عجُوز القَصر

84 6 1
                                    

سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم .

_____________________________

ولنترك الآن حديث ممو و تاج الدين ، لنعود إلى القصر ونعلم ما الذي كان من أمر ستي وزين ، فلقد رجعتا في تلك الليلة أدراجهما إلى القصر ، واستطاعتا دخوله دون أن ينتبه أحد إلى حقيقتهما . ودون أن يرتاب أحد من الحجاب في أنهما من بعض الغلمان الحسان في القصر .

وما إن تجردت كل منهما من ذلك المظهر الذي تنكرتا فيه ، وجلستا تستريحان من النصب الذي لحقهما في ذلك اليوم ن حتى أخذت كل منهما تشعر بقلق واضطراب واضحين في نفسها ، ولم تكن إحداهما تعرف شيئاً عن سر ذلك القلق أكثر من أن له اتصالاً بتينك الجاريتين اللتين حدث لهما ذلك الشأن العجيب . فقد كان منظرهما - وهما على تلك الحالة من الذهول ، وعلى وجهيهما تلك المسحة من الجمال المشوب بسيما الروعة والوقار - ملازماً لخلدهما . وكانت تتضافر على ذلك عدة عوامل ، بعضها غرابة ذلك الحادث الذي أصابهما ، وبعضها التطلع إلى معرفة حقيقتهما ومن تكونان من الناس ، وبعضها ذلك الشعور الغريب الذي أخذ يساورهما نحو تينك الجاريتين المجهولتين من حنان وإعجاب ، بل وحبّ آخذ في الزيادة والاشتداد ، رغم أنهما امرأتان مثلهما على ما تظنان وتحسبان .

وهكذا أخذ التفكير في الجاريتين يستولي عاى قلبيهما ، فلم تكونا توجدان إلا مختليتين في بعض غرف القصر أو جهاته تتهامسان في هذا الشأن ، وتتبادلان إفضاء خلجاتهما النفسية حول ذلك .

غير أنه لم يستطيع أحد من سكان القصر رغم ذلك ملاحظة حالهما تلك ، سوى مربية عجوز لهما يقال لها " هيلانة " . كانت هرمة مسنة ، غير أنها أقوى من الدهر في مكره ، وكان متغضنة الملامح باهتة الشكل إلا أن لها دهاء يتألق ، وكانت خامدة القوى مقوسة الظهر غير أن ذكائها كان فتياً يلتهب . فقد أخذت هذه العجوز تلاحظ أن حالة تطوف بهما منذ اليوم الذي خرج فيه الناس إلى مهرجان الربيع ، ومضت تراقب فيهما تطورات تلك الحالة التي لم تلبث أن اتخذت مظهرها في كثير من أوضاعهما وأحوالهما !

وفي صبح ذات يوم استأذنت عليهما فوجدتهما مطرقتين ذاهلتين ، وقد أخذ التفكير منهما كل مأخذ ، وتجلت مظاهر الحيرة والأسى على وجه كل منهما ، فدنت إليهما ، وجثت على مقربة منهما ، ثم قالت :

- "  بروحي يا أميرتيَّ الصغيرتين فديتكما ، وجعلت الله ربي حافظاً لكما ، فأنتما إنسان كل عين ، وحبة الشوق لكل فؤاد . يخيل إلي أن هذا القصر قد كمد بعض بريقه ، وتوارى من أنحائه الكثير من أنسه ، منذ اليوم الذي خرجتما فيه لمهرجان الربيع ، ثم عدتما بما تحملان من هذا الإطراق والتفكير والذبول !. فهل لي أن أسأل عن السر الذي طواه مقدمكما ، أو عن الخمرة التي تسببت كل هذا في ذهولكما ؟ فقد أستطيع معونتكما في شيء إذا كان مستعصياً ، أو استخدم تدبيري وسحري إن كان خافياً " .

ممو زينWhere stories live. Discover now