الفصل الحادى والعشرون

16.8K 275 1
                                    

تمت مراسم العزاء . دُفن مراد بيه و لحق بعائلته. لكنه ترك وراءه ابنة تبكي حرقة وألما. 

مرّ أسبوع، ورشا في غرفتها ترفض فكرة الخروج كي لا تواجه الواقع . يدق بابها فيذهب في ظنها أن مراد بيه هو من يطرق ليطلب منها النزول الى العشاء. وكانت تصيبها خيبة أمل كلما رأت أمامها كريمة تترجاها من أجل لقمة واحدة.
كانت تنظر الى النافذة وعيناها معلقتان بالنجوم ، تطلب منهم أن يرأفوا بحالها فيأخذونها معهم.
طرق الباب، كريمه كالعاده تنبهها لوقت الغداء ،
" اتفضل "
فتح الباب، وشعور بالبرود أصابها . انه هو
" مساء الخير"
لم تستطع الاجابة ، لم تره منذ حادثة المشفى وتحاشت اللقاء به بعدها. حرّكت رآسها دون كلام .
" مراد بيه ، الله يرحمه ، و جا وقت التنفيذ"
ليس عاديا، مابه ؟ ماهذا ؟ . لكن ما يقوله حقيقه وواقع لا داعي للمراوغه، لكنها أرادت قلب الأمور لصالحها.
" انت مش مضطر اتنفذ ، اكيد ليك حياه تانيه ، وحبيبه . انا مش عايزه آقف في وش سعدتك"
عن ماذا تتحدث ؟ حبيبه ؟ لمن ؟ له ؟ تحرك فمه ليرسم ابتسامة سخرية كالعادة وأكمل
" انا وعدت حسام . "
" بس يعني .. انت "
" بكره حجيب المأذون وحنكمل كل حاجه . "
شهقت مطولا ، حتى كادت روحها ان تغادرها. ببساطة يخبرها بخبر زواجها ؟ عليه ان يراجع طبيبا مختصا ، في الوحوش.
تركها وغادر الغرفة كأنه لم يدخلها ، الدليل على وجوده هي الرعشة التي تسري في جسد رشا. لم ينظر لها طوال حديثه معها.
زواج؟ هنا فقط استوعبت الفكره ، لن تستطيع العيش معه في نفس الغرفة ، لن تستطيع حتى تنفس نفس الهواء معها. مالعمل ؟ عليها غدا أن تضع بعض القوانين.
-------------------------------------------------
لم تعرف كيف مرّت تلك الليله ، لكنها تعرف انها ناجت ربّها ان يلهمها الصبر وان يبارك هذه الخطوة.
بعد الافطار ، كانت تجلس في غرفتها عندما طرق الباب . انتفظت وارتعدت اوصالها . فقالت بصوت متهدج
" اتفضل "
" ست رشا ، نبيل بيه والمأذون في الصالون مستنينك"
" تمام ، فهمت "
غادرت كريمة واغلقت الباب، وقفت رشا ، ذهبت لخزانتها، ارتدت فستانا اسود حدادا على حياتها وحريتها . ثم نزلت لتحديد مصيرها.
تمت الموافقه بحضور شاهدين لم تعرفهما رشا . لقد أمضت منذ لحظات على ورقة عبوديتها لذلك الوحش. غادر الجميع ، اغتنمت رشا الفرصة وتوجهت نحو نبيل الذي خرج الى الحديقة ينظر امامه كعادته.
" احم.. نحنا لازم نتكلم "
" عارف عايزه ايه ، فوفّري كلامك لاني مشغول . حياتك حتستمر زي ماهي ، الفرق الوحيد اني حرجع اعيش في البيت . "
صدمت من كلامه ، توقعت ان يفرض نفسه عليها فاستعدت للنزال، لكنه قال كلامه وكأنه استبق النزال ومنعه.
" تمام "
" سلام" وغادر ، هكذا .
أما هي فوقفت تنظر الى المكان الذي كان يشغله و هي حائرة : هل فعلا كلامه صائب أم انه سيعود ليغير رأيه متى استدعت الضرورة.
توجهت لوردتها الصفراء و نزلت دموعها
" أسفه اني اهملتك ، بس خلاص انا رجعتلك.ماعادشي فاضلي الا انت"
تذكرت جامعتها ، هل عليها أن تخبره بمواعيدها؟ لا لن تفعل لقد قال ان حياتها ستستمر على حالها.
-------------------------------------------
وقف امام النافذة وبقي ينظر الى البحر مطولا ثم أخذ حقائبه و أغلق باب الشقة .ركب سيّارته و رجع الى البيت الذي طرد منه منذ ثلاث سنوات . سيعود الى غرفته .
أما هي فكانت تنظر الى الباب بترقب، في اي لحظة سيدفع الباب ويدخل غرفتها و يقتص منها.
بقي هذا الهاجس يسيطر عليها . وزادت حدة توترها حين سمعت خطواته في الرواق. انتابها الخوف . هو الان يتحكم بها وهو الذي سيقرر ما يفعله بها. كانت خائفة من حسام قبلا ، لكنها كانت ايضا تعرف لماذا وتعرف كيف تتصرف مع هذا الخوف وكيف تواجهه ان هددها.
لكن هذا ، هذا ال.. ماذا تسميه ؟ لا تعرف كيف تتصرف معه أو كيف تواجهه ! لذلك شعرت بالخطر يحدق بها.
توجهت نحو فراشها، لكن هيهات ان استطاعت النوم . وكعادتها أخذت كتاب الله و استرسلت في قرائته حتى احست بارتياح يُلامس روحها المتعبة. ثم أغمضت عينيها .
------------------------------------------
وضع حقائبه على الأرض ثم فتح النافذة وكأنه يبحث عن ونيس لوحدته. نجومه الساطعة.
أخذ حمامه البارد كروحه أخذ كتابا واستلقى على السرير، ثم مالبث ان وضعه وعاد يمارس طقوس صمته مراقبا السقف. في الليل، يخسر الاحساس بالوقت ، لذلك لم يعرف لكم من الوقت استلقى ، حتى تعكر صفو صمته بصراخها . جلس على حافة السرير وتمتم " رجعنا تاني ..."
لم تكف عن الصراخ وقول أشياء لم يتبينها . وعليها أن تسكت ، ضجيج النهار يُقلق راحته لذا اختار الليل للهدوء والآن صوتها يُقلق راحته. وقف وتوجه نحو الباب أين وضع حقيبته، أخرج منها سماعات أذنيه وظغط على زرّ التشغيل وعاد يستلقي على سريره حاجبا صوتا أصبح الأن يسبب له شيئا لم يفهمه.
-------------------------------------------
تركض وهو خلفها ، مهما أسرعت لم تتقلص المسافة بينهما. فراغ عينيه يُحاصرها من كلّ مكان وهاهو الصقيع يتوغل فيها ، تصرخ حتى جف حلقها ثم رأت شخصا واقفا في أخر الطريق ، عزمت على الوصول اليه علّه يُنقذها من براثن هذا الوحش . بضع خطوات وتصل ، بقي القليل ، الشخص يوليها ظهره لم تعرفه لكنها احست انه سيحميها لذلك اسرعت اكثر حتى تصل اليه، الان تبينت لما المسافة طويلة جدا، فالشخص الواقف يبتعد كلما اقتربت . والوحش ببروده ورائها . تصرخ وتصرخ حتى جفّ حلقها . وسقطت أرضا. هنا أفاقت والدموع التي لم تتذكر انها سكبتها ، تبلل وسادتها. ذكرت الله مرارا وتكرارا، أخذت القليل من الماء . و حاولت العودة للنوم، لكن احساس الخوف لازال رفيقها.
-------------------------------------------
أفاقت صباحا، أخذت حمامها وحاولت أن تخفي بالميك آب آثار ليلة البارحة وعينيها المرهقتين. ارتدت مايناسب ذهابها الى الجامعة. ثم نزلت.
على الطاولة، جلس هو هناك في مكانه المعتاد يتناول فطوره. لم يرفع رأسه عندما سمع وقع أقدامها بل استمر يترشف قهوته المرّة.
أما هي فقد صدمت اولا لرؤيته ثم عرفت انه قدرها وليس لها ان تحاول اقناع نفسها بالعكس .
" صباح النور "
لم يكلف نفسه برفع رأسه " صباح الخير "
جلست مترقبة لاي كلمة يقولها ، لكنه لم يتكلم ، بل أكمل فطوره بصمت وبرود. فهمت الان ماقصده عندما قال ان حياتها ستستمر كما هي .
أكمل فطوره ونهض . ثم غادر.
اما هي فمن فرط توترها لم تعرف كيف تأكل أمامه.
لكنها أخذت مايسد رمقها وذهبت برفقة السائق الى الجامعه.
-------------------------------------------
كان هناك ينتظرها عند بوابة الجامعة. منذ أسبوع لم تأتي ترى مالسبب؟ لما غابت عن عينيه؟ لقد أشتاق لها كثيرا، تبعها بنظرته حتى نزلت من السيارة وتوجهت الى المدرّج أين تقام المحاضرة. تبعها و دخل معها. لا يهمه ان راته فبعد اسبوع من البعد مستعد أن يتحمل اي شيء منها.
لكنها كالعادة تجاهلته ولم تنظر له بنصف عين.
" سرحان في ايه "
" اه.. لا ولا حاجه !"
" ادم ، مش عليا يا صاحبي "
" قلتلك ولا حاجه ، بطل أسئله دماغي وجعاني من ليلة امبارح "
" طول عمرك باشا هههه"
" الدكتور شرّف ، سمعنا سكاتك"
أكملت محاضرتها ، وبالها مشغول فلم تستوعب كثيرا ما قاله الدكتور المحاضر . لم تكفها مشاكلها في المنزل والان عليها ان تتعامل مع هذا الشخص الذي يتبعها اينما ذهبت و يرمقها بنظرات قد أقلقتها جدا. وسببت لها الشعور بالغثيان.
لم تصدق متى انتهى اليوم الدراسي لتغادر . وتعود الى كابوسها الأصلي.
-------------------------------------------
مشقة العمل تقع على عاتقه، كان قبلا يتقاسمها مع والده وأخيه أما الان فهو يتحمّل المسؤولية التامة.
عليه ان يضاعف مجهوده. عليه أن يدفع نفسه لأخرها كي يضمن التقدم والازدهار لشركته.
وجميل الوافي لا يتركه وشأنه. بل مازال يرسل تهديداته التي لا تنفع . ولازال يقف في وجهه ، وعليه أن يمحيه من وجه الأرض.
لن يسمح أن يذهب تعبه أدراج الرياح.
طرقات على الباب ثم دخلت السكريتيرة
" صباح الخير ، نبيل بيه "
" صباح الخير " ولم يرفع رأسه ، فقط يجيب .
" مراد بيه الله يرحمه كان عامل اتفاقية مع جامعة(...) والخرجين بيعدو فترة التربص عندنا. "
" امم، طيب "
" هما اتصلو النهارده ،وبعد اسبوع كده حيكون ليك اجتماع في الجامعة مع أعضاء الادارة ، "
" تمام. "
التفتت وغادرت كما دخلت.
أما هو فنظر الى الأوراق أمامه وقال
" انا سمعت اسم الجامعه دي قبل كده. "
مرّ الوقت وهو منكب على عمله يحاول استيعاب الجزء الذي كان تحت امرة والده.
تجاوزت الساعة منتصف الليل ، حين قرر أن يغادر الشركة ويتوجه الى بيته.
عاد الى البيت وتوجه الى غرفته ، وحين مرّ من امام بابها سمع صوتها كالعاده ، متى ستكف عن هذا. تجاوز الباب بخطوتين حين سمعها تنادي
" أرجوك سيبني يا نبيل ، أنا عملتلك ايه؟"
رجع بخطواته ، وضع حقيبة ملفاته أرضا وفتح الباب. لما تنادي عليه ؟ ومالذي فعله لها ؟
وجدها على فراشها تحرك رأسها يمنة ويسرة وحبات العرق تزين وجهها. أما ملامحها فهي مرتعدة وخائفه. أراد أن يتقدم اليها . عليها أن تنهض والا ستستمر بالصراخ دون فائده .
تقدم نحوها ، ومدّ يده الى ذراعها التي قابلت لمسته بارتعاشة.
" رشا .. رشا "
توقفت عن الحركة ، حين كان نبيل الوحش ينقض عليها في كابوسها ، انتشلتها لمسة على ذراعها ، فتحت عينيها بصعوبة لتجده هناك ، وكانت صدمتها. تجمدت في مكانها وأحست ان كابوسها تبعها الى أرض الواقع . ابتعدت فورا
" اطلع برا ! انت ايه جابك هنا ! برا ! برا " ....  

أكرهــــــــك - الكاتبه ميريام عريفهWhere stories live. Discover now