الذكرى الخامسة

110 16 2
                                    


-

داخل أحياء تلك المدينة وتحديدًا داخل أحدى المقاهى الهادئة، كانت تجلس كيت ومعها صديقتها المقربة مارسيلا. كانت تحمل بين يديها كوبًا من الشاي الساخن بينما الأخرى كانت تحتسى كوبًا من القهوة. تنهدت كيت بضيق قبل أن تكمل حديثها لصديقتها قائلة:
«بعدها قمت بدعوته لداخل المنزل، كون الجو كان باردًا للغايه فى الخارج، وصدقينى سيلا أنا لا أعلم كيف قمت بذلك حتى. جلسنا فى غرفة المعيشة وهو مازال ينظر تجاهي. قمت بصنع كوبًا من الشاي الأخضر المفضل بالنسبة له وأحضرت له غطاء أيضًا. حاولت بقدر الإمكان تجاهل وجوده، لكنه لم يصمت مارسيلا. لقد رفض أن يصمت وقرر جعلي أشعر بالذنب مجددًا لشئ لم أقم بفعله حتى.»
قامت سيلا بوضع يدها على يد صديقتها وهى تحثها على إكمال ما حدث.
«لما لا يتركني أعيش بسلام سيلا؟ لما! ألم يكن خياره أن يبتعد عني رغم أنني كنت بحاجه إليه!
تركني أتألم دون سبب حتى، وهو الآن يريد أن أستمع إليه. أستمع إلى ماذا؟ لقد حاولت نسيانه تمامًا خلال الشهر الماضي، لكنه ببساطة لم يكن يريد أن أتخطاه. كيف وهو بعد إنفصالنا بأسبوع واحد فقط وقد عاد للإتصال بي مجددًا وكأن شيئًا لم يكن. لم أعد أفهم أي شئ سيلا. أشعر بالتعب والتشوش ولا أعلم حتى ماذا أفعل.»
أكملت كيت وهى تشعر بتلك العصة داخلها مجددًا. تحركت مارسيلا لتجلس بجانب صديقتها ثم قالت:
«أعلم بأن كل ما مررتي به لم يكن بالأمر الهين كيت، لكنه أيضًا لم يكن سهلاً بالنسبة لجاستن. لقد تألم لألمكِ كيت، لقد عانى مثلكِ تمامًا لكن.. هناك حلقة مفقودة كيت. أعنى لما سيترككِ جاستن وأنتي تعلمين كم هو يُحبكِ. لقد قام بفعل الكثير لتكوني له فى النهاية. لما قد يترككِ دون سبب ثم يعود ليحادثكِ بعدها بأسبوع فقط. هناك شئ قد حدث مع جاستن. ربما هذا الشئ جعله يخاف من أن يخسركِ كيت. صدقيني أنتي تعنين الكثير بالنسبة لجاستن.»
عقدت كيت حاجبيها بعدم فهم ثم فرقت شفتيها قائلة:
«لما أنتي واثقة من هذا سيلا؟ أعنى كيف علمتي بكل ذلك؟»
تغيرت ملامح سيلا نحو القلق قبل أن تتحدث بتردد قائلة:
«فى الواقع.. أمم لقد كنت أتحدث مع جاستن منذ أنفصالكما كيت. أعلم بأنه لم يكن من الجيد أن أفعل ذلك، لكن لقد بدآ نادمًا وحزينًا بشدة كيت. لقد تحدثت معه وهو يريدكِ أن تعودي له مجددًا. فقط تحدثي معه للمر...»
قاطعتها كيت وقد تغيرت ملامحها نحو الغضب قائلة:
«لقد تحدثتي معه كل تلك المدة دون أن تخبريني. كيف تفعلين ذلك بي مارسيلا؟ حقًا لا أصدق ذلك، كم أنا غبية لأنني وثقت بكي.»
خرجت كيت من المقهى وهى تشعر بشعور ممزوج بالغضب والحُزن فى آن واحد. كيف وصديقتها المقربة كانت تخدعها كل تلك الفترة.
توجهت بسرعة نحو منزلها وما هى إلا دقائق حتى وصلت لهناك. لكن قبل أن تدلف لمنزلها وجدت السيدة ليلى جارتها تجلس كالعادة فى حديقة منزلها الأمامية، تعتنى بأزهارها ذات الألوان المختلفة. حينما رأتها إبتسمت نحوها بلطف قبل أن تقول:
«مرحبًا زهرة الأوركيد. كيف حالكِ؟»
أبتسمت كيت على لقبها المعتاد من قبل السيدة ليلى ثم قالت:
«مرحبًا سيدة ليلى. أنا بخير. ماذا عنكِ؟»
«بخير صغيرتي.»
صمتت للحظات قبل أن تكمل:
«لما تبدين حزينة يا زهرة الأوركيد؟»
تنهدت كيت قائلة:
«أنا بخير سيدة ليلى، فقط لم أنم جيدًا بالأمس.»
«أمم أنا لا أصدقكِ، لكن لا بأس أتفهمكِ صغيرتي.»
تحدثت بلطف وهى تنظر نحوها. إبتسمت لها كيت فى المقابل قبل أن تودعها وتدلف لداخل المنزل.
خلعت معطفها ثم أتجهت نحو غرفتها. صدع صوت هاتفها لتخرجه وتجد أنها مارسيلا.
تنهدت بضيق قبل أن تغلق الهاتف. هى فقط تحتاج لبعض الوقت بمفردها الآن. دلفت لداخل الغرفة ثم قمت بتغيير ملابسها نحو بنطال قطني أسود اللون وتيشرت بأكمام أبيض اللون. أستلقيت بعشوائية على السرير وهى تكاد تشعر بعقلها سينفجر من كثرة التفكير..

-

كانت كيت تجلس على الأريكة، تشاهد التلفاز بملل. كانت الساعة تشير للثامنة وعشر دقائق مساءً. لم يتبقى سوى بضعة ساعات ليبدأ برنامجها الإذاعى.
أنقذها من ذلك الملل صوت جرس الباب. توجهت نحو الباب ثم قامت بفتحه لتجد أنها السيدة ليلى بإبتسامتها اللطيفة. قامت كيت بمعانقتها ثم دعتها لتدلف للداخل.
«هيا يا زهرة الأوركيد، ستتناولين العشاء معى الليلة ولا يوجد إعتراض.»
تحدثت السيدة ليلى وهى تكتف ذراعيها أمامها. قهقهت كيت بخفه قبل أن تقول:
«جديًا سيدة ليلى. ليس هناك داعٍ لذلك.»
أقتربت منها ليلى قائلة بجدية:
«أخبرتكِ لا يوجد إعتراض. برنامجكِ الإذاعى سيبدأ في منتصف الليل وأنتي هنا تجلسين بمفردك ولا تفعلين شئ، لذا ستتناولين العشاء معي.»
لم تنتظر السيدة ليلى سماع رد كيت حتى، لتجذبها من ذراعها نحو منزلها.
«حسنًا سيدة ليلى، لكن دعيني أرتدي معطفي على الأقل.»
أخبرتها كيت وهى تقهقه بخفه، لتتجه السيدة ليلى وتحضر لها المعطف لترتديه كيت.
توجه الأثنان نحو منزل السيدة ليلى. دلفت كيت مع السيدة ليلى نحو المطبخ لتساعدها في إعداد العشاء..

كانت كيت ترتشف من كوب الشاي الذي صنعته السيدة ليلى بتلذذ بعدما أنتهوا من تناول العشاء. جلست السيدة ليلى بجانبها ثم قالت:
«ألن تخبريني لما أنتي حزينة يا زهرة الأوركيد ولا تخبريني بأنكِ على مايرام، فأنا أرى الحُزن بداخل
عينيكِ.»
تنهدت كيت ببطء، فهى تعلم بأن السيدة ليلى لن تتركها وشأنها. أرتشفت من كوب الشاي قليلاً قبل أن تتحدث:
«تعلمين سيدة ليلى بأن الذكريات ما هى إلا مرض مُزمن يقتل العقل ببطء. وهو لم يكن أقل منها فى شئ، فكلاهما يرفض تركِ أعيش بسلام.»
كانت السيدة ليلى تعلم هوية ذلك الشخص. كيف وهو لا يكف عن الحديث عن كيت معها. ألتقطت السيدة ليلى أنفاسها قبل أن تخبرها:
«أتفهم تمامًا ما تمرين به كيت. أنتي تقفين في المنتصف حائرة بين ما يخبركِ به عقلك وما يرغب به قلبك، لكن أفعلي ما يبدو صادقًا بالنسبة لكِ وليس ما هو صحيحًا فقط يا زهرة الأوركيد.»

-

مر وقت برنامجها الإذاعى سريعًا. ساعتها المفضلة مرت سريعًا دون حتى أن تشعر بتلك اللهفة الخاصة ببرنامجها. وفى خلال طريقها للعودة، لم يكن يشغل تفكيرها سوى حديث السيدة ليلى. هى تعلم بأنه يأتى من حين لأخر للحديث معها. تسألت لما لم تتضايق حين علمت بالأمر كما فعلت مع مارسيلا؟
ربما لأنها رأت ذلك بعينيها، أضافة إلى أن السيدة ليلى لم تخفى عنها ذلك الأمر. من المفترض أن مارسيلا هى صديقتها المقربة، ومن المفترض أن تقف فى صفها لا فى صف جاستن..
ألقت بكل تلك الأفكار فور أن لامحته يجلس أمام منزلها وسط ذلك الجو البارد. عقدت حاجباها بضيق، فهو لن يكف عن تصرفاته تلك. حين لمح سيارتها شعر بذلك الشعور المحبب لقلبه، كما أعتاد أن يفعل سابقًا. ترجلت من السيارة، ليقف وهو يعدل ملابسه.
تقدمت نحو منزلها وقامت بتخطيه دون حتى أن تنظر له، وهى تشعر بقلبها يؤلمها بسبب حالته تلك.
شعره المبعثر، لحيته الخفيفة، والأهم عينيه الحزينتين. لكنه لم يحبذ ما فعلته..
«لمعلوماتك كيت تجاهلكِ لي لن يمنع رغبتي في رؤيتكِ طوال الوقت، ولن يجعلني أرحل.»
أخبرها بحزم وهو ينظر نحوها. توقع أن تتجاهله كالعادة، لكنها قررت الخروج عن صمتها هذه المرة.
«يكفي ما حدث جاستن. يكفي ما قمت بفعله.»
هربت منه كعادتها للداخل، ليبتسم هو بخفه لسماع أسمه من بين شفتيها مجددًا...

𝐌𝐢𝐝𝐧𝐢𝐠𝐡𝐭 𝐂𝐨𝐧𝐯𝐞𝐫𝐬𝐚𝐭𝐢𝐨𝐧𝐬 || محادثات منتصف الليل Where stories live. Discover now