الفصل الثالث عشر

11.8K 260 4
                                    

يحوم ويحوم وغضبه يتزايد مع كل لحظة انتظار ، لو أن أرضية البهو مغطاة بسجادة بدل الرخام الفاخر لربما تآكلت من كثرة مشيه فوقها جيئة وذهاباً ، غادرت قرابة الساعة السابعة مساءً وكأنها تمنحه الخلوة المطلوبة له ولزائرته ، وهاهي توشك الساعة على إتمام الحادية عشرة ولم تعد إلى المنزل بعد ، هاتفها خارج نطاق التغطية وهو يوشك أن يدق عنقها بيديه المجردتين إن لم يكن لديها عذر لغيابها المتعمّد! 
تنفس الصعداء بينما تنتفخ أوداجه ترقباً لموجة الصراخ التي يعتزم بثها إياها وهو يسمع خطواتها على درجات المدخل ، فتح الباب قبل أن تصله يدها الممتدة نحوه ، وقف أمامها كالطود بينما كانت ملتفتة خلفها تلوح لأحد ما تحركت سيارته قبل أن يرى من بداخلها ، اصطدمت به ما جعلها تلتفت نحوه متفاجئة من وقوفه المتصلب أمامها ويبدو كمرجل وصل لدرجة الغليان منذ دقائق عديدة ، ازدردت ريقها خوفاً رغماً عنها وتهيأت لذلك الصوت الجهوري الذي أطلقه بغضب شديد : 
- في ست محترمة بترجع على بيتها الساعة 11 بالليل ؟! وبدون ما يعرف زوجها مكانها ؟؟!! 
تأملت غضبه المتصاعد ، كانت تعتزم أن تطالبه بتعريف للاحترام وهو يحضر النساء إلى منزلهما الزوجي ؟ لكنها رأت أن الأمر لن يحتمل أي خطأ منها .. حاولت أن تتجاوزه وهي تجيب بهدوء : 
- إنت ما كنت فاضي عشان أخبرك إني طالعة .. كنت بغرفة مكتبك ومسكر الباب عليك ومانع حد يقاطعك !! 
تذكر ما طالب به خادمته كي يستفز ماسة علها تداهمه غاضبة إلى الغرفة فترى أن زائرته ما هي إلا إحدى عميلاته السابقات ، لكنها بدلاً من ذلك تجنبه كالمرض وغادرت المنزل . استعاد غضبه قوته الدافعة من جديد وهو يقبض على مرفقيها معاً وقد أوشك أن يحطمهما وهو يزمجر أمام وجهها تماماً : 
- فاضي ولا مش فاضي طلعة من باب هالبيت بدون إذن مافي .. مااااشي ! 
شعرت أن خصلات شعرها تحركت من شدة صوته ، أغمضت عينيها تأبى الانصياع لذلك الضعف الذي بدأ يسيطر على أحاسيسها ، لذلك الخوف الذي يأبى أن يتركها ، كانت عاجزة تماماً عن إيجاد ما تتكلم به دون أن تثير غضيه أكثر ، هزها مرة أخرى وهو يسألها بذات الغضب : 
- وين كنت ؟! 
ازدردت ريقها وقالت كاذبة وهي لا تعرف ما الذي قد يفعله إن عرف أين كانت : 
- عند أهلي ! 
هذه المرة نفضها مبعداً إياها عنه حتى سقطت أمامه جالسة على وركها وهو يصرخ بجنون : 
- وكمان كذابة !! 
هجم عليها يمسكها من ذراع واحدة حتى وقفت وهي تشعر بالذهول مما يمر بها ، بل بالرعب مما قد يفعله ، هل سيضربها ؟! لا تفعل يا مصعب أرجوك ، لا تحطمني . قبض بيده الأخرى على شعرها وهو ينظر في عينيها وهمس بوحشية أمام وجهها حتى رأت ذلك المصعب الجنوني الذي كانه في منزل عائلته : 
- بتعرفي إيش أوسخ إشي بالدنيا بنظري ؟؟!! 
كانت عيناها متسعتان إلى درجة بدأت معها تشعر بجفاف حدقتيها من شدة الخوف ليكمل بهمس أكثر توحشاً : 
- الخيانة .. الخيانة بدم بارد .. وبتعرفي شو أول درجات الخيانة و أول علاماتها ؟؟! 
حركت رأسها برعب علامة النفي وهي تشعر بالفضول كي تعرف شيئاً مما يفكر به هذا الإنسان المعقد الذي تعلق مصيرها بمصيره فأجابها بكلمة واحدة وكأنه يبصقها بصقاً : 
- الكذب ! 
شعرت بالرعب وهي تستشعر ما يتهمها به ، لكنه نفض يديه منها و كأنها وباء يخشى على نفسه خطر الإصابة به وهو يكمل : 
- لما تبلش المرة تكذب زوجها معناتها بلشت تتواسخ وتلعب من ورى ظهره .. والعكس صحيح .. عشان هيك أنا عمري ما كذبت .. حتى لما بدها تيجيني وحدة عالبيت ما كذبت عليك بغض النظر عن طبيعة زيارتها كنت واضح معك .. وطلعت أنضف منك ! 
عند هذه اللحظة انفجرت بالبكاء وهي تقترب منه وتقول : 
- حرام عليك لا تحكي عني هيك .. أنا .. أنا يا مصعب بتتهمني بالخيانة ؟؟!! ليش شو عملتلك ؟؟! عشان طلعت مشوار ما حكيتلك عنه ؟!! 
قبض على ذقنها بغضب شديد وهو يقول : 
- عشانك كذبتي علي ! 
دفعها عنه بعد حديثه وهو يتجاوزها كي تلحق به متوسلة وهي تقول : 
- كنت بحضر لمشروع مع أختي وكم وحدة من صاحباتها .. 
لم يلتفت إليها ، وكأن كلماتها المتأخرة جداً لن تصلح ما أفسدته بتصرفها المتهور و إجابتها السابقة التي تخلو من الصدق ، صعد السلالم أمامها و كأنها غير موجودة لتسمع صوت إغلاقه لباب غرفته بقمة الهدوء و كأنه يطردها من حياته .. وهذا ما كان ! 







سلسلة النشامى/الجزء الثاني/أسيرتي في قفص من ذهب  Where stories live. Discover now