الفصل الخامس

11.2K 260 4
                                    

دخل مصعب إلى منزله الكئيب وهو يكاد لا يسمع همساً فيه ، تماماً كما اعتاد خلال الأسبوعين المنصرمين ، هل مر على زواجه أربعة عشرة يوماً ؟؟ وتلك القطة المتوحشة مختبئة يكاد لا يراها بعد حاثة الغداء في منزل عائلته وما تلاه ليلاً عند عودته ، يراها من بعيد أو من قريب دون ان يكترث أي منهما بالآخر .. حالة من الصمت والهدوء تلفهما! ركود تام كما يحب هو ! 
أحياناً يلمحها في الحديقة أو قرب بركة السباحة ، لكنه لا يكترث برؤية ما تفعله ، ليس لديه الوقت ولا القلب ولا القابلية ولا الاندفاعية للاهتمام بأحد ، هو ينجو بنفسه ويثبت وجوده في هذا العالم بقوة ، لا يريد من أحد أن يهتم به ولا يريد بدوره أن يهتم بأحد ! يكفيه أنه رجل أعمال و بورصة يقام له ويقعد في البنوك وفي غرفة التجارة ، عدا ذلك لا يهتم .. يحب النجاح والتفوق وهذا ما يثبت نفسه من خلاله ! 
سمع صوت ضجة مكتومة قادمة من الطابق السفلي ، ارتفع حاجباه تعجباً ، من تراه دنس عالمه الخاص ؟! نادى بصوت عالٍ : 
- أم سعيد ! 
ما من مجيب ، الصمت يلتف من حوله وصوت المحركات المكتوم مازال يعمل في الأسفل ، توجه إلى غرفة المكتب حيث الحاسوب المتصل بكاميرات القصر بأجمعه ، أمر آخر تعلمه من إهمال والديه ، هناك أمور لا أخلاقية قد تحدث بين الخدم ومحاولات تحرش حتى بالأطفال تحدث خلف الكواليس ومن وراء الستار ، ما جعله ينشر أجهزة المراقبة في زوايا منزله بأكمله .. ماعدا دورات المياه ومنافعها .. يؤمن بالخصوصية أحياناً !! 
حرك الشاشة حتى وصل إلى الكاميرا المطلوبة ليفاجئ بما رآه ، توقع ذلك لكن أن تشغل الخدم معها وهن يفرقع ضاحكات ومصطهجات بسيدتهم اللطيفة فهذا مالا يقبله .. شدّ على أسنانه بغيظ قبل أن يمشي بحزم و إصرار كصقر يكاد أن يحط على فريسته ، هبط السلالم بخفة الأسد ووقف بباب غرفته الرياضية الشاسعة والمجهزة على أحدث طراز ، كان على وشك أن يزأر بهن جميعاً عندما رأى حرمه المصون بملابسها الرياضية الضيقة المكونة من سروال قصير حتى الركبتين و كنزة رياضية بلا أكمام وشعرها مرفوع كذيل الحصان ، ممتدة على الأرض في وضعية تمارين الضغط النسائية وإحدى الخادمات وصلت في عدها إلى المرة الخامسة والثلاثين بينما الأخرى تنظر إلى مؤقت هاتفها و ام سعيد من خلفهم تضرب كفاً بالأخرى وهي تحوقل وتقول : 
- لا حول ولا قوة إلا بالله .. ولكم تحركوا على شغلكم إذا إجى سيد مصعب رح يقتلنا كلنا ! 
جاء الرد من تلك الماسة المنهكة وهي مازالت تمارس تمرينها الرياضي بصوت مخنوق يدل على مدى إجهادها وهي تقول : 
- خلص خلصت أم سعيد كلها تمريني..ين .. الحق علي .. بسل.. بسلي.. كم 
فرقع صوته غاضباً مزمجراً وهو يهتف بكلمة واحدة : 
- ماسة ! 
الانتفاضة التي دبت في ثلاثة أجسام وهن يلتفتن إليه كلٌّ لا تعرف أين تخفي نفسها منه ، لا تعد شيئاً أمام اهتزاز ذراعي زوجته من الرعب قبل أن يخنّها ويتوقفن عن حملها لتسقط على وجهها مباشرة فوق الأرضية المطاطية ، لم يحرك ساكناً وهو يسمع أنينها المكتوم قبل أن يراها ترفع نفسها من جديد كي تقف بصعوبة ويدها تبحث عن منشفتها الصغيرة كي تجفف وجهها وعنقها و صدرها وعينا مصعب تتابعان تحركاتها ، وهي تقترب منه وتقول بينما تنهت تعباً : 
- والله هم ما إلهم .. دخل .. أنا .. انا .. إلي ناديتهم ! 
لم تتزحزح عيناه عنها وهو ينظر إليها وكأن محجريه بيت للرصاص، ودون أن يلتفت لأي من خادمته قال بهدوء : 
- كل وحدة فيكم على شغلها ! 
ضاقت عيناه قليلاً وهو يتأمل وجهها المرعوب والذي كانت تحاول جاهدة أن تخفي عنه إمارات الخوف والارتباك والتحلي ببعض الشجاعة ، مزيج لذيذ كان يراقبه باستخفاف حتى رأى خطاً أحمراً دقيقاً يتسرب من أحد منخريها ، ضم حاجباه بتركيز قبل أن يقول بهدوء : 
- روحي غسلي وجهك وتعالي بدي أحكي معك ! 



سلسلة النشامى/الجزء الثاني/أسيرتي في قفص من ذهب  Место, где живут истории. Откройте их для себя