51

6.4K 98 161
                                    

ذابت عظام أبو عواد بجسده وميّل رأسه بتعب وهو يسنده على الكنب ويناظر لخيال بعيون ذابلة وصريحة من الوجع
يلوم نفسه يعاتبها ويقطعها من شدة القهر
عرف هاللحظة إنه المتسبب بدمّار ولده الي هرب من عندهم لأجل يعالج نفسه لأجل يعيش حياة صاحية!!
كان يبّكي بتعب وهو يسمع نحيّب زوجته وعتابها وشتمها له ويناظر لخيال الهاديّة والي ملامحها مكسوة بال"اللاشيء" ومكتفة يدينها
بكت هالعّواد كثييّر ، بكته بما فيه الكفاية
صحيح إنها تقاوم دموعها هاللحظة ولكن كان يكفيها دموع قلبها اللي تقلص من شدة الضيّق على حاله!
-
عاجزين تماماً عن سِمع خطواته الي تبتعد بكل زعزعة عنهم ، وعن صوت قفل الباب الخافت الي يعلن هروبه عن المكان!
عاجزين يستوعبون إنه حضر آخر كلامهم وإن حتى حضوره غطت عليه مواجعهم!
عوّاد الي ترك السبّاق قبل ساعة بس من بدءه ورجع بخوف وصدمة لما إستوعب إنه سهى عن حضور أمه وأبوه ورجع بكل سرعة للبيت وهو يدعي إنهم تأخرو ولكن حضوره ودخوله للبيت بصمت تام وبخفة كبيرة عشان خيال ماتخاف تركهم ما ينتبهون له وترك هالكلام ينقال على مشهد مسامعه وقلبه
كان مختل بخطواته ، وبتفكيره وبقلبه الي الي يضيق به الفضاء على مدى رحابته هاللحظة
حتى حالته الهوسيّة هاللحظة ما أنقذته من سوء هالشعور
كيف ينذكر على مسامعه مشهده مع أخوه ومايحضر بذاكرته!
هو الي سنيّن وبنيّن طويلة إكتسب الشجاعة والقوية الكافية لأجل يصمد بوجه هالوجع ، سنين قضاها من عمره بين ممرات المستشفى وبين فصول ذاكرته يناجيها لأجل ترجع ويقدر يعيّش ويطيب ، سنين وهو يبكي من التعب كلما أيقن إنه مريض بهالمرض المُتعب
ليه مازارته الذكرى لأجل يحاربها من جديدليييه؟
ركب سيارته وهو عاجز عن جر خطواته أكثر لهم
عاجز عن الوقوف قدامهم وشرح حالته وشرح ضيقه الي تمكن من جوفه
كان متهور فعلاً وتهوره ما بيخليه يبقى بنفس المكان لحظة
رجع بكل سرعته لمكان السبّاق ، ونزل من السيارة وهو يناظر لصاحبه الي بينجلط منه والي قال بعصبية : تستهبّل علي ياعواد؟؟
تخليني أنهار من القهر وترجع من جديد ؟؟
عواد الي تركه قبل دقايق وقال "ما أقدر أكملّ" رجع بدم بارد وسحب مفتاح السيارة من يده وركبَها وهو يناظر للطريّق والسيارات حوله بشعور غريّب .. شعور مخييف حييل!
كانت نظراته هاديَة عكس شخصيته عكس الحماس الي يخترق قلبه عكس نبّضاته المخيفة والهائلة كانت يديه الي تشد على أطراف الدريكسون شاهدة على رهبّة الموقف وعلى عدم إهتمامه بالشعور الي يفتّك بشراسة بروحه
مازال الكلام يتردد بإذنه بشكل مخيف حتى إنه بدأ السبّاق وهو يهوجس به ولولا وقوف صاحبه بجنبه وهو يصرخ بقهر ويناديه ماكان إستوعب الموقف

لحظات بسيَطة كانت فاصلة بينه وبين إندفاعه المخيف والهائل والي تركهم يرجعون خطوة لورى من الصدمة والذهول الي فتّت نظراتهم وأحرقها بسبب الدخان الرهيّب الي كلفته هالسرعة
كان يدعس على البنزين بدون إهتمام بكل الي حوله ، المهم إنه يعيش نشوة الحماس هذي بحذافيرها المهم إنه ينسى الكلام الي سمعه لأنه أهلك قلبه بدون مايحرك طرف واحدٍ بذكرياته ، المهم يحرر روحه من هالعذاب ويعيّش شعور الحماس الي كان يعيشه بكل مرررة
فقّد السيطرة على مشاعره ، فكيف ما يفقدها على حواااسهه!!
كان يضغط بأطراف قدمه على دواسة بالبنزين بدون ما يبان بقلبه أي شعور للخوف ، كان يشد على الدريسكون بدون ما تبان بوادر الرعب على رجفة يده!
كان أسير هالنشوة جاهل عن نتايج هالنشوة
بما إنه عايش على خط السبّاق ماكان مهتم للي حوله من السيّارات كونه عاش هالموقف مرااات ما تنعد!
ولكن هاللحظة كانت غير ، هاليوم غير مثل ماكان اليوم الي تربّص فيه المرض غير
هالسبّاق كان غير كونه ماكان يحتوي سواقيّن محترفين غييره
وكونه هاللحظة كان محترف بالتهور وبس!
عجزت النشوة تنقذه ، وعجزت يدينه الي ماخافت من السرعة تثبته بالسيارة ، وعجز قلبه يقاوم شعور الخوف والرعب والدهشّة الي تمكنت منه هاللحظة
كيف إنفلت الدريسكون من يدينه الي متثبّه فيه وكأنه طرف من ثوب أمه
وكيف قدر ينحدر عن الطريق بسبب السيارة الي قدامه والي كان سايقها مبتدئ وعجز يجاري سرعة عواد الي صدمته وتركته ينحرف عن الطريّق والي بسببّها إنكسرت نشوة الفرح
كيف قدر جسده العريضّ والصلب يغادر مقعد هالسيارة ؟
وينهار بكل ثقله على طرف الرصيّف في مشهد مخيف حضرته كل المشاعر المرعبة والمذهولة
في مشهد لأول مرة يمر أمام أنظارهم ويهلكهم من شدة الرهبّة والدهشة الي تربصّت بأفئدتهم
تحرر جسد عوّاد من السيارة وإنهياره على حافّة الرصيف كان أشبه بصاعقة كسرت قلوبهم من شدة ثقلها وغضبها
عجزت تشيلهم عظامهم ، عجزت الأرض تحررهم من جاذبيتها الي تشبثت بأقدامهم
عجز يخطون خطوة صريحة له!
كان منهار بمكانه ، مثل الموقف الي حصل له من سنين طويلة ، منهار بدون حول ولا قوة ،طفل البارحة الي صارعه الوجع على حافة الرصيّف ، رجل اليوم ولكنه بنفس الموقف
وبنفس الشعور ، وبنفس الوجع وبنفس الرهبّة
لإنه ماعاش الموقف ببساطته ولوحده
عاشه مع أخوه من جديد وكأن رجع بالسنيّن للخلف وإنعاد الموقف على مشهد قلبه وعلى مرأ عينيه .. عاشه بنفس الشعور اللي عاشه من سنيّن طويلة بنفس الذبول بنفس الوجع بنفس القهر بنفس الضيق الي دمّر صدره

لابد يا سود الليالي يضحك حجاجكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن