"أصبح لدينا الآن سبب وجيه لندّعى أننا مخطوبان"
تمنت مرسيدس لو تستطيع أن تمحو هذه الكلمات من ذهنها . تمنت لو لم تسمعها أبداً أو على الأقل لو تتمكن من محوها كلياً من ذاكرتها بعد أن سمعتها. لكنها سمعتها ولم يكن بإمكانها أن تنساها.
ما يمكنها أن تفعله هو أن تحاول ألا تفكر فيها و هذا ما صممت على أن تفعله . لعل هذا ضعف منها و هو على الأرجح سخافة منها , وبالتأكيد محاولة للتهرب من المشكلة لكنها الطريقة الوحيدة التى وجدتها لتتمكن من مواجهة الوضع و الحصول على بعض السعادة منه.
لأنها كانت مصممة على اقتناص بعض السعادة .
فبعد أن أدركت أنها وقعت فى حب جايك أرادت ان تقضى معه أكبر قدر ممكن من الوقت....و بأى شروط . لن تطالبه بأن يحبها.....فهى تعلم أن هذا مجرد حلم , أشبه بمحاولة الحصول على القمر. لم تأت أبداً على ذكر الحب أو أى شئ مشابه لكنه على الأقل يشعر برغبة كاسحة نحوها , رغبة لم يتوان عن إظهارها كلما التقيا. وهذه الرغبة ستجعله يتمسك بها حتى يمل من ممانعتها و من القيود المفروضة عليهما.
ويبدو جلياً أنه خطط للبقاء لبعض الوقت . فلأى سبب قال إنه ينبغى عليهما الاستمرار فى خطوبتهما المزعومة؟
ــ لا يمكن ان يكون سبب طلبه هذا الرغبة فى إرضاء والدها , لأنها تعرف جايك تافرنر بما يكفى لتدرك أنه لا يحاول أبداً إرضاء الآخرين إلا إذا كان الأمر يرضيه أيضاً . وإذا كان يرضيه ان يبقى فسيبقى وستخضع هى لرغابته إن كان الخضوع يعنى أن يبقى قربها لأطول فترة ممكنة.
قريباً جداً سيرحل سيعود إلى إنكلترا و قد يرضى باستمرار علاقتهما لفترة و إن من بعد لكنها تعلم أن جايك لن يحتمل علاقة كهذه لفترة طويلة. لا بدد أنه سيتعب منها فيدعيان أنهما يواجهان بعض المشاكل و ينفصلان و ستضطر حينئذٍ إلى مواجهة الألم و الكرب اللذين سيثيرهما فيها فقدانه.
لكنه هنا حتى الساعة.وعليها زهرة منسية أن تحاول الإكتفاء بذلك طالما دام.
علماً أنها فى بعض الأحيان تكاد لا تحتمل فكرة أن كل ما تعتقد عائلتها بوجوده بينهما....أو كل ما ترجوه وتتمناه هى....لا وجود له.
و يوم تحدث جايك عن مسألة الخاتم كان من هذه الأوقات الصعبة التى عاشتها فى صراع مع نفسها .
ففى أحد الأيام و بعد أن أمضيا الصباح يكتشفان برشلونة جلسا ليرتاحا و يرتشفا القهوة فى مقهى صغير,فأقترح عليها جايك :"ربما علينا أن نختار خاتماً"
ــ خاتم؟
للحظات لم تفهم مرسيدس ما عناه فاكتفت بالتحديق إليه من دون ان تفهم ثم عبست لشدة تشوشها.
ــ أى نوع من الخواتم؟
ــ خاتم خطوبة.
رد عليها جايك من دون ان تعكس نبرته أى شعور أو أنفعال , من دون أى إشارة تساعدها فى إيجاد الرد المناسب ثم أضاف :"ماذا تظنين أننا سنختار غير هذا؟"
ــ و لِمَ سأرغب فى خاتم خطوبة؟
لم تستطع أن تمنع نفسها من الكلام فخرجت الكلمات من بين شفتيها دفعتها أفكارها الباطنية إلى النطق بها تلك الأفكار التى لم تجرؤ على تركه يكتشفها . لِمَ يظن أنها سترغب فى خاتم لعلاقة غير موجودة حتى؟
ــ هذا أمر طبيعى بين شخصين مخطوبين .
ــ لكننا لسنا خطيبين عاديين. فى الواقع لسنا حتى مخطوبين....كما تعرف تمام المعرفة.
النظرة التى رمقها بها من تنيك العينين الزرقاوين الباردتين جعلتها ترتجف رغم حرارة النهار.
ــ إنما علينا أن نحافظ على المظاهر إذا ما أردنا أن يصدقوا قصة خطوبتنا
ــ ولِمَ علىّ أن آبه بالحفاظ على المظاهر؟
ــ ظننت أن هذا جل ما يهمك أنت.....و والدك.
جاءت نبرته حادة فيما أصبحت عيناه أبرد من أى وقت مضى.
ــ هذا لأنه يظن أننا.....
خرجت الكلمات متقطعة من حنجرتها الجافة ثم أردفت :"لأنك دفعته إلى الأعتقاد بأننا على علاقة"
ــ ولم تسره أبداً هذه الفكرة.
بدا جايك منهمكاً فى تحريك قهوته إذ راح يحدق فى الفنجان من دون أن يرفع رأسه . لكن مرسيدس شعرت ان أهتمامه مركز على صوتها و على أدنى رد فعل منها .
همس بنبرة ساخرة :"يبدو أنه يظن أنك خذلت العائلة"
ذكرته مرسيدس ببساطة :"هذه اسبانيا و ليس انكلترا . وأبى يعتبر أن الشابة المحترمة لا...لا....."
ــ لا ترمى بنفسها على الرجل لمجرد أن يتعارفا.
ــ أعترضت بحدة :"أنا لم أرمى بنفسى عليك!"
ــ كما لم أرك تقاومينى بشدة أيضاً . وتلك الليلة فى لندن تركت لدى انطباعاً مماثلاًَ أيضاً.
شعرت مرسيدس بوجنتيها تحمران بلون النار و ارتجفت يدها بشدة
بحيث اضطرت إلى أن تعيد فنجانها إلى صحنه خوفاً من أن تريق القهوة على الطاولة الخشبية الملمعة .
ــ لم...لم أكن على طبيعتى.
ــ بل كنت.
رد عليها جايك بحدة و نظرته اللامعة ترتفع إلى وجهها لتعود على الفور إلى فنجان القهوة.
ــ أنا....
حاولت مرسيدس أن تتكلم لكن صوتها خذلها كلياً .....ماذا يمكنها أن تقول؟كيف يمكنها أن تشرح تصرفها فى حين أنها لا تفهمه هى نفسها ؟
لم تكن تفهمه حينذاك على الأقل . أما الآن فأصبحت تفهم ما يحصل لها جيداً. بل كانت فى أولى مراحل الأفتتان...افتتان تحول إلى الخطوة الأولى من تجربة غيرت حياتها.
لقد خطت الخطوات الأولى نحو الوقوع فى حب جايك تافرنر .
لكنها لا تستطيع أن تعترف بذلك لن تعترف بذلك لرجل عرض عليها للتو خاتم خطوبة...خاتم خطوبة زائف....بعدم اهتمام و كأنه يقترح عليها أن تضع حلية صغيرة من منصة بيع فى سوق للقطع الرخصية .
ــ لم أكن أفكر بشكل سوى.
لم تكن تفكر البتة لكنها ليست مستعدم للاعتراف بذلك أبداً .
ــ ألم تكونى تفكرين بشكل سوى أيضاً عندما هربت؟
هذا السؤال الذى شغل باله منذ تلك الليلة . هذا السؤال الذى يحتاج إلى رد عليه حقاً
لم تعجبه فكرة أنه تصرف بفظاظة أو بعدم لباقة و جعلها تفر من المنزل مذعورة لأنه لم يكن يدرك أنها عديمة الخبرة .
رفعذت مرسيدس معلقتها و بدت وكأنها ستضعها فى قهوتها لتنزع الحياة منها.لكنها عادت و بدلت رأيها فجأة فتركتها تسقط فى الصحن محدثة صوتاً حاداً
ــ لا أظن أنى كنت أفكر حينذاك.
لم يكن هذا رداً على تساؤلاته ما أجبره على طرح السؤال الذى أمل أن يتجنبه.
ــ هل أخفتك؟
ــ أخفتنى؟!
ارتفعت العينان البنيتان الكبيرتان لتحدقا إلى وجهه فى إنذهال مصدوم. ذهولها أراحه بعض الشئ لكن صدمتها عذبت ضميره المتعب أصلاً ما جعله يشد يده حول فنجان القهوة حتى أبيضت مفاصل أصابعه.
ــ لا......
دفق الارتياح الذى أحس به و هى تهز رأسها كان أشبه بلطمة على وجهه بحيث أن نظره تشوش للحظة فيما هو يراقب الطريقة التى تأرجح بها شعرها حول كتفيها.
أضافت بشكل غير متوقع :"لقد أخفت نفسى"
ــ ماذا؟
كان هذا آخر ما توقعه وقد شوشه أكثر فأكثر.
ــ أخفت نفسى...لأنى تورطت كلياً و وقعت فى الفخ بقدمىّ الأثنتين.
و تنهدت بخفة عندما رأته يعبس.
ــ هذا مربك و مخجل . أنت تعرف ماضى أبى....و كيف أن لى أخاً و شقيقين.
ــ و لـ رامون و أليكس والدتان مختلفتان.
كافح جايك ليحافظ على نبرة صوت عادية لا تعكس أى شعور: الوقت غير مناسب الآن لكى يعلمها أنه يعرف عن وضع عائلتها أكثر مما تدرك. ربما إذا لعب أوراقه بشكل صحيح فقد لا تعرف أبداً. ما الهدف من إفساد الأمور بإخبارها الآن؟ لا بد أنها ستتركه و ترحل إذا ما فعل
YOU ARE READING
الإنتقام الأخير - روايات احلام
Romanceالملخص لم يرد جايك تافرنر امرأة كما أراد مرسيدس ألكولار . لذا عندما نبذته بطريقة مؤلمة طالبته كبرياؤه المجروحة بالانتقام ـ ما الذى تريده تحديداً منى ؟ هذه المرة لم يتمكن جايك من كبح ابتسامته . فارتسمت على وجهه ابتسامة واسعة ماكرة ـ آه , مرسيدس ! ألم...