_ هباء عاطفة ! _

39.7K 1.4K 181
                                    

( 18 )

_ هباء عاطفة ! _

كان صدره يعلو و يهبط بسرعة رهيبة، جراء المجهود المضنِ الذي بذله في تأديبها، جسمه الساخن يتصبب عرقًا غزيرًا و لهاثه المضطرب لم يستطع سماعه بسبب عويلها المتألم الذي غطى عليه تمامًا ...

الآن يخلّفها ورائه و يخرج من الغرفة بخطى متثاقلة، رمى طوق خصره من يده بغير إكتراث و هو في طريقه إلى غرفة المعيشة

ألقى بنفسه فوق الآريكة الصغيرة هناك و أسند رأسه للخلف مغمضًا عينيه بشدة.. كان صوت بكائها لا يزال يصل إلى مسامعه بوضوح، في العادة عندما يفرغ غضبه و يتصرف بهذا العنف يشعر بالراحة، و كان يجب أن يحدث هذا معه الآن.. لكنه ليس مرتاحًا، على الإطلاق

بل أنه في الحقيقة نادمًا !

أجل.. أدرك بأنه قد تسرع و لكن بعد فوات الآوان، ما كان مضطرًا للجوء لتلك الطريقة الشنعاء، كان أمامه مئة حلًا أخر ليقوّم إعوجاج زوجته المدللة المتمردة

صحيح أنها سليطة اللسان و أهانته كثيرًا، و اليوم طعنت رجولته عندما مدحت زوجها السابق أمامه و قارنته به و بنفسها ماديًا و معنويًا بمنتهى الصفاقة و قلة الإحترام... لكنه رغم ذلك كان قادرًا على كظم غيظه

لعلها تراكمات، فهي لم تكف عن إظهار تكبرها عليه و إحتقاره منذ أول وهلة.. تعمدت كثيرًا أن تفعل ذلك، بل و تمادت متخيلة بأنه قليل الحيلة أمامها و أمام أسرتها ذات السطوة و النفوذ.. لعله أراد أن يثبت لها بأنها مخطئة بظنها، لأنه في الحقيقة لا يهاب أيّ شيء تتصور بأنه يشكل تهديدًا بالنسبة إليه، لا هي و لا أسرتها ...

يزفر "فادي" بقوة مادًا جسده للأمام، أخذ يفرك عينيه بأنامله المتشنجة و هو يحاول إستعادة شيئًا من صفاء الذهن.. لكنه هذا بدا مستحيلًا، عقله مشوش للغاية، تارة يؤنبه بالبراهين المنطقية، و تارة يخبره بأنه لم يرتكب جرمًا فظيعًا إلى هذا الحد، و أنه في كل الأحوال له كل الحق نظرًا لما رآه من جانب تلك العائلة و ما حدث لشقيقته بسبب صهره الثري المتغطرس، هذا أقل ما يمكن أن يفعله، هذا أقل إنتقام لشرفه و سمعته التي تشوهت على أيدي هؤلاء !!!

رفع "فادي" رأسه فجأة، عندما لاحظ إنقطاع بكاء زوجته.. ساوره القلق أكثر مع الهدوء الذي رافق ذلك مباشرةً، ليقوم من مكانه متجهًا إلى غرفة النوم على الفور ...

أطل برأسه عبر فتحة الباب الموارب.. كانت لا تزال كما تركها، متكورة بمنتصف السرير و شعرها منتثرًا حولها و فوق وجهها، لكنها كانت هادئة بشكل مريب

إزدرد ريقه بتوتر و لم يجد بدًا من مقاومة مشاعره أكثر من ذلك، أقبل عليها مسرعًا و توقف فوق رأسها تمامًا.. مال صوبها و بدون تردد مد يده و هزها بكتفها عدة مرات، لكن بلا نتيجة.. ليزيح تاليًا الشعر عن عينيها المنتفختان من كثرة البكاء، جسَ جبهتها و خدها براحة يده، كانت حرارتها جيدة، و راقب معدل تنفسها.. كل شيء على ما يرام

سل الغرام... ج٢ عزلاء أمام سطوة ماله... للكاتبة مريم غريبWhere stories live. Discover now