الساحة واسعة ، لا أستطيع رؤية نهايتها أو حتى تخمين " من أين بدأت " ؟! .. نور الشمس يعم الأجواء و الأركان ، لا يترك ثغرة أو فجوة .. حتى داخل أجسادهم ! .. أصطف معهم للصلاة .. أستطيع رؤية وجه الإمام بالرغم من أنني أقف خلفه ! .. التكبيرة الأولى ، ثم تقام الصلاة .. لا تمر ثوان حتى أجدهم يبدلون صفوفهم ! .. يدفعونني فيختل اتزاني و أسقط على الأرض ! .. أنظر للإمام ، إنه مستمر في الصلاة ! .. أقف و أستمر أنا أيضاً ، و لا تمر ثوان حتى يكرروا ما فعلوه و يبدلون صفوفهم ! .. هذه المرة أحاول أن أحافظ على ثباتي ، لكنني أشعر بدفعاتهم و كأنها ضربات ! .. ضربات قد لا تبدو وسط كل هذا العبث و ذلك الزحام ، لكنها قوية .. تؤثر في جسدي ! .. أنهار وحدي رغماً عني و أسقط ! .. أنظر للإمام في رجاء لأجده مستمر في الصلاة ! .. أقف مجدداً ، و أكمل ذلك الأمر الذي لا ينتهي أبداً !
طرفة عين .. إنه بيتي ! .. أهرع إلى مكتبتي هرباً من أشياء أجهلها ، لكنني أدرك أنها كانت تلاحقني بإصرار مخيف ! .. تناثرت الكتب و أوراقها في كل ركن في الحجرة ! .. و ذلك الزحام يعود من جديد ! .. جميع " بطلات " القصص التي قرأتها أمامي و من حولي ، ما بين حديث و صياح و ضحكات و بكاء ! .. إنها فرصتي ، لطالما تمنيت لقائها رغم عِلمي أنها مجرد سطور في صفحات ! .. أسير بينهن متطلعاً إلى وجوههن .. أشعر بها قريبة مني بالفعل ! .. أحس بوجودها ! .. كأنني أتطلع إلى عينيها لكنني لا أراهما و لم أجدها هي بعد ! .. هي أيضاً تبحث عني .. إنني .. إنني أدرك ذلك ، لكن الزحام يمنعنا من الوصول .. من اللقاء .. من الحب ! .. صوت أبي ينفجر في صرامة فوق كل هذه الأصوات .. أهرع إلى النافذة .. و أقفز !
طرفة عين .. إنها الدار الأولى ، بيت جدّي ! .. أجلس في حجرته فوق السرير و هو .. يجلس أيضاً أمامي متكئاً بيديه على عصاه ينظر إليهم .. يتأملهم ! .. إنهم أبناؤه .. إنه الزحام نفسه ! .. حركة غريبة بينهم لا أقدر على تمييزها ! .. هل يتشاجرون أم أنهم يحتفلون بموته ؟! .. يقطع صوته الهادئ العميق تلك الضجة في أذني .. يسألني عن حال والدي بعد رحيله ! .. أتلعثم للحظات ، ثم أستجمع كلماتي و أخيراً أخبره بأن أبي بكى كثيراً بعد موته .. ليرمقني ملياً ثم يبتسم في سخرية ! .. يبدو أنه لا يصدقني ، لكنني غير قادر على إقناعه .. فأنا أيضاً لا أصدق ! .. ينهض ليختفي الجميع و يعم السكون كل شئ من حولنا ! .. يتطلع إلى السماء عبر النافذة ثم يطير في هدوء كأن أحدهم يحمله ! .. أجد نفسي وحيداً - لأول مرة - بين أركان الدار الواسعة ! .. طرفة عين .. لكني مازلت في مكاني .. لم أنتقل و لم أتحرك !
![](https://img.wattpad.com/cover/243121083-288-k720840.jpg)
YOU ARE READING
غيمة ألمي
Short Storyقد تَفلح كلمةً صغيرة بالتّسلُل إلى داخلك والتأرجح بعقلك لمدةٍ طويلة جداً فقط لأنَّها قيلت بطريقةٍ مُعيَّنة وتوقيت. كتاب يجمع كل شيء رومانسية الم مقولات اقتباسات خواطر شعر نكت قصص حكم كل شيء