الفصل الأول

6.4K 121 2
                                    


الفصل الأول

أغلق أزرار قميصه , وارتدى معطفه الرمادي , تأكد من وجود أوراق المحاضرة داخل الحقيبة ثم أغلقها وخرج من الغرفة , كان الفطور مُعداً على الطاولة كالمعتاد , فأعد لنفسه شطيرة تناولها واقفا مع كوب من الشاي , وهرع إلى خارج المنزل .

استقل سيارته الحمراء المتواضعة , دارت بعد محاولات عدة , ولكنه لم يتأفف ولم يُبد ضيقاً من الأمر , كان سعيدا بها على الرغم من كل شىء فقد وفرت عليه عناء المواصلات العامة بعد أن ذاق الويلات لعام كامل , كان يصل فيه إلى الجامعة في حالة يرثى لها , شاكرا الله أنه كان مضطرا لارتداء المعطف الطبي قبل دخوله إلى المعمل حتى لا ينتبه الطلبة لثيابه التي ذاقت الأمرين حتى وصل .

قبل وصوله إلى الجامعة بعدة أمتار أوقف السيارة وترجل أمام المقهى ليأخذ كوب قهوته المعتاد , ثم عاد إلى سيارته ودخل بها إلى الحرم الجامعي, صفها على استحياء من مظهرها الرث في موقف السيارات الخاصة بالأساتذة والمعيدين , ثم خرج منها يحمل حقيبته وكوب القهوة في طريقه إلى المعمل .

يمضي في الطرقات شامخا , معتدا بنفسه , ولكنه يتلقى التحية من الطلبة والعاملين بود كبير , فقد قضى خمس سنوات طالبا في أروقة الكلية قبل أن يتسلم عمله كمعيد العام الماضي , وكان أثناء دراسته على شاكلة أخرى من المرح والانطلاق , يعرف كل فرد في الجامعة وجهه , ويعرف هو كل طرقاتها وعمالها وموظفيها .

قبل أن يصل إلى المعمل يعرُج دائما على المكتبة , يكون قد انتهى من كوب القهوة فيلقيه في سلة المهملات قبل أن يدخل تفاديا لغضب الأمين صلاح , يلقى عليه التحية فيتلقاها بوجه جامد , ولكنه يلمح في عينيه الزرقاوين لمعة فرح , ولعله انعكاس الضوء على نظارته ليس إلا .

يمر بين الطاولات والرفوف حتى يصل إلى طاولة بعينها , يجلس , يعتصر قلبه بين ضلوعه , يتغير لونه , ويقطب ما بين حاجبيه , يجاهد دموعا تقف بين أهدابه , لولا أنه يخشى أن يخون وقاره لبكى !

مرات عدة كاد يجهش بالبكاء وأوقفه تحديق الطلبة المارين فيه , لذا صار يأتي مبكرا قبل أن يكثُر رواد المكتبة , يجلس وحيدا على الطاولة , يستعيد أشياء وتتفلت من ذاكرته أشياء أخرى , ثم ينهض إلى المعمل ليكمل يومه الطويل , محاولا أن يدفن أفكاره بين القوارير والعقاقير , لكن دون جدوى.

قبل عامين

دق جرس المنبه فتجاهلته وأكملت ارتداء ثيابها كانت قد استيقظت بالفعل منذ عشر دقائق قضتها ركضا في أرجاء الغرفة تجمع أغراضها , سحبت حذائها الرياضي من أسفل السرير ارتدته ثم التقطت حقيبة الحاسوب وحقيبة الملفات ، فتحت باب الغرفة أخرجت رأسها وتفقدت الممر ، ثم تسللت نحو الباب لكن صوت أمها أوقفها ..

دِيار ليلى  ..نوفيلا..  شروق السيدWhere stories live. Discover now