(2)

53 13 13
                                    

الغرفة مليئة برائحة المطر، آخذ نفسًا عميقًا و أقف على أطراف أصابع قدمي، أقترب من النافذة؛ لأضغط أنفي فوق السطح البارد للنافذة، تُكوّن أنفاسي ضبابًا فوق الزجاج، أغمض عيني مستمعة إلى صوت الطقطقة الناعم المندفع عبر الريح، قطرات المطر هي تذكرتي الوحيدة بأن السُحب تملُك دقات قلب و أنا أيضا مثلُها، أضغط كفي على لوح الزجاج شاعرة بالبرودة تتشابك مع يدي في عناق  مألوف، فكلانا وحيد، كأننا موجودان فقط كنتيجة لغياب شيء آخر.
أنظر عبر النافذة إلى البشر، حبيبان يرقصان تحت ألحان المطر، أطفال يركضون تحت المطر و أصوات ضحكاتهم تعم الارجاء، أرى في النافذة المقابلة أمامي أُمًا تحتضن صغيرها بحب ودفء، لا أستطيع تذكر دفء أي نوع من العناق و ما شعوره ؟
لم أُرد أن أعيش هذا المصير، لم أُرد أن أتألم بهذا الشكل المريع، لم أُرد أن أكون سجينة، مسلوبة للحرية و النعيم، أنا الحالمة بحياة هنيئة خالية من الهروب و الصراخ بلا مجيب، و ها أنا في مكان أعيش به كمغترب خفي غريب، يشتاق لرحيق الحياة و الأمل الجميل، أبكي بروح مهترئة كالضعيف، أمسح دموعي سريعاً فأنا أعيش حياة البشر و في مدينتهم كما تمنيت في صغري، بين البيوت و المقاهي و الحدائق، أتعايش معهم و يتعايشون معي، كُنت أتطوق في صغري إلى الرحيل و العيش بجوار البشر و كم كانت حياتهم رائعة بالنسبة لي، كُنت أحلم و أحلق من سعادتي في الأفق، لكن لِمَ أزال تعيسة؟ لا أزال أشعر كالغريب كقطعة أحجية لا تجد ما يلائمها بين العديد من القطع.
ربما قد أجد سعادتي و غايتي قريبًا ربما لا يزال القدر يخبئ لي ما يفرح قلبي و يريح بالي و يزيح همومي، ربما.
أتمني أن يرتاح عقلي من تلك الأفكار التي تجلب لي الحزن و الضيق و التفكير، أستلقيت على فراشي؛ فغداً يوم مليء بالعمل.

أجلس بجانب النافذة الكبيرة المطلة على الشارع بعدما أنهيتُ عملي في المكتبة بينما لا يزال الكسندر ينهي بعض الأعمال قبل رحيلنا، هذه المرة الأولى التي أحاول الكتابة بها و أفشل، أحاول أن أبحث في عقلي و عن ما يدور به، لا أعلم عن ماذا أكتب.
أتأملُ الأرصفة و الزواية، أتأملُ شقوق الجدران، كلها محاولات باءت بالفشل لجمع شتات أفكاري، في النهاية كانت عيناي تنجذِبُ نحوه، أقاومها و استمررتُ في الهروب، أتجنبُه في كُلِّ وقت.
حتى الآن لا تعلم كم أحُبّك و كم هو مُقدر إن تكون لي  و هذا ليس نابع من إرادتي و إختياري إنما هي حكمة إلهة القمر سيلين فمن خلالها يعرف كل مستذئب رفيقه على الفور من النظرة الأولى، قد يلتقيه صدفة بالطريق ويعرفه من نظرة واحدة فالمستذئب يميز الرفيق فوراً من رائحته و شكله، كما أنه يثير مشاعره بطريقة يعرفها الذئب بداخله فوراً فيخبر المستذئب أن هذا هو رفيقه. و حينها تراوده الرغبة الكبيرة بالبقاء معه وليس بوسعه التخلي عنه.
فحكمة ألهة القمر أن تجمع بين حبيبين من فصيلتنا بالحب المقدر المحتوم فهي تصنع خيط خفي يربط أولئك المقدر لهم أن يلتقوا، بغض النظر عن الوقت ، المكان ، الظروف، قد يطول الخيط أو يقصر لكنه لا ينقطع أبداً، و لكنِ أتسأل دوما هل للأله أن تخطىء ؟ فكيف أن يكون قدري شخص من غير بني جنسي ؟ كيف لها إن تجمع بين شخص مثلي و بين بشري، فالخيوط التي تجمعنا متشابكة لا تنحل إلا بالقطع و الفصل فطريقنا مختلف لن نجتمع أو نلتقي
ربّما و إن أرادت سلين أن نجتمع سنجتمع في الدقيقة الواحدة و الستين من الساعة أو ربّما في الساعة الخامسة والعشرين من اليوم، أو قد نجتمع في اليوم الثامن من الأسبوع! أو و ربّما في الشهر الثالث عشر من السنة.
ربما!

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jul 21, 2023 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

خَطِيئَة | Sinحيث تعيش القصص. اكتشف الآن