الفصل السابع والعشرون

134 9 0
                                    

أتدري ما الخوف..!
حين يصبح أمانك الوحيد أكبر مصدر لرُعبك..
عندما يتبدل من درع تلوذ إليه وقت ضعفك إلى وحش كاسر تنفر منه قبل افتراسك..
حينما تضمر كل ذكرياتك في لحظة عجز لتتحول إلى أخرى تأسر حواسك إلى اللاوعي، تنهشك وكأنك آخر المحاربين وعليه ملاقاة نفس مصير البقية...
الخوف هو أن تصبح الأضعف في رواية الجميع قبل خاصتك مُستباح النفس ومُدمر العاطفة لكنك ورغم كل ما تمر به عليك الابتسام بمرارة الألم مع تعبير يطفو فوق صفحة وجهك "أنا بخير".
تخبرهم بابتسامة تخفي كل صراخ يحاول الهروب من معقله بأنك لازلت شامخ رغم الخيبات فأنت قوي ولن يؤثر بك بعض من رياح عاتية.
لا تقو على التحدث وفي نفس الوقت مجبر للثرثرة حتى لا يظن البعض بأنك لازلت سجين أوهام تفتك بك كل ليلة دون مناص.
يُقال بأن الأيام متشابهة إلى حد كبير في روتينها الملل لكن هناك حدث يتذيل يوم ما ويجعل كل ما بعدها إما مرارة نعاني منها أو فرحة نعيشها بكافة تفاصيلها وأنت في النهاية مضطر لتحمل الأمر مهما كانت أبعاده المختلفة بالنسبة لك.
تدفع ضريبة حدوثه من قوة واهية كنت تتمتع بها في ماض قريب لتصبح هش كقطعة مارشيملو امتصت كل ما حولها من سكريات قُدِمت إليها وفي النهاية أُشيرت أصابع الاتهام إليها بعدما أُصيب طفل بالسكري لشراهته في تناولها.
- مرحبًا أيها الغريب القريب...
ضحكات هازئة تلاها نفس الصوت العميق الصادر من أعماقك نتيجة فضولك اللامتناهي جراء حدوث الأمور وكأنك لا تطيق البقاء لمدة دقيقتين دون السؤال عما يدور في الأفق..
- التقينا مجددًا..
تنهيدة حارة تلاها نظرة انكسار من روح زهدت الحياة وما عاد يُغنيها أي من منافعها الزائلة لتُكمل بنفس النبرة الوحشية
- لكن تلك المرة لن تكون الأمور كما كانت قبلًا فقط تمعن في كل ما يحدث لكن لا داع لنظرة شفقة من بائس مثلك..
سخرية غلفت كلماته الأخيرة تلاه صدوح نفس الصوت وهو يقول بضعف واه عكس نهاية جملتها السابقة
- لأن الحياة أقصر من أن تدفع ثمنها في الشفقة على ما يحدث حولك دون أن تسلبك هي أعز ما تملك في لحظة غفلة عن أمرك.
تعجب.. استنكار تلاه صمت لإعادة تدوير كل ما قيل لرؤية الجانب المشرق من الناحية الأكثر ظُلمة.
بداية اليوم كانت احتفاء بحصول التوأم على الدرجة النهائية في أحد المواد الدراسية لذا قررت تعويضهما عن كل يحدث معهما خاصةً من معاملة الأب القاسية معهم جميعًا متعللة بأن الحبل لابد وأن يشتد من ناحية ويُرخى من الأخرى حتى يكون التوازن في تربية أبنائهم متغافلة بأن القسوة لن تولد إلا وحشًا ترعاه الأيام في كنفها حتى يصبح نسخة أسوأ مِمَن سبقوه، نسخة ترى الانهيار لِذة والألم متعة قبل أن تسلط الضوء على أكثر نقاط ضعفنا هشة وتدهسه دون رحمة فقط ما يسيطر على الوضع هو معاناة لم يُخلق لها إلا الشماتة.
لنصمت قليلًا ونراقب المشهد من زاوية أقرب حيث الأربعة أفراد ملتفين حول طاولة في أحد أركان المنزل وأمامهم أطباق من وجبتهم المفضلة مع أكواب عصير زينت أعلى ثغرهم بشارب مصطنع جعلهم يضحكون على بعضهم البعض.
أجواء عائلية دافئة احتضنتها السعادة بترحاب واحتفى بها المذياع بصوت كارم محمود وهو يشدو كلماته المميزة "أمانة عليك" مع تلصص للحزن من بعيد فهو لا يقو على الاقتراب في تلك الأجواء المميزة.
بعض اللحظات إن لم تحافظ عليها جيدًا فتركها أفضل من عواقب قد تكون سببًا في ندمك طويلًا قبل أن تُدميك بكل قوتها من شدة بشاعتها وأنت لازلت على قيد الحياة.
ولحظاتهم تم اقتلاعها من جذورها بعدما أتى آخر ما اشتهت أنفسهم وجوده معهم في حالة يُرثى لها وكأنه قد فقد آخر ذرات تعقله وما عاد يستطيع التفرقة بين الواقع والصدمة مما عصف به وجعله في تلك الحالة المذرية.
أما جمال فقد كان بعالم آخر بالفعل لم يكن ينقصه سوى ضحكات من داخل المنزل تخبره بأن الجميع على ما يرام وهو الوحيد عكس ذلك ليتأكله الحقد أكثر من وجودهم جوار بعضهم هكذا ودون سابق إنذار سدد ضربة قوية بإحدى قدميه للطاولة فانهارت أرضـًا تشكو حظها التعس من قسوته معهم.
شهقات من الأم بحسرة على تعبها لكن كل ما كانت ترجوه بأن تمر الليلة على خير دون خسائر، بكاء من الصغيرة ومواساة من توأمها أجبر الأب على الضحك باستخفاف من حماقتهم المعهودة تحت بند حماية بعضنا البعض.
- اقتربي فافي.
قالها بنفاذ صبر لتنظر إلى أوار بخوف وكأنه ترجوه بأن يحميها من بطش ذاك الظالم ليبادلها نظرات ثقة تلاه حديثه بهدوء لا يناسب سنه
- لن تفعلها جمال وإن أردت تنفيس غضبك بأحدنا لا يمكنك ذلك لأننا لسنا سلعة في عُرفك..
ابتسامة ساخرة شقت طريقها إلى ثغر جمال وهو ينظر إلى ابنه بحقد وكأنه عدوه لا من جيناته، زفر بضيق ولم يُعقب على حديث الصغير ليوجه كلامه إلى فآطم وهو يأمرها بنفاذ صبر
- أخبرتُكِ بأن تأتي فافي..
صمت لحظات ليكمل بتمهل
- في الحال.
وكلمته الأخيرة رغم هدوء نبرتها إلا أنها ماكرة حد الهلاك، اقتربت الصغيرة خوفًا من بطشه ليتشبث بها تيم راجيًا إياها بعدم فعلها قبل أن يقف أوار ليحول بينها وبين ذاك الواقف أمامهما بتجبر.
زفر جمال بنفاذ صبر ليقترب هو قبل أن يرفع يده لتهوي على وجه أوار بقوة جعلته يسقط على الفوضى العارمة -الأطباق المهشمة- في المكان ليصرخ بوجع بعدما استكانت بعض القطع الحادة في أجزاء متفرقة من جسده.
انحنى جمال قليلًا نحو أوار الممدد أرضًا وهو ينظر له بتشفي قبل أن يخبره بغضب
- إياك والوقوف أمامي مجددًا أوار.
اختتم كلماته بصفعة أخرى جعلت رأسه تصطدم في الأرض بقوة مع تسرب خيوط الدماء على الأرض قبل أن تتسع لتصبح بركة حمراء تلاه فقدانه للوعي زاهدًا الحياة بما فيها إن كان والده الملقب بجمال فيها.
صدحت ضحكات الآخر في الأرجاء وهو يتأمل سكون جسده ولا يقو أحدهم على مساعدته أو حتى الاقتراب منه ليقول بنبرة شامتة بعدما حاول التحكم في قهقهاته المنتشية
- تلك الندبة لن تكون سوى تذكار طوال حياتك أوار لتعلمك درسًا واحدًا بأن الضعيف مُحرم عليه الوقوف في وجه الطاغوت دون وجود شئ يحميه من بطشه.
استقام واقفًا ونظر إلى ذاك الهزيل باستخفاف قبل أن تمتد يده جاذبًا الأخرى من شعرها لتصرخ بعويل وهي تشعر بأن فروة رأسها تكاد تقتلع من مكانها، تشبث الصغير بيدها وبحركة مباغتة اقترب من يد الآخر يأسرها بين أسنانه بغل مما رآه فيه ليترك جمال خصلاتها يتحسس موضع الألم قبل أن ينظر لزوجته بغضب وهو يخبرها بنبرة كره
- يبدو بأن زوجتي المصون قد علمت الصغار كيف يقفون في وجه والدهم دون خشية من العقاب.
في تلك اللحظة أراد أولادها أن يشعروا بأنها جوارهم، تدعمهم في كافة قراراتهم دون خوف، تحثهم على مواجهة الظلم ومحاولة التخلص منه بشجاعة لكنهم أدركوا بأن لا أم لهم في تلك الحياة.
في برهة من الزمن أراد الصغار أن يتأكدوا بوجود سند في ظهرهم يستطيعون الإتكاء عليه وقت ضعفهم، يتخذونه ملجأ يحميهم من صراعات دائرة حولهم وما وجدوه ومضة من خزي دام لسنوات -بل زاد حجمه حتى ما عاد يمكنها التفرقة بينه وبين اللامبالاة لأمرهم- بعد أن أطرقت رأسها للأسفل تحاول ألا تتقابل عينيها المذعورة مع خاصته الغاضبة.
ابتعد عنها ليجلس على كرسي يصدر صوت مزعج لتحركه تارة إلى الأمام وأخرى للخلف وهو يدندن مع النغمات الصادرة فيبدو بأن ليلته تلك ستدوم طويلًا حتى يرتاح بركانه الثائر مرة ثانيةً.
وعلى ذكر سهام غدر صوبت نحوه اظلمت عيناه بحقد مما فعله به صديق الأمس علي من مؤامرة تم حياكتها بأربعتهم للتنعم بجنة مفقودة بعد انتهاء الأمر لكن عدوه منذ الآن قرر أن يحول تلك الجنة إلى عاصفو يدمر فيها كل طموح من أجل الثراء أو زيادة في حساب بنكي تحت مسمى
- تلك الأموال خاصتي وفقط.
هكذا تحدث بها بصوت مرتفع قبل أن يجلس على مقعد بالقرب منهم واضعًا قدمًا فوق الأخرى بشموخ بعدما نال ما أراد دون أن تلطخ يده بالدماء.
- ماذا تقصد؟
قالها جمال بتساؤل وكأنه قد أُصيب بعلة البلاهة بعد كلمات الآخر ليضحك علي بسخرية على حاله المصدوم لتتضاعف ثروته إلى الضعف وهو يراه في تلك الحالة
- مثلما أخبرتك جمال لن يحصل أحدكم على أي مما أملكه.
- أجننتَ!
قالها وهو يمسك به من قميصه قبل أن تزين يده رقبة الآخر محاولًا خنقه دون رحمة، شدد من قبضته قبل أن يقول جوار أذن علي
- بل يبدو بأنك تُهذي علي.
ضغط على أسنانه بحنق ليُكمل حديثه قائلًا
- تلك الثروة لنا جميعًا لا أنتَ وإن كان لديك أي اعتراض فلن تأخذ منها أي شئ.
تحول وجه علي إلى اللون الشاحب غير قادر على التنفس بشكل طبيعي قبل أن يتدخل الحراس لإزاحته عن رب عملهم، قيدوا حركته بصعوبة بعدما حاول فك حصاره ولم يستطع، أما علي فأخذ يلهث لدقائق معدودة قبل أن يقف أمام غريمه يخبره بتكبر
- تذكر بأن مكانتك كانت ولازالت تحت قدمي جمال.
أخذ يلف حوله عدة مرات متتالية قبل أن يقف خلفه يخبره بفحيح أفعى تلتف حول فريستها بهدوء قبل التهامها
- كما أنك لم تكن سوى أداة لتنظيف فوضاي.
عاد أدراجه ثانيةً ليجلس على مقعده يتأمل لفافة تبغه بعبث ليخبر حراسه بعدها
- ألقوه خارجًا وإن أتى في أي وقت ليس عليكم التعامل معه بل إبلاغ السلطات بإزعاجه والتعدي على ممتلكات الغير.
لم يشعر جمال بالإهانة في حياته أكثر من تلك اللحظة ليتوعد بأغلظ الأيمان بأنه سيحاسب علي على غدره ذاك ولن يمر الأمر مرور الكرام فقط انتظر وسترى، اختتم كلماته بصرخة عالية حاول أن يودع فيها بعض من غضبه المكبوت تجاه ذاك الأخرق.
قطع شروده بكاء الصغيرة وهي تجلس جوار أوار تحاول إيقاظه لكن دون جدوى، شعر بأنها تمثل ضعفه قبل ساعات حينما تم الغدر به لتتأجج نيران غضبه إلى أقصى درجة ممكنة، لن يتحمل رؤيتها ضعيفة بعد الآن ليجذبها من رسغها بقسوة وهو يسحبها من يدها إلى الطابق السفلي وملامحه لا توشي إلا بنذور الكوارث.
شعرت فآطم بقبضة حادة تعتصر حلقها بألم ونظراتها مذعورة مما هي مقبلة عليه لتصرخ بنبرة عالية
- أنقذني أوار.
دفعها بعيدًا عنه تجاه مكان بعينه ليصطدم ظهرها بمقعده المفضل، ارتعدت مما سيطالها من عقاب وعكس المتوقع أخبرها بهدوء
- اجلسي فافي.
وفآطم لم تنفذ الأمر من أول مرة ليصرخ فيها بغضب أن تفعل مثلما قال وبالفعل جلست ليقف قبالتها، وضع يده أسفل ذقنه علامة التفكير في شئ قبل أن يخبرها بعد صمت لبرهة من الوقت
- ما أكثر ما يخيفكِ فافي؟
إن أخبرته بأن أكثر ما تكرهه ويخيفها وتخشى بطشه واقف أمامها... هل سيحدث شئ بعدها أم سيجعلها تعاني حتى تلفظ آخر أنفاسها!
أخذت تدور الأسئلة في رأسها كدوران الأرض حول الشمس والنتيجة واحدة أنه ربما يسلبها حياتها وهو يبتسم براحة.
أصدر صوتًا بأصابعه أمام وجهها لتنظر إليه بعيون تائهة لا تقو على التمعن به لتخفض رأسها بخوف، وجدته لا يتحدث وكأنه ينتظر إجابتها لتقول بهدوء مصطنع
- كل شئ.
وكل هنا لو يعلم لأدرك بأنها عائدة عليه لا غيره، ابتسم جمال بمكر لما تعايشه تلك الصغيرة من اضطراب ليخبرها بصوت منخفض جوار أذنها
- ماذا ستكون رد فعلك لو كان أسوأ كوابيسك يقف أمامك بشموخ، يلوح لكِ بابتسامة ويتأملكِ بشماتة.
بعد الانتهاء أرادت الضحك بسخرية على حديثه فيبدو بأنه يصف نفسه لا أحد غيره فهو أسوأ من كوابيسها التي تطاردها في الليل بسببه، تنهدت بضيق وهي تتمنى أن يمضي فيما يفعل دون خسائر، تأوهت بألم بعدما ضغط بإصابع يده على ذقنها يخبرها بخبث
- وجب عليكِ مواجهته فافي...
صمت ينظر إلى ذُعرها بتلذذ قبل أن يخبرها بغضب
- أفهمتِ!
وكلمته تلك لم تخرج سوى في صورة غاضبة أجبرتها على الإيماء برأسها عدة مرات خوفًا منه ليضحك باستمتاع على فعلتها تلك قبل أن يقترب من أحد أركان الغرفة وأحضر صندوق مغلق وضعه على قدمها لتنظر له بتساؤل ليُكمل حديثه قائلًا
- الآن أنتِ في مواجهة مع أحد مخاوفكِ صغيرتي.
نظرت برعب إلى ماهية ما بداخل الصندوق غير قادرة على التفكير فيما ستفعله لتستمع إلى صوت جمال يُكمل بهدوء على غير عادته
- كائن مجهول وما عليكِ سوى مواجهته وحدك دون مساندة من حمقى.
اختتم كلماته بالوقوف خلفها يتابع ارتفاع وانخفاض ظهرها برعب ليأمرها بخبث
- افتحيه فافي.
على استحياء نظرت إليه تتأكد مما تسمعه لتفعلها بأصابع مرتعشة قبل أن تشهق بفزع حينما وجدت ما بداخله وقبل أن تقذفه بعيدًا عنها وجدته يثبته أكثر على قدمها ليأمرها ثانية
- امسكيه بيدك واخرجيه من الصندوق.
- لن أفعلها.
قالتها بنفي وهي تنظر إلى الثعبان بخوف حقيقي من مصير قد يودي بها في لحظة طائشة بينها وبين تلك الحية الصغيرة، ابتسم جمال بانتشاء وهو يشتم عبق خوفها الذي أسكره حد الهلاك ليمسك يدها بهدوء ويضعها في الصندوق ولم تستطع فآطم سوى الصراخ برعب حقيقي وهي تصرخ في محاولة التملص من حصاره
- أخبرتك بأني لا أريد.
قالتها بصراخ وهي تبكي تجاهد لنزع يدها من خاصته وهو يُطبق عليها بغل لتنظر له برعب وهو يخبرها بغضب
- وأنا أمرتُكِ بأن تمسكيه.
زاد الصراخ رعبًا من جانبها والتلذذ من جانبه حتى فُتِح باب الغرفة وظهر تيم من خلفه بعد محاولات مُضنية لفتحه، اقترب بسرعة منهما وهو يوجه حديثه لجمال
- اتركها في الحال.
وجمال كان في عالم آخر تمامًا فقد فيه آخر ذرات تعقله باختلاط المشاهد بين علي وزوجته قبل أبنائه ليدفع الصغير من أمامه بقوة ممزوجة بغضب دفين ولم يفق مما يفعله سوى على صوت صرخة الصغير بوجع ليرى ما يحدث ووجده قد اصطدم بأحد أعمدة الغرفة وتم اختراق المسامير الموجودة به جسده ليسقط الصغير أرضـًا دون حراك على الزجاج المهشم جوار العمود -بها أربعة أعمدة بارزة قليلًا عن الحائط وتحوي الكثير من مسامير صلبة بعضها موضوع بطريقة عكسية "رأسها للداخل وطرفها المدبب للخارج والبعض الآخر رأسه للخارج، موزعة بطريقة عشوائية مع وجود قطع زجاج مهشمة بجانب كل عمود"
صرخة حادة خرجت من ثغر فآطم تطلب من أخيها أن يستيقظ قبل أن تفقد الوعي من هول ما رأته مقررة التخلي ولو قليلًا عن دنياها تلك أما جمال فاقترب من جثة الصغير ليجده جالسًا على كرسيه العتيق يحركه وهو يتأمل بقع الدماء التي ازداد حجمها بمرور الوقت ليقول بغضب موجهـًا حديثه للصغير
- أردتَ أن تكون البطل تيم لذا ضريبة ذلك غالية جدًا.
نقطة وأُسدل الستار على أسوأ كوابيسها بفقد اثنين أحدهما دعت سرًا بأن يُمحى وجوده من على الأرض والآخر أرادت أن يشيبا في كنف بعضهما البعض لكن القدر كان له الكلمة العليا دون نقاش.
بداية السعادة نشوة ونهايتها ألم يمهد الطريق لندوب غائرة لن يداويها الزمن بنية طيبة فكارم أراد الليل بأن يطول لكن ما لم يعلمه بأن تلك الليلة تحديدًا لن تنمحي من الأذهان مهما أرادوا تخطيها لأنهم جميعًا على حافة من تلك النقطة وكل ما عليهم فعلها هو السقوط لكل ما تحمله من كآبة.
- تقول أمي مِرارًا بأن الصالحين مبتلون دومًا حتى يلجأوا إلى الخالق في لحظات ضعفهم تلك وإمدادهم بالقوة المناسبة.
هكذا أخبرت فآطم ريان بعدما توقفت عن سرد ما يحدث قبل أن تغمض عينيها بألم مما عايشته في الماض ولازالت تتجرع مرارته حتى الآن، أزال دموعها العالقة على وجنتيها لتنظر له بعيون خاوية من الحياة وهي تقول
- لكنها لم تخبرني بأن الأشرار يعيشون طويلًا ووجودهم أذية لنا في كل حين.
اختتمت كلماتها وتشبثت بين أحضانه ليحاول تهدأتها حتى لا تنهار فهي خطت لأول مرة بين رماد الماض دون أي خدعة منه فقط فعلتها بإرادتها وهذا أول طريق للتعافي -تقبل الماض والتصالح معه حتى يصبح بين طيات النسيان ذات يوم-
- أريدكِ بخير فآطم وكل شئ غير ذلك زائل.
قالها بحنان لتنظر له بتعب وكأن قوتها الواهية قد خارت ولم يعد بإمكانها التحلي بها بعد الآن ليزين ثغرها بسمة ساخرة لتصمت دون تعقيب.
- العالم سئ..!
سؤال مباغت تبعه تنهيدة قصيرة وإجابة أقصر من المتوقع لكنها متهكمة حد الهلاك لحظة واحدة بل واقعية حد وحشية الحياة، كانت تنتظر إجابته لكنها أجابت بدلًا عنه
- بل البشر.
صمتت ثانيةً وكأنها تفكر فيما تريد قوله بأقصر الطرق إيجازًا
- البشر هم سبب كل كارثة على وجه المعمورة وبعدها يأتي أحدهم ليخبرك بأن الدنيا تتحول إلى الأسوأ كل يوم.
أغمضت عينيها بتعب دليل على انتهاء حديثها لينظر لها ريان بألم قبل أن يشدد من احتضانها دون كلمات قد تذيل ما قالته قبل لحظات.
.........................
بعض المفاجآت الغير متوقعة.... مهلكة.
- ما علاقتك بنيا باسل؟
سؤال مباغت من صهيب الجالس جواره بعدما تمكن الأخير من الوصول إلى الرسم التخطيطي لهيكل الفندق قديمًا وكذلك الوصول إلى بعض المعلومات عن مالكيه السابقون.
ضحك باسل ولم يجيب على حديثه لينظر له صهيب بغضب مما يفعل ليقول له بعصبية مفرطة
- أخبرني باسل!
- وما شانك صهيب؟
سخرية تقطرت من سؤاله ليُكمل بعدها بلامبالاة
- صديقتي.
-منذ متى؟!
قالها صهيب بنفور ليتأمله بال قليلًا وهو يشم رائحة ما ليقول بغضب
- أغيرة تلك أم ماذا؟
نظر له باستهزاء ليستأنف باسل حديثه بغضب
- كما أنكِ لم تخبرني بأنها من المحتمل أن تكون فتاتك لذا فرصتي في القتال لأجلها تضاعفت لإني معجب بها.
- ليست فتاتي باسل وانتبه لحديثك.
تفوه بها صهيب بتحذير لينظر له الآخر باستخفاف ولم يعقب على شئ لكنه وضع ما توصل إليه أمام صاحب المنزل وغادر بهدوء يحاول تحليل رد فعل صديقه الغير متوقع.
وأمام باب المنزل قابل طارق الذى نظر له بهدوء وأكمل طريقه إلى منزل خالته دون كلمة ليتبعه باسل بصمت قبل أن ينظر له الأول باستفهام عما يفعل ليقول بهدوء
- معجب بالفتاة في ذاك المنزل.
قالها وأشار إلى منزل نيا لينظر له طارق بصدمة فحتى في أكثر لحظات شروده لن يتوقع بأن ذاك الغريب بتلك الجرأة لينظر له بصمت ولم يعقب ليستأنف باسل حديثه قائلًا بهدوء
- اعلم بأنها تراني صديق لا أكثر لكن أريد أكثر من ذلك.
تنهد يتابع ملامح وجه طارق الغير مقروءة بالنسبة له قبل أن يُكمل بإقرار معترفًا به لنفسه قبله
- أريدها زوجة لي طارق.
ابتسم طارق باستخفاف على حديثه السابق قبل أن يصطحبه إلى المنزل ولم يعقب على ثرثرته السابقة، ضرب الجرس عدة مرات لتظهر إمرأة في مقتبل الخمسينات توزع نظراتها بينهما قبل أن تسمح لهما بالدخول ليقول طارق موجهـًا كلامه إلى خالته وهو يشير إلى باسل
- باسل صديقي.
أومأت له بهدوء وسمحت لهما بالدخول، أغلق باسل الباب واتجه مع طارق إلى غرفة جانبية ما لبث أن تبين بأنها غرفة المكتب، جلسا متقابلين ليتسأل باسل بهدوء
- أرجو بألا تمانع باقترابي من نيا.
قالها برجاء مترقب لردة فعل الآخر ليخبره طارق بهدوء
- نيا كنز بالنسبة لي ولن أسمح بحدوث مكروه لها باسل.
- إذن لِم لم تتزوجها إن كنت تخشى عليها هكذا!
تساءل بها باسل باندفاع ليضحك طارق من غيرته الغير مقصودة قبل أن يوجه له سؤال غير متوقع
- لو لم تكن شقيقة أختي بالرضاعة لزوجتنا خالتي منذ زمن.
نظر له بعدم فهم وﻷول مرة يعرف بأن طارق له شقيقة من دمه وقبل أن يسأله عن مكانها أخبره طارق بحزن
- توفت قبل سنوات بعد محاربتها لخبيث فتك بها دون رحمة.
تجاوز الأمر بعدة ضحكات بعدما أخبرته خالته سابقًا بأنها تبحث عن عريس لابنتها فهي إن عاشت لها اليوم لا تعلم إن كانت ستفعل غدًا غير مصدق بأن أمنيتها على وشك بأن تصبح حقيقة أمام ناظريها دون مجهود، ليقول طارق بحنان
- الطريق إلى قلب نيا غير ممهد بالورود باسل لذا سيرهقك حتى الوصول إليها.
أومأ باسل بموافقة على حديثه فهو لازال يتحرك بخطوات على استحياء تجاه قلبها لكنه لن يهاجم حتى تسقط هي في شرك عشقه.
دلفت والدة نيا للداخل تضع مشروب بارد أمامهما قبل أن ترحب بالضيف بعدة كلمات وبعدها غادرت ثانية دون إضافة المزيد ليضحك باسل بسعادة من فطرتها الطيبة رغم سنوات عمرها التي تتجاوزه بكثير.
أما في منزل صهيب فقد استمع إلى صوت طرقات على الباب ليشك بأن باسل قد عاد وما إن فتح الباب حتى وجد حياء أمام منزله تخبره بهدوء
- مرحبًا صهيب.
قالت كلماتها وتجاوزته دون إضافة المزيد لينظر الآخر في أثرها بعدم فهم من وجودها الغير مبرر في منزله لكنه ترك الباب مفتوح وتبعها للداخل، أخذت تتأمل المكان قبل أن تجلس مباشرة أمام الحاسوب وهي تسأله باستفسار
- خالتي تريد أن تعرف ما آلت إليه القضية.
جلس على مقعد آخر يتأملها باندهاش من جرأة غير معهودة بالنسبة له ليجيب على سؤالها باقتضاب
- لا جديد.
- أريد كوب من الماء.
قالتها برجاء ليذهب إلى المطبخ يلبي طلبها وهي في الحال أخذت صورًا مختلفة وأرسلتها إلى رقم بعينه قبل أن تذيل صورها بعدة كلمات مقتضبة **
- عثروا على غرف سرية بالفندق.
وذاك الذي راسلته للتو كان يتناول طعامه في مكان هادئ لكن ما لبث أن بصقه دفعة واحدة حينما قرأ الرسالة وداخله يكاد يجزم بأن ذاك الصهيب لن يُمرر الأمر مرور الكرام، فقد كان مُحقًا في شكه نحو تجمع الثنائي -طارق وصهيب- من جديد فهما قد أسدلا الستار على صداقة دامت طويلًا لكن أمام الشك كل شئ مقبول ليبتسم بخبث قبل أن يضغط عدة أرقام وبعدها أخبر الطرف الآخر باقتضاب
- أريدُك أن تهتم بما طلبته منك سابقًا.
والطرف الثاني أخبره بإذعان لمطلبه
- أمرك سيدي.
وأُغلق الهاتف دون كلمة إضافية ليستريح في جلسته مبتسمًا باستفزاز وكأنه لا يقترب منه بركان قد يكون سببًا في إذابة أسفل قدميه دون عناء.
أما عند حياء فقد أرسلت له تلك الرسالة دون أن تدرك عواقب الأمر لكن مهمتها الوحيدة في الوقت الراهن هي مراقبة الجميع وكأنهم كائنات دقيقة أسفل المجهر الإلكتروني، تراقب سلوكهم وتخبر سيدها بكل ما يحدث مع الجميع دون كلل وكأنها وكالة أنباء متنقلة لكشف أسرارهم فقط لا غير.
انتظرت حتى أتى صهيب من الداخل وبيده كوب الماء، أعطاه لها وجلس جوارها يتأملها بصمت قبل أن يُرسل إليه أحدهم موقعًا يخبره بضرورة الذهاب إلى ذاك العنوان في الحال ليحثها على الرحيل دون كلمات إضافية وبالفعل استجابت له فكل ما تريد معرفته يصبح رهن إشارتها دون كلمات سواء بطريقة ملتوية أو غير ذلك.
استأذنته بالذهاب إلى المرحاض وبعدها سوف تغلق المنزل وتعود أدراجها إلى منزلها، وافق على مضض رغم شكه في أنها تخطط لأمر ما لكنه وافقها مُرغمًا وغادر ليتركها بمفردها في المنزل دون رقيب تلك المرة، ذهبت للمرحاض أولًا تلاه تجولها في بقية أرجاء المسكن وكانت البداية في غرفة هتان لتتأمل الغرفة المُرتبة بفتور قبل أن تنتشل الحاسوب الموضوع أعلى طاولة بالقرب من الفراش ولكونه برمز دخول لم تستطع فتحه لتزفر بضيق قبل وضعه في مكانه وذهابها لمكان آخر وكانت الوجهة تلك المرة إلى غرفة المكتب لتجد ستار وما إن أزاحته جانبًا لتكتشف بأنه قد استبدل النافذة بالكثير من الخيوط والصور لأشخاص تعرفهم وآخرون لم تميزهم جيدًا وجميع الأطراف يؤدي إلى طرف واحد وقبل أن تفكر في العلاقة بين كل هذا وجدت نفس الذي راسلته سابقًا يهاتفها لتفتح الاتصال وبعدها أخبرته بسخرية
- لم أعلم بأن المجهول X مطلوب هكذا.
لم يفهم ما تعنيه ليتساءل بضيق وقد زوى ما بين حاجبيه
- علام عثرت الجميلة حياء في منزل صهيب؟
ضحكت بخفوت وهي تكاد تجزم بأنه يرد معرفة كل شئ تراه هي الان لتخبره بتمهل وهي تضغط على كافة حروف جملتها
- كل الخيوط تؤدي إلى المجهول X
صمتت تستمع إلى تنهيداته المنزعجة لتُكمل هي ما يدور أمامها
- يبدو بأن صهيب يعلم جيدًا كل أفعالك بدايةً من شقيقته وحتى تلك اللحظة تبقى له فقط معرفة مَن ذاك المجهول الذي يلاعبه.
صمتت حينما استمعت إلى ضحكاته لتخبره بحنق من بروده الغير مبرر من وجهة نظرها في كل شئ يخص صهيب على وجه التحديد
- تبقى له معرفة مَن ذاك المجهول الذي يلاعبه حينها فقط لن يتوانى عن سلبك كل ما تملك حتى تنفسك لن تستطيع التقاطه بسهولة من هول ما قد يحدث معك.
ورغم حديثها الغير مبني على دليل إلا أنها أكملت حديثها بهدوء متلذذ حينما أخبرته دون غيره
- هكذا كانت موجودة على ورقة بجانب رمز X
ضحك باستهزاء من حماقتها تلك فهو يكاد يجزم بأن ثرثرتها السابقة مجرد ثرثرة لا غير لذا أخبرها ببرود
- الأشعة السينية أُطلق عليها سابقًا X وظل الأمر طويلًا حتى تم اكتشافها لذا هنيئًا له ذاك الصهيب على اختياره.
أغلق معها الخط دون كلمة إضافية لتلتقط صورة للجدار قبل أن تلتقط ورقة ملاحظة بعينها ووضعت مكانها أخرى لتُعيد بعدها كل شئ إلى مكانه وكأنه لم يلمسه أحد في غيابه، غادرت مسكنه وأمام الباب قابلت طارق الذي نظر لها بعتاب وغادر دون إضافة كلمة لتنظر له بعدم فهم وغادرت حيث وجهتها هي الأخرى.
أما عند صهيب فبعد وصوله إلى العنوان هبط من سيارته واتجه إلى الداخل ليوقفه أحد أفراد الأمن مانعًا إياه من العبور متعللًا بعدم وجود موعد مُسبق مع رئيسه ليزيحه جانبًا وهو يرفع شارته أمام الآخر ليسمح له بالمرور دون إحداث جلبة معه حتى لا يؤذيه في عمله، دلف حيث وجهته ليقابله آخر أرشده إلى مكتب رب عمله وكأنه في انتظاره على وجه الخصوص.
وأمام المكتب تبادل عبارات الترحاب مع الشخص المعني بالزيارة، جلس بعدها على المقعد في مواجهته وكأنهما في مبارزة صامتة ومَن يتحدث سيكون الخاسر الأكبر.
- تشرفت بمقابلتك سيد صهيب.
قالها صاحب المكان بترحاب بعد صمت طال بينهما ليخبره صهيب بترحاب أكبر
- وأنا كذلك سيد كارم.
اختتم كلماته بوضع عدة صور من الغرف السرية للفندق أمام الآخر لينظر له كارم بعدم فهم وتساءل بعدها بحيرة
- ما علاقة تلك الصور التي عرضتها لتوكَ مع الفندق!
المؤشرات الأولية تؤكد بأنه قد يكون جاهل بما يحدث في ممتلكاته لكنه في نفس الوقت لا يستطيع تفسير نظراته الغير مريحة بالنسبة له وقبل أن يوسوس له شيطانه بالمزيد أخبره بتقرير وكأنه يقول له صباح الخير مع ابتسامة كادت أن تنفجر من كثرة زيفها
- تلك الصور تم التقاطها من الفندق الخاص بك سيد كارم.
تنهد الأخير بضيق من كل ما يدور حوله فهو لي تلك اللحظة يشعر بالغباء ولا شئ غيره ليطلب توضيح أكبر وصهيب أمامه يتمنى لو كان باستطاعته تفسير النظرات لكان الأمر أسهل الآن عن ذي قبل لكنه قرر مجاراته في غبائه وهو يخبره بتوضيح
- تلك الصور من غرف سرية خاصة بالفندق الذي استحوذت عليه المؤسسة التابعة لك.
رغم انعقاد حاجبي كارم في السابق إلا أن ذاك الانعقاد تمت إزالته سريعًا ليقول بتوضيح
- أتقصد ذاك الفندق!
اختتم سؤاله بوضعه لمجموعة من العقود كانت بجانبه ليطلع عليها صهيب وصاحب ذلك بحديثه الهادئ
- لقد استحوذت عليه الشركة بعدما باعه مالكه لنا قبل وفاته بعدة أشهر لكنه طلب منا أن نُعلن الاستحواذ بعد وفاته لكونه يحمل الكثير من الذكريات بين طياته.
انتظر حتى دلف العامل يضع أكواب قهوة كانا قد طلباها منذ دقائق وبعدما غادر أكمل هو
- الفندق تاريخه طويل واشتراه أكثر من شخص حتى وصل إلينا لكن كل ما اتذكره من حديث مالكه السابق أنه كان درع حماية للكثير أثناء الحروب والصراعات الأهلية بل وأصبح وقر آمن لهم حتى انتشرت بعض الشائعات لكن كل ذلك لا صحة له ولا أساس ما لم يوجد دليل.
أومأ له صهيب بموافقة فهو يدرك حديثه السابق جيدًا بعدما ساعده باسل في الوصول إلى تلك المعلومات لكنه لم يستطع الوصول إلى أرشيف الفندق نهائيًا وكأنه قد انمحى من السجلات، ليفكر جيدًا في خطوته التالية فهو في تلك اللحظة يشبه لاعب الشطرنج الذي يجاهد بألا ينزلق في فخ غريمه حتى لا يرفع راية استسلام مذلة أو خسارة أكثر إذلالًا بل يريد الانتصار ولا شئ غيره.
- أتريد إقناعي بأنك دفعت مبلغ طائل قد يتجاوز ملايين الجنيهات مقابل فندق لا تعرف تاريخه جيدًا!
ارتشف من قدح قهوته عدة رشفات قبل أن يضعه على المكتب أمامه ويخبره باستخفاف
- أم أنك كنت مسحور بفندق ملغم بالكثير من الشائعات لتكون في موقف تُستغل فيه هكذا دون أي مقاومة!
رغم تهكمه السابق إلا أن كارم تجاوزه بصعوبة ليخبره بهدوء وهو يمط شفتيه بلامبالاة
- بل سوق العمل هو ما يُجبرك على الشذوذ عن كل مألوف حتى تحقق أكبر ربح وأكثر استفادة.
هكذا ببساطة دون أي تجميل فقط الحقيقة دفعة واحدة فسوق العمل لا يرحم لكن ليس لتلك الدرجة، عدة كلمات مقتضبة واستأذن صهيب قبل أن ينفجر كلاهما في وجه الآخر وبمجرد خروجه من المكتب انتشل الآخر هاتفه من على المكتب أمامه وهو يتحدث مع أحدهم
- أخبرتك بألا تقلق بشأن الفندق يا هذا.
ضحك الطرف الآخر بشر ليقول بلامبالاة
- ذاك الصهيب يشبه النحلة...
وقبل أن یُكمل الآخر أخبره أكرم بسخرية
- تدور في كل الاتجاهات دون منفعة فقط تلدغ وبعدها تموت.
ضحكا بسعادة على ذاك التشبيه الذي استخداماه طويلًا مع أي شخص يزعجهم أيًا كانت هويته وقبل أن يُغلق أكمل كارم بهدوء
- فلنحذر منه في الوقت الراهن سيدي المجهول X
ليضحكا ثانيةً على ذاك اللقب ليغلق كارم الخط بعدما أخبره بانشغاله في الوقت الراهن ليغلقا الخط على أمل بلقاء قريب.
الحياة محطات إما أن تستقل القطار الصحيح أو تبقى حائر بين قضبانه دون العثور على المحطة المطلوبة وتبقى في النهاية خائب الرجا تائه بين ثنايا الوقت تنتظر اللحظة الحاسمة حتى تقفز مما أُقبلت عليه برضاك دون مشورة من أحد.
- كيف حالك كارمن؟
قالها بسخرية فهي حتى تلك اللحظة لم تجد الإجابة على سؤالها ولم يجيبها هو وكأنه يعاقبها على إثم لا ذنب لها فيه، نظرت له بحزن وأدارت وجهها في الناحية المقابلة ليضحك بتهكم على فعلتها تلك رغم أنه يعلم جيدًا بأنها لا تعلم شى لكنها في النهاية وكما أخبرها سابقًا صيده الثمين.
طال الصمت حتى ظن بأنها لن تجيبه لذا قرر الرحيل وأمام الباب أخبرته بحنق
- لا أظن بأن حالي يهمك في شئ بل تريد معرفة أمر ما وفقط.
ضحك باستخفاف على حديثها فهي محقة حد الهلاك لكنه لن يستطيع قولها صريحة في وجهها، عاد أدراجه وجلس أمامها ثانيةً لتقول بحنق
- ما علاقتكَ بصورة عمي!
نظر لها باستخفاف ثم وضع صورة أخرى أمامها لكن تلك المرة لنفس الرجل ومعه سيدة تعرفت عليها جيدًا من صور قديمة عثرت عليها لتخبره بغضب وقد اشتدت بها الحيرة حتى وصلت لأقصى حد، توقع أن تسأله نفس السؤال السابق لكن بإضافة كلمة سيدة -ما علاقتك بصورة عمي وتلك السيدة- لكنها فاجأته بقولها الحانق فهي تود معرفة هويته أولًا والبقية تأتي فيما بعد
- مَن تكون!
وقبل أن يجيبها على سؤالها بسؤال آخر سألته بحذر
- أأنتَ.....
وقبل أن تُكمل أجابت بحزن وهي تبكي من كثرة الاستنتاجات التي تدور لي عقلها في الوقت الراهن
- بالفعل أنا كابوسكِ الدائم كارمن حتى انتقم من والدك وعصابته عما فعله بالجميع سابقًا بعدها يمكننا تخطي بعض العقبات لكن حتى تلك اللحظة أنا الأسوأ في قصتك قبل قصص الجميع بل إعصار سوف يقتلعكم جميعًا دون رحمة عزيزتي كارمن.
ألقى قنبلته وغادر المكان دون إضافة كلمة أخرى لكن وقع كلماته على نفسها كالبركان المحتمل ثورته في أي لحظة ولن يطالك منه سوى الهلاك مهما حاولت الهروب لتستند على الحائط كحال أيامها الماضية تفكر فيما حدث يوم زفافها والنتيجة التي تصل إليها في كل مرة أن المصور لم يكن سوى خاطف غدر بها في لحظة غفلة من أمرها لكنها متأكدة بأن غيث سوف ينجدها مما هي فيه وما عليها سوى الخلاص في أسرع وقت ممكن.
وعند ذكر الغيث دق قلبها اشتياقًا له فهي بالفعل تشتاقه حتى وإن أنكرت ذلك يكفيها أنه أول شخص فكرت في اللجوء إليه بمجرد استيقاظها من أثر المخدر.
هي تحتاجه جوارها، متعطشة لأمانه في كل لحظة تشعر فيها باليأس وكم هي وحيدة بين جدران باردة كحال سجانيها لكن في الأيام الماضية أدركت بأنها تعشقه ولن تنكر بعد اليوم فأبجدية العشق تتطلب الصبر لإتقانها
#من_بين_الرماد
#أسماء_رمضان

"من بين الرماد"- "أسماء رمضان"Where stories live. Discover now