الذكرى السادسة

115 17 5
                                    

-

ها هى كيت تدلف لداخل المحطة الإذاعية قبل بدء برنامجها بدقائق. ألقت التحية على رومن ثم شكرته بلطف على كوب الشاي اللذيذ الذي يُعده خصيصًا لها. جلست في مقعدها ثم أرتشفت قليلاً من الشاي. قامت بنتظيم أنفاسها بينما يقوم رومن بالعد التنازلي لبدء البث. فور أن بدء البث تناست تمامًا كل ما مرت به منذ أيام. أصبحت الآن داخل عالمها الخاص والمفضل..
«مرحبًا أصدقاء الليل خاصتي. كيف حالكم في تلك الأجواء؟ صدقًا أشتقت لكم كثيرًا، وأتشوق أكثر لسماع محادثاتكم لهذه الليلة. لذا دعونا نبدأ..»
بدأت هيت حديثها بعفوية کعادتها. لتبدأ بعدها في تلقى الرسائل واحدة تلو الأخرى. قامت قراءة أول رسالة ظهرت أمامها لتقول:
«حسنًا. رسالتنا الأولى هى من صديقتنا ميا. مرحبًا ميا.. أوه ميا تخبرنا لنقل بأنني لست شخصًا طبيعيًا أبدًا. منذ صغري والجميع يدعونني بغريبة الأطوار.
لم يتقبل أحد شخصيتي ولم يسعى أحد نحو تقبلي. لطالما كُنت أتعرض للتنمر من قبل الجميع. أعتدت أن أبقى بمفردي لساعات وربما لأيام طويلة.. لكن صدقينى هيت، أنا لم أختر أن أكون هكذا. كل شئ يعود لمشاجرات والداي دومًا، حتى أنني أحيانًا أشعر وكأنهما لم يرغبا بوجودي بحياتهما من الأساس. هما لا يدعماني في أي شئ إطلاقًا، بل يجعلون حياتي أسوء دون حتى أن يشعرا بذلك. الأفكار السلبية تطاردني دومًا، ولم أعد أشعر بأى شئ. صدقًا قد أُقدم على الإنتحار يومًا، وأعلم بأن لا أحد سيكثر لذلك. هيت أنا حقًا أحتاج لسماع نصيحتكِ، فأنتي كل ما أملك الآن.»
تنهدت هيت بضيق لحال ميا. كانت تشعر بالغضب العارم من هذا المجتمع، لكنها تمالكت أعصابها ثم قالت بهدوء:
«عزيزتى ميا. أود أن أخبركِ شيئًا واحدًا وهو لا تعطى لعنة لأي أحد على وجه الأرض ما دومتي تؤمنين بنفسك. لا أستطيع إنكار بأن البشر هم أخطر الكائنات على هذا الكون، كونهم قادرين على تحطيم المرء فقط ببضع كلمات، لكن صدقيني أنتي لستي وحدكِ. لقد مررت يومًا بما تشعرين به وأعلم تمامًا شعور أن تقتلكِ أفكاركِ ببطء فى حين لا يوجد أحد يكثر لكي. لقد تم نبذي من قبل العالم ولم يتقبل أحد مزاجيتى المفرطة، لكنني لم أستسلم لهم.»
«أستمعي لي جيدًا، أنتي أقوة بكثير من أن تخضعي لتلك الأفكار السلبية بسبب أشخاص لا يمتلكون أي ذرة مشاعر بداخل قلوبهم. تناسيهم تمامًا، وأستمتعي بكل لحظة فى حياتك. قمي بالرسم، القراءة، الكتابة أو حتى الرقص لتشعري بذاتك. تناسي ذلك العالم القاسي وقمي بصنع عالمك، بعيدًا عن عائلتكِ والمجتمع كله. وتذكري يا عزيزتي بأنني هنا بجانبك دومًا، حتى وإن لم نلتقى سأكون دومًا هنا. معكِ وبجانبكِ يا صديقة الليل خاصتى.»

صمتت للحظات، ثم عادت لتكمل قراءة الرسائل. ظلت تقرأ رسالة تلو الأخرى وتشارك أفكارها مع أصدقاء الليل خاصتها حتى وصلت لأخر رسالة لهذه الليلة.
«حسنًا أنها الرسالة الأخيرة الليلة، وهى من جاستن بي...»
توقفت هيت وهى تتأمل أسمه بصدمة وحُزن. نظر لها رومن بتعجب، ثم أشار لها لکى تكمل. تحمحت هيت ثم أعتذرت لأصدقاءها لتكمل:
«أنها من جاستن بيبر وهو يخبرنا رغم إنتهاء كل شئ، إلا أنها مازالت تتكاثر بداخلى. تركتها رغم أني أعلم جيدًا بأنني سأظل تحت تأثيرها. ربما أجبرت على الرحيل، لكنها آبت أن تتركنى. ظلت عالقة بجوف عقلى، ولم تدعنى أعيش بسلامٍ أبدًا. أصبحت مقيدًا بها، حتى دون أن تدري هى. الحياة ليست عادلة أبدًا، وربما لن تعطيك ما ترغب به أبدًا. أحيانًا تختار لك شئ أخر لم تكن لتتوقعه يومًا. قد تجعلك تبدو قاسيًا، بينما أنت مجرد ضحية أخرى. أعلم بأنها لن تسامحنى أبدًا، لها كامل الحق فى ذلك، فأنا غير قادر على مسامحة ذاتى.. لكنها لن تفهم السبب الحقيقى وراء ذلك. لن تفهم أبدًا ما مررت به إذا بقيت ترى الأمور من بعيد هكذا. يُقال لا يمكن للمرء أن يتغير بين ليلة وضحاها دون سبب. أليس كذلك؟ السؤال هنا هو، وعدتكِ بألا أؤذيكِ يومًا، فكيف سأتخلى عنكِ بتلك السهولة يا حبة الفراولة خاصتى؟»
لم تستطع هيت الرد على تلك الرسالة، وسارعت بإنهاء برنامجها والخروج من المبنى سريعًا. لم تهتم لهتاف رومن خلفها بل أسرعت أكثر للخروج من المبنى. أرتجف جسدها قليلاً أثر برودة الجو، لكنها لم تآبه لذلك وتقدمت نحو سيارتها. توجهت نحو منزلها وفى غضون دقائق وصلت لوجهتها. ترجلت من سيارتها ثم أتجهت نحو منزلها وهى تحارب ما بداخلها. حملت داخلها العديد من المشاعر المتناقضة. أرادت الصراخ، البكاء والنحيب. أرادت تحطيم كل ما حولها. أردات الهروب من عقلها، أفكارها وحياتها بأكملها..
لما؟ لما فقط يفعل ذلك؟ هذا كل ما يشعل عقلها. تكاد تقسم بأنها قد سئمت من عقلها. أنه يقتلها ببطء وبرود. تنهدت بصعوبة وهى تشعر بتلك العصة مجددًا. صعدت غرفتها وتحديدًا أتجهت نحو الحمام. تجردت من جميع ملابسها ثم تركت المياة الدافئة تغمر جسدها المرهق. ظلت أسفل المياة لفترة طويلة، لا تفعل شئ سوي البكاء بصمتٍ على ما آلت إليه الأمور الآن. خرجت أخيرًا من الحمام وهى تلف المنشفة حول جسدها. بدلت ملابسها بتعب ثم توجهت نحو سريرها. أمسكت هاتفها لتتفقد الساعة لتجدها الثانية وأربع دقائق صباحًا. لم تهتم لذلك، فكل همها الآن هو تلك الرسالة من رقمه. أبتلعت ريقها بخوف قبل أن تتفقدها وكان محتواها
«ربما أصبح الوقت متأخرًا الآن لأخبركِ بكم أنا أسف، لكنكي مازلتي تجهلين الحقيقة. مازال هناك جزء مفقود فى القصة ويجب أن تعلميه قبل فوات الأوان كيت.»
أغلقت كيت هاتفها، لتعانق وسادتها وتجهش فى البكاء. ظلت هكذا حتى غفت أخيرًا بقلبٍ حزين...

𝐌𝐢𝐝𝐧𝐢𝐠𝐡𝐭 𝐂𝐨𝐧𝐯𝐞𝐫𝐬𝐚𝐭𝐢𝐨𝐧𝐬 || محادثات منتصف الليل जहाँ कहानियाँ रहती हैं। अभी खोजें