[الفصل التاسع]

974 119 72
                                    

أصواتُ الليلِ الهادئةِ تصدعُ بالمكانِ، النجومُ تُزيّنُ السماءَ الداكِنةَ ويتوسّطها قُرصُ القمرِ المُضئِ وكأنّه ملِكَ العرضِ، وبينما كان نائِماً بسلامِ ودِعةٍ غارِقاً بأحلامِه، يلفُ الغِطاءَ الرماديَّ حَوله لتدفِئته بتلك الليالِ البارِدةِ اخترقَ مسمامِعه صوتُ رَنينِ هاتِفه الصاخب بالليلِ الموضوع علي الطاولةِ بجانبه، ظهرت علامات الإنزعاجِ علي وجهِه النائِم فوضعَ الوِسادةَ علي أُذنه ليتهربَ مِن الصوتِ وإرتاحَ عِندما توقفَ الرنينُ ليعود لنومِه مُجدداً ،ولكنه إنزعجَ أكثر عِندما رنَّ مُجدداً فغيّرَ مِن وَضيعةِ نومه حتي يمدَّ يده ليصِلَ للطاولةِ دون الحاجه للنهوضِ، جونغسو كان مُنزعِجاً جداً عِندما وجدَ أنها الثالثةُ صباحاً والمُتصِل غير معروف في حينِ أنه رقم مختلف عن الأرقامِ المُعتادة هُنا.

تنهدَ قبل أن يختارَ زرَ الإجابه ثُم وضعَ الهاتفَ علي أُذنه -أو بالأحري صفعه-  قائِلاً بنبرةٍ أشبه بالسؤالِ: "مَرحباً؟" بصوتٍ ناعِساً أجشاً وأكثر نبرة مُنزعِجه بالكونِ كله.
كان الصمتُ هو ما يصدرُ من الطرفُ الآخر مما تسببَ في مُضايقته أكثر وكان علي وشكِ الإغلاق لولا سماعه لصوتٍ أنثوي مَألوفاً له قائِلاً :"مَرحباً جونغسو."

هو لن يصدقَ كلَ أحساسيه ويقول بأن ظنونه صحيحه، لرُبما إختلطَ عليه الأمرُ لكونه نائماً، لم يُرِد أن يشعرَ بالإحراجِ وأرادَ التأُكد مِما سمعه ليسأل بإهتمامٍ :"مَن؟"
"أنا والدتك بُنيّ." نبسَت بإجابتها ليجتاح جونغسو العديدُ من المشاعرِ، هو شعرَ بالفرحةِ والحُزنِ والذنبِ وكل شئ، صمتَ لوهلةٍ يُحاول جمعُ شتات نفسه بعدما أصبح مُتوتراً من سماعِ صوت أمه.
"أمي!" بنبرةٍ سعيدةٍ أردفَ وإبتسامةٍ واسعةٍ إرتسمت علي ثُغريه ، نسي شعوره بالنُعاسِ كليّاً.
"اشتقت لكِ ولأبي كثيراً أمي! أعلمُ أنني كنت مُخطئاً وأنا آسف بشدة علي ما فعلته من خطأ." هتفَ بسُرعه وقد ظهرَ علي نبرتِه الحزنُ وشعوره بالذنبِ.

"ونحنُ اشتقنا لك أضعاف شوقك لنا." دخلت نبرتها الحَنونه علي قلبِ جونغسو ليشعر أنه علي حافةِ البُكاء.
استرسلت بحديثها قائلةً بنفسِ النبرة الحنونه الدافِئه: "ولا داعي للإعتذارِ بُنيّ بل نحن من يجب أن يعتذر، لقد أجبرناك علي شئٍ أنت لك الحُريّة بإختيارِه، كان يجب عليك إختيار من تُحب بنفسِك وأنت كنت مُحقاً وقتها كما أنك كبيراً كفاية لتُحددَ هذا بنفسك، هي بالأساسِ لم تكُن مُناسبة لك، وبشأنِ سفرِنا.. لقد أعماني غضبي مِنك وكنت أُجبرك كذلك علي السفر مَعنا، ولكنني لن أخبئ عليك أنني لم أُرِد السفر وتركك وحيداً ،لم أُرِد أن نتفرق وأنت ابني الوحيد ليس لي غيرك أنت ووالدك."

"لقد مرَّ وقتٌ طويل حقاً يا أمي!" هتفَ جونغسو يشعرُ بالحُزنِ والشوقِ بالوقتِ نفسه ، لقد مرت أربعة أشهر دون أن يعرفَ عنهما اي شئ وكل يوم يؤنِّب نفسه علي ما فعله.
"نحن آسفان حقاً، لقد أدركنا خطأنا مُتأخراً ، كما أننا أردنا التحدُث إليك بوقتٍ نكون جاهزين للإعترافِ بخطأنا فيه." نبرتها الحَزينة والمذنِبه كانت واضحه لأذنِ جونغسو الذي أردفَ سريعاً كي لا يُشعِرها بالذنبِ أكثر من ذلك : "لا بأس يا أمي! الإنسانُ خطّاء كما أنني أتفهم كونكما والداي وأنا إبنكما الوحيد وأردتما الأفضل لي."
"شكراً لتفهمك بُنيّ." أردفت هي بدفء.
"أين أبي؟" تسائلَ بينما يرسمُ دوائراً وهميّة علي الغطاءِ عليه في محاولاتِ منه كي يهدأَ داخلياً.
"بجانبي، يريدُ التحدثَ إليك مُنذ بداية إتصالي ولكنني منَعته حتي أنتهي مِن كلامي أولاً." أردفت مُقهقه ليضحك جونغسو عليهما.

"مَرحباً بُني! إشتقت لك كثيراً" جاءه صوت والده السعيد ليبتسم أثرَ سماعه لصوته الذي إشتاق له، لن يُنكرَ أنه حتي إشتاق عندما كان يصرخ عليه، شعور الذنب أعمّاه كُلياً.

"وأنا أيضاً أبي، ولكن .. لماذا لم تحادِثوني إلا عند شعوركما بالشوقِ؟ لماذا وصلتُما بأنفسكما لتلك المَرحله؟" جونغسو شعرَ وكأنّ وقته قد جاء، بأن يتحدث ويُخرج ما بمكنونِ صدره، هذا بالأساس كان قرارَ أبيه.
"بصراحةٍ .. كُنا خائفين، لا أعلم مِمَا ولكن كان ردّ فِعلنا مُبالغاً به كثيراً، رُبما لأننا إعتدنا عليك سامِعاً ومُطيعاً مُنذ صِغرك ولم ندرِك أنك نضجت بالفعلِ بل وأصبحت راشداً، وما فَعلناه ذلك كان أثرَ صدمتنا من مُعارضتك لنا للمرةِ الأولي بحياتك، أنت لم تستحِق كل هذا خُصوصاً وأنت مَضغوط وبسنتِك الآخيرةِ بالجامعةِ وتحتاج للدعمِ المعنَويّ قبل أي شئٍ." كانت نبرةُ أبيه يتخللها الكثيرُ من رائحةِ الندمِ وجونغسو شعرَ بها واضحةً.

لن يُنكرَ أنه سعيدٌ بإعترافِ والديه هذا ولكنه يريدهُم بجانبه حتي بِلا إعتذارات، يريده بجانبه فقط.

" لا بأس يا أبي، نحن بخيرِ الآن .. أليس كذلك؟" حاولَ تلطيفَ الأجواءِ بذلك السُؤال، ومنه سيغلقُ ذلك الموضوع الذي نوعاً ما يُسبِب له الألم.
"نعم، وأتمني أن نظل بخير دائِماً." نبرته تبدلت مائه وثمانون درجة وتلونت بالسعادةِ، جونغسو سعيد الآن.

"هل أنهيت مشروعَ تخرجك؟" سأله والده.
" وسلّمته أيضاً." ردَّ بثقةٍ.
" هل نجحت؟" سأل والده بحذرٍ، علي ما يبدو هو مُتوقِع الأسوأ.
تعجبَ جونغسو من سؤاله كَثيراً لذلك رد بتفاخُر قائِلاً:" بالطبع! ألا تثق بي؟"
" بالطبعِ أثقُ بك، ولكن بالرغمِ من كلِ هذا نجحت! أنا فخورٌ بك حتي السماءِ." نبرته كانت ترقصُ فرحاً.
"لا تقلق يا أبي، فعلت أفضلَ ما لديّ بالرغمِ من كُلِ شئٍ، وضعت أهدافي أمامي وكنت أهمسُ بداخلي أن أجعلكُما فخورين بي." ردَّ مُتفاخِراً بنفسه، ليس الكثير يُمكِنه فعل ذلك.

سمعَ جونغسو صوتَ بكاءٍ لينبس والده بسُخرية: "أمك الدراميّه تبكي." ضخك علي سخريةِ أبيه من أمه.

"متي حفل تخرجك؟" تسألت والدته بنبرةٍ باكيه ليضحك جونغسو علي كونها عاطفيه اكثر من اللازمِ؛ لذلك هو مثلها.
" بعد اسبوعين ونصف من اليومِ."
"إنتظرنا." ألقت أمه بهذه الكلمة لينتفض المعنيُّ من مكانِه، هو لا يعلم فعل ذلك أثرَ تصريح والدته بعد حديثٍ هادئ أم بسبب عودتهم القريبه المُفاجِئه.
" حقاً! سأنتظركُما إذن، عودا بسلامٍ." هذا كل ما خرجَ من مشاعرِه الداخليّه.

"نحن نعتذرُ عمّا بدرَ مِنّا، وعن إتصالِنا بوقتٍ كهذا ولكننا لا نعلم فرقَ التوقيتِ، لذا لن نطيلَ عليك أكثر من ذلك وأكمِل نومك هنيئاً." قالَ والده.
"لا بأس ، لا حاجه للإعتذارِ، كل شئٍ بخيرٍ الآن.. وأيضاً حدِثاني كثيراً وقتَما لا تكونا مُنشغليّن" ردَّ جونغسو.
"حسناً سنفعل، أحلامٌ سعيدةٌ صغيري." قالت أُمه ثُم أغلقت الخطَ ومعها شعرَ جونغسو أن هُمومه أُغلِقت هي أيضاً.

---------------------------------
-------------------

محد ساحب ثلاث شهور لا 🙂

انيواي اعترف ان هذا الفصل كتبته بسببكم انتوا ،بمعني انتم كنتم سبب إلهامي المره دي وإني اكتب فصل ومنه اقدر ارتب للفصل الاخير، صحيح انه كله محادثة جونغ واهله ومفيش احداث بس بيساعدني فيما بعد، سو شكراً لكم. 💛

وبس دمتم بخيرٍ وأمان. 💛

°نصيحة ديسمبر°حيث تعيش القصص. اكتشف الآن