الفصل الخامس عشر

9K 278 28
                                    

أيام العمل المرهقة نفسياً وبدنياً أصبحت بعد غياب هيام أكثر إرهاقاً ، تعلم أنها لم تتخلى عنها في أصعب أوقات حياتها بإرادتها ، لم تختفي عن عالمها الخاص الذي لم تشاركها مخاوفها حوله يوماً الا إرضاءاً لزوجها الذي طلب منها تقديم إستقالتها مؤخراً ، ولكنها تحتاجها الآن ، تحتاج لنصيحة الأخت التي لم تمتلكها يوماً ، تحتاج لأذن تسمع، قلب يحنو، وعقل يبحث عن حلول عجزت عن الوصول اليها، تعلم أن غيرتها غير مبررة ولكنها ببساطة لا تستطيع التوقف، لم تجرب لوعة الحب يوماً من قبل، لم تخشى فقد الحبيب والأهل والسكن الا عندما أحبته ، لطالما سمعت أن الحب لعنة على أصحابه الا ان المرء لا يعرف قدر معاناة العاشق قبل أن يدركها بنفسه ، وها هي قد أحبت، بل ذابت عشقاً في رجل ليس ككل الرجال، رجل معطاء لم يبخسها يوماً قدرها حتى بعد أن علم بمأساتها، رجل أشعرها بأنوثتها و كما أغدق عليها برجولته، وان كانت الرجولة موقف فماذا تقول عن رجل المواقف الأول والوحيد في حياتها ، رجلاً كلما مرت الأيام معه لا تزدها سوى تشبثاً به ، رجلاً لم يعد باستطاعته اخفاء انزعاجه من تصرفاتها المبالغ بها في أغلب الأوقات، رجلاً تحلم بأن تحمل نطفته علها تكون لها ضماناً لعهد غير منطوق بالبقاء ، أدمعت عينيها وهي تشعر بتلك القبضة الباردة تعتصر خافقها قبل أن تستغفر في سرها وهي تقف عن مقعدها وهي تحمل الملف الذي أنتهت من مراجعته لتتوجه نحو غرفة الإجتماعات ، توقفت فجأة عندما لمحت بطل أفكارها الأوحد يحتل المقعد المواجه لمكتب شقيقته وعلى وجهه تظهر جلية علامات الإنزعاج ، تحمحمت وهي تطرق على الباب المفتوح ليلتفت لها كل من وليد و ماهي ، ملامحه غير مقروئة بينما ملامح شقيقته لم تستطيع اخفاء ارتباكها للحظة قبل أن ترسم ابتسامة ودود وهي تقف عن مقعدها قائلة بينما تشير للملف المتوسد يدها ،،،،،

- " ده ملف المناقصة ؟ "

أومأت درة دون كلمات فاتسعت ابتسامة ماهي وهي تلتف حول مكتبها متناولة بينما تمد يدها لتتناوله وهي تقول ،،،،

- " هدخله لمستر سيف وأجيلك ، أقعدي و استنيني "

ثم ربتت على كتفها وهي تتحرك نحو غرفة الإجتماعات ، تاركة لها على وقفتها ، لا تدري ماذا عليها أن تفعل ، هل تلقي عليه التحية ، هل تتصرف بعفوية وكأن جدالهما الصباحي بسبب تلك التي كانت تحادثه صباحاً في حافلة الشركة لم يكن من الأساس ، زفرت بخفوت وهي تتحرك لداخل الغرفة قبل أن تجلس على المقعد المواجه له ، تتابع بعينان تنضحان حزناً ملامحه القريبة، عيناه كانت تدوران في الغرفة حوله بصمت مطبق قبل أن تتوقفان فجأة عليها ، تأسران عينيها ، لوم، عتاب، حزن، وعشق خالص تنطق به نظراته دون كلمات ، تحادثان خاصتها بصمت لا يفهمه سواهما، وكما الصمت في حرم الجمال جمال ، فالصمت في محراب العاشقين لغة خاصة بذاتها لا تعبر عنها المفردات ، عادت ماهي للغرفة من جديد ، تنقل بصرها بينهما ولمحة من الحزن اجتاحت مقلتيها قبل أن تمحوها بسرعة وكأنها لم تكن وهي تقول بينما تعاود الجلوس على مقعدها ،،،،،

فراشات مبتورة الأجنحة ( الجزء الرابع من سلسلة ألحان حوائية )Where stories live. Discover now