الفصل الرابع عشر:
(تعاويذ عمران)!
=========
اللحن الكلاسيكي القديم ينبعث في أرجاء بيته الجديد الذي انتقلا إليه مؤخراً بعدما استطاع إقناع يزن أن هذا هو الأفضل لكليو بابتعادها عن غرفة يوسف وما تثيره فيها من شجون...
يزن الذي يبدو له هذه الأيام مشتتاً متخبطاً لا يكاد يعرف ماذا يقول لكنه وافقه على رأيه ببساطة أدهشته هو شخصياً...
ناهيكم عن ملكته التي كادت تطير فرحاً وهي تضع قدميها أخيراً خارج أسوار بيت الأمير!!ملكته التي كانت تتراقص قدماها الآن على أرضية غرفتهما وكأنهما تعانقان اللحن بطقوس "يوسُفيّة" تحتاجها الآن بالذات...
طقوسٍ اعتادتها كل ليلة تحتفل فيها بعيد ميلادها في غرفته المحرمة...
والآن تشعر بحاجتها إليها وكأنما تشعر -أو تريد أن تشعر- أن الليلة هذه بالذات ميلادٌ جديد لها!!
شعرها قد قسمته بالعدل لتسدله على جانبي وجهها...
شرائطها الملونة تزين معصمها ...
وعطر يوسف الأثير "المعتق" يحتل قلبها قبل أنفها ليمنحها الدعم الذي تحتاجه في هذه اللحظة...
وهو على باب الغرفة وقد عاد من الخارج ليفاجأ ب"ملكته" على هذا الحال ..
ثوبها الذهبي عاري الكتفين والذراعين يلتصق بجسدها في دعوة مغرية ...
وعلى أعلى ذراعها تتوهج تلك الحلية الذهبية الحلزونية التي تضغط جلد بشرتها لتبرز لونها البرونزي ...
بينما حركاتها الرشيقة التي مزجت بُطأها بسرعتها في مزيج مدهش خبير لامرأة تعرف كيف تبرز مواطن أنوثتها...ورغم أنها خطفت قلبه بطلّتها الساحرة هذه لكن هذا تراجع خلف غمامة من قلق ظللت عينيه وهو يتساءل عما ردها إلى هوسها القديم بأبيها ...
لقد كانت قد تعافت من هذا الهوس خاصةً بعد عودتها للعمل معه ...
حتى أن طباعها المتمردة قد اختفت تدريجياً لتستتر خلف رضاها المستحدث بما آلت إليه الأمور...
فماذا حدث؟!
تقدم نحوها بخطوات ثابتة كعهده عندما انتهت رقصتها فتوقفت لتلتفت نحوه بنظرات اكتظت بمشاعر شتى قبل أن يبادرها بقوله:
_ما هذه الرقصة؟! من أين ابتدعتِها؟! لا هي شرقية ولا غربية؟!
لم يبدُ عليها أنها فوجئت بوجوده ...
بل دمعت عيناها دونما سبب رآه وهي تهمس بشرود:
_هي ليست رقصة...هي كلامي الذي لا أجرؤ غالباً على البوح به!
التوت شفتاه بابتسامة لم ترَها وهو يرفع معصمها المزين بشرائطه الملونة ليقول لها ببعض التعجب:
_أليست هذه شرائطك التي كنتِ ترتدينها في طفولتك؟! لم أعلم أنك كنت تحتفظين بها طوال هذا الوقت!
فتركزت نظراتها عليها هي الأخرى وهي تهمس بنفس النبرة الغريبة على أذنيه:
_لم أفرط في شيء كان ليوسف...لم أخذله يوماً ولن أفعل!
عقد حاجبيه بدهشة وهو يتفرس ملامحها التي اكتست بمزيج من حزن وغموض ...
غموض غريب حتى على عينيه الخبيرتين بها ...ليهمس أخيراً ببعض الحزم:
_ألن تخبريني أين ذهبتِ مع إيزيس تلك الليلة التي تهربتِ فيها من حارسي؟!
فابتسمت وهي ترفع أنفها بحركتها المعهودة لتهمس بنفس النبرة الغريبة:
_لا تقلق ...إيزيس صاحبة العقل الرشيد كانت معي ...ألا يكفي هذا ليمنحك بعض الطمأنينة؟!
عقد حاجبيه بقوة ولازال يشعر بالغموض يلفها خاصة وهي تردف بعدها:
_الحرية والمسئولية توأم لا ينفصل...ألم يكن هذا حديثك؟!...أنا أثبتت لك قدرتي على تحمل المسئولية طوال الأيام السابقة...فاترك لي بعض الحرية كما وعدتني!
ظل يتفحص ملامحها للحظات أخرى بعدها قبل أن يومئ برأسه دون رد ...
بينما سحبت هي منه معصمها ببطء لتهمس بصوت متحشرج:
_أرغب في النوم...تصبح على خير!
ورغم شعوره بالضيق من انسحابها هذا لكنه لم يملك إلا أن هز رأسه بكلمات مبهمة وهو يراقب خطواتها المتمهلة نحو الفراش ...
تباً!!!
هل تنتوي النوم جواره بثوبها هذا؟!!
وبعد رقصتها تلك؟!!
لو كان عذابه بقربها -المهلك- هذا ديناً فقد وفاه كاملاً دون نقصان!!
زفر زفرة مشتعلة وهو يبدل ملابسه بثورة مكتومة قبل أن يشاركها الفراش...
يحاول قدر استطاعته ألا يلتفت نحوها ...ففتيل صبره قد اشتعل عن آخره وبات يخشى انفجاره...!!!
كيف ظن يوماً أن الأمر بهذه البساطة...أن تكن جواره ...حليلته...ولا يروي ظمأ قلب اشتاقها طوال هذه السنوات؟!
وإلى متى ينتوي أن تستمر حربهما الباردة هذه؟!!
لقد تغيرت ملكته حقاً...!!
شيءٌ ما بداخلها توهج ببريق قوة حقيقي انطفأت جواره كل قناديل تمردها وعنادها السخيفين ...
فماذا ينتظر كي يعلن لها تتويجها على عرش قلبه ؟!!
ماذا ينتظر كي يفتح لها كل أبوابه ليعلمها الفارق بين الحزم والقسوة...
بين الحنان والضعف...
ليضع أصابعها على صدره كي تستكشف أبجدية جديدة للعشق...
تنطق أول حروفها معه...ولا تجد لها أبداً نهاية!!
أبجدية عشق لا تليق إلا بالملكة...وفارسها!!
لازال يذكر مذاق قبلاتها المشبعة بدموعها منذ تلك الليلة التي بكت فيها بين ذراعيه ...
مذاق يكاد يحرقه -من وقتها- اشتياقاً وهو يتوق للمزيد!!

YOU ARE READING
تعاويذ عمران لِـ" نرمين نحمد الله"
Randomالرواية للكاتبة الراااائعة بحقّ نرمين نحمد الله.. لكل من لايعرفها.. فهي كاتبة مصرية...لها عدة كتابات ... جارية في ثياب ملكية... سلسلة زهور الجبل بأجزائها : قيود ناعمة...وعانقت الشمس الجليد...مرايا الخريف ماسة وشيطان...سينابون و ...تعاويذ عمران... ...