02

11.1K 779 145
                                    


قاعةٌ أقل ما توصف به أنها هائلة المساحة. ارتفاع سقفها يصل حتى ثلاثين متراً. ومساحتها ليست أقل من أربعمائة متراً مربعاً.

وكل شيءٍ فيها. مظلم. حرفياً.

كل شيءٍ بالأسود.

يتربع بار ذو إضاءة خافتة جداً في الزاوية اليمنى البعيدة، وبجانبه تمتد مكتبة ضخمة على طول الجدار الهائل الأيمن. مكتب أسود لامع في منتصف الجدار مقابل الباب مباشرة، وعلى طرفي الجدار في الأعلى تمثالين لتنينين ذهبيين، عينيهما بلون الدم، أقدامهما مثبتةٌ على الجدار، ثم يتمايل جسديهما -الذي بدا حياً- حتى مقدمة رأسيهما، حيث ينظران للبوابة مباشرة، بتلك العينين الحمراوين كالدماء، فيبدو الأمر مرعباً ومهيباً بحق.

أما أنا فأقف أمام طرف طاولة سوداء. تقبع في الطرف الأيسر من القاعة. منحوت عليها رسمٌ لتنين ذهبي بطولها، وبدلاً من حراشفه استبدلوها بنقوشنا العريقة.

يجلس هو على الطرف الآخر.

عيناه المعتمتان تحدقان بي بثقل.

وصدقاً.. لم أتوقع هذا!

صورتُ له العديد من الصور المرعبة في خيالي طوال  السنوات العشر. ولكن ما أراه أمامي هو أشد رعباً وظلاماً مما تخيلت.

وجهٌ بعظامٍ عريضة وبارزة، لحية تحيط بجانبي وجهه فقط، شعره الأسود والكثيف مسطح بحيث بدت أطرافه بارزة، وحاجبين عريضين يظللان نظرات لم أرَ كمثلهما حدة طوال سنوات عمري القليلة. وكوب زجاجي شفاف -يمسك به بتلاعب مستهتر، يَظهر مشروب قانٍ بوضوح من خلاله.

" ريا "

تحدث. وارتجفتُ داخلياً لنبرته. حادة. شاحبة كالأموات، ومرعبةٌ بحق.

أول معاركي الباردة ضد عدوي الأوحد.

صوت دقات قلبي المتسارعة قد وصله بكل تأكيد -بالرغم من مسافة الإحدى وعشرين متراً بين طرفي الطاولة، لكنني لا يجب أن أخسر حقدي للخوف، ليس الآن على الأقل!

لذا هدأتُّ نفسي من الداخل أولاً، ولم يستغرق هذا أكثر من ثانيتين بعد نطقه لاسمي حتى قابلتُه بنبرة باردة جوفاء " هيلين، اسمي هو هيلين "

ضحكة فاترة قصيرة التقطَتها أذني للوغد الذي نسيتُ وجوده وصاحبه خلفي.

ووضع الآخر كوبه الزجاجي بهدوء على الطاولة، ثم شبك أصابعه واعتدل ينظر لي لثوان شعرت بها دهراً.

" عشر سنوات يا ريا، كبرتِ كثيراً، وبرائتك. اختفت "

نطق كلمته الأخيرة بتلذذ أشعرني بقشعريرة تسري في جسدي. صمتُّ واعتدل هو بظهره لكرسيه يحدق بي بتروٍ شديد. نطق أخيراً " أصبحتِ جميلة. لكننا لم نُربك لجمالك، لقبُكِ العريق احتاج اهتماماً، فكنا نحن الأولى بإعطائه.. "

||تيتان : فَقْد|| مكتملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن