الفصل الأول

9.4K 173 14
                                    


تحركت سيارتها في طريقها لبلدتها القديمة؛ بلدة لم تشهد طفولتها ولكن شهدت أول صرخة خرجت من فاهها يوم مولدها... اخترقت السيارة ظلام الليل، مصباحها الأمامي كشعاع الشمس الذهبية يملأ الكون بضوءه كذلك هو حالها مع طريقها للجنوب مُضاء بشعاع أمل بإن تصل قبيل فوات الأوان...

بجوارها يجلس شاب يصغرها بعدة أعوام يعبث بهاتفه بملامح جامدة تكاد تقترب من البرودة كأن ما هُم مقبلون عليه لا يعنيه بشيء... تعالت شهقات سيدة تحمل ملامح هادئة بعيناها العسليتان، مازالت تحتفظ برونق شبابها حتى بعدما تخطت منتصف عقدها الخامس بأعوام... صوت بكاءها يتزايد بألم تُلقي بنفسها داخل أحضان فتاة لم تتخطِ سوى أعوام مراهقتها تحمل ملامح تقترب من سائقة السيارة فكلتاهما ذات أعين ذهبية تحمل بريقًا كضوء القمر في ليلةٍ مُعتمة وتلك الشامة الصغيرة أعلى شفتاهما اتفقتا عند مولد كلاً منهما أن تحصل عليها الفتاتان كوالدتها تمامًا...
صاحت الفتاة الكبرى بنزق وهي تتمسك جيدًا بالمقود :

- ماما أرجوكي أهدي كل حاجة هتكون كويسة بإذن الله.

ردت عليها بصوت متحشرج أثر البكاء :

- خايفة منلحقش.. لو ملحقتش أشوفه هعيش طول عمري في ندم يا عهد.

ربتت الصغيرة على كتفها وهي ترسم بسمة مُطمئنة :

- هنلحق إن شاء الله يا ماما ده فاضل ساعتين ونوصل متقلقيش، ريحي نفسك شوية.

نظرت عهد عليهما من المرآة الأمامية لترسل بسمة مُشجعة لأختها الصغرى وهي تحتوي والدتها، حركت عيناها قليلًا لتلمح أخاها الصغير وهو يحادث أصدقائه على أحد مواقع التواصل الأجتماعية بعدما انهى وقته في القيادة ليُلقي لأخته مهمة الوصول بهم لباقي الطريق, زفرت بضيق وهي تُحيد بعيناها تتابع قيادتها من جديد...
يمتلك ملامح رجولية حادة تتشابه مع والده ولكن تفكيره وطريقة حياته لا تتشابه مع أي منهما بشيء؛ حركت رأسها بيأس وهي تتطلع أمامها فقط ما يشغل فكرها الآن هو أن تصل قبل أن يتآكلها الندم هي ووالدتها.

_ _ _ _ _

ارتفعت صيحات النساء الملتشحات بالأسود في تلك اللحظة وهي تندفع للمنزل تصيح بغضب فيهن بأن يصمتن وخلفها تدلف عهد وصغيرتها الأخرى؛ تجلسن نساء العائلة ببهو المنزل يبكين على ما أصاب كبيرهم حتى وإن لم يحدث شيء فعليًا ولكن صيحاتهم ترتفع وتستمر قبل إصابة البلاء...

توقفت صياحاتهن بعدما استمعن لصوتها الهادر علت الدهشة ملامحهن بعضهن تنظر بإستنكار والبعض الأخر بعدم تصديق؛ فبعد سنوات اقتربت من العقدان يستمعن لصوتها من جديد وهي تقف أمامهن بشموخٍ كما كانت قديمًا :

- بكفياكوا ولولة الكبير زين.. كل واحدة تحط لسانها جوه خشمها.

اقتربت منها امرأة تطالعها بدهشة وهي تفترس ملامحها كانت حدقتاها تهتزان بذهول ترمقها بصمت مُميت لم تتوقع أن تأتي بعد مهاتفتها لها فهي منذ سنوات لم تخط قدميها تراب البلدة, صاحت بغضب وهي تنظر لتلك المرأة التي تبدو بنفس عمرها ولكن ملامحها تظهر أكبر من الحزن وعيناها حمرواتان كلون الدماء القاتم؛ تحدثت بهدوء لا يخلو من بعض الاهتزازات القلقة :

ماضي مُقيد بالحب Where stories live. Discover now