١٥- غريق العشق

182 5 0
                                    

كلما ممرنا بمواقف عديدة تتسع أمامنا الأفق .. نري أشياء لم نكن لنراها من قبل .. ربما لأننا غفلنا عنها دون قصد أو بقصد ..
لا يهم كيف غفلنا عنها الأهم هل سنظل نغفل عنها ؟
هل سنظل نتحاشي النظر لما هو يمد يده عونا لنا ؟ ..
أبمقدورنا التوقف و الأبتعاد ركضا لجهات أخري ؟؟! ..
هل يمكننا خوض مخاطرة جديدة ربما تفشل و ربما تنجح ؟ ..
الأمر مرهق و التفكير أيضًا مرهق ..
و هي أرهقت وهي تفكر .. تلاحظ
هو متغير .. ليس كما ينبغي أن يكون ..لا يبتسم ببلاهه كالسابق ، بل أبتسامته مدروسة و لديها حدود .. و نبرته أصبحت أكثر دفئا
حتي عيناه ترمقها طيلة الوقت و تراقبها و كأنها ستهرب إلي مكان ما ..
وحديثه المعسول يتزايد و كأنها طفلة يهدهدها والدها ببعض الحديث الرقيق ...
لكنها سعيدة .. يكفي أنه لم يسأل ! .. و لم يخبر أحد
يحتفظ بنوبة ضعفها لنفسه .. الآن تأكدت من أن الصداقة تكمن بأصدقاء معدودين وربما هو الصديق الأوحد ..
فهنيئا لكِ يا حبيبه لقد ظفرتي بصديق يجعلكِ ملكة علي عرش الصداقة ..
و يلبي النداء دون كلل و ملل ..
جلست بغرفتها تصنع ذلك التصميم الجديد .. عادت شذي تطلب منها المزيد من الملابس و هي لن تعارض .. فصديقتها القابعة بجوارها تحترق بنار الغيرة و تتحدث طيلة الوقت عن مدي غيرتها .. بينما هي واقعة في ذكري رقصتهم معًا ..
تذكرت حين دعاها للرقص هنا من فترة كانت تصمم مثل تلك الملابس .. تذكرت ضحكته و مناوشته لها ..
فأبتسمت ..
رمقتها شذي بغيظ مكتوم لتصيح فيها :
- أنا عمالة بأكل في نفسي و أنتي بتضحكي ؟
تنهدت وهي تلقي بذكراها من رأسها لتنظر لتلك البائسة و تهتف بحزم :
- لو بيحبك مكنش جابها
ازدردت غصتها المريرة وهي تخفض رأسها بحزن جلّي لتهمس بضعف :
- ما أنا عارفة
اطلقت حبيبه تنهيدة ثانية و هي تري مدي تأثير الحب من طرف واحد علي صديقتها .. هي تعلم أنه يقتل و لكنها لم تري مرة مثالا حيًا ..
وها هي الآن تنظر للمثال بأعين حزينة .. فمن ناحية هي صديقتها و تتمني لها السعادة و من ناحية أخري طارق صديقها و لن تتمني له الشر إن عاد لحبيبته القديمه و لا تستطيع جعله يحب صديقتها ..
حاولت تخفيف حدة الأمر علي شذي لتهتف بأبتسامة :
- أو ممكن يكون مش بيحبها ! ..
رفعت شذي عيناها بأمل حاولت التشبث به فأكملت حبيبه :
- يعني طارق بيكرها بقاله كتير .. مش أول ما ترجع هيجري يحبها ! .. قدامك فرصة تخليه يحبك ..
حبيبه حديثها منطقي نوعًا ما .... فهي تتمني ألا يحب تلك الجميلة هادئة الملامح و برغم أنها هي أفضل من تلك الخائنة.. لكنه يومًا ما أحب الخائنة و هي لا ..
فتحدثت بقلة حيلة :
- بس أنا أعمل إيه ؟
دلف حازم في تلك اللحظة دون حديث مسبق و جلس بجانب شذي و هو يخرج هاتفه ليجري بعض العمل فيه ولم تلقي له الفتاتين بالا و كأنه مشهور بدخوله الصامت دائمًا
غمزت لها حبيبه بأبتسامه ماكرة :
- يا شوشو .. يعني حبيتين غيرة علي حبيتين كبرياء .. كدا يعني
ضحك حازم و هو يستمع للحديث و رفع نظره لحبيبته مستنكرًا تفكيرها :
- يعني هي هتوقعه في حبها ولا هتبعده عنها ؟
هزت حبيبه رأسها بيأس وهي تعود لعملها :
- والله أنت ما بتفهم ..
تنهدت شذي بضيق من مزاحهما سويًا غير عابئين بحزنها فصاحت بهما :
- أنا مش بهزر ..
ابتسم حازم لها وهو ينظر لشذي و يحاول حل الموضوع :
- يا أمي ، طارق دماغه أسهل من العك ده كله .. سيبك من حبيبه و تخطيتها دي مطفشة نص العرسان اللي بيجوا عشانها .. هتفعك أنتي ؟
اغتاظت حبيبه بينما انفلت ابتسامة من ثغر شذي فهو محق .. ممن تأخذ النصيحة ؟ فحبيبه تكاد تكون أفشلهم في العلاقات العاطفية ..
قذفته حبيبه بأحد الأقلام غاضبة ليتحاشاها سريعًا ضاحكًا :
- طب بذمتك بكدب ؟
رمقته بغيظ و تمتمت :
- و الله أنت رخم ..
صاحت بهما و هي تعود لعملها متذمرة :
- أنا غلطانة إني بفكر معاكوا .. أولعوا
ضحك مقهقهًا من تذمرها الطفولي الذي يعشقه فأنفرج من ثغرها أبتسامة صغيرة حاولت إخفاءها خلف تذمرها ..
بينما أبتسمت شذي بلطف لتلك الصداقة الجامعه بينهما .. فمهما حدث فحبيبه تنطلق كطفلة صغيرة كلما تحادثت مع حازم ..
أو ربما هو من يجعل الطفلة الكامنة بداخلها تلتمس أصابع النور بكلماته ..
استأذنت شذي متعللة بعملها لتصرف تفكيرها عن طارق و ما يحيط به :
- طب أنا هكمل شغلي باي ..
و قبل أن ترحل التفتت لحبيبه معتذرة :
- سوري يا بيبا عشان تعباي معاايا
ابتسمت لها حبيبه ومازحتها :
- عادي يا روحي هو أنا بستفاد منكوا غير في التعب
ضحكت شذي و اعتذرت ثانيًا لدعابات حبيبه المتوارية خلف صلابتها :
- سوري ..
و تركتهم بمفردهم ليتنهز الفرصة كعادته و يلتقط لها صورًا وهي تعمل بل و هناك أبتسامة دافئة تعلو ثغرها ..
أستمعت لصوت كاميرا الهاتف فتذمرت دون رفع نظرها عن الاوراق :
- حازم ! .. بطل تصورني !!
و عاندها كعادته و أبتسامة تعلو ثغره :
- تؤ تؤ ..
زفرت بأستسلام فهو سيمل بمفرده و يكف عن التقاط الصور .. رغم أن ملله سيأتي بعد نصف ساعة .. ففكل مرة يصورها يلتقط لها كل حركة و باتت تعتاد علي الأمر .. لكنها ستنتظر أن ينتهي و تقوم بأزالة الصور كعادتها من هاتفه الذي من المؤكد تعرف كلمة المرور الخاصة به ..
فهما بالسابق تبادلا كلمات المرور كنوع من الصداقة و حرية اللعب بهواتف بعضهما كما تفعل هي مع بلقيس تمامًا ..
تذكرت أن حالة والدته الصحية ليست علي ما يرام هذه الفترة فسألته بقلق :
- صحيح .. طنط عاملة إيه ؟
أومأ برأسه و هو يتنهد و كأنه تذكر لترتسم ملامح الحزن عليه :
- الحمد لله .. روحنا للدكتور و قال الضغط كان عالي شوية مع مجهود البيت فتعبت
- إن شاء الله تخف بسرعة
- يا رب ..
عاتبته بنبرة صادقة :
- و أنت ليه مش بتساعدها ؟ .. يعني يرضيك تفضل تغسل و تنضف لوحدها ؟ ..
تذمر بحنق :
- إيه يا جدعان ؟ .. انتوا محسسني أكني بجلدها في البيت ؟ .. دي أمي .. أنا أكيد بساعدها علي قد ما أقدر .. و كذا مرة أقولها نجيب حد يساعدها في غيابي و ترفض ...
هدل كتفيه بحزن و قلة حيلة لتنخفض نبرته :
- أعمل إيه تاني ؟
شعرت أن هناك خطب ما به .. الأمر ليس مرض الضغط فقط .. يبدو أن هناك ما يخفيه عنها ..
تركت الأوراق و عملها لتنهض و تقترب منه جالسه علي الآريكة و تنتشله من تفكيره بتربيته بسيطة علي الكتف متسأله بأهتمام :
- مالك ؟
رفع عينيه لها و كأنه ضائع .. لا يملك ملجئ .. عيناه مشتته
ربتت مرة أخري علي كتفه تحثه علي الحديث :
- مالك يا حازم ؟ .. إيه اللي مشقلب حالك بقالك كام يوم ؟
لسانه ملجوم .. و بذات الوقت يريد أن يخرج ما تعتليه نفسه .. هو لا يستطيع الحديث مع طارق لأنشغاله الجديد مع فرع أخر للفندق ..
ولا يجد من يشكو له سواها .. ولكن !
لا يريد أن يجعلها تحزن معه .. فليكفيه حزنه بمفرده .. ويكفيها ما يحزنها ولا ترغب بمشاركته معه ..
كررت السؤال للمرة الثالثة فأجاب بتقرير متحاشيًا الأجابة :
- مفيش ..
صممت بعِناد :
- لا في .. انت مش طبيعي بقالك يومين و أنا ساكته .. قولت عادي يمكن أرهاق شغل .. بس شكل الموضوع أكبر من كدا
زفر بحنق و هو يبتعد عن يدها التي كانت تربت علي كتفه :
- خلاص بقي يا حبيبه مش عايز أتكلم !
تفاجئت من رد فعله .. توقعته سيقص لها ما يخبيه بمكنونه ..
أول مرة يصيح بها حتي و إن كانت صيحة خفيفة محذره ..
لكنها لن تلبي تحذيره .. ستصر و سيخبرها ما به
- مش عشان قولتك مش هحكي تقوم عامل زيي ؟ .. كل واحد ظروفه مختلفة و أنا أتعودت أسكت و أنت عارف ده كويس .. لكن ...
نظرت له بغضب و هي تطالع هيئته الحزينة :
- لكن أنت لا .. أنت مش متعود تخبي .. و باين عليك .. و أنا عارفة أن في حاجة مضايقاك .. يا تقول يا هتصل بطنط اسألها بنفسي
يعلم أنها لا تهدده فقط .. فهي مندفعة و ستفعل كل شيئ حتي و إن عارض الحدود
فزفر بضيق و هو يعاود الجلوس و يشبك أصابع يده ببعضها ناظرًا لنقطة بما في الأرض ..
و يخيم الصمت عليهم ..
هي تنظر له تنتظر أجابه و هو ينظر أرضًا محاولا أخراج الخوف من عقله ليزفر بعد مدة قبل أن يهمس بنبرة أستمعت لها جيدًا :
- ماما جالها كانسر !
و مع كلمته الأخيرة رفع عينيه لها .. لتري الضياع بأكمله ، ربما شردت لذكري وفاة والده و هو يبكي كطفل بجانبها ..
ألتمست الخوف بعيناه و نظراته تلك كالقديمة حين فقد السند !
صدمتها لا تقل .. فوالدته بمثابة والدتها كثيرًا ما كانت تهدهدها كأبنها تمامًا ! ..
تجمعت الدموع بمقلتيها و خرجت بهدوء ..
و تتابع نظراته المتوسلة لها بألا تبكي فهو لا يتحمل المزيد ..
أمسكت يداه المتشابكة معًا بقوة و هي تنظر له مباشرة هامسه :
- كل حاجة هتكون كويسة ...
تنهد و هو يمنع تلك الدموع التي تهاجمه ليجفل جفناه بيأس و كأن النجاة مستحيلة :
- المرض في حالة متأخرة
قضمت شفتيها بصدمة أكبر .. ظنت أن الأمر يمكن علاجة .. و الآن يبدو أنه مستحيل .. بل سيكون العلاج في هذه الفترة مؤلم لها لا أكثر ..
فتح عينيه ناظرًا لها بسخرية مقاومًا الدموع :
- أم حازم هتروح مني يا حبيبه !
هزت رأسها تنفي ما يقول .. لن تدعها تتركه يجب أن يبحثو عن حل .. حتي لو كلف الأمر السفر بها ستفعل لأجله و لأجل والدته الدافئة
يداها لم تترك يده بل زادت ضغط مؤكده :
- هتتعالج .. هنروح في كل حته .. حتي لو هنسافر .. بس هي هتخف متخافش .. أنا مش هسكت و...
قاطع حديثها بحقيقة لا يمكن تزينها ولا مواساتها ليهتف بنبرة مهزومة :
- ورم في المخ .. متأخر ، يعني مفيش أمل ، الدكتور بنفسه قالي كدا ..
تيقنت من عدم النجاة .. فلم يعد أمامها سبيلا ، و كل ما بجب فعله الآن مراعاة والدته جيدًا حتي و إن ستفعل ذلك بنفسها ..
وجدته يصارع دموعه بقوة .. فدق قلبها ألمًا هي تعلم ألم حبس الدموع .. و ألمه لا يضاهي ألم فهو هلي مشارف فقد الأم و السند الوحيد ..
ربما بدعواتها المستمرة له هو يعيش فهي تعلم مدي حب حازم لوالدته و تعلقه بها ..
نهضت مقتربة منه لتقف بجانبه و تضم رأسه إليها فترك نفسه ينعم بلمساتها علي شعره متمتمة ببعض كلمات مبهمة ألتقط منهم :
- أنا مش هسيبك ...
شعر بحاجة للدموع .. يجب أن يبكي و عيناه تحرمان عليه البكاء
و لكن مع تربيتتها علي كتفه بحنو وجدت دموعه الطريق لوجنتاه ..
فبكي كطفل .. ذلك الموقف يتكرر ثانيًا ، حين فقد والده كانت حبيبه من أستشعرت حاجته للدموع فضمته بلا تردد لينفجر بعدها في نوبة بكاء و هي تربت علي كتفه و شعره وتخبره أنها لن تتركه ، و كلماتها التي رددتها الآن رددتها سابقًا فعلم أنها النهاية ..
و علم أن والدته علي مشارف الموت و لن يتنعم بأحضانها مرة أخري .. ما بينهما هما شهرين لا أكثر كما أخبره الطبيب و بعدها سيفقدها لأبد الدهر ..
أي عقل يتحمل فقدان من كانت الأم و الأب و الأخوة ! ..
هي كل شيئ و لن يتحمل فقدها .. الفكرة لا يمكن أن يتحملها عقل
تمزق قلبها ألمًا علي ذلك الصديق الناحب بين يديها ، فبخيالها يتكرر الموقف ..
و كم تكره نفسها لأنها بكل مرة تشهد ضعفه أو تدفعه للبكاء .. هي من تضغط عليه حتي ينفجر باكيًا مخرجا ما يؤرقه .. و تندم بعدها لأنها جعلت أيكونة الضحك المستمر يضعف ..
شهقاته علي فقدان والدته تجعلها تتألم أكثر من اللازم .. لما الأمر لم يكن مؤلمًا هكذا حين فقد والده ؟ و قتها كانت هي صلبة و تستمع لشهقاته بروتينية و تواسية فقط ..
ما الذي أختلف الآن ؟ .. ربما لأنها متعلقة بوالدته الحنونة ؟
بكت معه هذه المرة بصمت .. دموعها تخرج و توقفت كلماتها عن الخروج من شفاهها ..
فقط فلتتركه يُخرج ذلك الألم بداخله و يبكي
مرّ الوقت وهو يبكي و قلبها يزداد ألمًا فلم تعد تتحمل حزنه ..
أبتعدت عنه لتجثو علي ركبتيها أمامه نظرت له وهي تزيل دموعه بأناملها
لتهتف بنبرة متحمسة رغم أن الموقف لا يسمح :
- أنا هفضل جمبها .. مش هسيبها خالص ..
توسلته رغم أن دموعها لم تجف علي وجنتيها :
- بس كفاية متضايقش نفسك أكتر من كدا .. هي محتاجاك قوي جمبها
تأمل نظراتها الخائفة عليه .. ورغم أن الموقف لا يتحمل أي مشاعر لكنه شعر بالراحة لكون أنها هنا .. فبعد رحيل الأم سيكون لديه هي بحنانها المخصص و المختلف ..
رفع يده يمسح علي شعرها ممتنا و يتمتم بخفوت :
- ربنا ما يحرمني منك ..
و نبرته كانت صادقة حتي جعلتها متوترة بسبب نظراته المختلفة لها ولكنهت أبتسمت له بعفوية وهي تزيل دموعها :
- متخافش أنا أعدة علي قلبك طول حياتي
أبتسم وهو يمسح مقدمة أنفه بيده و يردد بداخله
" أتمني ألا ترحلي مثلهم "
نهضت وهي تسحب يده لينهض :
- قوم .. ورانا شغل كتير لازم يخلص عشان نلحق مامتك
سحبته نحو دورة المياة لتدفعه ليدخل :
- اغسل وشك بسرعة و أنا هستناك عند طارق ..
اغلقت الباب دون أن تنتظر منه أجابه لتتنهد بحزن وهي تحاول إخراجه من حزنه كما يفعل معها ..
لتلملم الأوراق علي الطاولة و تتجه نحو الخارج و هي تعلم جيدًا أنه سينخرط بنوبة بكاء جديدة بمفرده .. فأرادت ترك المساحة له حتي يفرغ كل طاقته السلبية التي يجب أن تتجنبها والدته ..
أجرت مكالمة بسيطة لشقيق مي "زياد" فهي تعلم أنه طبيب و أي كان هو تخصصه فسيفيدها في كيفية التعامل مع والدة صديقها علي الأقل ..
و حددت معه موعد لتراه و معها الأشعة الخاصة بعد أن تأخدها من حازم .. فربما هناك منفذ و مساعدة تقدمها لهم
...............................................................
تهادينا الحياة أحيانا بما لم يخطر علي بالنا يومًا ..
تأتي بالعطاء من حيث لا نحتسب .. و كأن الله يجبر بخواطر الجميع صاببًا فوقها ماء بارد ينعش القلوب ..
نخطئ و ذلك وارد فنحن بني البشر .. و العطايا تأتي معاكسة لأخطائنا
و ربما تنشئ العطايا بداخلنا أمل جديدًا لحياة ظنناها ستتوقف ..
و نتفاجئ بنطفة أمل تنمو بهدوء مثير للأهتمام ..
فإن منحك الله الهدية لا تبخل .. خذ ما أمكنك أخذه فربما تلك الراحة التي جاء وقت مناشدتها ..
وهو أبتسم .. ربما القدر هذه المرة يدبر ببراعة ..
تفاجئ من ظهور ملائكي لها بثوب شاحب نوعًا ما ..
و خالي من بطنها المتتفخه ، فللتو نهضت من ولادتها المتعثرة لتمكث علي فراش المشفي وحبات العرق و الأرهاق تغرق وجهها الملائكي و بجانبها طفلين أنتظرهما بشوق ..
أقترب خطوة .. أثنان و بيد مرتعشة لامس يدها الموضوعه بجانبها
سعادته تجعله غير مصدق .. و أخيرًا سينال صفة أب
تشابكت أصابعهما و عيناه تتجه نحو الطفلين بجانب الفراش ..
كلاهما يملكان نعومة والدتهما ، نعومة أحبها ولازال يحبها ..
و يبدو أنها ستتوارث في أبنائه ليغرق عاشقا بالزوجة و الحبيبه أكثر ..
أبتسمت لأبتسامته و فرحته .. تراقب ارتجاف يده بيدها و يده الأخري تلتمس وجنتي الصغيرين .. تتأمل خوفه من مستقبل يجهله و سعادته بوجود سند جديد له ..
قاطع لحظتهما ضحكات نوح الساخرة خلفهم و هو العائلة يراقبان ما يفعله زوج الأبنة :
- إيه يا ياسين هتفضل مصدوم كدا كتير ؟
أبتسمت أمل بوهن وهي ترمق زوجها بحنان :
- فرحان يا ياسين ؟
أبتسم ببلاهه وهو يطالعها :
- فرحان بس ؟ .. أنا حاسس إني بطير
أبتسم الجميع و ربتت زينات علي كتفه بحنان :
- ربنا يفرحك بيهم يا أبني و يتربوا في عزك ..
تمتم خلفها بخفوت :
- آمين
وكزه نوح بقدمه ليستفيق من تلك الحالة الغريبة من الأبتسام :
- أنت هتفضل متنح ! .. ما تشيلهم !!
نهض تاركًا يد زوجته و تحرك نحوهم ببطء وكأنه يصور الدقائق الآتية ليحتفظ بها في مخيلته ..
أقتربت زينات تحمل واحدًا تلو الأخر لتضعه علي ذراعيه فيشعر هو برقة جسد الصغيرين ليرتجف قلبه سعادة ...
سعادة لم يشعر بها من قبل .. ربما للموقف رهبة و لكنها ممتعة
قبل جبين كل منهما بحب و آذن بالصلاة في الأذن اليمني للأول و أقامها في الآذن اليسري بصوت رخيم و كرر عملته في الأخر ..
رفع عينيه يطالع صديقه و يقترب منه خطوتين ليهتف غير مصدق :
- أنا بقيت بابا يا نوح ؟
أبتسم له نوح و هو يري أخيرًا سعادته .. فمنذ سنوات كان يعاني في جلسات تأخر أنجابهما لطفل و ظل يتعلق بأمل رغم كونها لا تنجب ...
ليفاجئه الله بهدية مقابل صبره ..
هز نوح رأسه وهو يتقدم ليطبع قبلة حانية علي جبين الطفلين و يتحسس أصابعهما اللذان وصلا للنور منذ مدة ..
يذكره اليوم بولادة شقيقته أمل و أبنة شقيقه ليليان ..
شهد منذ سنوات تضاهي عمره ولادة صغيرته الأولي أمل و منذ عدة سنوات أخري أبنته الثانية ليليان و الآن التؤامين ..
أبنائه الجُدد ..
نظر لهما بشوق .. وكأنه كان يطوق لوجودهم كأبيهما تمامًا ..
و بدون قصد منه خانته عبراته لتفر واحدة من جانب عيناه ..
وتلاحظها الحبيبه لتنصدم .. أحبيبها يبكي الآن ؟ ..
تعلم عشقه للأطفال .. لكن أيبكي لوجود أثنين لا ينتموا له ؟
أبتسمت بشجن وهي تراه يزيل تلك الدمعة الهاربة و يعاود تقبيل يد الطفلين ليهمس لهما :
- عيالي زادوا أتنين
أبتسم ياسين لما سمع و رمقه بحزن لم يظهره .. يعلم كيف يضحي نوح لتحيا العائلة بهدوء ..
حتي لو تضحيته تأخر من تمتعه بالحياة .. حتي لو لم يتزوج فعليا ولم ينجب أطفال ملائكيين كأطفاله .. هو يكتفي بوجود صغار أشقائه بجانبه و كأنهم أبنائه بالفعل بالأضافة إلي مدللته الأولي أمل
تحرك نوح مبتعدًا نحو شقيقته لينثني ويقبل جبينها مباركًا للبشائر الجديدة ..
وهامسًا بشجن مسيطر عليه :
- كبرتي يا أمل
تعلقت عيناها به بسعادة و بدون قصدها خرجت دموعها فمسحهم بأنامله ..
لتتناول كف يده و تقبله بحنان .. فهو كان الأخ و الأم و الأب حتي بوجود حسام و أبيها و عمتها كان نوح في المقام الأول بلا تنافس ..
لحق كف يده و لم يجعلها تقبله بل ألتقطته شفتاه و قبل كف يدها بحنان و ماسحًا علي شعرها :
- ربنا ما يحرمني منك أبدًا
تابعت بلقيس المواقف المتعددة لتكتشف نوح جديد .. شخص حنون لا تعلم متي ظهر بشخصيته .. شخص منذ أيام أحتضنها و متعها بحنوه حتي لو كان حنو خفي ..
و الآن تناشد حنوه و مشاعره تاجه شقيقته و أبنائها .. هو مزيج غريب بين رجل عاش حياته بدائرة أنتقام و شر ووكر أفاعي و رجل بداخله حنان الدنيا بأكملها ..
و الصورة أكتملت حين ضم حسام شقيقته و قبلها والدها العجوز فخورًا بها لكونها تغلبت علي هواجسها و أستطاعت أنجاب طفلين سيحملان جزء من قلبه كما فعلت ليليان ..
تذمرت ليليان وهي تراهم جميعًا يلتفون حول أمل و أبنائها اللذان وضعهما ياسين بين يديها :
- كلكم كدا حبيتوا الbabys، و أنا لا ؟
أبتسموا سويًا و قبل ان يتحرك نوح نحو طفلته المشاكسه سبقته بلقيس وهي ترفعها من الأرض لتكن بين يديها و تقبلها علي وجنتها بشغب :
- يا لي لي أنتي أحسن بنوته بالعالم كله
أبتسمت ليليان بسعادة وهي تري أنها لازالت مميزة ..
و يوازي أبتسامتها أبتسامة خفية تعلو ثغره و هو يراها تهتم بمن يحبها ..
يحب علاقتها بصغيرته حتي لو لم تكن صغيرته ..
يراقب ملامحها التي تنكمش مداعبة أنف ليليان لتنطلق ضحكة عابثه من الطفلة تملأ الأرجاء صخب مفضل ..
أشارت ليليان نحو نوح محذره بطفولة :
- لو حبيتهم أكتر مني لي لي هتزعل منك
ضحك و قرر أستغلال فرصته .. علي أي حال بلقيس زوجته المدللة أمام الجميع فعليه أنتهاز فرصته ..
أقترب منهما ليمنح بلقيس نظرات لامعه .. نظرات تاهت فيها بدوامة حبه
طبع قبلة علي وجنتة طفلته و نظراته معلقة ببلقيس :
- و هو أنا أقدر أحب حد أكتر منك ؟
حديثه مخجل علي قدر ما هو بريئ .. يقصد الطفلة بالظاهر و بالخفاء يقصد الحبيبه التي توردت وجنتاها خجل بعدما حاولت جاهدة الأ تتأثر بحديثه العابث ..
مد يده يجمل الطفلة من يدي بلقيس و بقصدٍ منه لامس أناملها ليرتعد جسدها ..
نظرت له بذهول من حركته ولكنه لم يلقي لها بالا و أنشغل بحديثه العبثي مع الطفلة ..
و تاهت هي في نظراته الخاطفة لها طوال اليوم ..
نظراته تطالعها بعشق صريح و تصرفاته لا توضح شيئ ..
و هي ضائعه حائرة ..
ففي الصباح كان صلب كعادته دائما .. يتحدث بأستخفاف و لا يظهر أي حب .. و يلقي الأوامر هنا و هناك و كأنه لم يكن ليحتضنها منذ يومين ..
و بعد أن حادثهم ياسين - لضرورة حضورهم للمشفي لحضور ولادة أمل المفاجئه - و هي تراه شخص جديد تحتار في تصنيف شخصيته منذ بداية قلقه علي شقيقته و القلق علي فقدانها حتي فرحته بالنظر للطفلين ..
و أنتهاء اليوم بتلميحات مبطنه لها بمدي حبه و مغازلتها أمام عائلته بلا خجل كما يعتاد دائمًا ....
و الآن تراقبه يجلس جوارها بالسيارة خلف المقود و هو شارد
يقود بهدوء و راحة تظهر علي ملامحه ..
تريد أن تضع حدود لعلاقتهما سويًا .. تريد تفسير لما يهاجمها من مشاعر و ما تراه بعينيه أحيانا ..
ليهاجمها عقلها بفكرة تخنقها
" الفراق هو المصير بلا رجعه "
نكست رأسها مؤيده عقلها تلك المرة .. هو لا يتحرك ولا يخبرها أنه يحبها
فقذ صك ملكيته عليها و أكتفي ..
وهذا لا يُرضي العقل و تسألاته الملحة ..
بادر هو بالحديث ينتشلها من أفكارها :
- عارفة ؟
رفعت عيناها له لتراقبه وهو ينظر للطريق و لازال شارد ربما سيقص موقف ما فأنتظرته يكمل بعد أن ظهر علي ثغره أبتسامه صغيره بشجن :
- جميلة كانت هتفرح أوي
الآن عرفت فيما كان شارد .. هو يشتاق للأم
أبتسمت و اومأت برأسها :
- أكيد .. ربنا يرحمها
نظر لها وعيناه ألتمعت بفكرة جديدة .. ربما هما بحاجة لها ، هو يريد قربها و سيفعل ..
ليقترح بتأهب :
- إيه رأيك ننزل بيروت ؟
تهللت أساريرها فهي تمنت زيارتها مرة أخري و همّت أن توافق لكنها توقفت ..
تجمدت ملامحها و هي تستمع بأذنها لهمس معتز الخفي
"بحبك"
" أنتي مش واثقة فيا يا بلقيس ؟"
و ياليتها لم توافقة و لم تثق .. هاجمتها ذكرياتها مع من ظنته حبيبًا يومًا ..
و بدون إرادة منها تحسيت علي قلادته التي تطوق رقبتها .. تلك الشمس الصغيرة التي أهداها إياها
" أنتي الشمس اللي منورة حياتي "
أي شمس تحدث عنها .. و أي حياة ؟
هو دمرها .. دمر أحلام وردية رسمتها بخيال فتاة تلتمس النور للحياة .. فتاة عاشت تفني حياتها لموهبة تحبها و فجااءة يظهر الفارس المغوار العاشق ليقدم لها حبًا أخرجها من شرنقتها لتصتدم بواقع مرير ..
واقع لم تكن تعلم بوجوده رغم تقاربها علي سن الثلاثين ..
الفراق و خيانة الوعد .. بل أيضًا التلاعب تحت بند المصلحة !
لاحظ صمتها و عدم إيبداء رأيها .. فخطف نظرة سريعة قبل أن يعود للقيادة
ليجدها تتحس تلك القلادة .. لم يفهم لماذا بين فترات و أخري تلتمس تلك القلادة .. ربما تذكرها بذكري ما .. و كل مرة يلاحظ أن وجهها يصبح عابس ..
حاول سؤالها عن رأيها منتشلها مرة أخري من أفكارها :
- إيه رأيك ؟
أزدردت ريقها بصعوبة و تبعد يدها عن قلادتها لتهتف بجمود :
- مش عايزة أروح ..
بقسوة قررت عدم دخول البلدة التي شهدت علي أقوي الضربات لها
لم يفهم رفضها لماذا رفضت ؟
منذ دقائق كانت ستهتف بسعادة أي هيا بنا و فجاءة تملكها الوجوم
تعلقت أنظاره بتلك القلادة .. فما يزعجها بكل مرة يتعلق بتلك ..
فباتت تزعجه القلادة كما تزعجها
...................................................
مشاعر الحب و الخوف ربما هما نقيضان بشكل مستتر ..
فالحب يتبعه ثقة و بمنظورًا أخر يمكن أن يتبعه خوف
خوف من فقدان من تحب .. خوف من بداية حياة جديدة لا تشمل من تحب ..
حب لا ينخرط في صورة و إطار العاشقين فقط ..
فالحب يشمل الأهل و الأشقاء ..
وجهات الحب مختلفة .. و المسمي النهائي حب
ألتقط كف يدها يقبله مبتسمًا رغم قلقه فهي زوجته ..
واليوم يوم زفافه و الشقيقه لم تأتي .. ينتظر دخولها من الباب الكبير للقاعة
فمنذ رحيلها بقرار نهائي للستقلال بمفردها هي والدتها وهو يطوق لها شوقا .. يتمني أن يطمئن عليها و هي ترفض
و سبيله الوحيد زوجة أبيه "زهرة" ووالدتها التي تخبره عن أحوالهما و أنهما بخير ..
وهو قرر أن يبكر من موعد زفافه حتي يدعوها و تأتي لينعم برفقتها قليلا
لكن يبدو أنها لن تأتي ..
أنتشلته رقيه من تفكيره لتهمس :
- زياد !
أنتبه لها فأبتسمت بشجن لتمسح علي كف يده المحيط بكفها مطمئنه إياه :
- هتيجي متخافش
أبتسم لها ووضع يده الأخري فوق يدها و كأنه يمتد بالطاقة من خلال دعمها المستمر له ..
و علي بُعد أمتار كانت هي هناك .. تراقب الموقف و تبتسم
تستشعر سعادته بين يدي زوجة رقيقة كزوجته رقيه
تراقب صعودهما سويًا علي المنصة للرقص المنفرد تحت أنغام هادئة
ليتخلي زياد عن قلقه و ينعم بلمس يدي حبيبته بحب ..
عيناه تفيض عشقا .. فها هي الحبيبه التي سافر و عاد وجدها تنتظره ..
كان مراهق غر .. يحبها و تحبه وقبل سفره وعدها أنه سيعود لأجلها ..
صنع نفسه وعاد ، عاد رجلٌ تعتمد عليه ليطلب يدها لتكن ملكته المتوجه
رقيقة كأسمها ، عيناها تشبعانه حب و عيناه هو تفيض بالكثير ..
فهمس لها بأشتياق و كأن المراهق عاد يتحدث :
- بحبك
أبتسمت بخجل وتتورد وجنتاها بخجل لم يختفي تحت مساحيل التجميل و إن كانت خفيفه ...
تعلقت أنظارها به و عيناها تنطقان بما لا يبوح به لسانها ..
وهو تفهم و أبتسم .. أبتسم لخجل تركه منذ سنين وعاد وجده كما كان
خجلها منه لتزال حيًا ينبض كأن السنوات التي بينهم لم تتمثل إلا في سراب ..
عقد خطبته عليها شهر واحد فليس عليه بالتعرف علي تلك الرقيقة التي تقاسمه الخُب ..
و الآن وقع في بئر حبها ولا يظن بأنه سيقاوم ويخرج منه يومًا ..
" هنيئا لكي يا رقيه لقد نلتِ أشد الرجال حنانا و حبًا "
تلك كانت جملة مي وهي تراقب من بعيد رقصتهما و تتمني السعادة لشقيق لم يمنحها حق الوجود بجانبه ..
شقيق رحل مع والدته الأفعي الكُبرا متخلي عن كونها شقيقته ليهتم بدراسة ما سيفعله بمستقبله غير عابئ للمسكينة التي بحاجة له في أكثر الأوقات صعوبة ...
لمعت عيني مي بالدموع و هي تتذكر كيف كانت تحتاجه بجانبها ..
كانت تريد حنانه و تربيتته المهونة ..
مرض والدها و تخليها عن حُلم الألتحاق بالجامعة و أحتياجهم للمال مما أضطرها للعمل و الألتحاق بمعهد لا قيمة له في نظرها حتي لا يطلق عليها أنها بلا تعليم ..
تتذكر كيف كانت تنتقل من عمل لأخر .. تتوسل ذلك و ذاك لتعمل و توفر ما يحتاجه المنزل و توفر لعلاج والدها بينما هو كان يصنع حياته المهنية و يصنع أسمًا كبير له متناسيًا طفلة صغيرة حتي بعد نضوجها تنتظر عودته ..
تنهدت بضيق وهي تقرر الذهاب .... أتت فقط لتراه سعيد بعدما أخبرتها زهرة والدتها أن شقيقها لم يكن يعلم بما يعانو .. و كانت والدته مها ترسم له صورًا وردية عن حياة عائلته و أقنعتها أنه لم يكن ليقصر لو علم بحاجتهم له ..
لتنهي القصة بكلمات جعلتها تأتي لتري أخيها مرة أخري
" أبوكي اللي كان مش عايزه ينزل مصر .. كان عايزة يصنع لنفسه مكان برا مصر عشان يوم ما أبوكي يموت تلاقي سند و ضهر قوي تتسندي عليه ... سامحي أبوكي و أخوكي يا بنتي .. الأتنين كانوا بحبوكي .. و أخوكي حقه تكوني جمبه يوم فرحة "
أتت و لم تسامح .. لن تسامحه علي ألم قلبها ووحدتها
أتت لتري سعادته و ترحل .. لتري تلك الحياة التي هي خارجها
تحركت قدماها للخلف و قبل أن تلتفت لتذهب أصطدمت بأحدهما فالتفتت مسرعة تعتذر :
- أنا أسفة ... أسفة جدًا
لم تنظر له و هي تلقي نظرة علي قدمها تتأكد من عدم أنكسار كعب حذائها العالي
أبتسم الأخير وهو ينظر لقدماها قبل أن يرفع نظره لها متمتمًا :
- ولا يهمك ..
لجم لسانه و قطع كلماته حين هتفت صغيرته بسعادة :
- بابي دي صاحبة سو !
عقدت مي حاجبيها بتعجب و رفعت نظرها لتتلاقي بأعين ليليان و تصدم فماذا أتي بالصغيرة هنا ؟
ابتسمت ليليان وهي تنظر لها بشغف و تتسأل :
- أنتي مي صح ؟
أبتسمت مي بهدوء وهي تري تلك الصغيرة تتذكرها جيدًا فجثت علي ركبتيها لتكن في مستواها :
- صح .. أنتي لسه فكراني ؟
هزت رأسها بالإيجاب :
- سو بتفضل تحكيلي عنك كتير
أبتسمت مي و مسحت علي شعر الطفلة في حين تذكرها حسام ..
فتلك هي الفتاة التي كانت بالمشفي تبكي و القدر فجائه بأنها صديقة زوجة أخيه ..
و الآن بزفاف صديقه ؟ ...
أعتدلت و أبتسمت بهدوء لتسأله :
- حضرتك أخو نوح ؟
هز رأسه بالإجاب و مد يده لمصافحتها فبادلته المصافحه :
- حسام الدمنهوري
ابتسمت و هزت رأسها لتسحب يدها من يده :
- أتشرفت بمعرفة حضرتك .. و سوري لو خبطت فيك بالغلط
أتسعت أبتسامته :
- ولا يهمك
استأدنت منه لتذهب بتهذيب و أبتسامة هادئه حاولت رسمها
تابعها بنظره و هي تسير بخطوات ثابته ..
خطواتها واثقة إلي حد ما ..
ببساطة لفتت نظره بلون شعرها البُني !
أفاق من شروده علي صوت صديقه زياد وهو يقترب منه مهللا :
- أهلا أهلا .. البشمهندس أخيرًا
ضحك حسام وهو ينظر له ليقترب منه و يحتضمه مباركًا له :
- مبروك يا دووك .. والله و هنرتاح منك
ضحك زياد وهو يبادله العناق :
- وهو أنا لحقت أفضل معاك عشان تبقي فرحان تخلص مني !
أبتعدا عن بعضهما و يهز حسام رأسه مؤكدًا :
- اه مبقالكش كتير نازل مصر .. بس ده مجازًا للمستقبل يا دوك
ضحك زياد وهما يتقدمان :
- طب بطل غلاسه و تعالي أعرفك علي رقيه
أبتسم حسام و بيده أبنته ليهتف بحماس :
- أخيرًا هشوف اللي كانت مدوخاك و أنت صغير و فالق دماغي بيها
ضحك زياد ولكزه بمزاح :
- لم نفسك
تقدما تجاه العروس ليبتسم زياد :
- أعرفك البشمهندس حسام الدمنهوري صاحب عمري
أبتسمت رقيه بخجل و هي تومئ برأسها :
- تشرفنا ..
أبتسم حسام وهو يرمق صديقه بنظرة جانبيه خاطفه :
- والله أنا اللي أتشرفت .. أنتي مش متخيلة زياد كان بيحبك أزاي أربعة و عشرين ساعة قارفني .. حتي بعد سفره كان بيفضل يكلمني عنك
زاد خجلها و أبتسامتها وهي تنظر لزوجها الذي لكز حسام معاتبًا :
- خلاص يا هندسة مش كدا
تعالت ضحكات الثلاثة وسط سعادة رقيه التي شعرت بالفخر كون حبيبها كان متيمًا بها إلي تلك الدرجة ..
ليتأكد حدثها و أن خطوتها علي الموافقة للزواج به كانت خطوة جيدة ..
.........................................................
"لمَّ ترهقين أجنحتكِ في سماءٍ تضيقُ عليها ؟! "
_ حنان سعيد _
لديكِ أجنحة .. لكِ حق التحلق حيثما تشاءِ ووقتما تشاءِ ..
حلقِ بأجنحتكِ حتي لو كانت مبتورة ..
حلقِ لأخر رمق ..
لكن ليس لديكِ حق التحليق بسماء ضيقه ..
أجنحتكِ يجب أن تظهر ترفرف بسماءٍ شاسعه تتحملها ..
و كلما حلقتِ بأجنحتكِ عاليًا كلما كانت سماؤكِ أوسع
و هي حلقت .. فردت أجنحتها بشغف و بأمل حتي تحلق خارج شرنقتها ..
شرنقة حبست نفسها فيها سنتين و أكثر ..
و الآن حان التقدم .. ولا يهم من سيتقدم ..
الأهم كيف !
و هي قررت .. ستفصح عن مشاعرها بنفسها ..
ستحلق عاليًا في سمائه الأكثر أتساعًا ..
حتي لو كانت سماؤه مليئه بالعقبات ..
لا يهم .. عليها أثبات أنها تحبه مهما كلفها الأمر
تقدمت خطوة ..
أثنين ..
وقبل الثالثة وقفت ، الصوت من خلفها يصدح بنداء بسيط :
- شذي !
التفتت نصف التفاته لتطالع ذلك الأحمد يقترب منها و يقف أمامها ..
حاجبًا رؤيتها عن حبيبها و فتاته السابقة التي تقف بجانبه و يضحكان سويًا
حاولت النظر من خلف أكتاف أحمد ولكنه كان عريض المنكبين فلم تستطع ..
زفرت بحنق و سألته بجمود :
- نعم يا أحمد ؟
أبتسم بودٍ و سألها :
- بلقيس عاملة إيه ؟
أستدركت أنه هنا لأجل حبيبته .. و ضميرها يدفعها بألا تجاوب عليه فمن يسأل عنها - بأستمرار- زوجة و لديها حياة خاصة
بينما قلبها رق لحالته فهو عاشق مثلها .. عليها أن تطمئنه علي معشوقته فتنهدت بهدوء لتجيبه بإيمائه بسيطة :
- كويسة متقلقش
تنهد براحة و كأنه كان ينتظر الأجابة :
- الحمد لله
توتر بحرج مفتعل قبل أن يسأل :
- أحم .. هو أنا ممكن أطلب منك طلب ؟
نظرت له قليلا و هي لا تفهم لمّ توتر هكذا فأجابته :
- أه أتفضل
تصنع التوتر و الحرج :
- يعني .. ممكن تخليني أقابلها علي أنفراد النهاردة ؟
قضبت جبينها بتفاجئ لتردد خلفه :
- تقابلها علي أنفراد ؟
أستدرك خطئه المقصود و هتف سريعًا :
- لالا .. متفهمنيش غلط .. أنا بس محتاج أتكلم معاها شوية في كام حاجة كدا و مش بعرف أقعد معاها بسبب الشغل و التدريب ..
نظرت له بتوجس و معالم الرفض ظاهره علي وجهها :
- بس ميصحش و ..
هتف سريعًا مقاطعًا لها :
- متخافيش .. أنا هكلمها في موضوع شخصي .. و طبعًا هلتزم حدودي
و أخفض نبرته بحزن مبتكر :
- و في يوم من الأيام كانت حبيبتي !
شعرت بمدي صدقه فزفرت بضيق و هي تومئ برأسها مستسلمة :
- حاضر يا أحمد ..
فرفع عينيه بأمل و سعادة :
- بجد ؟
اومأت برأسها مؤكدة .. لكنها أوقفته محذره :
- بس من غير تجاوز حدود ! .. أنا بس بعمل كدا عشان حاسه بيك مش أكتر ..
هز رأسه مؤكدًا حديثها و هو يتناول كف يدها يلطبع قبلة علي ظهره شاكرًا :
- طبعًا .. بجد شكرًا ليكي
أبتسمت بخجل من حركته الأرستقراطية فهي تراه شابًا متواضع و يعرف ما هي حدود المرأة في المدح و الشكر ..
تابعته بنظرها وهو ينصرف مبتسمًا و كأنه فاز باليناصيب و هي أيضًا أبتسمت فبطريقة ما ستجعل عاشق يطمئن علي معشوقته التي لم تصبح ملكه
وغفلت عن تلك الأعين التي راقبت الموقف بنظرات مشتعلة ..
أعتذر من الواقفة بجانبه وهو يقاطع ضحكاتها لتمتد خطوته نحوها بغضب و عيناه تشعان نارًا محرقة
و قف أمامها ليهاجمها بنبرة غليظة :
- شذي !
أنتفض جسدها وهي تلتفت لتنظر لذلك الحبيب الغاضب أمامها فأنعقد حابيها بدهشة من غضبه و تحاول سريعًا تذكر هل اخطأت اليوم بالعمل أم لا لتنال ذلك الغضب و تلك النظرة المخيفة
ضمت كتفيها لأسفل و سألته بنبرة أشبه بالهمس :
- نعم ؟
أقترب منه خطوة .. أثنين و كان بينهما مسافة معقولة و لا تسمح لأحد غيرهما بسماع ما سيقول ليصيح بها بنبرة غاضبة و لكن في حدود وقفتهم :
- سي زفت بيبوس إيدك بناءًا علي إيه ؟
فغر ثغرها دهشة ..
هي ظنت أن غضبه لأنها اخطأت بعملا ما ..
لم تتوقع أنه سيقول شيئ كهذا ! ..
و مع دهشتها أكمل بغضب :
- ملاحظ أنه بقاله فترة بيقرب منك .. ممكن تديني تفسير للي بيحصل ؟
رفعت حاجبيها بأستنكار و صدمة .. ماذا يقول ذلك الأحمق ؟
هل تودد لها أحمد من قبل ؟ .. كل ما يجمعها به مجرد أطئنان علي حبيبته لا أكثر ..
و الأهم من ذلك و ذاك ..
لمّ هو غاضب هكذا ؟ أليس هو أيضًا يقف و يتسامر مع حبيبته القديمة ويبادلها الضحكات ؟!
طال صمتها و نفذ صبره ليصيح بها :
- ما تنطقي ؟
و علي أثر صيحته أنتفض جسدها من صوته فسريعًا ما لملمت شتات نفسها و زعقت به فجاءة :
- أنت مالك ؟ ..
ردد خلفها بغضب :
- أنا مالي ؟؟
ألقت نظرة سريعة علي تلك الفتاة الواقفة بعيدًا عنهم و تلتقط أطراف الحديث مع أحد زملائها بالجوار لتعود بنظرها نحو طارق و ترمقة بأستهجان
شعرت شذي بالغيرة تتفاقم بداخلها و هي تري تلك اللعينة تنظر هم بأزدرياء و كأنها تتأفف بعلاقته بمثلها ..
نظرت شذي لطارق حانقة و أكملت وهي تشير بعيناها نحو الفاتنة البعيدة :
- ما أنت بتقرب من اللي أنت عايزه و محدش بيكلمك ؟
فهم حديثها فصاح بها غاضبًا :
- أحمد مش زي اللي بقربلهم ! .. علي الأقل اللي بقربلهم مجرد صحاب ... مش ببوس إيديهم و سايب صاحبتهم بعد ما كنت بحبها و لافف علي صحابها التانين
تشدقت ملامحها بصدمة لتردد :
- قصدك إيه ؟
رفع حاجبه و لوي فمه بحركة عشوائية تجعلها تفهم أن ما قاله يقصده ولا يحتاج لتعبير أو شرح :
- والله يعني مش بأكل بعقلهم حلاوة ..
و نظوت لخوفه عليها و أهتمامه بأمورها بمنظور أخر ..
ظنته يشكك في له .. و أنه يظن يأنها عندما تلاقت منه الرفض ركضت لأخر ..
و لم تفهم أنه كان غاضب حانق يشعر بالغيرة لكونها تركت شفاه رجلٌ تلتمس أصابعها الناعمة ..
و أمسكت في كونه يظنها فتاة تنتقل ذلك الشاب إلي ذاك ...
تجمد الأحرف بحلقها و عجز لسانها عن الحديث لثواني ليصاحبهما طبقة شفافه مت الدموع بدأت بالنمو في عيناها وهي تقاوم لتحدقه بنظرة حادة و شموخ أنثوي :
- شكرًا يا مستر طارق ..
و قبل أن تذهب لمح عيناها التي رمقته بنظره حزن ..
لا يعلم سبب حزنها المفاجئ فوقف يرمقها و هي تذهب بخطوات مسرعة ..
ليعض علي لسانه و يضرب جبينه بحدة و قد فهم ما فهمته هي بدون فصد منه ..
ليغمغم لنفسه أنه أحمق ولا يدرك كيف تخرج الكلمات من فمه هذه الفترة ..
و بدون تردد لحق بها .. خطواتها سريعة و متجه نحو حوض السباحة الضخم بساحة الفندق و خطواته باتت أسرع
وقفت أمام حوض السباحة و هي تستنشق الهواء و تمنع دموعها بقوة لتهدء نفسها بكلمات بسيطة :
- عادي .. تجاهليه .. هو مغرور .. متضايقيش .. سيبك منه ده غبي
ظلت تسحب الهواء إلي رئتيها و تزفره علي مهل لعلها تخفف من دموعها التي ترغب بالخروج
وقف خلفها مبتشرة ليستمع لكلماتها البسيطة و تلتقط أذنه
" سيبك منه ده غبي"
أبتسم .. فهي لطيفة نوعًا ما ليتنحنح ملفتا نظرها
التفتت بعد أن أنتفض جسدها من هول المفاجئه لصوته الأجش
نظرت له بصدمة طفيفه و سرعان ما تحولت لغضب جامح همّت لتتحدث غاضبة :
- أنت إي ...
قاطع حديثها بإشارة من يده :
- شششش
أبتلعت كلماتها و صمتت متعجبة ليكمل وهو ينظر بعيناها :
- أنا أسف
فغر فاهها دهشة ، فمن ذلك الذي يعتذر
أكمل أعتذاره :
- أنا مقصدش اللي فهمتيه .. بس .. بس مش عايزك تكوني مع أحمد ، أنتي عارفة أنه مش الشخص اللي تثقي فيه و ..
قاطعته وهي مصدومة قليلا من أعتذاره :
- مفيش حاجة بيني و بينه !
بداخله أبتسم .. بل رقص من سعادته فهي لازالت تحبه رغم رفضه لها ..
بينما في خارجة كان رزين ليومئ برأسه متفهمًا :
- أنا عارف
رفعت حاجبها مستنكرة تلك الثقة التي تعتليه لتهاجمه بغضب طفيف :
- بس مفيش مانع أن مفيش غيره !
حافظ علي هدوئه الذي أستفزها :
- و ماله .. أدام مبسوطة خلاص .. بس أهم حاجة ميكنش حد يأذيكي
تشدقت ملامحها وهي تطالعه لا يبادلها شعورها بل يتقبل أنها ستكن لغيره
ضغطت علي أسنانها بغيظ وأخرجت صوت زمجرة مغتاظة لتتركه و ترحل مسرعة حتي لا تقتله بيدها
ضحك و هو يراها تعود للداخل بغضب و غيظ فهي تجعله يتلذذ بجعلها تغضب
ربما حان الوقت لترك المشاعر تأخذ موضعها الحقيقي و يتنعم القلب بقليل من الحُب
................................................
نخفي الحقيقة خلف سور متين ، نتصرف بعنفوان متجاهلين الأمر برُمته محاولين تنفيذ شروط أتفاق مسبق توثق منذ زمن ..
ولكن هناك حدود و هناك قواعد يجب ألا نتعداها حتي و إن كانت لا تندرج أسفل بنود العقد ..
وهو لن يسمح بتعدي أخر ، يكفيه ما حدث بالماضي لن يدع الأمر يمُر بسهولة ..
فتح الباب بعنف علي مصرعيه غاضبًا لينتفض الجالس علي مكتبه و ينظر له بدهشة متسألا :
- معتز ؟!
أبتسم معتز بأشمئزاز و هو ينظر لوالده الجالس و مساعدته الخاصه تجلس أمامه بشكل غير لائق و مغري لتهندم من شكلها بتوتر و تغلق أزاز قميصها وهي تتحرك للخارج مطأطأة الرأس للأسفل ..
مشهد يتكرر علي مدار العشرون سنة الماضية ، منذ وفاة والدته و هو يري والده يتنعم يوميًا بين يد امرأة وأخري ، و النساء كثير و المال أكثر
حتي بات هو أيضًا يشبهه تمامًا ، نسخة مصغره منه ؛ نساء و خمر و فجور و بالنهاية تجارة سلاح و كل ذلك يندرج اسفل كلمة " رجل أعمال" ..
و من ذلك الذي وصف رجال الأعمال بتلك الطريقة ؟ .. أكان شرطًا للنجاح أن يكون فاسق ؟ ..
لا زال يتذكر كلمات والده منذ أن كان عمره سبعة عشر عامًا
" عشان تعيش في البلد دي لازم تنهب منها علي قد ما تقدر ، نسوان و فلوس زي ما تحب .. و لما تحس أنك شبعت مفيش مانع تطمع تاني حتي لو كنت مش هتقدر تكمل .. شغلانتنا محتاجة اللي ينهب فيها كل حاجة "
فسار علي نهجه و أقتنع أن هذه الطريقة المُثلي .. و أنها الطريقة الأفضل للعيش
حتي أثبتت له الأيام أن نهجهم خطأ و يجب عليه التراجع ، و حينها رأي ريهام و أعجب بها و قرر الأبتعاد عن طريق يكرهه و ليفاجئ أن والده من زجها بطريقة لتكن أسراره معها و تنقلها لوالده يوميًا و لحسن حظه وقعت ريهام في حبه و تزوجته بدون علم أحد ..
أزدرد والده ريقة بتوتر و هو يعتدل في جلسته و يشير لأبنه ليجلس :
- خير ؟
جلس معتز وهو يتجاهل ذلك اللون الأحمر الذي يلطخ شفتي والده لينظر له بحدة أمرًا :
- متقربش لريهام تاني .. يا عبد الحميد
ضحك عبد الحميد و هو يمسك أحد الشراشف و يزيل ذلك اللون الملطخ لفمه :
- هي القطة بتشتكي مني ؟
رمقه معتز بنظرة نارية ليضغط علي كلماته بحذر شديد :
- متقربلهاش تاني
أرتفع حاجب عبد الحميد ساخرًا :
- مالك محموق أوي كدا ليه ..
غمز له مبتسمًا لتظهر أسنانه الملوثه علي أثر النيكوتين ليكمل بطريقة أستفزت معتز :
- ما المزة مدوراها مع كله جت علي أبوك يعني !
كاد معتز أن يفتك به و يصرخ " أن أصمت إنها زوجتي !! " لكن ليس بيده حيلة ، ماذا سيقول ؟ .. و بماذا سيدافع؟ .. هل سيخبره أنها زوجته و عِرضه و يفضح أمرهما ؟ ..
أطلق تنهيدة غاضبة ليرمق والده بنظرات ساخطة :
- أنا حذرتك .. متقربلهاش تاني .. دي بتاعتي و بس ... فاهم ؟
و نهض تاركًا إياه قبل أن يجعل الأمور أسوء بينهما ، يكفي ما بينهما من مشاحنات ..
اوقفه عبد الحميد بكلمات جعلته يتسمر مكانه :
- خلي بالك طيب عشان السنيورة كانت عند دكتور نسا .. أحسن تدبس في خلفه و تطلع مش بتاعتك
أزدرد ريقة بتوتر قبل أن يلتفت له .. يخشي أن يكتشف أنهما متزوجين
التفت و أبتسم بثقة :
- متخافش .. أنا مش أنت
القي بالكلمة الأخيرة و رحل من أمامه غاضبًا ، يكره أن والده يذم فيه و في عِرضه ..
و من قال يومًا أن زوجته سمحت لأحد غيره بأن يمسسها؟ .. إنها له بكل جوانحها و الجميع يظن بها ظن السوء و هو مضطرًا أسفًا أن يصمت حتي لا يسبب لها الخطر أكثر ..
فعبد الحميد لن يرضي أن يكن أبنه ذو الحسب و النسب متزوج من فتاة ليس لها أهل و عائلة كبيرة .. ، هه تبًا لتلك المعتقدات البلهاء التي تضعه بخانة الرجل الذي يبيع شرفه مقابل الأعمال الحُرة ..
في حين ضغط عبد الحميد علي أسنانه غاضبًا فها هو أبنه يذكره بكل مرة يراه فيها بأكبر خطأ له ..
الخطأ الذي إذا أنكشف لقامت الثورات بين الجميع و نشبت حربٌ لن يوقفها إلا الدماء ..
عيناه أجفلت و غصة مريرة تكونت بحلقة وهو يتذكر مقطتفات من الماضي المقيت
" ما إلك حق تتكلم هاد حقي أنا "
" مهما حاولت هيضل العار لأحقك .."
"ما راح تقدر تواجه حدا ، شو راح تقول ؟ أنك مو رِجَل؟ "
ضغط علي رأسه غاضبًا و هو يحاول أختراق عقله لجعل ذلك للصوت الكريه يتوقف عن ملاحقته ..
لمّ عليه التذكر دائمًا ؟ .. لمّ عليه معرفة أنه كان عاجزًا أمام عارٍ لو عُرف لكان الجميع بمذبحه الآن
....................................
أحيانا نحتاج هدنة من كل شيئ .. نأمل لبزوغ فجر جديد نستعيد فيه نفسنا القديمة
نحاول البحث حولنا علي مسكن تسكن إليه الروح
وهو يجد مسكنه بثرثرتها ..
و يبتسم لكونها بسيطة بعد كل شيئ حدث و سيحدث
جلس يتابع عمله علي غير العادة بغرفتهما و هي تجلس بالمقابل تثرثر بالهاتف مع صديقاتها مستخدمات خاصية المكالمة الجماعية ..
لفت أنتباهه شهقة صغيرة خرجت من فمها بصدمة و هي تتسأل :
- بجد؟ ..
عقد ما بيم جبينه وهو يتسأل في نفسه ماذا أدهشها هكذا ..
أكملت حديث لتتسأل :
- يعني أخويا اللي قال كدا ؟ .. تصدقي معندوش دم
لتجيب الأخري بحرقة دم :
- ده بارد .. انا يقولي أهم حاجة تكوني مبسوطة ! .. ولا أكني أخته
ضحكت بلقيس و حبيبه لتجيي بلقيس :
- معلش طارق بيحب يتقل شوية .. أنتي عارفة يا شوشو
أغتاظت شذي :
- اه بيتقل عليا أنا بس .. و ست زفته نازل معاها رغي و ضحك
أبتسمت بلقيس :
- أنا ههزقة متخافيش ..
شعرت بلقيس بصمت حبيبه علي غير العادة لتسأل :
- ساكته ليه يا حبيبه
أبتسمت حبيبه بهدوء :
- عادي ..
تحدثت شذي بشك :
- لا مش عادي .. النهاردة طول اليوم كانت ساكته حتي حازم كان ساكت
قضبت بلقيس حاجبيها :
- متخانقين ولا إيه
أستدركت حبيبه سوء الفهم :
- لا مش متخانقين ولا حاجة .. بس عادي يعني
تنهدت بلقيس بيأس فهي تعلم أن مهما حدث لن تتحدث حبيبه بما يفيض في جعبها و تشتكي لتحاول تغير الهدوء الذي طرأ عليهم لتقول بحماس :
- شوفتوا الأستايل الأخير لكيم كاردشن ؟
رفع نوح نظره من حسوبه ليري تلك الطفلة المثرثرة تتحدث عن الموضة بطريقة مهوسة لتهتف بحماس وهي لا تشعر بنطراته المتعجبة فنظر لحاسوبه مرة أخري بيأس فهي مثل المختلين عقليًا وهي تثرثر عن أمور لا يفقه بها أبدًا :
- أنا عجبني اللوك أوي حتي الميك آب .. بفكر أعمله
وافقتها حبيبه ببعض من الحماس حتي لا تلفت نظرهم لشرود ذهنها مع قصة والدة حازم :
- اه .. أنا كمان عجبني .. دايما الكاردشن بيطلعوا بستايل واو
شجعتهم شذي بحماس :
- خلاص نروح بكرا نعمله
لوت بلقيس فمها بأعجاب من سرعة تفعيل تفكيرها لتوافق:
- أوكية .. أنا فاضية بكرا
تذكرت حبيبه جلسة العلاج مع والدة حازم غدًا ففكرت سريعًا في مهرب منهن :
- بكرا مش هينفع ... ماما محتجاني في البيت عشان تنضيف و مش هعرف أجي ..
زفرت الفتاتين بضيق لتقترح شذي :
- خلاص يوم الجمعة ؟
أعترضت بلقيس بتذمر :
- الجمعة مش بكون فاضية ! .. خليها الخميس
وافقت الفتاتين علي الموعد لكونه مناسب لثلاثتهم لتهتف شذي بحماس مفاجئ :
- وااااو ... أغنية فايا اليونان نزلت !
صرخت بلقيس فجاءة بسعادة :
- بجد ..
مما افزع نوح و نظر لها بفزع ليجدها تقفز من فوق الآريكة بسعادة متجه نحو حاسوبها الذي ابتاعته منذ يومين ذو اللون الوردي كألوان الزهور التي تفضلها لتبحث عن شيئ ما وهي تغمفم بسعادة :
- أنا مش مصدقة .. أنا مستنية الأغنية بقالي كتير أوي ..أووف أخيرًا
ضحكت الفتاتين بصدق وهما يستمعان لصوتها الجنوني الذي يعشقانه كثيرًا ..
لتحثها حبيبه علي تشغيل الأغنية و أستماعها سويًا :
- طب شغلي نسمع سوا
وافقت بابتسامه واسعه :
- طبعًا يا باشا ..
ضم حاجبيه متعجبًا .. كيف تحمل تلك الشخصيات بجسد واحد ؟
طفلة و مراهقة و بالغة ؟ .. تحمل جميع أنواع النساء ..
تارة طفلة تبكي بمفردها و تارة مراهقة تركض خلف الموضة و الرقص و أغاني لفرق مشهورة و تارة أخيرة أنثي تواجهه بكل حقد و تخطيط منتقم !!
يكاد يجن من تصرفاتها و يسبُ نفسه لأنه ترك غرفة مكتبه لأجل أخيه و عمله الضروري اليوم و أضطر أن يعمل بجانبها ..
فهي تشتت تركيزه و لا يستطيع الاعتراض فهي تتحدث إلي صديقاتها ولا يريد التسبب في حرجها أمامهن ..
فعلت الموسيقي بشغف و هو خلفها جالس فوق المقعد الوثير يتابع شغفها وهي تفتح مكبر الصوت لصديقاتها ..
عاد بعينيه لحاسوبه قبل أن تبدأ الأغنية محاولا التركيز
بدأت الكلمات تتردد في الغرفة مخترقة حاجز الصمت الذي نشب
( لماذا تحاول في الحب قتلي ؟ .. لماذا تخاف شموخ النساء ؟ .. و تعرف أن قلبي عزيزٌ ولم أتعود علي الأنحناء ! )
أخترقت الكلمات قلبها .. شعرت بوغز حاد ينزع قلبها بألم ..
و بدون قصدًا منها تذكرت وجوده بالغرفة فالتفتت له علي حين غرة
لتلتقي أعينهما بعدما جذبته الكلمات بقوة ..
التمعت عيناها كأنها تعاتبه و الكلمات تستمر بأختراق حواجزهما
( لماذا تحاول في الحب قتلي ؟ ..لماذا تخاف شموخ النساء ؟.. و تعرف أن قلبي عزيزٌ ولم أتعود علي الأنحناء ! )
و عيناها تبوح بما لا تقوله .. تلومه علي حبها بصمت
وهو تفهم .. و أدرك ماذا تقول عيناها و لماذا تلوم فحاول الأعتذار بعيناه لتكمل الكلمات في التردد
( أناا ما لجئت لعينيك خوفا ، أنا بنت خير الترابِ و شمس السماء .. فإن كنت تحسبُ عشقي ضعفا .. فإن كنت تحسبُ عشقي ضعفا ، وتجهل معني الوفااااء ! .. فإني لعزة نفسي أوفي .. فإني لعزة نفسي أوفي .. ولا حُب عندي بلااا ، بلاااا كبرياااااء ..)
وقالت فايا كُل ما كان يؤلمها .. كلماتها عبرت عن ما كان يقف بحلقها ولا تستطيع أخراجه ..
وهو يراقب عيناها .. يتمعن النظر بها و الأغنية تتردد حولهما و كأن بلقيس تتحدث له .. عيناها تعاتبه بحدة مع حدة صوت المغنية و كأنها تخبره ألا يعبث بكبرياء أنثي حتي لو علي حساب الحُب
( أراك غريقا بلا ضفتين تخشي البقاء و تخشي الرحيلَ )
و هنا عيناها تواجهه بما يهرب منه .. تخبره أنه يغرق بين الصواب و الخطأ ..
يتجاهل مشاعره نحوها و يهرب في أتجاه معاكس حتي أتجاه المعاكس الذي يهرب فيه متشتت ..
ليس له وجهه ولا يجد الطريق و هي تستغيثه بعيناها أن أقترب و أترك قلبك لي .. سأكن الملجأ و الأمان لك
لتصدمهما الكلمات التالية و تجعله يتراجع و هي تتراجع
(معًا لن نكون سوي جارحين .. فكن مرة رجلٌ مستحيلا)
هو أنطفأ في عينيه الأمل وهي كادت تصرخ أي هذا هراء
أحبني ولا تبخل أحبني و سأُغرِقكَ في حبي حتي لا تجد نجاة مني
( أحبك لكن قلبي عزيزٔ ولم أتعود علي الأنحناء )
و عادت هي تخبره بلمعة عيناها أنها تحبه و لكن كرامتها لا تسمح ..
تريده و تخشي الأقتراب .. عزة نفسها تمنعها
وهو بعيناه يقول أنه يحبها .. يتقبلها بذلك الكبرياء
لكن كبريائه يمنعه هو الأخر .. عزة نفسه تؤلمه ولا تجعله يخضع لمشاعر باتت تحاصره من كل جانب
(تعلم معي أن تكون قويًا .. فقد خلق الحب للأقوياء )
و تمتمت الكلمات ما كان يقول لتثبت حقيقة ما في نفسها ..
و نظراتها تحثه أنها ستعلمه القوة .. ستعلمه أن يستقوي بحبهما
ستكن سندًا له .. ستقف و تعاونه حتي يصلا لبر الأمان
وهو يتفهم و قلقه و تشتته يزداد ..
رددت للمرة الثانية مع كلمات الأغنية بهمس وكأنه تخبره بصلابة
(تعلم معي أن تكون قويًا .. فقد خلق الحب للأقوياء)
و هو لم يجفل عن حركة شفاهها التلقائية مع كلماات الأغنية و كأنها تثبت له أنها ستساعده .. أن حبهما سيكن سلاح لا يُردع أبدًا
أنتهت الأغنية و صاحت الفتاتين بأعجاب عبر الهاتف فأنتشلوهما من هالة العشق التي أحاطت بهما .. لتمسك الهاتف بتردد و حرج لتغلق المكبر
و هو يعود بعينيه لحاسوبه متوترًا و قد جف حلقه ليبلله بقليل من الماء الموضوع بجانبه علي الطاولة الصغيرة ..
صاحت شذي بإعجاب :
- حلوة جدًا
وافقتها حبيبه :
- اه عجبتني
لم تتحدث بلقيس فسألتها شذي :
- إيه يا سوو .. هي معجبتكيش؟
حلقها جف و كلماتها إن خرجت ستكن متعثرة .. و ضربات قلبها الزائدة لم تقل فحاولت أنهاء الأمر بصوت به بحه :
- لا حلوة .. بس أنا صدعت و محتاجة أنام
تذمرت شذي :
- هتنامي دلوقتي ؟
- تعبانه شوية
قالتها بلقيس محاولة إنهاء الأمر لتقول حبيبه :
- خلاص يا شذي شكلها تعبانة .. سلام يا سوو نقابلك بكرا
أغلقت معهن لترفع نظرها نحوه تراه يعود للعمل و كأن نظراتهما كانت عبثا ..
و كلمات الأغنية تتردد بعقلها
( أراك غريقا بلا ضفتين .. تخشي البقاء و تخشي الرحيلَ )
تتذكر كيف أحتضنها من أيام بحنو و قبلته الرقيقة فوق رأسها و تري الآن جموده و تصلبه ..
لا تعلم أهو مشتت بحق أم أنه من الأصل لا يحبها ..
تحركت من موضعها تاركة له المكان حتي يعمل
رفع عينيه ناظرًا لها وهي تذهب .. و بداخله صراع لا يعرف كيفية التحكم فيه
حائر بين أعتراف بحب و عدم أعتراف ..
هو بات متأكدًا من مشاعره و من مشاعرها ..
فقط يتبقي أمامه الخطوة الأخيرة
و ليس نوح من يترك ما يتمني له دون تملك ..
سيحاول التقرب منها ..
و هو يتذكر شفتيها اللتان تمتما منذ قليل
تعلم معي أن تكون قويًا .. فقد خلق الحب للأقوياء
ليس بضعيف ليهرب .. وليس من شيمه الهرب
...........................................................
أتمني يكون البارت عجبكم .. مستنيه رأيكم ⁦❤️⁩

عزرائيل الحُب Where stories live. Discover now