سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم .
_______________________________
أما « ممو » فقد كان عديم الصبر والقرار حتى عندما كان صفيه لايزال إلى جانبه ، يشركه في ألمه ووجده ، فكيف به اليوم ، وقد افتقد من جانبه الصديق ، وغاب عن قلبه الأمل ، ولم يبق إلا خيال « زين » ؛ يشع محياها في ذهنه من خلف ضباب اليأس الأليم القاتل ؟!
لقد كانت فترة وجيزة من الأيام .. سرعان ما اختفى فيها ذلك الشاب الرائع ، المعتز بقوته وشخصه ، والمعجب ببطولته وبأسه .. وظهر من ورائها إنسان آخر يثير منظره الرحمة والإشفاق ، نحيل القامة ، ذاوي الشكل ، ذو ملامح ذابلة . ينظر ما حوله بعينين شاردتين ، كأن فيه عتهاً أو جنوناً ، يهيم على وجهه بياض نهاره وسواد ليله ، متنقلاً بين الآكام والتلال ، يذرع مرة شواطئ دجلة جيئة وذهاباً ، ويتسلق أخرى ذرى الجبال صعوداً و نزولاً . لا يقر له مكان في أي جهة ، ولا يكاد يستأنس بأي إنسان .
إنه ممو بعينه .. ذلك العاشق الذي صدمه اليأس في قلبه صدمة واحدة بعد أن شبت الآمال في نفسه ، وكادت أن تزدهر .
وهو بعينه أيضاً صفي تاج الدين .. إنه لليوم يراه فلا يكاد يتبينه ، ويجلس إليه ، فلت يرفع رأسه عن إطراقته ، ولا يكلمه بغير آهاته وزفراته .
وهو بعينه ذاك الذي كان سكرتيراً في ديوان الأمير .. إنه اليوم يدخل إلى الديوان ، ويرى أمامه الأمير ، فلا يكاد يستطيع أن يخفي نشيجه .
ولكنه مع ذلك ظل يكتم سر دائه عن كل مخلوق ، إلا صفيه تاج الدين ؛ الذي لم يعد يملك أيّ وسيلة في محاولة إسعاده .
أما حينما يهيج به الوجد ويضيق به الكتمان ، فقد كان يأخذ سمته إلى خلوات على الشطآن ، أو في بعض سفوح الجبال ، حيث يبعث هناك ما شاء من زفراته وأناته ، ويسكب كل ما في عينيه من دموع ، ويتخذ من الرياح الساريى من حوله ، والمياه الجارية من أمامه ؛ جلساء يشكو إليهم همه ويشرح لهم ناره ...
كان يمضي ساعات على شاطئ دجلة ، جالساً إليه في حديث طويل ، يسكبه على صفحته الرقراقة ، قائلاً :
- " أيها المتدفق كدمعي ، الهائج مثل نار شوقي .
ما لي لا أراك في ساعة من ليل أو نهار إلا هائجاً زخاراً ، لا يقر لك قرار ، .لا يهدأ منك بال ؟
أم يبدو أنك تعاني مثلي ويلات هذا العشق وجنونه ، وينطوي سرك على حبيب أفقدك القرار والهدوء ، فهي الذكرى تثير في طيات جوانحك هذه الثورة الدائبة ؟!
ولكن من يكون معشوقك غير هذه الجزيرة الخضراء التي تظل دائراً من حولها ؟ ففيم الهياج إذاً ؟ وهي ذي نائمة بين ذراعيك ؛ منازلها مستقرة في قلبك ؛ يمناك ملتفه منها حول الخصر ، وشمالك مبسوطة فوق عقد النحر .
كل هذا ، ثم لا تشعر بالنعمة ووجوب شكرها !.. تظل ترغي وتزبد . هياجك يعلو إلى عنان السماء ، وأوارك ينبعث صداه إلى ديار بغداد ! ألا قل لي ، ما الذي تبغيه بعد كل ما أنت فيه ؟ وأي أمل ضاع منك ، حتى تظل هائجاً حول نفسك من أجله ؟!
![](https://img.wattpad.com/cover/232558416-288-k357781.jpg)
أنت تقرأ
ممو زين
Randomمموزين ملحمة كردية كتبها الشاعر أحمدالخاني في القرن السابع أو الثامن (تاريخ غيرموثوق) وهي تتحدث عن مرحلة تاريخية ممزوجة بقصة عشق بين ممو وزين وترجمها الكاتب محمد سعيد رمضان البوطي العلامة الإسلامي الكردي إلى اللغة العربية ولكنها ترجمة معنوية ولها تر...