61

6.8K 101 34
                                    



الصعبّ الي ما تهيأ لصعوبته أي صعب ! يغرق بهالصعوبة بكل مرة وكل ليّلة ، وهذا هي دقات قلبه تصارع ذرات الجمال المرشوشة على وجهها ، كان الوقت المتاح لأجل يرضي شوقه ويتأملها بكل وفرة وبكل اسراف وتبذير بدون ما يعتدل او يوفر او يدخر اي نظرة ، كان يحاول يروي جفاف روحه والي يمتد لجميع الساعات الي تكون صاحية فيها ، والي تقابله بالنفور والصد ونظرات التيّه والضياع الي تخر كل قواه قدامها ويعجز بكل طاقته يلاقي الحل لأنها تصده ولانها ترفض حلوله وتتركه خارج ضياعها تماماً ! وهذا اللي مضيّق عليه الكون بعيونه ماهو قادر يفهمها ولاهي قادرة تعطيه فرصة لاجل يخطي خطوة في دروب الفهم ، تغيرها المخيف واللحظي اهلكه واتعب كل محاولاته
وهي عاجزة تنحني لكل هالمحاولات لإنها"فاقدة الرغبة بالحياة" أخذ نفس طهّر جميع جوارحه من شوائب الشوق وأبعد خُصل شعرها عن أطراف وجهها وهو يمرر أصابع يدينه على منحنيات ندوبّها ويبّتسم بتعب ، يحب وحيل هالبُقعة من وجهها لإنها بكل مرة تذكره بأنها"قوية" لانار ولا وجع قادر يهدّها
أنحنى برأسه وهو يُقبل هالندُوب بكل رقة وأخذ ينشر قُبلاته على وجهها لعلها تروي مابقى من شوق ولعلها ترضيّه لليلة بكرة ؛ لإن الواضح إنها مخاصمة دروب الرضا معه ولا يدري عن سبّب خصامها وهذا اللي أتعبه

-
أما عقيّدنا .. صاحب أكبر قلب حنيّن و على مقدار هالكبَر جاء وجعه ، على مقاس قلبه الكبير
نزل من سيارته اللي ركنها بمكانها المُعتاد بالشارع الخلفي وأخذ يجر خُطاه مُتعب ومنهد حيّله ، مرت ليلته بصعوبة بسبب مرور ثلاث ليالي والنوم مجافي عيونه ، للآن عايش بدوامة التعب بسبب الي حصل ورغم إنه بعيون قلبه تأمل ردود الدنيا على مُسبب هالوجع وبنفسه عرف كمية التعب اللي دار ولحق قلوبهم بس للآن حسرة بقلبه وجمرة تكوي جوفه ماهو قادر يسلى ، الأيام الي مضت ما إنقطعت خطاويه عن بيت خالته، الي عُقد معها للآن أربع جلسات للعلاج النفسي..

بعدما أنهى الشيّخ جلساته وبعدما تأكد إنها في تلك الليلة إستفرغت كل وجع السنين الي مضّت ، تأكد إنها تطهرت من كل هالتعب بنفسه لذلك إنتهى دوره
كان يزورها كل خمس ساعات لأجل بس يتأكد ، وكان ممتن حيل ، للي ما تسّمى"البهُوور"من فراغ كان يتسائل كل السعة هذي والرحابة من وين أصلها؟ برغم إن التعب يسيل سيلان الدمع من المحاجر على وجهه كان يواسيّه ويربت على كتفه وقلبه ويضحك له ، يحاول يسليه الخاطر اللي له ثلاثين سنة ماسلى!
وصل لأعتاب بيته المهجُور وهو مثبت يدينه بوسط جيبه البُني ومن كانت خطوته بتعبُر من على عتبة بيته ، ملأ الإستنكار محجر عيونه نتيجة نظراته الي تعثرت بسبب وجود الكُتب الي مُرتبة فوق بعضها على عتبة الباب ، أنحنى وهو يجلس قدامها ويناظرها بإستغراب ، قبل يفتح الكتاب الأول لمح كتابه اللي جهزه لأجلها ، بنفس الملاحظة وبنفس الشعور الي ركنه بين تفاصيل أوراقه ، بقى شارد ذِهن لحظات من الزمن وهو يحاول يفهم الموقف الي يعيشه هاللحظة ، وبعد مرور دقايق بسيطة أعتدل بجلسته على العتبة وأخذ يحتضن الكتاب وهو شارِد الذهن للحظة ، واللحظة الي بعدها إرتسمت إبتسامة بسيطة على طرف ثغره تحولت لبّسمة واسعة وأخذت تنحني وتتلون الضحكة على وجهه ، الضحكة الي سرقتها الليالي الموجعة أسابيع طويلة ، الضحكة الي غابت عن ثغره ونسى كيَف يضحك ، إستردها بسبب خطوة ، خطوة بعيون الكل بسيطة ولكن بعينه هو "كبيّرة وماهي بهينه أبداً" كبيّرة هانت من عقبها كل أوجاعه بعين قلبه .. لإنها جاءت بوقتها الصحّ لإنها برغم كل محاولاتها بالصد والتناسي ما نست ولا صدت !
قرأ إسم الكتاب اللي من عقب إحتضانه لكفوفها صار بين كفوفه وأخذ يسند رأسه للخلف ويناظره بإبتسامة لدقايق طويلة .. حبُور يملأ مساحات قلبه الشاسعة بمجرد معرفته إنها صاحبّة الكتاب ، صاحبة القلب والشعور الأولي .. صاحبة أول الخطاوي الي بأول مرة سدّ الباب بوجهها ولكن هالمرة كل بيبان هالدنيا مفتوحة بوسعها لخطوة وحدة بس منها
إحتضن الكتاب بين مساحة صدره العريض وبيده كتابه اللي وصل مع كتابها ، وأخذ يهز رأسه ويبّتسم : خطوة رحبَة في ظل هالضيق تكفي لأجل يكون كل هالكون سعّة
-


الجنوبيَ واللي متوسط شمال صدر هالمعاني ، جالس بوسط الحوش وبيدينه كوبيَن الشاي ، يبردهم ببعض ويدندن بصوته الرايّق بأريحية وإبتسامة عذّبة تتسلسل كل لحظة ولحظة لثغره ، بعدسنيّن القحط والوحدة هالأيام يعيّش أبهى وأرّق أيامه .. كان يظنها قليلة وبسّيطة بحياته ولكنه على خطأ وكبيير هالخطأ وكثير
لإن صوت قعقعة خطواتها مُعلنة إتجاهها له كان يكفي لأجل يترك رحابة صدره تمتد وتتوزع على الأهل والجيّران وكل الحي
أخذ يرفع رأسه وهو مبتسم من ضحكتها الهادية وهي تراقبه : علامش تضحكين؟
تلاشت ضحكتها بشكل خافت وبقى مكانها إبتسامة بسيطة كانت بسبب تأملها وتذكرها للموقف ذاته بوسط المقهى ، رفعت كتوفها بعشوائية وهي تجلس بجنبه بهدوءها الطاغي ، ناظرها للحظات وأخذ يناظر لكوب الشايي الي مُمتلىء والي ماكان ساخِن بزيادة وأخذ يمده لها بيده اليمين وهو يقول : مامن خلاف وحتى لو ماكُنا على علم بسبايّب ضحكتش ، المهم نسمعها
إنكمشت بحيَاء وتلون ثُغرها ببسمات الخجل وهي ملاحظة حِرصه الشديد عليها ، تفاصيّل إهتمامه البسيطَة الي تحليّ كل أيامها معه ، التفاصيّل الي ممكن مانهتم لها مثل حرصه على تبريّد كوب الشاييّ اللي بتشرب منه ، تفاصيل ممكن نعديّها ولكن هي ماتقدر ، هي شخص تمنت يكون معها شخص يقدرها مثل ماتقدر كل تفاصيل حياتها وهذا الحاصل ، وأخذت تقول بإبتسامة : والبقلاوة؟
ضحك وهو يعتدل بجلوسه ويناظر لأوراق النعناع الي رتبّها بجنبه وقال بخفوت : الليلة مامن حلى ، حلاش يكفيّنا!
ناظرته بطرف عينها وهو ضحك أكثر من ردة فعلها وأخذ يسحب علبة البقلاوة من خلف ظهره ويقول : أبد سمي وآمري بس ، تفضلي
أبتسمت وقالت وهي تراقب تفاصيَل وجهه : زاد فضّلك ، هب لي ( أعطني ) الي مغرقة بالفستق
هز رأسه بإيجاب وسحب البقلاوة بالملعقة ولكنه تجمّد بمكانه للحظات وعُقبها رفع رأسه وهو يضحك : وش قلتي؟
ناظرته وهي تدعي الإستغراب وقالت : وش قومكك(وش فيك؟)
ضحك أكثر وهو يقفل علبة البقلاوة ويقرب من مُحيط جلوسها حتى إستلوى على كل المُحيط الي بجنبها بجسده وأخذ يغلف ذراعينها بيدينه ووهو يحاوطها بتمُلك وضحكة ثائِرة سيطرت على ثغره وهو يقول : وش قومش صرتي تتكلمين جنوبي ؟ حنا على الله بقينا أسبوع بالجنوب متى امداش تتعلمين !
ضحكت وهي تصد عنه وهو شدّها له وهو مبتسم: يومين وتصيرين تتحديني باللهجة ، وعُقبها ما نفرق من الجنوبي والركُن الشمالي
سكتت للحظات وسكُوتها كان نتيجة غرقها بخجلها وهي تتأمل كفوف يده الي تشد على كتفها ولكنها جمّعت جسارتها وألتفت على حيّن غفلة قبل وقبل تنطق سكتت بخوف بسبب شهقته وهو مسك قلبه بيده اليّسار وهو يقول : أتمنى مرة ثانية تعطيني خبر إنش بتناظريني ، لا تجيني وأنا ساهي عن نظراتش وتربكيّني
ضحكت وهي ترفع يدها بصعوبة وتأشر على خشّمها وهو بدوره أقترب منها وقبّله وهو يبتسم بضحكة : عليه الشحم
( بالجنوب لما يطلب منك شخص يرد البعض عليك ب «على خشمي» بمعنى "تبّشر أو تمام أو طيّب" ويكون الرد على هالجملة«عليه الشحم»)
إنكمّشت على نفسها من جديد وقبّل تغرق بحياءها قالت بربكة : ليه الركُن الشمالي؟

لابد يا سود الليالي يضحك حجاجكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن