# الخاتمة (ج 2)

32.7K 946 40
                                    

#الخاتمة_ج(٢)
#عهد_الذئاب
#بقلمي_ولاء_رفعت

_ و في إحدي القري السياحية...
تصحو من غفوتها وهي تتثاءب وتحك في فروة رأسها و خصلات شعرها منتصبة، تقول بصوت يغلبه النعاس:
_ كينو الساعة كا.....
لم تكمل حينما وقعت عينيها علي الفراش الفارغ بجوارها، وضعت يدها تتحسس مكانه قائلة:
_ مطرحه ساقع يبقي شكله صحي من بدري ونزل البحر.
نهضت وألقت نظرة علي الساعة الرقمية فوق الكمود لتجدها العاشرة صباحاً، فقالت:
_ كل ده نوم يا دودو أهو زمانه صحي من الساعة سبعة الصبح كالعادة ومرضاش يقلقني.
سارت نحو المرآه وتوقفت أمامها تحدق في منامتها الحريرية القصيرة و ثغرها يتسع ببسمة و سعادة، تتذكر أحداث ليلة أمس ومن قبلها ثلاث ليالي منذ أن جاءو هنا بعد حفل زفافهم الأسطوري وكان بإحدي الفنادق الشهيرة في العاصمة، قد حضره آل البحيري جميعاً و رجال الأعمال و بعض رجال الداخلية، ومن لدي معارفها لم يحضر سوي جدتها و جيرانها والذي منهم كان فرحاً من أجلها والبعض الآخر حاقداً عليها.
صدح رنين هاتف ظنت إنه هاتفها، ألتفتت لتجده هاتف كنان ربما قد تركه سهواً منه، أمسكت بالهاتف وجدت رقم مجهول بدون أرقام، عقدت حاجبيها بتعجب قالت:
_ رقم مجهول!.
أجابت بملامسة علامة قبول المكالمة ثم وضعت الهاتف بدون أن تتفوه علي أذنها، سمعت تنهيدات يصاحبها شهقات يبدو إنها لأنثي وكادت تتحدث لكن قاطعتها الأخري باللغة لم تفهمها:
(الحوار مترجم )
_ كنان، أشتاقت لك كثيراً، أعلم إنك أصبحت تكرهني و تزوجت من بعدي، لا أعلم لما شعرت بالغيرة حينما رأيت مقاطع من حفل زفافك، حينذاك أصابني الندم علي ما أقترفته في حقك.
صمتت حيث أنفجرت في البكاء، أبعدت دنيا عن أذنها الهاتف وهي تقول:
_ مين الي عماله تبرطم بالأفرنجي دي وعماله تأوء، داهية لتكون واحده خواجية لافه علي جوزي وبيتقابلو في الحرام.
وضعت الهاتف مرة أخري علي أذنها وقالت بغضبٍ:
_ إسمعي يا وليه أنتي ولابت ولا الله أعلم حالتك أي بالظبط، ملكيش دعوة بجوزي خالص، إلا وقسماً بالله ل......
قاطعها طنين إغلاق المكالمة، فقالت بحنق:
_ وكمان بتقفلي في وشي السكة يابنت أم سحلول، وربنا ما هاسكت لما أشوف حكايتك أي، أيوه لازم أعرف مش أنا الهبلة الي نايمه علي ودنها وأكتشف إن جوزي متجوز عليا ولا بيخوني مع واحده.
ألقت بالهاتف علي التخت وذهبت لتغتسل ثم أبدلت ثيابها بثياب البحر الخاصة بالمحجبات، فهي أول مرة ترتديها منذ أن جاءت هنا حيث قد أصرت بعدم خروجهما إلي الشاطئ بعد أن رأت الفتيات والسيدات يرتدين ثياب البحر التي تكشف عن معظم أنحاء جسدهن بالكاد تخفي مفاتنهن فقط، و هذا سوف يجعلها تتشاجر معه لغيرتها المفرطة عليه.
خرجت من الشاليه باحثة عنه حتي أوقفها إحدي رجال الأمن بالقرية:
_ يا آنسة، يا آنسة.
ألتفتت له و هي تزفر من غضبها الكامن، أجابت بتهكم:
_ مدام يا كابتن، نعم؟ .
وقف أمامها وبنبره رسمية قال:
_ طيب ممنوع يا مدام.
وضعت يديها في خصرها وتشدقت بسخرية:
_ هو أي الي ممنوع إن شاء الله يا كابتن؟ .
رمقها بإبتسامة سمجة مجيباً:
_ ممنوع حضرتك المايوه الي أنتي لبساه، ده قانون القرية والتعليمات بتقول كده.
غرت فاها وهي تدرك مقصد حديثه، فأخذت تنظر يميناً ويساراً ومن حولها علي كل سيدة وجدت هي مختلفة بالفعل لكن بثيابها المحتشمة، وهنا أطلقت الوحش من داخلها، صاحت بأعلي صوتها وهي تشيح بيديها في وجهه:
_ مايوه مين يا أبو مايوه، لما أنا الي لبساه ده بتقول عليه مايوه أومال يتقال أي علي الي الهوانم مش لابسينه ده.
_ بس يا....
_ بس أي وبتاع أي يا شبه راجل أنت وصاحب المخروبة الي شغال فيها دي، بالذمة مش مكسوف علي دمك وأنت بتقولي ممنوع وسايب الحريم الي ماشين ملط علي الشط كده، ده أنتو هتتحدفو علي جهنم بصاروخ نووي ينفجر بيكو جواها أنت و الي ملهمش علاقه بالرجولة الي حطو القوانين دي، تعرف ياض لو أهل الحارة عرفو وسمعو بالي بتقولو ده هيقولو عليكو أي لولا حيائي وتربيتي كنت قولتلك و أظن إنك عارف.
و هنا تدخل رجل آخر يبدو من ثيابه الرسمية إنه مدير الأمن، و ذلك بعد تجمع بعض المصطفين حولهم يرمقونها بنظرة إزدراء، فقال:
_ في أي يا سعد، أي الي بيحصل؟ .
أجاب سعد بقلة حيلة:
_ والله يا فندم بقول للأنسه أصدي للمدام إنه ممنوع المايوه الي لبساه، وفهمتها إن دي قوانين القرية.
صاحت دنيا وهي ترفع حاجبيها:
_ شوف أبو قرون برضو يقولي مايوه.
_ روح أنت ياسعد وأنا هاتكلم مع المدام.
ذهب سعد ليكمل الآخر بهدوء وتكلف :
_ آسف يافندم لو ضايقك، هو مقالش حاجه غلط دي تعليمات القرية إن ممنوع الجيست تلبس البوركيني الي حضرتك لبساه أو حجاب.
_ الله يرحمك يا نخوه، الله يرحمك يا رجولة، هو أنتو الي بيجري في عروقكو ده أي بالظبط دم ولا مية بطيخ حمضانه!.
_ يافندم، إحنا لحد دلوقت بنتكلم مع حضرتك بهدوء ومتخذناش أي إجراء ضدك.
تستمع له وهي ترفع أكمامها لأعلي:
_ إجراء مين يا روح خالتك وربنا لأربيكو.
قالتها و وثبت عليه وهي تضربه بكل قوتها وهي تصيح:
_ يا عديمين النخوه يا لي محسوبين علينا دكوره في البطايق..... عايزيني أقلع حجابي وهدومي وأمشي عريانه.... يشيلو ويحطو عليكو يا بُعده... اللهي ربنا ينزل عليكو إعصار تسونامي ويخلصنا منكو ولا ينفجر فيكو بركان ويحرقكو وأنتو صاحيين أهو يبقي عذاب دنيا وأخري... يا قرية ما فكيش راجل.
_ دنيااا.
صاح كنان بها بعد أن جاء علي أثر صياحها وشكوي العاملين بالمكان وصراخ الرجل الذي يتكور في وضع الدفاع عن وجهه بعد أن أصبح دامياً من لكماتها.
توقفت وهي تلتقط أنفاسها بصعوبه، ثم قالت:
_أهو جالكو الي يعلمكو الرجولة يا شوية نسوان.
أقترب كنان بوجه متجهم من مايراه و خاصة عندما وقعت عينيه علي الرجل المُصاب وهو ينهض متفوهاً بصعوبة:
_ كنان بيه!.
نظر كنان إلي الرجل بأسف من ما أقترفته زوجته به ثم إلي دنيا وقال بنبرة حادة:
_ ممكن أعرف أيه الي أنتي عملتيه في الراجل ده؟.
وسرعان ما رسمت علي ملامحها البراءه وإنها علي وشك البكاء، ف أجابت عليه:
_ يرضيك يا كينو، الراجل ده عايزني أقلع البوركيني وألبس بكيني و لحمي يبقي فُرجة للأشكال الضالة.
رمق كنان الرجل بنظرة نارية، فقال الآخر:
_ والله يا كنان بيه أنا ما قولتلها تقلع ولا تلبس، أنا كل الي قولته إنه ممنوع تنزل الشط بالبوركيني و دي قوانين القرية وحضرتك عارفها.
صاحت دنيا بسخرية :
_ و نعم الرجولة، يا فرحة أمك بيك.
حدق بها كنان بنظرة جعلتها تشيح وجهها إلي الناحية الأخري خوفاً منه، فقال للرجل:
_ معلش علي الي حصل يا أستاذ منعم، المدام أول مرة تيجي القرية معايا ومتعرفش النظام.
أجاب الرجل بإعتذار و هو يضع كفه علي وجنته المتورمة:
_ أنا الي آسف يا كنان بيه، والله ما أعرف إنها مدام حضرتك.
أومأ له كنان قائلاً:
_حصل خير.
ثم نظر إلي دنيا وأشار لها:
_ يلا معايا علي الشاليه.
_ وبالداخل، يجلس علي الأريكة الجلدية، يشبك يديه معاً ويسند مرفقيه أعلي ركبتيه، منحنياً بجذعه إلي الأمام.
_ ممكن أعرف مين الي قالك تخرجي بدون أذني؟.
خلعت الحجاب وأنسدلت خصلاتها المموجة بإنسيابية و جلست علي الكرسي المقابل له، أجابت عليه:
_ كنت بدور عليك وياريتني ما خرجت ولا أتصدمت بالرجاله العره دي.
_ و أنا عيل تايه بتدوري عليه!، وبعدين الراجل مغلطش هو بينفذ تعليمات شغله مش أكتر.
نهضت وصاحت:
_ يعني أنت موافق علي الأرف ده؟.
نهض أيضاً ليقف أمامها مشيراً لها بحذر:
_ صوتك ميعلاش يا دنيا، وإلا هاتشوفي مني معاملة مش هاتعجبك.
زفرت بتأفف وعقدت ساعديها أمام صدرها، ف أردف:
_ متتنفخيش وأنا بكلمك.
تصنعت إبتسامة صفراء:
_ حلو كده؟.
رفع إحدي حاجبيه و قال:
_ بتتريئي؟.
أقتربت منه بدلال و وضعت يدها علي صدره العاري، حيث لايرتدي سوي سروال الخاص بنزول مياه البحر، قالت:
_ كده يا كينو يا حبيبي، بتزعئ لدنيتك حبيبتك.
_ عشان خرجت من ورايا وبتتصرف من دماغها، لما تلاقي موقف زي الي حصلك كده تروحي الشاليه لحد ما أجيلك وتقوليلي وأنا هاتصرف، يعني عاجبك لما لميتي الناس حوليكي ونازله ضرب في الراجل كده!.
أبتعدت قليلاً وعادت إلي نبرة التذمر والغضب:
_ ويستاهل ضرب الجذمة كمان، هو وكل الي شاغلين هنا و قبلهم صاحب الزفته دي، بقي اللبس المحترم ممنوع و عشان أبقي جيست فايف ستار أقلع و أبقي عريانة!، من أمتي العُري يبقي تحضر!، يبقي أي الفرق مابينا وبين الحيوانات!، طب علي الأقل معندهمش عقل وإحنا ربنا أدالنا العقل و نزلنا شرائع وأديان كلها بتدعي للحشمة والستر.
جلست علي الكرسي لتجده يرمقها بنظره ثاقبة عن كثب، فأستطردت:
_ عارف يا كنان، لما كنت لسه عيله بضفاير سألت جدتي وقولتلها ليه ياتيتا إحنا بنلبس الحجاب و هدوم طويلة و واسعة و غيرنا الي بنشوفهم في التلفزيون لابسين هدوم كاشفه جسمهم أكتر ما هي مخبياه، قالتلي مثال عمري ما هنساه كان جدو الله يرحمه بيقوله لها، و هو إن ديننا كرم المرأه عكس ما الغرب والإعلام بيصوره لينا من تطرف وتعصب، ديننا بيعتبر المرأه ملكة، و زمان الملكات محدش من الحاشيه أو الي حواليها يقدر يرفع عينه فيها ولما أي حد كان بيكلمها بيبقي من ورا ساتر أو تكون مغطيه وشها، لأنها عظيمة المكانة والشأن، و ده بينطبق علي المرأه في الإسلام سواء كانت آنسه أو مدام أي كان حالها، وبالنسبه للوقت الي كانت تيتا بتكلمني فيه مكنتش مُدركه وقتها المثال ده، راحت جابتلي طبقين رز بللبن واحد متغطي والتاني مكشوف، الأول رفعت الغطا كان نضيف وشكله حلو يجري ريقك عليه، لكن المكشوف كان ملموم عليه نمل وحشرات لأن تيتا نسيت تغطيه أو تحطه في التلاجه، سألتني قالتلي تختاري تاكلي أي، شاورتلها علي المتغطي طبعاً، ضحكت و قالتلي فهمتي يا دنيا أنا أصدي أي.
أنتهت من حديثها الطويل، لتجده ما زال يحدق بها وربما يكن شارداً فيها، أشارت له بيدها أمام وجهه:
_ يعني أنت سرحان فيا وسايبني بكلم نفسي!.
أبتسم و أقترب منها، أمسك بيديها و جعلها تقف، ثم قام بتقبيل راحة كفها قائلاً:
_ بالعكس، كنت مركز مع كل كلمة وحرف بتقوليهم، بكتشف كل يوم فيكي حاجة بتجذبني ليكي أكتر وأكتر، أختلافك وبساطك في التعامل و كونك علي طبيعتك من غير تكليف، كل ده خلاني أتعلقت بيكي.
لاحظ تورد وجنتيها من أثر كلماته عليها، ضمها بين زراعيه لتتوسد رأسها صدره، وقال:
_ بحبك أوي يا دنيتي.
عانقته هي أكثر هامسة:
_ وأنا كمان...
صمتت حين تذكرت المكالمة، أبتعدت بعنف ولكزته في صدره، ف أنفزع من فعلتها و رمقها بدهشة وتعجب:
_ في أي؟.
تركته و ذهبت لتجلب هاتفه من الغرفة، ثم عادت إليه و وجهت الشاشة أمام عينيه قائلة:
_ أي الرقم المجهول ده؟.
لعن نفسه بداخله بسبب نسيانه لهاتفه، فهو يعلم جيداً من هي صاحبة الرقم المجهول، ليست أول مرة تهاتفه، لطالما تتصل به ليسمع صوت أنفاسها المتهدجة وهي تبكي تارة وتارة أخري تثرثر بثمالة بللغتها الروسية التي يفهم منها القليل، لكن لم يجيب عليها ببنت شفه، كفي معاناة وألم يكره التفكير بالماضي، فها هو الآن أصبح مختلفاً وبأفضل حال و هذا عندما دخلت دنيا حياته و يعيش معاها ما كان يحلم به مع من يُسلم لها قلبه وعقله، أفاق من شروده علي صوتها:
_ هي الإجابة محتاجة للتفكير كل ده!.
أمسك منها الهاتف و وضعه جانباً، أمسك يدها ليجعلها تجلس بجواره وقال لها:
_ مجتش فرصة أحكيلك و عشان زي ما وعدتك إنك في عينيا وعمري ما هزعلك أبداً، هاقولك مين دي.
سرد لها كل شئ عن سيلينا.
_ بغض النظر إنها كانت مراتك والمفروض مطيقهاش، بس تصدق صعبت عليا.
تساءل بتعجب:
_ صعبانة عليكي في أي بقي؟.
أجابت:
_ إنها غبية مشيت ورا قلبها و محكمتش عقلها، يعني راحت تجري ورا واحد واثقه مليون في الميه إنه عمره ما بيحب ولا هايحب غير مراته و سابت الي فرشلها الأرض ورد و حبها أوي.
_ أنا كنت مهوس بيها لكن عقلي كان بيحذرني منها طول الوقت، و عارف إنها مبتحبنيش وجازفت وأتجوزتها، قولت يمكن أخليها تنساه وتحبني، و للأسف أتاريها وافقت بجوازنا عشان تبقي جمبه.
_ أصدك وخداك كوبري.
قالتها و قهقهت رغماً عنها، مما أثار حنق الآخر، زمجر بغضب:
_ دنيا، خدي بالك من كلامك، مش هانبهك تاني.
ألتصقت به و مالت برأسها علي كتفه قائلة:
_معلش يا حبيبي مش أصدي، خلاص أقفل علي السيرة دي، بس طلب صغير لو ليا خاطر عندك، أوعي تتصل بيك تاني و ترد عليها.
ربت علي وجنتها بحنان قائلاً:
_ من غير ما تقوليلي أنا عمري ما رديت عليها حتي قبل ما نتجوز، لأنها خلاص بالنسبة لي صفحة وأتقفلت.
تنفست بأريحية وكأن ثقلاً قد أنزاح من فوقها، رمقته بجدية وقالت له بتحذير:
_ أنا واثقه فيك ومصدقاك، بس عارف لو طلعت بتضحك عليا وبتستغفلني، هتلاقي دنيا غير الي عرفتها خالص، وربنا يكفيك شر قلبتي.
لم يتمالك نفسه وأخذ يقهقه، لتردف بحنق طفولي:
_ هو أنا قولت أي يضحك يا كنان باشا؟.
أجاب ومازال يضحك:
_ بضحك علي أسلوبك وطريقتك، وكل شويه بحالة، صدق الي سماكي فعلاً دنيا، علي أد ما تضحكلك بس يا ويلك من قلبتها.
_ طب خد بالك بقي.
قالتها و كادت تنهض، ف جذبها من يدها و أجلسها فوق فخذيه.
_ قايمه وسيباني، رايحه فين.
_ رايحة أغير هدومي عشان هانفطر.
مال بأنفه ليلامس عنقها وتفوه بأنفاسه الحاره:
_ أنا كلمتهم و هيجيبو الفطار لحد هنا.
همساته وأنفاسه علي بشرتها جعلتها تتوتر.
_ ل... ليه مش هانروح نفطر في المطعم.
و كادت تنهض مرة أخري، لكن لم تستطع القيام، يمسك بها بقوة و شرع بطبع قبلاته علي عنقها حتي وصل إلي وجنتها ثم إلي شفتيها.
_ لاء، هنفطر هنا.
وهنا تفوهت كالتي ثملت للغاية:
_ كينو.
أجاب بهمهمه من بين قبلاته، ف قالت:
_ عارف؟.
أبتعد بوجهه عنها و هو ينظر لشفتيها متأهباً لألتهامهما:
_ لاء مش عارف.
_ نفسي ربنا يرزقني بولد يكون نسخة منك.
إبتسم بمكر و دهاء، ف نهض وهو يحملها علي زراعيه، شهقت بفزع:
_ في أي؟.
أجاب ب خبث:
_ هاحققلك الي بتتمنيه.
وأختتم جملته بغمزه من عينيه، تلجم لسانها من الخجل، و ولج إلي غرفتهما ليغمرها عشقاً و دلالاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ أستيقظت من نومها رغماً عنها بعدما أنتابها الألم التي أعتادت عليه مؤخراً ، منذ ما بدأت في شهر حملها التاسع، و هذا بسبب إنقباضات الرحم التي تُهيأ لطفلها الوضع العمودي إستعداداً للولادة، كما أخبرتها علياء في زيارتها الأخيرة لها في المشفي.
نهضت بجذعها وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة، بينما هو أستيقظ بفزع عندما تقلب و وجدها في تلك الحالة، نهض يتفحصها و سألها:
_ مالك يا حبيبتي، وجع تاني؟ .
جزت علي شفتيها وهي تكبت الألم حتي لا تقلقه بشأنها، ف قالت:
_ مفيش حاجة يا قلبي، نام أنت عشان هاتصحي من بدري، يوسف قالي هياخدك معاه هتشترو شويه حاجات عشان الفرح.
أمسك آدم يدها يمسدها بين كفيه بحنان قائلاً:
_ طيب ممكن بقي كفايه مشواير مع علياء و ملك وأرتاحي بقي.
_ مينفعش يا حبيبي، لازم أكون معاهم وأساعدهم في تجهيزات الفرح، دول أخواتي الي ربنا رزقني بيهم.
قام بتقبيل يدها وقال:
_ ربنا ما يحرمني منك أبداً يا خديجة يا أم...
صمت وأردف:
_ لغاية دلوقت محتارين في إسمه.
إبتسمت وقالت:
_ و قت ما هيتولد إسمه هتنطقه علي لسانك.
ضحك وقال:
_ أفرضي نطقت جعفر.
ضحكت و هي تلكزه في يده:
_ عايز تعقد لي الولد.
أقترب منها ليحتضنها من ظهرها ويحتويها بين زراعيه وبين ساقيه:
_ بالعكس أنا عايز أدلعه وأدلع مامته الي بموت فيها و بعشقها أوي.
قالها و كاد يقبلها حتي شعر كليهما بركلة طفلهما بداخل بطنها وشعر بها آدم في زراعه المجاوره لها، تأوهت و ضحكت، ف قال:
_شوفتي من دلوقتي و هو لسه في بطنك بيضربني عشان أبعد عنك.
وضعت يدها علي بطنها تمسدها قائلة:
_ روح ماما يعمل الي هو عايزه.
رفع إحدي حاجبيه وقال:
_ هي بقت كده؟.
تملصت منه ونهضت وهي تضحك:
_ و خد دي بقي كمان لما يجي بالسلامة هينام في حضني، يعني شوفلك سرير تاني أو نام علي الكنبة أحسن.
نهضت وجذبها من يدها ليرجعها حتي إستندت بظهرها علي الحائط وتحدث إلي بطنها:
_بص بقي شكلك هتاخد حبيبتي مني، فياريت كده تسد ودانك وتغمض عينيك، عقبال ما أستفرد بيها شويه قبل ما سيادتك تشرف.
نظرت له بتعجب ضاحكة، وقالت بمزاح:
_ معقول الباش مهندس آدم البحيري يغير من بيبي لسه في بطن مامته.
جذبها برفق من خصرها وزراعه الأخري أستند بها علي الحائط، ف همس بنبرة تجعل حواسها تذيب عشقاً بين يديه:
_ أنا مش بغير عليكي وبس.
أقترب من وجنتها بأنفه وأردف بأنفاسه الحاره:
_ أنا مُتيم بيكي، بروحك.
قالها وقام بتقبيل عنقها.
_ وبجمالك و جمال عيونك الي تشبه حبات البندق.
أغمضت عينيها وقام بتقبيلهما.
_ و بريحتك الي تشبه ريحة الورد الأبيض.
أنحني نحو جيدها ولثم ترقوتها بحميمية.
_ و بعشق خصلات شعرك الأسود الي تشبة عتمة الليل.
صعد بشفتيه وقام بتقبيل مفترق خصلاتها و سحب مشبك الشعر خاصتها لينسدل حول وجهها، ثم حدق في عينيها بنظرة كلما يرمقها بها يجعل قلبها يخفق بقوة، ف تفوهت بهمس وكأنها تغرق في محيط عشقه:
_ آ د م.
أقترب من منبع الرحيق خاصتها للغاية وهمس أمامهما:
_ قلبه وروحه وعقله.
أزدردت ريقها و هي ترفع يديها وتلمس صدره العاري بأناملها الرقيقة، تتحسس عضلات صدره البارزة بقوة مؤخراً، حيث كان يداوم علي ممارسة التمارين الرياضيه ويكتسب لياقة بدنية جعلته أشد وسامة من ذي قبل.
ما زالت تلمس صدره وهبطت إلي عضلات بطنه السداسية، و هذا تحت نظراته المترقبه لها ولما تفعله به، لاتعلم إنها تثير جنونه بلمساتها، أغمض عينيه ليشعر بيدها وهي تسير علي عضده ذو العضلة القوية، تصعد إلي عنقه ثم إلي وجنته تخلل أناملها بين خصلات شعر لحيته الناميه حديثاً.
_ ممكن طلب؟.
أجاب و مازال مغمض العينين:
_ أطلبي.
_ ممكن متحلقش دقنك خالص، سيبها كده أنا بحبها أوي.
فتح عينيه و بخبث قال:
_ و شفايفي؟.
تصنعت عدم الفهم:
_ مالها ناوي تربيها هي كمان!.
إبتسم بمكر و أجاب:
_لاء مش هربيها، أنا هرويها.
وأختتم جملته بقُبلة أخذتهما من المكان والزمان إلي مكان آخر، لايوجد فيه سوي قلوب المُحبين مُحلقة أعلي مملكة العشق.
•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•
_ و في عرض البحر الأحمر يقف ذلك اليخت و تعلوه سماء صافية وخالية من السُحب لا يتخللها سوي أشعة الشمس الذهبية اللامعة، وتكتمل هذه اللوحة الطبيعية من صُنع الخالق بأصوات أرتطام الأمواج الخفيفة بسفح اليخت، و إذا أنصتنا جيداً سنستمع إلي صوت ضحكات طفل صغير، و سبب ضحكاته والدته التي تدغدغه لدي أبطيه وهي تقول:
_ أي ده، لوكا راح فين ماما بتدور عليه.
وتتصنع عدم رؤيته ف يقول:
_بب باببا.
ويقهقه من ردة فعلها حين تشهق:
_ هاا، لوكا هنا أمسكوه.
وتدغدغه مرة أخري و يطلق ضحكاته التي تجعلها تريد أن تلتهم وجنتيه المكتنزتين.
_ الأكل جاهز.
صاح بها قصي من أعلي اليخت، ف أجابت عليه بصوت دوي:
_ طالعين يا بابا.
ألتفتت لصغيرها و مدت يديها إليه لتحمله قائلة:
_تعالي نطلع لبابي، نشوفه عملنا أكل أي.
حملته علي زراعها والأخري تُسند ظهره، ف مازال لم يستطع السير برغم إتمامه عامه الأول منذ أيام.
تصعد الدرج و تستنشق رائحة الشواء بإستمتاع، و جدته قد أعد أدوات المائدة من أطباق وكؤوس شاغرة وملاعق وشوك وسكاكين صغيرة، جميعها مُرتب و مُنظم، ترك مروحة الشواء جانباً وأمسك بالملقط المعدني ليأخذ قطع اللحم المشوية ويضعها في طبق كبير، وأنتهي من هذا ثم وضعه وسط المائدة و ألتفت خلفه وتناول طبق كبير يحتوي علي أرز وآخر سلطة مشويات، و زجاجة مياه معدنية كبيرة.
ألقي نظره وهو يقول:
_ أقل من دقيقة نازل أجيب حاجه وطالع علي طول.
كادت تتفوه لكنه كان أسرع ليهبط الدرج، وبعد ثوان صعد مسرعاً كالفهد يحمل زجاجتين من النبيذ المُعتق، وضعهم علي المائدة و جلس قائلاً :
_كله تمام، يلا دوقو وقولولي أي رأيكو؟ .
أمسك بالشوكة والسكين وألتقط قطعة لحم و وضعها في طبقه وبدأ في تقطعيها، ف توقف عندما رآها تحدق له بغضب.
_ مالك يا حبيبتي مبتاكليش ليه؟ .
نظرت نحو زجاجتي الخمر وأجابت:
_ مش أنت وعدتني مش هاتشرب تاني من أخر مرة أتخانقت معاك فيها و برضو بسبب شُربك للهباب ده.
ترك ما في يده و قال:
_ و عدتك إن مش هاشرب لحد ما أسكر، و بعدين أنتي عرفاني مبعرفش أكل مشويات إلا و جمبها نبيد أو فودكا، كاس ولا أتنين مش هيعملو حاجة.
_ بس حرام.
صاحت بها بنبرة جعلت الصغير ينظر لهما بخوف و زمت شفتيه إستعداداً للبكاء، هنا رمقها قصي بنظرة حارقة، تراجع ب كرسيه إلي الوراء و نهض لينسحب في هدوء بعكس ما يثور بداخله من غضب كالبركان.
حملت صغيرها لتهدأه وأحتضنته، ربتت بحنان علي ظهره حتي توقف عن البكاء، وصوت أنفاسه المنتظمة دليل علي نومه للتو، هبطت لأسفل و ولجت بداخل غرفة النوم و وضعته في مهده ثم خرجت، لتصعد مرة أخري و وصل إلي أنفها رائحة دخان السجائر، وجدته يقف لدي حافة السور المعدني ونسمات الهواء تداعب خصلات شعره و قميصه المفتوحة أزراره جميعها يتطاير، أقتربت منه و وضعت يدها علي كتفه قائلة:
_ أنا مش بخنقك بالعكس والله أنا خايفة عليك.
لم يجيب بل و زفر دخان سيجارته بتأفف و كأنه يكبت غضبه.
_ طب خلاص متزعلش، تعالي ناكل وأشرب الي أنت عايزه.
أجاب بدون أن يلتفت لها:
_ روحي كولي أنتي، أنا مش هاكل.
_ وأنا كمان مش واكله.
قالتها بتذمر، ألقي سيجارته في ماء البحر و هو يزفر ب نفاذ صبر قائلاً:
_ أنتي عايزة أي دلوقت؟.
أجابت بدلال و هي تمسك بياقة قميصه المفتوحة:
_ عايزاك تيجي تاكل معايا.
حدق في رماديتيها لثوان و ذهب من أمامها نحو الطاولة وأمسك بالزجاجات وألقي بها في المياه.
_ في حاجة كده تاني؟.
تفوه بسخرية، و برغم سعادتها الداخلية من ما فعله أجابت بإصرار:
_ آه فيه، يلا عشان ناكل.
_ قولتلك مش عايز، هاتغصبيني علي دي كمان!.
لم تنطق بل أمسكت بيده و سحبته خلفها حتي وصلت لدي المائدة و جذبت الكرسي الذي كان يجلس أعلاه و أمرته بالجلوس كأنه صغيرها:
_ أقعد هنا.
رفع حاجبه وقال بتهكم:
_ أنتي شيفاني عيل صغير أدامك؟.
دفعته بخفة في صدره ليجلس وقالت:
_ أنت فعلاً كده.
أتسعت عينيه و تجهمت ملامحه بغضب ثم لانت عندما أردفت:
_ أنت أبني حبيبي، مش أنت كنت بتقولي علي طول أنتي كل حاجة ليا مراتي حبيبتي وأمي، أنا مامتك، و مامتك هتأكلك بنفسها.
أنبلجت إبتسامة علي ثغره وأنغمرت غمازتيه، ف وجدها تمسك بقطعة لحم وتقطعها بالشوك والسكين ثم تغرز الشوكة بها وتضعها أمام فمه،نظر لها بإمتعاض مصتنع قائلاً:
_ مبحبش أكل الأستيك بالشوكة.
تنهدت ضيقاً من دلاله، ف أخذت القطعة من الشوكة بيدها لتضعها أمام فاهه لكنه مُطبق عليه و أماء لها بالرفض، ف قالت بحنق:
_ يعني عايزني أأكلهالك إزاي!.
أخذها من يدها قائلاً:
_ بتتاكل كده.
و وضعها في فمها وألتهم قطعة اللحم مع شفتيها.
وبعد مرور دقائق، تملصت منه بصعوبة وهي تلتقط أنفاسها و تضع أناملها علي شفتيها المنتفخة.
_ معلش يا روحي، مبعرفش أكل مشويات غير ما بلع بحاجة جمبها، وأنتي منعاني من الفودكا.
عقدت حاجبيها بضيق، ف رفع كتفيه لها و أتسعت عينيها عندما أردف:
_ أنا جعان أوي يلا عشان نكمل أكل.
و أمسك بقطعة أخري و أقترب منها ليضعها بفمها، تراجعت إلي الخلف وهي تقول:
_ أنت أكيد بتهزر، لاء يا قصي ل.....
لم تكمل جملتها بسبب إنزلاق قدمها لدي حافة حمام السباحة الصغير، سقطت بداخله ف أخذ يقهقه عليها.
صاحت بحنق وهي تنهض وتزيح خصلاتها المبتلة من علي عينيها:
_ عاجبك كده!، و كمان عمال تضحك عليا.
_ بضحك عشان كنتي بتهربي مني ومش عايزاني أكمل أكلي.
و غمز لها بعينه
_ وأنا مش مستغنية عن شفايفي.
قهقه مرة أخري وقال:
_ خلاص خليكي بقي في البيسين، عشان لو طلعتي مش هاسيبك غير لما أخلص طبق الأستيك ده كله بالرز والسلطة كمان.
أغترفت بكفها المياه وألقتها نحوه:
_ أنت رخم أوي.
و قبل أن يكمل وصلة ضحكاته قاطعه رنين هاتفه، أشار لها بأن تصمت و ذهب بعيداً ليجيب، ف قامت بإستغلال تلك الفرصة و صعدت من حمام السباحة و هبطت الدرج لتبدل ثيابها المُبتلة بأخري جافة، وقفت أمام المرآه تمشط خصلات شعرها، ف وجدت يد أخري أمتدت ليأخذ منها الفرشاة و يمشط هو بدلاً منها.
_ بقالي كتير مسرحتلكيش شعرك.
إبتسمت له من خلال المرآه وقالت:
_ أنت الي بقيت مشغول عني و الشركة الجديدة واخده كل وقتك.
جمع خصلاتها معاً وبدأ بتجديلها قائلاً:
_ عشان كده أول ما عرفت أخد النهاردة أجازة خدتك نقضيه علي اليخت.
ألتفتت له بعدما أنتهي من صُنع الجديلة لها، و حاوطت عنقه بيديها:
_ علي فكرة أنا مش متضايقة بالعكس أنا بقيت فرحانة أوي من وقت أتلم شملكو أنتو وأخواتك وبقيتو إيد واحدة، وأتبسطت أكتر لما بلاقيك مهتم بأمورهم و واقف جمبهم في كل حاجة حتي طنط چيچي.
_ و أنا أرتحت أكتر و حسيت بإن أتولدت من جديد، أخيراً لاقيت عيلتي الي أتحرمت منها حتي مدام چيهان بحس فيها روح من أمي الله يرحمها، أنا فعلاً ندمت حقيقي إن ما أخدتش الخطوة دي من زمان.
وضعت رأسها علي صدره وقالت:
_ كل حاجة بتحصل في أوانها المكتوب ليها.
أبعد رأسها و حاوط وجهها بين كفيه يحدق في عينيها متسائلاً:
_ وأنتي ياصبا، مبسوطة ولا ندمانة وأنتي معايا؟.
صمتت وهي تتأمل عمق زيتونتيه و ما بداخلها من عاشق ينتظر إجابتها علي أحر من الجمر، ف قالت:
_ في بداية جوازنا مقدرش أنكر وقتها قسوتك والي أتسببته جوايا من جرح، لكن مع الوقت قدرت تداويه بحنيتك و بأي فعل يعبر عن مدي حُبك ليا، وكل مدي أتأكد أنا أبقي أي بالنسبة لك، برغم إنك كنت مخبي عليا حاجات كتير أخرهم موضوع شغلك مع البوليس وإستحملت مني أتهمك كل شويه إنك تاجر سلاح، بس لما عرفت الحقيقة عليت في نظري أوي، أنت أثبتلي فعلاً إن الحب أفعال وليست أقوال.
كان يستمع لكلماتها وقلبه يقفز فرحاً، و عينيه يكسوها بريقاً من فرط سعادته، فهو يشعر الآن إنه يمتلك الدنيا بين يديه و من سواها صبا قلبه وروحه.
تحولت نظراته إلي أخري ماكرة قائلاً:
_ طيب مانيجي نطبق الإثبات ده عملي.
_ قيصو بس بقي أنت مبتزهقش خالص.
تفوهت بدلال، أومأ لها بالنفي وهو يمسك بخصرها ويسير بها إلي المضجع قائلاً:
_ بصراحة لسه جعان و مليش نفس أتغدي لحمة مشوية.
وقعت جالسة علي حافة التخت وقالت:
_ أومال نفسك تاكل أي؟.
خلع قميصه وألقاه بعيداً و تأهب كالليث و هو يقول:
_ عايز أكلك يا مهلبية!.
•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•°•
_ و ها قد جاء اليوم الموعود أخيراً،  حيث أسدل الليل ستائره الحالكة لتسطع إضاءات متعددة في جميع أرجاء قصر البحيري،  منها الثابت ومنها المتحرك، ويصاحبها صوت الموسيقي و ضحكات مُنبعثة من قلوب تملؤها السعادة.
و ها هو يقف بشموخ و هيبته المعهودة في حديقة القصر، يستقبل المدعوين من الرجال و معه أشقائه آدم ويونس وياسين،  بينما في الجهة المقابلة لهم تقف چيهان و صبا لإستقبال النساء المدعوات.
و في الداخل بالطابق الثاني،  في غرفة ملك تجثو إمرأه علي ركبتيها وتمسك بطرف ثوبٍ أبيض و أخري مثلها تقف خلف هذه الملاك و تضع لها تاجاً فوق حجابها،  ف قالت: 
_ تمام كده يا عروسة، أي رأيك؟.
نظرت ملك إلي إنعكاسها في المرآه،  غرت فاها بسعادة تغمرها غير مصدقة ما تراه،  قد تحقق حلمها بعد ليالي سهر و جراح و عذاب قلبها الذي لن يكف عن النبض عشقاً لرفيق دربها و حب عمرها الأول والأخير.
_ بسم الله تبارك الرحمن، ألف مبروك يا أجمل عروسة.
قالتها خديجة وهي تنظر لها عبر المرآه،  ف أجابت ملك وهي تستدير إليها: 
_ الله يبارك فيكي يا أحلي ديجا، بجد عمري ما توقعت إن هيبقي شكلي حلو أوي في الحجاب.
إبتسمت الأخري برغم ما تشعر به من آلام تنتابها كل حين والآخر،  ف أجابت: 
_ أنتي الله أكبر عليكي يا ملك جميلة في كل حالاتك،  و الحجاب زادك جمال فوق جمالك،  يا عالم لما مصعب يشوفك كده مش بعيد يخبيكي بعيد عن عيون الناس.
توردت وجنتيها خجلاً لتقول: 
_ مش أجمل منك، بجد مش عارفة أشكرك إزاي إنك حبيبتيني في الحجاب وخلتيني ألبسه وأنا مقتنعة وحباه، ده غير لبسي الخروج الي نقتيه معايا مُحتشم و شيك في نفس الوقت.
ربتت خديجة عليها وقالت: 
_ أشكري ربنا إنه هداكِ للحجاب،  أنا مجرد سبب مش أكتر،  بس أهم حاجة تلتزمي بيه.
_ بإذن الله.
تلتفتت من حولها وأردفت: 
_ أومال فين ياسمين وصبا وكارين؟.
أجابت الأخري: 
_ ياسمين راحت التويليت،  و صبا وكارين نزلو يستقبلو الناس.
قالتها ثم أطبقت علي شفتيها عندما عاد إليها الألم من جديد.
طرقات علي الباب ويليها ولجت سميرة تنظر إلي ملك بإنبهار: 
_ بسم الله ماشاء الله،  اللهم صل علي محمد.
وأطلقت زغرودة دوت في كل الأرجاء، وجذبت ملك و عانقتها،  تربت علي ظهرها بحنان قائلة بحبور: 
_ ألف ألف مبروك يا بنتي،  ربنا يسعدك ويهنيكي ويرزقكو بالذرية الصالحة يارب،  وتيجو تزورونا أنتي و مصعب وداخلين علينا ومعاكو دستة عيال.
ضحكت كلا من خديجة وملك التي قالت: 
_ دستة أي يا داده حرام عليكي هم أتنين كفايه وياسلام لو أجيبهم مرة واحدة و خلاص.
ربتت سميرة مرة أخري عليها قائلة: 
_ ربنا يكرمك يا حبيبتي بالي نفسك فيه.
أجابت ملك: 
_ آمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ و علي إحدي الطاولات يجلس كلا من طه و شيماء وريتاچ الصغيرة تلهو بالقرب منهما، طه كان شارداً في ملامح شيماء التي تتأمل ما حولها ليقاطعها بملامسة يدها بحنان قائلاً:
_ القمر سرحان في أي؟.
أنتبهت له ف وضعت يدها الأخري فوق يده وقالت:
_ بفكر أسميه أي؟.
عقد حاجبيه بعدم إستفهام ثم أتسعت عينيه وقال:
_أنتي أصدك....
أومأت له وتفوهت:
_ أيوه طلع ولد وبإذن الله يارب يكون نسخة منك.
نهض و جذب كرسيه ليجلس بجوارها، حاوط كتفيها بزراعه و وضع كفه علي وجنتها ليضع قبلته علي جبينها ثم قال:
_ ولد أو بنت مش فارق معايا، أهم حاجة ربنا يقومك بالسلامه، و عايز أقولك لو مكنش ربنا أراد لينا الذرية مكنتش هزعل لأن عندي ريتاچ دي بنتي.
أجابت عليه والفرح يكسو ملامحها:
_ أنا فعلاً الحمدلله ربنا عوضني لما رزقني بيك، ربنا مايحرمني منك أبداً يا طه.
قالتها وعبراتها علي وشك الإنسدال.
_ بلاش دموع عشان خاطري، يا إما هندهلك ريتاچ تيجي تمسحلك دموعك زي المرة الي فاتت.
ضحكت عندما تذكرت صغيرتها وهي تجفف لها عبراتها بالمحرمة الورقية فدفستها بقوة في عينها وصاحت شيماء من الألم.
_ متفكرنيش باليوم ده، أنا فضلت مش قادرة أشوف بعيني لمدة يومين غير الصداع الي مكنش عايز يروح، أتاريها بتنتقم مني لما أكلت الشيكولاتة الي أنت جبتهلها.
قهقه طه وقال:
_عشان تبطلي طفاسه تاني.
نظر بجواره وأردف:
_ هي راحت فين؟، مش سامع صوتها.
أجابت و هي تبحث بعينيها ف وجدتها تقف أمام رجل وامرأة.
_ إسمك أي يا سكره أنتي؟، شايف يا كينو بسم الله ماشاء الله جميلة أوي.
قالتها دنيا وهي تداعب ريتاچ
أمسك كنان يد الصغيرة وقام بتقبيلها قائلاً:
_ ماشاء الله ربنا يحفظها.
_ ريتاچ.
نادي بها طه، فألتفتت له صغيرته و ركضت نحوه ليحملها وهي تقول:
_ بب ببابا.
تقدم كنان نحوه ليصافحه قائلاً:
_ طه أخو مدام خديجة، صح؟.
بادله المصافحة مبتسماً وأجاب:
_ آه أنا.
_ أنا كنان مساعد قصي بيه.
_ أه عارف حضرتك شوفتك في عزا عمي الله يرحمه.
_ الله يرحمه.
_ تعالو أتفضلو أقعدو معانا.
_ تسلم الله يخليك.
قالها كنان و ذهب مع دنيا إلي طاولة أخري.
_ كينو حبيبي.
قالتها بدلال وهي تمسك في زراعه كالطفلة
ألتفت لها برأسه ورمقها وهو يضيق عينيه:
_ نعم يا دودو.
أجابت بأسلوبها الساخر المعتاد عليه:
_إلا قولي يا حبي هو عيلة البيه الي أنت شغال عنده ده مالهم عاملين كده ليه؟.
رمقها بإمتعاض وأجاب:
_ أولاً إسمها شغال معاه مش عنده، ياريت تاخدي بالك من كلامك، إما بالنسبه لعيلة قصي بيه لو قصدك علي طه وأخته، يبقو ولاد إبن عم عزيز بيه الله يرحمه وهم من طبقة متوسطة باباهم الشيخ سالم الله يرحمه كان شيخ جامع وعندهم بيت في حارة شعبية في السيدة زينب، لكن قصي بيه وأخواته زي ما أنتي شايفه كده عايشين في القصر.
_ امم، كده وضحت الرؤية، ومعلش متزعلش مني لو كلامي ضايقك، مكنتش أقصد.
تنهد الآخر وقال:
_ حصل خير، بس أبقي فكري في الكلام قبل ما تقوليه عشان محدش يتضايق منك، إتفقنا.
أنبلجت إبتسامة طفولية علي ثغرها وهي تومأ له قائلة:
_ إتفقنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ وفي الطابق الأسفل، تقف بداخل الرواق في بقعة مُظلمة حتي لايراها أحد في تلك الحالة المُزرية، حيث تملك منها الإعياء والدوار، لم تتحمل روائح العطور المنتشرة في كل مكان و ما زاد شعور الغثيان لديها عندما توغلت روائح الطعام المُنبعثة من المطبخ في أنفها، ف سرعان ما غادرت و رفعت غطاء وجهها حتي تحصل علي المزيد من الهواء، وإذا فجاءة أصابها الغثيان ف ركضت نحو أقرب مرحاض لها، وأصتدمت بإحدي العاملات التي قالت لها:
_ مدام ياسمين.
أوصدت الأخري الباب عليها وأخذت تفرغ ما بجوفها.
طرقت الفتاه الباب و قالت ب قلق:
_ مدام ياسمين، حضرتك كويسة؟، أكلم.....
قاطعتها ياسمين بصراخ من الداخل:
_ أمشي من عندك لو سمحت.
نظرت الفتاة بسأم نحو الباب فألتفتت وسارت إلي الخارج لتبحث عن ياسين و تخبره.
وبالخارج يقف ياسين بجوار أشقائه، ينظر إلي هاتفه ليجري إتصالاً بها، ف هو لم يراها منذ الصباح، كانت برفقة خديجة وملك.
_ ياسين، أتصل بيوسف أخوك شوفو جايين دلوقتي ولا لسه شويه؟.
قالها آدم، ف أجاب الآخر:
_ لسه قافل معاه من شويه، هو وآسر راحو جابو علياء و بنت خالتها من البيوتي سنتر، و هيقابلو مصعب و هم جايين في الطريق، زمانهم علي وصول.
_ تمام، أنا هطلع أشوفهم خلصو ولا لسه.
زفر ياسين بتأفف من عدم رد ياسمين علي إتصاله، ف قال:
_ طيب أطلع أنت، وأنا رايح أشوف ياسمين وأطمن عليها.
و في طريقه أوقفته الفتاة و الخوف والقلق يكسيان ملامحها:
_ ياسين بيه، مدام ياسمين شكلها تعبان أوي ودخلت الحمام.
تجهمت ملامحه وقال:
_ في أنهي واحد؟.
أجابت وهي تشير إلي الداخل:
_ هناك في أخر ممر الي جمب المطبخ.
و تواً ما قالت له تركها و ركض مسرعاً.
_ وقفت أمام الحوض لتغترف المياه لكي تغسل وجهها وفمها جيداً، أنتفضت من صوت طرق الباب وصوته منادياً:
_ ياسمين، أنتي هنا؟.
زفرت بإمتعاض لا تريده أن يراها في هذه الحالة و خاصة في ذلك اليوم و في تلك الليلة.
فتحت الباب من الداخل، ف وجدته يقف متفحصاً ملامح وجهها الشاحبة قائلاً:
_ مالك يا حبيبتي؟.
أجابت و هي تتصنع القوة:
_ الحمدلله أنا بخير، شكلي بردت إمبارح لما نسيت أزاز البلكونة مفتوحة.
أمسك بيدها ليجدها باردة كالثلج، ف قال:
_ أي ده إيدك متلجة خالص، تعالي أطلعك أوضتنا فوق وأتصلك بالدكتور حالاً.
_ ياسين، مفيش داعي لكل ده دول حبة برد.
حاوط ظهرها ب زراعه وضمها إلي صدره:
_ طيب تعالي المطبخ هاعملك حاجة سخنة تشربيها تدفي معدتك.
تسمرت في مكانها وقالت بنبرة رجاء:
_ بلاش المطبخ وحياتي عندك، أصدي يعني هتلاقيه زحمة عشان بيحضرو في البوفيه بره و كده.
تنهد مستسلماً و قال:
_ خلاص تعالي بره في الجنينة أقعدي و متتحركيش من مكانك وأنا هخليهم يعملولك حاجة دافيه ويبعتهوهالك.
أومأت له مبتسمة و بداخلها تغمرها السعادة من ماتراه من خوف وقلق عليها، سارت معه و قبل أن يغادرا الرواق توقف فجاءة، نظرت له بإستفهام، أبتعد عنها و وقف أمامها و أمسك بغطاء وجهها و أسدله وقام بهندمته قائلاً:
_ مش عايز حد يلمح حتي الجمال ده كله غيري أنا.
وأنحني نحوها وقام بتقبيل موضع جبهتها وعانقها بحب وحنان، ثم أبتعد وأمسك يدها:
_ يلا بينا.
حدقت نحوه و كادت تتفوه و تخبره بسبب تعبها ف هذا الوقت مناسب تماماً برغم ما تخشاه من ردة فعله، هل سيتقبل حملها ب فرح و سرور أم ب الوجوم!.
_ ياسي.......
قاطعها صوت أبواق السيارات بالخارج، لتعلن عن وصول العرسان والعرائس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عهد الذئاب (الجزء التاني لصراع الذئاب)  «مكتملة» حيث تعيش القصص. اكتشف الآن