٤

640 98 220
                                    

لا أحب التنويه عن أشياء كهذه في الرواية لكنكم لاتقرؤون بشكل جيد.

عندما أعطى مسلم الكتاب لصاحب المكتبة ذكرت انه 《أعاد صاحب المكتبة الكتاب...》
قلت أعاده
أعاده
أعاده
لم أقل سرقه

العاقل يفهم
والسلام :)

-----

أحَسَ بطنين في أذنيه، وألم في معدته، إضافة لحبات عرق، تتسارع لملئ وجهه، تنزلق قليلا على بشرته، ثم تتسارع ثانية للسقوط عنه. بدأ يتحرك في سريره يمنة ويسرة، يخفق قلبه باستمرار، وأصبح نفسه يسخن شيئا فشيئا. تكور على نفسه، فازداد صوت الطنين حتى نهض فزعا من مرقده.

التفت حوله فوجد نفسه على ظهر 《ملاخ هِمافيت》 وهي تتخذ من عرض البحر مسارا لها. مازالت أنفاسه غير مستقرة، وكأن رأسه توقف عن التفكير.
مر بلحظة من الفراغ، قُطعت، عندما فُتح باب أمامه، يؤدي إلى قلب السفينة.

قام من فراشه، وهو يمشي، ليدخل إلى الباب، الذي قاده لممر طويل.
ما إن خطى بقدميه -داخل الممر- حتى أُغلق الباب خلفه.

أحس بقضبة تشد على قلبه، فبلع ريقه، ثم استدار واستمر في سيره.
كان الممر طويلا جدا، حتى يصعب رؤية نهايته، وكأنه يقود لنهاية العالم، كأنه يقود إلى حيث يبدأ كل شيء وينتهي. لم يرى أي باب أو ممر على الجانبين. كان طريقا واحدا فقط.

أكملت قدماه المسير، حتى رأى مرآة على أحد الجانبين، توقف قليلا، وظل يمعن النظر في انعكاسه عليها. كان وجهه لايوحي بشيء: عيون مفتوحة، غير ذابلة، كأنها تعود لشخص آخر في هذا العالم، وليست للذي أسقطته الحمى قبل قليل، وهو لايكاد يستطيع النظر حتى. كان شكله يوحي كمن يذهب إلى العمل كل صباح، أو كالذي يشرب قهوة الظهيرة، أو من يجلس على العشاء رفقة عائلته في كل ليلة، وهو يشاركهم الحديث. كان انعاكسه يوحي لأي شخص يعيش في هذا العالم غيره هو.

فجأة، وهو لايزال مركزا في شكله، كأن المرآة بدأت تعيد تشكيل الصورة، شيئا فشيئا، حتى ظهر انعكاسه كمقدمة 《ملاخ همافيت》 وهي تبحر في الظلام.
كان الشراع مستقيما، وحادا كالسيف، وكلما تقدمت، صار البحر الهادئ خلفها هائجا متلاطما.

انتقلت الصورة لقلب السفينة فأصبح المشهد كأنه أبطأ قليلا فراحت تصور ممرات السفينة المتهالكة بخشبها الرديء، وأبواب الغرف على جانبيها.
كان قد لاحظ أن الخشب يبدو متآكلا والبقع الزيتية رآها تتناثر في كل مكان مخلفة شكلا قذرا ورائحة أسوء كاد يحس بها من مكانه خارج المرآة.

استمرت الصورة تتقدم داخل السفينة، واستمر هو ينتبه بكل حواسه مشدودا لما يراه.
حتى سمع لغط كلام، ازداد شيئا فشيئا، ليصبح واضحا أن شخصا يكرر توسلاته ويطلب الغفران، كان الصوت يزداد باقتراب المرآة، وقلب مسلم كاد يلتحف بدمه المتجمد.
علا الصوت، عندما التفتت المرآة لممر جانبي، فصار الحوار أكثر وضوحا لرجل كبير السن خرج صوته متحشرجا من بين طيات حباله وهو يقول:

-لن أعيدها، أقسم لك لن أفعل، لقد ضللت فسامحني، لقد ضللت، سامحني أرجوك.

ارتفع صوت التوسلات، وهي تمتزج بالبكاء، للرجل، ولآخرين كانوا معه. توسعت عين مسلم، ودفع وجهه للأمام حتى يرى مصدر الصوت.
كان كل شيء يتكرر بشكل مخيف.

-أتوسل إليك، أرجوك أن تتركهم، أرجوك أن تتركهم.

عاد الصرير ثانية، بدأ يزداد ليشق طبلة أذنه، تكسرت المرآة وتوزعت شظاياها، ابتلعته أرضية الممر، حتى يستيقظ من سريره والهلع قد ركبه من كل جانب ليشاهد مريام في غرفته بعيون قلقة، وهي تطمئنه:

-لقد كان كابوسا يامسلم، استرح، يبدو أنك ترهق نفسك على الشاطئ كثيرا.

ناولته كأسا من الماء، فأجاب بصوت خافت:

-هي الحمى فقط.

تلمسته، نقلت يدها من جبهته لرقبته، ثم قالت:

-لكنك لاتشكو من الحمى!

أوقف يده قبل أن يشرب كأس الماء، نظر في وجه مريام وكأنه يستشعر جسده ليتأكد.
لم يكن يعاني من الحمى!
كان جسده لايشكو من شيء تماما.

طال الصمت، وطالت نظراتها تتصفحه حتى قال:

-يبدو أنني أهلوس حقا.

-عليك أن تتوقف عن إجهاد نفسك، فالسفن والبحر لن تبتلعهم الأرض...

ملاخ همافيتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن