03

8.5K 569 108
                                    

كل شيءٍ يستحيل حولي ضبابياً.

لا صوت، سوى صوت خطواتنا على الأرض السوداء.

أدهم يمشي بخطوات متزنة ومتناغمة، وأنا أمشي خلفه بذهن شارد.

انتقامي. الذي ظللت على مدى سنوات، أنميه وأسقيه بالحقد، تبخر خلال دقيقة واحدة.

زفرتُ الهواء من صدري بهدوء مغمضةً عيني.

أخرجتُ كل شيءٍ من رأسي. حتى صوت وقع أقدامنا على الأرض. ثم استحضرت صورهم.

أمي. أبي. إخوتي الثلاثة.. وهم يدافعون عني.

أمي ذات اليد الناعمة. والصوت الذي كانت تهدهدني به عند النوم. تحمل شفرتين بشكل حلقة. تقاتل عني بشراسة ورشاقتها تساعدها على المناورة.

والدي سندي الأكبر. وقدوتي العليا في صغري. المقاتل الأسطوري الذي يشهد الجميع بقوته وخبرته. يحمل ساطوره الضخم. بالجمجمة السوداء المنقوشة عليه. يقاتلهم بقوة وسرعة تميز بها.

إخوتي الثلاثة.

الأكبر. ذو القلب الدافئ والمعطاء. أبي الآخر. يحمل قوسه ويرمي نباله بدقة شديدة وقاتلة.

والأوسط دودة الكتب ومحب العلم. ذو الابتسامة الخجولة والروح الشفافة. يقاتل بسيفين دقيقين.
تساءلتُ دوماً كيف لم يصبهما شرخ أبداً. لكن والدي كان دوماً يخبرني أن دم أخي قوي. فسيفَيه مثله.

وأخيراً الأصغر. ذو الثلاثة عشر عاماً. كان أقرب لي من روحي. روحه مرحة وكأن الطبيعة الغناء تُزهر بداخله. شعره برتقالي لامع كوالده. لا أذكر أنه صففه يوماً. كان يحبه مبعثراً، وكنت أناديه بالمجنون. وكان ينفجر ضاحكاً ثم يركض نحوي لأهرب. لكنه يمسكني كل مرة، ويبدأ بدغدغتي.

أخي المرح اختفى ذاك اليوم. أصبح شخصاً آخر. يقتل بشراسة. وعيناه الخضراوان تنضحان حدة. وبريقاً. اختفى حالما لفظ أنفاسه الأخيرة.
بين ذراعي. ودموعي تغسل دماء وجهه. وسوطه الذي يرتبط بمنجل في طرفه مرمي بجانبه.

وصلتُ إلى حدي في التحمل. الذكريات تغزوني ولا أريد الإنهيار. فاستحضرتُ سريعاً صورة عدوي. أريد أن أزداد حقداً. لن يموت انتقامي بهذه السرعة.

اجتاحني الغضب. لوهلة فقط. ثم اجتاحتني صورته وهو يقف أمامي. يده الخشنة تلامس جلد رقبتي. وعينيه الحادتين والمظلمتين تحدقان بعينيّ. وصوته الجاف يخترق أذني بقوة.

فتحت عيني بسرعة ولهثتُ بحدة وضربات قلبي في تسارع.

تلفتُّ حولي ثم توقفتُ عن السير وأطرافي بدأت بالارتجاف. اتكأت بجسدي على الجدار وانحنيت قليلاً.

||تيتان : فَقْد|| مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن