ولم يكترث ، لن يدخُل أحد الغرفة قبل أن يَأذن هو بذلك ، الكل أدرى من أن يُخالفوا أمره . تقوس فمُه بإبتسامة ساخرة و عاد يرمقها بشرر يتطاير من عينيه. طُرق الباب مجددا ثم فُتِح على مصرعيه، فإرتدّ على الحائط. لم تتدري أتتنفس الصعداء لأن أحدهم فتح الباب وأنقذها منه أم تشعر بالإستياء لأنها أرادتها مُنازلةً أخيرةً بينهما تنتقم منها لنفسها وتتنفس بحرية أخيرا.  

أكرهــــــــك - الكاتبه ميريام عريفهWhere stories live. Discover now