الفصل الثامن عشر

213 12 11
                                    

ما رأيك بأن نعقد هدنة مع الألم؟!
تكن أنت الطبيب وأنا المريضة...
ثم نتبادل الأدوار حتى يتم شفاء كلانا من سقم بات يدمي أرواحنا قبل نزيف قلوبنا.

هوجاء هي حالة الفتنة التي تعصف بحياتنا، فتنة خلقت من رحم الخذلان لتسحق سعادتنا، تلتهم راحة قلوبنا لندرك بأننا لم نكن سوى مخدوعين لدرجة السذاجة في لوحة لم تضم سوى اللون الأسود ليضفي مرارة على حياتنا ثم يبتسم لنا الرمادي مهنئًا إيانا على الفشل في تجاوز خط المنتصف لنغرق في بحر الأسود الممزوج بقطرات الرمادي مع تشفي نظرات الأبيض لدخولنا مناطق محظورة، مناطق ما لبث أن حدث بها شرارة الحياة ثم فقدتها مجددًا كأنه ما عاد يعنيها الضياء.

بشاشة الوجه توشي دائمـــًا بحدوث الأسوأ مهما كانت متقنة الرسم، توحي دومًا بما تحمله قلوبنا عكس تبسم وجوهنا، تظهر كم الخذلان المنحوت على وجوهنا كأنه ما بات يعنينا شيء سوى الحزن على قلب أدمته الحياة بخنجر الألم.
وهي.....
ما عاد يعنيها شيء من الحياة سواه هو...
شاغلها الأكبر التأكد من سلامته حتى لو كان على حساب كبريائها...
لحظة واحدة!

أبالحب كبرياء!؟
لا والله الحب يخسف بالكبرياء أرضًا على حساب دقات النبض.

أبالحب سعادة؟!
بالطبع سعادة لا توصف طالما راهنت على وضع كبريائك جانبًا.

أبالحب ألم؟!
بمقدار الحب نتألم وتجرح قلوبنا لكن دومًا ما يكون أضعاف الحب ألم.

أتزهر الزهور في فصل الحب؟!
تزهر بألوانها المميزة ورائحتها الجذابة لكن يأت خريف الحياة ويهدم ما ظننا وجوده يومًا.

أبالحب حياة؟!
الحياة موجودة لكن بوجود الحب فإنها تتلون بألوان البهجة والسرور.

انتفضت فزعة حينما شعرت بيده توضع على كتفها لتتدارك الأمر مانعة شهقة خافتة من التسلل من بين شفتيها.
جلس على مقعد مقابل لها وعينيه تحكي الكثير من قصص الألم، تأملت حالته المذرية قليلًا قبل التنفس ببطء علها تضبط أنفاسها الثائرة.

أما هو...
وياليته يعلم ما بها، منذ تلك اللحظة التي أعلن حبه بها وهي بعيدة بعد النجوم عن أيدينا، شاردة بحزن خفي لا يعلمه لكنها تبتعد...
كلما اقترب وظن أنه وصل لنقطة معها تبتعد أكثر كأنها ما كانت موجودة يومًا.

تحرك وجلس راكعًا على إحدى قدميه أمامها ليقول ببحة أدمت قلبها أكثر
"ما بك تمارا منذ أسبوع وانت بتلك الحالة، لا تتحدثين فقط شاردة باكية" !

حاولت تمالك أعصابها قبل الانفجار به لتقول ببرود اكتسبته مؤخرًا
"لا شيء"
كلمة مقتضبة أثارت حنق معاذ أكثر أمام حزنها الغير مبرر بالنسبة له، حاول استعطافها بكلماته حينما قال
"تامو حبيبتي، أعلم بأنه يوجد الكثير لكنك لا تودين الحديث حتى لا تزهقي روحي أكثر".
ابتسمت بسخرية على حديثه واكتفت بالصمت ليزفر غاضبًا من لامبالاتها المستجدة، أحنى رأسه قليلًا حتى لامست قدمها ليضعها عليها، وضعت يدها بحنانها المعهود معه لتعبث بخصلاته قبل هطول دموعها بألم مما يحدث حولها.

أحس بدموعها التي تزيلها بغضب، شهقاتها التي تحاول منعها بيدها الأخرى، أنفاسها الحارة التي تلفح رأسه بحزن.
أمسك يدها التي تحاول كتم شهقاتها ليقبلها باشتياق قبل قوله الهاديء
"إن لم أستطع فهم ما يحدث معك فيكفي مشاطرتك الحزن بهجتي".

"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"Where stories live. Discover now