3

23.5K 260 267
                                    

كان تايّه .. يناظر لجهة مُحددة ولكنه يجهل وجهته .. يظن نفسه بحلُم .. أو بشيء أشبه بالكابُوس .. تخطّى صوت صراخ كايد واللي يئن بوجع تمكن من كل جسده .. تخطّى جلُوس أمه على ركبها ويدينها على رأسها وتبكي بسخط وصُوت عالي إخترق سكُون المكان .. تخطى أبوه اللي مرمِي على الأرض وغارِق بدماءه
وأنحنى أمامها .. جلس على رُكبته وهو يزُيح خصلة شعرها عن وجهها .. بلع رِيقه بصعوبة شديدة وهو يحس بأن قفصه الصدرِي بدأ يضغط عليه بشكل كارِثي كان يحس أنه بأي لحظة بيخطفه المُوت من شدة الوجع .. رفع كفوفه المُرتجفة وهو يضعها على العرِق بمعصمها .. ثانية .. ثانتين .. والثالثة أطلق صرخة سبّبت رعشة لكل شخص وصلت لمسامعه " لااااا ييييارب" قرب أكثر وهو يسحبّ جسدها من على الأرض ويوسطُه حضنه وهو يرتب شعرها وبقى يناظِر للدم اللي شوه فُستانها الرصاصِي من جهة يسار صدرها .. شد عليها بحُضنه وهو يهز نفسها وصوت أنينه ما هدأ .. كان يهز رأسه وهو مغمض عُيونه .. ويدينه تشد أكثر على كتوفها .. يستحيل إن الي يصير حقيقة .. وإن هالجسد الأنثُوي الخالي من الحياة .. هي نفسها " شُعاع أخت وهّاج " كان ينفي بتشديد .. كان يصارع أفكاره .. يستحيل اللي يشوفه حقيقي .. هذا كذب .. وهو باقي ما جاء .. هو للآن نايم وهذا كابوس أكيد .. بدأ صوت أمه يُعيده للواقع المر
والي من أستقر بصره الذابل المصدوم على وجهها الخالي من الحياة .. حتى أطلق آه أحرقت قلبه " يارب وأنت ربي اللطيَف .. هو اللي يحصل مع هالمكسُور يرضيك ؟ "
نُزع عنه ثوب البهجة والفرح بشكل مُفجع .. إنسّلخ جلده وهو يرتدي ثوب الحزن والأنين والوجع
بدأ يهزها أكثر وهو يحس إن قلبه بدأ ينقبض بشكل كارثي وهو يحس إن الحياة إنسحبّت من كل جسده .. مرر كفه المُترعشة على ملامح وجهها " يحكُون إني سود اللياليّ ويعلم الله ماكنت مهتم .. كنت أقول شُعاع تضوي لي هالعتمة .. وتخلينيّ وهاج .. ميَر يا أخت وهاج من الي بيضوي عتمتي الحين .. يرضيك تأكلني سود الليالي باقي عمري .. يرضيك أبقى دون ضيّك ؟ حسبي على مفرقنا "
كان يائس .. وبكل ما تعنيّه الكلمة تايه .. مافكر يأخذها ويركض بها على أقرب مستشفى لعله يلقى أمل .. مافكر بأنها بتبقى معه باقي سنِينه .. كان متأكد إن الحياة مُستحيل تخلي له شخص مثل شُعاع لباقي حياته .. وكأنها تقول واحد وعشرين كافيّة عليك يا وهّاج !
تمنى لو له قُدرة على البكاء .. لو عالأقل رحمته عُيونه وسربّت الوجع على شكل دمُوع لأجل يرتاح ولو شوي ..

بدأ الوجع يتجمع بعيونه لدرجة إنه شكّل حصن كبير يمنع دموعه عن النزول لتغسل روحه ولكن كانت هالليَلة حالفة لتكون على شكل جاثُوم ينهي حياته .. وتبقى كابُوس لبقيه أيامه
ألتفت بسرعة لصُوت بكاء الطفلة اللي تصحيه شهور طويلة .. بدأ يدور لها بعُيونه ومن أستقرت على السرِير الصغير بوسط الحوش وهي تبكي بشراسة وكأنها تنعى أمها .. قضّم شفايفه بكل وحشية لحتى بدأت تنزف بشكل كارثي .. تمنى لو تبُث الطاقة ولو بمقدار ذرة لجسده .. لحتى يوقف ويأخذ روح من أخذ روحه منه .. ولكنه قابع أمام جثة أخته جسد بلا حياة .. وكأنه يشاركها آخر لحظاتها بالحياة ... سحبُو منه آخر سبب كان يتنفس عشانه .. سحبو منه النفس وتركُوه جسد خاوِي من الحياة .. جسّد بيبقى طول حياته قابع في الظلام !
بدأ صوت كايّد يتعالى بشكل كبير .. والرصاصة تنهش بساقه وكأنها تضغط على كل أعصابه .. لدرجة إنه صار يبكي من شدة وجعه .. ولكنه زاد أنينه وهو يشوف وهَاج يحتضن جسّد شُعاع بقلة حِيلة .. وكأنه يُرسل رسالة بملامحه المكسُورة بأن هذه الطاهِرة البريئة قد فاضت رُوحها
بدأ يبكي بطفولية وهو يحط يدينه على رأسه وعيونه على أمه : يييمة .. خذو مننا الحياة .. ييمة ما بقى مكان ينكسر فينا .. يمة حتى الحسنة الوحيدة بحياتنا فارقتنا .. ييمة إبكيّنا كلنا .. إبكيّنا لأننا فقدنا روحنا
بدأت تبكي أكثر وأكثر وهي مفجوعة .. وكأنها تغرق في بحر من الكذب .. واحد من أطفالها مُخترق ساقه رصّاصة لاذعة .. زوجها مرمي أمامها غارق بدماءه لا تدري بأي وضع هو .. بكرها بين يدين أخوها .. اللي ذاب الحزن بوجهه وصار يشبّه للقلبه من شدة كتمّه لوجعه .. أنهارت دنياها على رأسها .. بدأ تستشعر إن قلبها بأي لحظة بينفلت من صدرها .. رفعت يدينها وهي تضرب صدرها بسخط وتبكي بشكل فاجِع .. تعالي يالمصائب متفارقة .. تعالي يالمواجع بالهون .. بدأت تهز رأسها وهي تطلق آهات النفي ويدينها على صدرها وكأنها خايفة فعلاً يخترق قلبها قفصها الصدري ويفارقها من شدة ضربها لصدرها .. بدأ صوت الإسعاف والشرطة يدُوي بأنحاء المكان .. ماكان يكفي صوت بكاء من في هذا البيت .. ماكان يبكي صوت بُكاء قلب هذا المكسور .. شاركهم هالوجع كُل من تِسلل ودخل مع الإسعاف وأنهار من المنظر الكارثي في حُوش بيت سلطان بن سهيّل !

وقّاص اللي كان جالِس مع أمه بوسط الصالة وهو يشرب كأس الشاهي بتأني .. نطق بإستخفاف : تظنيّنهم الحين تنازلو ؟ ولا سلطان بيكابّر ؟
ضحكت بخُفوت وهي ترتب صحون المُكسرات على الطاولة : سلطان مِثل الخاتم بيدين أبوك يا وقّاص .. ما تعرف إننا المُتحكمين بحياته وحياة عيّاله وهله ؟ ماهيّب صعبة علينا نأخذ حقنا منه
وقاص ميّل شفايفه وهو يدري إن كلام أمه فعلاً حقيقي .. هي الي تأمر وتنهي على مدار سِنين طويلة .. ولكن تأمر من بين الحُروف .. ترمي نيتها الخبيثة بصدر سطّام الخفيف وبصدر أبوه الي كان ينتظر أحد يوجهه .. ومن تستقر نيّتها بصدورهم يتحركون على إثّرها .. ماكانو يدرُون إن كلامها الي يتنقذ بالحرف الواحد .. لأنها دائماً تخلي نفسها العُنصر المظلوم والبريء بالحكايّة .. بهّتت الحياة بعيون كثيرين الحنيّة بسبب نوايا خبيثّة وصُدور فارغة كانت تحتاج وجهة عشان تُعذِب
ألتفت وقاص لدخول أبوه المُفاجىء .. ولكنه سُرعان ما وقف بصدمة وإستنكار من وجهة الي وكأنه أحترق من شِدة الحرارة وكان بيتكلم لولا إن سطّام تخطاه .. ومشى بسرعة وهو يطلع من الدرج ويتجه لِغرفته .. دخل وقفل الباب بالمُفتاح .. وأتجه للكرسي وهو يجلس عليّه .. رمى المسدس من يدينه اللي للآن ترتجف وأستقر وجهه على كفوفه وهو يغمض عيونه من الصاعقِة اللي زلزلت أركانه قبل لحظات .. ماكان يدري هو فعلاً سطّام اللي كان ببيّت أخوه قبل لحظات ؟ أو شيطّان مُتلبس ؟
بدأ يهز رأسه بنفي وهو يضرب بكفينه على وجهه وكأنه يحاول يستعيد وعيّه .. وللحظة غمض عيونه وبدأ يستذكر ما جنته يداه ! وما حصده حِقد سنين مغمُور بداخل قلب هذا الرجل !

إستقبّله سلطان بنفس طيّبة وهو مبتسم .. وقال : أرحب يا سطّام .. أشتاقت لك أركان البيت يا خُوك !
سّطام هز رأسه بنفي وهو يناظره بحدة : ما جيّتك مرحب .. جيتّك أبغى حقي وحق عيالك .. ولو بيكلفني هالشيء رقبتك
ناظره بصدمة وهو يوقف من على كُرسيه ويمشي بإتجاهه : سطَام .. وش هالحكي ؟ من اللي داس السُم في حلقك
ضحك وهو يكتف يدينه : تظن حولي أفاعِي لأجل ينسكب السُم في كأسي ؟ كُود إنك مخطي وتناظر لنفسك لأجل تحكي هالحكِي

لابد يا سود الليالي يضحك حجاجكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن