الفصل الثالث

205 3 0
                                    

أمريكا - نيويورك، في الوقت الحالي.

نظر للمرأة في سريره فهي تمثل الصورة الشاحبة لحبيبة ليعيد بصره إلى النافذة التي تمتد على طول جدار شقته في أعلى برج من أبراج مدينة نيويورك وتحته تظهر المدينة بأضوائها المتلألئة... لا يعلم لماذا دائما ما يبحث عن حبيبة في خليلاته ربما لأنها كانت تمثل تجربة فريدة في قرية أغلب سكانها مازالوا متشبثين بالتقاليد والعادات...
رنين هاتفه أخرجه من جديد من أفكاره، لاحظ أن الرقم وهو رقم مميز لبلده ليجيب بلهفة:
- "ألو.."
أجابه صوت ضعيف.. لكنه عرفه من نبرته إنه والده... شعر بانقباض في قلبه هل هو مريض؟؟ مرت أكثر من ثماني سنوات منذ تحدث معه... ثماني سنوات مرت على شجاره مع أبيه... ثماني سنوات لم يستطع أن يعود و يرَى وجه والده...من شدة خجله.
- "أنير.. هل تسمعني بني؟"
أجابه بلهفة:
- "نعم أبي.. أنا أسمعك جيدا.. كيف حالك؟"
أجاب عبدالجليل بصوت ضعيف:
-" أنا بخير بني.. أنتظر فقط مجيئك لتقر عيني بك"
(أخبره أنك مريض) سمع صوتا قادما من جهة والده... أبعد والده الهاتف وتكلم بصوت مكتوم مع شخصٍ ما ثم عاد للحديث معه
- "بني متى ستأتي؟ أخاف أن أموت قبل أن أراك.. ألا تعتقد أنك عاقبتني بما يكفي...ثماني سنوات كافية"

قاطعه أنير و الدموع تتجمع في عينيه:
- "غدا أبي... سآتي إليك غدا.."
أردف والده:
- "بإذن الله... وداعا بني.. السلام عليكم."
رد عليه أنير:
- "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.."
لينقطع الخط...
"ما الذي يحدث معك أبي؟" تساءل أنير وهو يبحث عن رقم صديقه، إيدر
- "السلام عليكم أيها الغائب.. كيف حالك؟"
ليجيبه أنير بسرعة:
- "بخير، إيدر أرجو أن تذهب إلى تمازيرت (القرية) فأبي ليس بخير.. وأنا الآن سأذهب إلى المطار... سأستقل أول طائرة قادمة للمغرب.."
- "إن شاء الله خير.. لا تقلق يا صديقي سوف أذهب الآن.."
- "شكرا إيدر.. لن أنسى معروفك أبدا... فوالدي لوحده في المزرعة ولا أعلم من يهتم به.."
- "لا تشكرني.. نحن أكثر من إخوة... لا تقلق سأهتم به إلى أن تصل....."

ما إن انقطع الخط مع أنير....

( المغرب الآن.... بعد تلقيه مكالمة أنير)

إيدر

وضع ايدر رأسه على الوسادة و بدأ يفكر في حالة صديقه، تذكر اول مرة التقيا، كان بعد وصوله للولايات المتحدة الأمريكية، تحديدا ﻣﺪﻳﻨﺔ ﻛﺎﻣﺒﺮﺩﺝ ﺑﻮﻻﻳﺔ ﻣﺎﺳﺎﺗﺸﻮﺳﺘﺲ بثلاثة ايام...... بعد ان وضع امتعته لدى صديق تعرف عليه في الفايسبوك.... ابتسم " لا بد انها دعوة والدته" فدائما ما كانت تدعو ان يضع الله في طريقه اولاد الحلال، فبعد ان تم قبوله في ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻫﺎﺭﻓﺎﺭﺩ إثر منحة دراسية كاملة، و لسوء حظه لم يحظى بالفرصة للحصول على مكان في السكن الداخلي للطلبة، فكان عليه ان يوفر مصاريف السكن و الاكل و التنقل، و لكي يستفسر اكثر عن الامر التجأ لسؤال "رابطة الطلاب المغاربة في المهجر" في الموقع الازرق، وبعد اخد و رد مع بعض الطلاب اقترح عليه احدهم ان يضمن له مكان اقامة لعدة ايام بينما هو يبحث عن سكن ارخص للكراء، والان هو خارج و في يده خريطة و مجلة خاصة باعلانات كراء الشقق، و المضحك في الامر انه كان يرتدي قميص المنتخب المغربي، قميص بال من كثرة الغسيل، فعمل ابيه في المقاطعة لا يخول له رفاهية شراء الملابس وقتما اراد، فقط الضروري، خصوصا انه الذكر الوحيد وسط فتاتين إحداهما في عمر الزواج، فكان يحس بثقل مسؤولة اباه....... بجانب دراسته يشتغل كإسكافي امام المقاهي او بيع الخضر في سوق الاحد، لكن ذلك لم يمنعه ان يكون الثاني على صعيد المملكة، اوقفه صوت جهوري بدارجة مغربية ركيكة " هل انت مغربي؟"، لكنة تدل على ان المتحدث نسي بعضا من لغته في خضم صراعه لاثبات وجوده في عالم مخيف كاميركا، فالغربة لتتقبلك و تصبح جزءا منها تجبرك على الانصهار فيها شيئا فشيئا، الى ان تجد نفسك في هوية مضطربة، فلا البلد المضيف ينسى حقيقة كونك مسلم دخيل، و لا موطنك يغفر لك انصهارك الشبه الكامل في ثقافة الغرب، دعى في نفسه
( يا رب لا تجعلني ممن ينسى اصله، و لغته و خصوصا دينه)
ضحكة الواقف امامه اخرجته من افكاره، واضح جدا انه ليس من هذه البلاد فسمار لونه و سواد شعره يدل على ذلك
" يالي من غبي، بالطبع انت مغربي، فانت ترتدي قميص المنتخب "
اضاف أنير، بقي ايدر ساكنا ينظر اليه، وكأنه ارسل له طوق نجاة من فوق هذه البنايات الشاهقة، فأن تلتقي ابن بلدك، وانت لم تكمل 72 ساعة في المهجر فهو اقرب الى المعجزة، فقد كان يحس بنفسه كإبرة في كومة قش، اظهر صف اسنانه في ابتسامة رائعة و هو يمد يده اليه
-" السلام عليكم، أنا ايدر من اكادير"
صافحه انير بالمثل
-" همممم ايدر يعني يحيى ، هل انت امازيغي؟ بالمناسبة أنا أنير"، اجابه بنعم و ذكر له اسم قبيلته، تفاجأ انير أنهمَا من نفس القبيلة، وهكذا ابتدأت صداقة متينة بينهما، فبعد مدة انتقل للسكن معه، كان انير قد اشترى شقة قريبة من الجامعة، فهما يرتادان نفس الجامعة؛ انير تخصص الهندسة و ايدر ادارة اعمال على الرغم من ان ايدر يكبر انير ب بسنتين الا ان بنية جسم انير الضخمة تظهره عكس ذلك...

اخرجه من سرحانه وصول رسالة من اخته الكبرى عبير تحمل صور عدة فتيات، و مرفقة برسالة " يجب ان تختار بينهن، على الرغم من اني معجبة بالثالثة " رمى الهاتف بتأفف فقد ازعجته الرسالة و ابعدت النوم عن جفنيه اخته بعد وفاة امه استلمت المشعل ، وكل مرة تزعجه بنفس الاسطوانة الزواج، ألا تمل؟! ، ربما يجب عليه ان يتحدث مع حمزة في هذا الموضوع فهو الوحيدة الدي يستطيع ان يسكت اخته، ارتدى ملابس الرياضة و نزل الى الصالة الرياضية الموجودة اسفل بنايته، فرسالة اخته قلبت عليه المواجيع هو في غنى عنها، خصوصا في هذه الفترة.

لقد استنزف طاقته، يشك انه يستطيع الذهاب الى لقاء العمل المقرر لليوم، ، فشركة المانية جديدة قررت الاسثمار في المغرب، في المنتوجات التجميلية، التي سيكون اهم عناصرها زيت اركان، شجرة اركان هي شجرة نادرة موجودة في المغرب فقط، والشركة تريد منه شخصيا الاهتمام بهذا الملف من كل جوانبه من دراسة السوق الى طريقة تسويق المنتوج، و قد قرر رفض العرض خصوصا بعد بحث بسيط و وجد ان اغلب التعاونات النسائية موضوعها الاساسي هو زيت اركان وطرق الاستفاذة منه، و دخول شركة اروبية ضخمة من شأنه ان يقلل حظوظهن في السوق، واغلبيتهن نساء قرويات بسيطات ارامل او مطلقات القاسم المشترك بينهن هو غياب السند، يعرف جيدا ان الدولة تعطي للمستثمر الاجنبي اهمية كبيرة و تسهل له الامور لبداية مشاريعه، والتي ستذر اموالا طائلة في خزانتها، لكنه لا يريد ان يكون جزءا من هذه المؤامرة فالعمل الشريف و بضمير هو شعاره في الحياة، ونساء بلده اولى، جمع حاجياته وانطلق من مصعد خاص في الصالة الرياضية مباشرة الى شقته..

الساعة تشير الى 10 صباحا،  دخل الى الحمام..... أخذ ينزع ملابسه و يرميها في سلة الغسيل بطريقة اوتوماتيكية وهو يقابل نفسه في المرآة من يراه يعتقد انه مبرمج على هذه الحركات، لكن من يعرفه جيدا يدرك ان عقله ذهب بعيدا، تحديدا الى دنيا صاحبة ذلك الاثار على جبينه فوق حاجبه الايمن، ابعد عينيه عن الاثر و دخل الى الدوش، من شدة غضبه ضغط على اقصى الزر فانطلق الرذاذ بسرعة مما آلم بشرة كتفية و رأسه، خفف من تدفق المياه،وحاول ابعاد صورة دنيا متأبطة ذراع شاب آخر يكبره بعشر سنوات والذي اصبح زوجها، و يبدو ذو مكانة عالية في المجتمع، هو من عائلة فاسية قريبة من العائلة الملكية...

يتذكر اخر يوم راها قبل قبل سفره للدراسة، ذهب يودع خالته فطلب التحدث مع دنيا، لم ترفض خالته فالكل في العائلة يعلم ان دنيا لإيدر و إيدر لدنيا، كان يعشقها؛ يعشق خجلها، سمارها و الاهم كان يعشق كونها حبيبته، و قد ظن انه حب متبادل، بل هو متأكد بما لا يدعو الى الشك انها تعشقه، فعيونها السوداء بمجرد ان تلمحه تلمع كأنها العاب نارية في سماء ليلة كاحلة، كان يتأمل ما حوله صالون مغربي مؤثت باللون الرمادي و مائدة كبيرة دائرية عليها غطاء باللون الوردي الغامق و الرمادي و سجادة تركية باللون الوردي الغامق موشحة بمربعات باللون الرمادي، و في الجانب الاقصى سجادة صلاة مفروشة و فوقها قرآن الكريم على حامله، ووسطه سبحة، كأن القارئ يعلِّم بها للصفحة التي وصل اليها، و في الجدار المقابل له لوحة لورود في عدة الوان لكن كالعادة الرمادي هو الغالب. خالته على الرغم من انها امازيغية الا انها بزواجها من رجل عربي جعل هويتها تنمحي تقريبا، فتى اولادها لا يتقنون اللغة، ذلفت دنيا الى داخل الصالون مما جعله يقف، اقتربت منه و مدت يدخا للسلام، فاحمرت اذناه فهو قليل ما يصافح النساء، مد يده فاحس بلهيب يسري في ارجاء جسمه، فابعد يده بعنف.
-" هل نجلس؟"
-"اجل بالطبع" اجابت دنيا
ما ان جلسا حتى استرسل ايدر في الكلام، كان ينظر الى يديه بينما يتحدث:
-"دنيا، تعرفينني جيدا، لا احب اللف و لا الدوران، انا احبك وانت تعرفين ذلك، كما تعلمين غدا طائرتي الى اميركا، اريد ان اطلب منك طلب"
خجلت دنيا ما ات سمعت "احبك" منه، فلاول مرة يقولها، دائما ما كان يحسسها باهتمامه في التجمعات العائلية، لكنه عمره ما نطقها، فايدر رجل افعال وليس كلام، دائما تفكر انه بعد الزواج سوف يتعبها، شخصيته الانطوائية و القليلة الكلام تزعجها، اخرج من تأملاتها لوجهه وهو ينظر اليها، خجلت اكثر، فهي من شدة سرحانها في وجهه لم تعي متى رفع وجهه، ايدر بضحكة خجلة
-" هل سمعتي ما قلته؟ " نكست دنيا وجهها هربا من نظراته المرحة
-"نعم، نعم ما هو طلبك؟"
-" انتظريني!"
رفعت وجهها تنظر اليه، بقيا يحدقان في بعضهما ثم اردف "- انتظريني الى ان أعود" بقيت ساكتة تنظر اليه، ثم اردفت
-"سأنتظرك العمر كله" ثم اختفت من امامه
بقي ينظر الى اثرها، ثم اطلق زفييرا قويا، فادرك انه كان يحبس نفسه انتظارا لردها، سافر و شخص اخر ينظم لقائمة الاشخاص الذين يجب الا يخذلهم، لكن الصدمة كانت تنتظره، فبمجرد دخوله للمغرب عرف انها خطبت و منذ عام، وهو الذي يكاد ينبث له جناحان من كثرة فرحته انه لم يتبقى سوى عام، عام واحد و تصبح ملكه....كان يطير من السعادة.
يتذكر اول يوم له في منزله، الكل كان سعيد بعودته، لكن احساسه اكد له ان وراء لمعة فرح حزن كبير، خصوصا في عيني امه و اخته تانس اما عبير فكانت في قمة سعادتها، خالته التي اتت وحدها ترفض تلاقي عينيه بعينيها، كان يتحين الفرصة ليكلم امه و خالته عن الوقت المناسب لجعل الوعد الشفهي بين العائلتين وعدا ملموسا، كان كل 5 دقايق يسأل امه عن الاحوال عسى ان تفصح عن ما يكدر سعادتها بعودة الغالي، فكانت تجيب ان كل شئ بالف خير، فاتبع سياسة ان يسأل عن كل فرد بالاسم، يعرف امه ملامحها شفافة لدرجة ان ما تفكر فيه يظهر جليا في تعابير وجهها، بدأت رحلة استذكار اسماء عائلته كل شخص تقص له بالمختصر اهم ما حدث معه، الا ان وصل الى بيت خالته، فبمجرد ذكر اسم خالته حتى استئذنت للنهوض من اجل صلاة الضحى، عرفت نبضات قلبه ان المقصودة هي حبيبة قلبه دنيا، نهض متجها لغرفة عبير، دخل بدون ان يدق على الباب،
"- ما الذي يحدث عبير؟"
عرفت انه استنتج الامر، و يريد معرفة الحقيقة وهي لن تتوانى عن تقديمها له، ربتت امامها عالسرير
"- تعال، اجلس حبيبي "
احس ان اخته تتعامل بشفقة، اذن الموضوع اكبر مما يتصور، اجابها بصوت خرج عنيفا اكثر مما يريد:
"- عبيييييير، مالذي يحدث مع دنيا"
" - دنيا مخطوبة"
"- اعلم فها انا قد جئت لكن نتمم الخطبة" يعرف انها لا تعنيه، فقط يحاول ان يتغابى علا هذا الاحساس البشع يبتعد عنه
"- دنيا مخطوبة لرجل آخر، منذ سنة" استطردت دنيا بهدوء..... صمتٌ تلا قنبلته.....ليقول بصوت باهث متألم... غير مصدق أن كل أحلامه تبخرت فجأة
"- سنة!! و الوعد الذي قطعته انها ستنتظرني، لماذا؟" امسك اخته من كتفيها و بدأ يهزها للخلف و الامام
-" انت كاذبة.......دنيا لن تخلف الوعد..... كاذبة، لطالما كرهتها انت..." لم تدري عبير متى فكت يدها من أسر اخيها و وجهتها لوجهه، سكتا من المفاجأة، فعلى الرغم من ان عبير هي الكبيرة، الا انها دائما ما تعتبر ايدر هو الكبير، عانقته بشدة
-"انا اسفة اقسم اني حاولت ثنيها عن قرارها من اجلك، حتى اني قد امسكتها من شعرها" كان يقف بين يدي اخته جامد كقطعة حجر، فقط يسمع....و كأن صفعة أخته أعادته لصوابه.....وللواقع المر.....رفع نظراته نحو أخته، يستمع لكلامها الذي يطعنه في أعماقه
-" تقول انه فرصتها لعيش افضل، خصوصاً بعد قرارك للرجوع الى المغرب، قالت بالحرف (لو كان بقي في اميركا كنت سانتظر، لكنه قرر الرجوع، ماذا فعل السابقون بشهادة التخرج ليفعل هو، مصيره البطالة كجميع الشباب...... و المتقدم غني و من اسرة غنية و انا سئمت الانتظار"" سكتت عبير، تعلم انها جرحته، لكن الجرح بدفعة واحدة سهل الشفاء عكس الجرح بدفعات..... ( سئمتِ الانتظار يا دنيا) همهم داخله....ليهمس بهدوء
-" حسنا "
تفاجأت عبير من اجابة اخيها البسيطة، ولم تعلم انها فقط خاتمة لمجموعة افكار.
بعد تلك ال"حسنا" تغير ايدر، اصبح يجلس اقل مع عائلته، لم يزر خالته في بيتها ابدا....

تلمس جرح حاجبه الايمن وتذكر مرة عندما لمح دنيا تسير وحدها باتجاه بيتهم، اسرع الخطى ليلحق بها ثم تباطأ منتظرا ان تدخل لزقاق طالما كان خاليا من المارة، كان يريد الحديث معها بعيدا عن الكل.

******
******

دنيا

جالسة في غرفتها.....للمرة الخامسة في هذا الشهر وهي تهرب لبيت والديها، بعدما ضربها زوجها زهير...... تلمست الندبة البشعة..... المرسومة على وجهها، في كل مرة تقسم ألا تعود إليه..... لكن والدتها تصر على ذلك.... سقطت عيونها على صورتهما معاً...... هي و إيدر.....حبيب الطفولة و المراهقة.... دموعها هطلت و هي تتذكر آخر مرةٍ شاهدته....قبل أكثر من أربع سنوات...

عادت للتو من عند الخياطة، لتتأكد من جاهزية قفاطينها و التكشيطة، فموعد العرس أصبح قريبا و لم يتبقى الا ثلاثة اشهر، كانت تتأكد في نفسها عن الامورة المتبقية، والتي تستدعي العجلة لتبدأ بتحضيرها اليوم، منذ دخولها لحارتها القديمة و هي تحس انها مراقبة، ربما كما العادة احدى النسوة تسترق النظر من نافذتها ابتغاءا لموضوع جديدة لنميمتها مع الاخريات، ما ان دخلت للزقاق المظلم نسبيا حتى احست بيد قوية على كتفها، تجمدت من الصدمة لكن صدمتها خفت ما ان سمعت صوت ايدر، مهلا هذا ليس ايدر، ذلك الشاب النحيل جدا ذو عيون سوداء واسعة و ذقن خالية من اللحية، الذي امامها مختلف جدا، اربع سنوات لم تره فيها، كأنك اخدت مراهقا ووضعت مكانه رجلا، شعره الطويل المبعثر، و ذقنه الطويلة اعطته هالة من الوسامة و الغموض، ما ان لاحظ تحديقها فيها حتى حرر ذراعها.
-" مرحبا ايدر، كيف حالك؟ حمد لله على السلامة، اعذرني لم استطع الحضور و تهنئتك، تعرف الامور و مستجداتها"
كانت تثرثر درءا لخجلها، و عدة مفاتيح في يدها تتلاعب بها في اضطراب، فما فعلته ليس بهين فقد خانت العهد، و ايدر لا يستحق، هي لا تنكر انها تحبه، لكن فرصته لايجاد عمل مناسب، لاعالة عائلته و اعالتها شبه معدومة، خصوصا مع الازمة الاقتصادية. فهي خريجة جامعة و الى الان لم تحصل على عمل قار، تناست ان الارزاق بيد الله، اخرجها من دوامتها فحيح انفاس ايدر بجانب جبينها، متى اقترب منها لهذه الدرجة، تراجعت الى الوراء فأعاد الحائط تراجعها، وضع ايدر كلتا يديه بجانب رأسها
- " لماذا لم تنتظريني؟".... لم ينتظر إجابتها و أنزل شفتيه يقبلها.... عندما لمس شفتيها، أحست و كأن كل التردد الذي عاشته في الأيام الماضية قد اختفى....هي تنتمي لإيدر، هذه الفكرة جعلتها تستسلم أكثر للإحساس الذي تعيشه..... عنف قبلته ايقظها من نشوتها، فحاولت ابعاده و دفعه بيديها لكنه كجبل لم يتزحز فلم تدري متَى رفعت قبضتها المحملة بالمفاتيح تهوى على جانب عينه، الم الضربة ما جعله يبتعد عنها، انفجر الدم من الجرح، فاصاب دنيا الهلع وهي تضع اصابعها على شفتيها المنتفخة من عنف قبلته
-" يا الهي، لقد فقعت عينك، انا اسفة اقسم انني لم اقصد فقط اردت ان تب...." قاطعها ايدر بخشونة
- " فقط اذهبي" فهو لم يكن سيضمن ان الالم سيوقفه عن التمادي مرة اخرى خصوصا وهو يرى نظرة الخوف عليها في وجهها ، امسك محرمة و غطى بها جرحه و انطلق الى اقرب مستشفى.
ما ان دلفت مرعوبة الى غرفتها حتى تنفست الصعداء و هي تتلمس شفتيها، "يالهي مالذي يحدث معها، هل ندمت لتسرعها و موافقتها على الخطبة"، لم تدري انها نطقتها بصوت مسموع الا عندما سمعت رد امها التي كانت تطوي جهازها في حقائب،
-"لا" ثم اكملت " انتِ لم تتسرعي، زهير سيكون نعم الزوج لك، و سيعيشك في النعيم، ليس مثل ابن اختي، لا تغلطي غلطتي و تتبعي قلبك، فالفقر يقتل اي احساس جميل في الشخص"، نظرت الى امها نظرت حيرة، امسكتها امها من يدها و اخبرتها ان تقص عليها ما حدث،
-" لا تخافي لن يحدث له شئ، حتى وان حدث فهو يستحق"
-" لا امي، لا يستحق... "
ارسلت لها امها نظرة صارمة جعلتها تبتلع باقي جملتها
-" غدا سأتصل بأمه و اسأل عنه، لا تذكري الموضوع لاحد". اومأت دنيا موافقة امه، لكن ما ان خرجت حتى ارسلت له رسالة من ثلاثة كلمات ( هل انا بخير؟).... سرعان ما اهتز هاتفها


ما ان استلمت رسالته حتى دخلت في نوبة بكاء، الان فقط عرفت مقدار خسارتها، و بقبلته احيى فيها ذلك الحنين القديم ان تكون له و يكون لها... استسلمت لنوبة بكاء جديدة علا وعسى تخرج الامها مع دموعها، و استغرقت في نوم عميق من كثرة استنزافها في الساعة الاخيرة.

دخول والدتها للغرفة..... جعلها تمسح عيونها بسرعة.... و كأنها ستعلم حقاً عن أفكارها اتجاه حبيب طفولتها.... و الأحرى، الحبيب الذي لم يستطع قلبها نسيانه...

- " دنيا..... زهير يسأل عنك " نظرت برعب نحوها..... هل ستخذلها عائلتها من جديد.....و تعيدها لذلك الوحش؟!


******
إيدر

تلمس الجرح مرة أخرَى ... يحاول تناسي الشعور بها في حضنه... رغم السنوات الأربع التي مرت ..ما زال الشعور يتملكه كلمَا تذكرها... أغمض عيونه... لأول مرة في حياته يكون قريبا من امرأة لهذه الدرجة، فوالده رباه احسن تربية، كان دائما ما يقول له "اتقي الله في بنات الناس، فلديك اختان، و الدنيا دوارة"، ليس فقط دينه و حسن خلقه مَا جعله عفيفا بل حبٌّ كبر معه و نضج لابن خالته، لكن في تلك اللحظة تناسى الدين و الاخلاق و نزل يلتقط شفتيها بشفتيه في قبلة مزلزلة و أولى لكليهما، لم يستطع كبح جماحه و تعمق في قبلته.... شعور جعل قلبه يئن حاجةً لها.... ضربة في فوق حاجبه جعلته يبتعد٠٠٠ليتوجه للمستشفَى

وصلته رسالتها، "يا ترى ماذا تقصد ب (هل انا بخير؟....هل تسأل عن الجرح في القلب ام في الجبين؟!) ضحك باستهزاء وهو يلوم نفسه (كم انت ضعيف يا ايدر، تبيعك بالرخيص وانت مازلت تحن اليها، غبي و ستبقى غبيا...) اجابها و هو يعبر باب المستشفى " بخير..... الوداع".

ما ان دخل الى البيت و لاصق طبي فوق حاجبه الايمن حتى بدأت اسئلة امه و اخوته، اما ابوه فبقي صامتا يحدق به، اخبرهم انها مجرد حادث بسيط رفقة صديق له، و لم يسلم من انتقاد امه لطيش شباب اليوم.
جلس مع ابيه في انفراد و اخبره ان جامعة معروفة في المغرب تطلب منه الانضمام اليها كمحاضر و باجرة جيدة جدا، لكن الجامعة تقع في مدينة مراكش و تبعد 3 ساعات عن مدينة اكادير، فرح الاب و دعا له بالتوفيق، اخبر امه و اخوته لم تستطع عبير لجم نفسها و اطلقت زغرودة طويلة ما جعلهم يضحكون، لكن بمجرد ان التفت الى امه و رأى نظرة الاشتياق في عينيها، اخدها في احضانه فبدأت تبكي كطفل صغير و هو يهدهدها
-"لا تبكي حبيبتي، انها فقط 3 ساعات ما تفرق بيننا، سترينني كل يوم امامك، فانا لم اعوض بعد الحنان المفقود في 4 سنوات السابقة" اطلقت امه ضحكة مرحة، فانضمت الى العناق كل من عبير و تانس، و لضآلة حجمهن كان يحيطهن بيديه...... وابوه جالس يشاهد ابنه، سنده في الحياة و تمتم " الان استطيع الموت بسلام" إلتفت ايدر إثر تمتمة ابيه على الرغم من انه لم يسمع ما قاله....نظر اليه نظرة طويلة، و امه تحت ابطه كقطة مفزوعة، نظرة تحكي الكثير اهمها "لن اخذلك يا قدوتي"، لاحظت تانس نظرات ابيها و اخيها فاحست بالتوجس، ولكي تكسر الجو السائد قالت بصوت مرتفع
-"أمي، زوجك يحس بالغيرة، بهذه الطريقة سيتمنى رجوع ايدر الى اميركا" افلتت الام دراع ابنها و اتجهت الى زوجها و تخصرت و هي تقترب منه " هل هذا صحيح يا يحيى؟" قهقه الجميع فاحست بالخجل فاسرعت تتمتم بوجوب الذهاب الى المطبخ.
بعد هذه الحادثة بشهر توفي ابوه، كان في الجامعة عندما اتصلت به عبير ان يحضر حالا فوالده ادخل المشفى و هو في حالة حرجة، اتصل بالمطار يستفسر عن الرحلات الى اكادير، ولحسن حظه توجد رحلة بعد 15 دقيقة، اكد الحجز، و خرج مباشرة الى المطار، فلن يستطيع ان يصبر 3 ساعات في السيارة و اعز انسان لديه يحتضر.
قبل الصعود الى الطائرة قام بعدة اتصالات لضمان خدمة جيدة لوالده، و تحضيره للسفر ان كان لزاما...
وصل بعد ساعة الى المستشفى ووجد اختيه و امه قرب العناية المركزة، اسرعن اليه كل واحدة تحكي و تشتكي، فلم يستطع فهم ما حصل، بصوت مرتفع خَائف... كان يرجوهن السكوت....سكتن ينظرن اليه ثلاثة ازواج من العيون المتشابهة موجهة اليه تحمل نفس النظرة، نظرة الخوف وهن يحاولن كتم شهقاتهن، سأل امه عما حدث، فاخبرت" انه ذهب الى المسجد لصلاة الفجر وعاد محملا على اكتاف رجال الحارة، الطبيب لم يخرج بعد من عنده" ، ما ان انهت جملتها حتى خرج الطبيب و هو يسأل عن ايدر، اشار للطبيب فقال له اتبعني، تبعه مسافة قصيرة لكن بعيدا عن اذان امه و اخوته
- " سيد ايدر، سمعت انك تطلب نقله الى مستشفى خاص، للاسف ابوك في مراحله الاخيرة، لن يجدي نقله الا اي مكان اخر، هو يطلب رؤيتك، اتمنى لكم الصبر"
- " لم يمت بعد صحيح؟" تمتم فهو لم يكن يركز مع ما يقوله الدكتور.
- " لا لكنه لن يستمر طويلا، فالمرض انتشر في جميع اجزاء جسمه الحيوية، اذهب لرؤيته، واذا اردت اي استفسار انا تحت تصرفك، سأرسل لك من يجهزك للدخول اليه"
- " شكرا لك" حاول تمالك نفسه امامهن لكنه لم يستطع، فعانق امه بقوة و هو يرمي قنبلته " امي، ابي يموت، انا آسف انا السبب" وضعت امه يدها فوق فمه" شششششش، اسكت حبيبي، انه قدر من الله و نحمده على كل شئ" عانق اخوته يواسيهما و لا يجد من يواسيه و يخفف عن احساس الذنب، فهو ابتعد و ترك والده وحيدا مع مسؤولية، و بعد رجوعه مرض ابوه فبماذا افادته سنين غربته... اخدته ممرضة لغرفة التعقيم، وبعد انتهائه دخل على ابيه....الغرفة خانقة، و الاجهزة الطبية في كل مكان فتح ابوه عينيه و بضعف رفع يده يطلب منه الاقتراب، ليُلبي ايدرنداء أبيه...أمسك برقة بيده وتكأ على جبينه يقبله قبلات لطيفة ... و دموعه تغسل عن جبينه برودها..
- " إيدر " همس ابوه بصوت ضعيف
- "نعم ابي انا هنا"
رفع يحيى ثلاثة اصابع وضعهم قرب قلب ايدر
-" بناتي الثلاث، ايدر اوصيك بهن، اهتم بهن و اتقِّ الله فيهن ، هن كنزك يا ولدي،.... " قاطعه ايدر
-" ارجوك ابي استرح لا تتعب نفسك"
لكن يحيى لم يستجب لابنه، و استطرد يكمل:
-" لا تزوجهما الا لمن يستحق..." صمت قليلاً ليستطرد " ايدر أمك، أمك ثم أمك... هي جنتك و نارك"
- "حاضر يا أبي، عافاك الله لتزوجهما بنفسك، و تزور المقام مع امي ان شاء الله" اجاب بصوت باكٍ
- " سنزوره ان شاء الله " قال ثم اغمض عينيه، هم ايدر ان يتركه ينعم بقليل من الراحة، لكن سمع همس ابيه فاقترب باذنه منه
-" ايدر من يخلف العهد مرة، لا يؤتمن ابدا" صعقه والده.... والده لخص حالته مع دنيا في جملة وحيدة...يتيمة
-" اريد رؤية بناتي" همس يحيَى بضعفٍ
خرج يطلب من امه و اختيه الاستعداد للدخول عنده، بعد فترة خرجت تانس و عبير و هما تشهقان، و بعدها بفترة خرجت امه و ملامحها تظهر عليها صرامة كأنها تجبرهم على تقبل ما سوف تلقيه
-" إنا لله و إنا اليه راجعون، ادعوا له بالرحمة".
انهارت اخته تانس في حضنه اما عبير فتبكي في صمت ملاصقة للحائط، بينما هو و امه كان ينظران لبعضهما، نظرات امه تؤكد له مخاوفه انه هو من اصبح اباً لهن، و الموقف يتطلب منه ان يكون رجلا كما عهدته و اكثر.... أما نظراته فتبحث عن السلوى، و خوف باطني يهمس له انه قد يفشل في المهمة، فهمت امه مظاهر الخوف الغير المعلن في عينيه فاقتربت منه... حدقت في ملامح لدقيقة و يدها فوق وجنته تمسدها وقالت
-" انت تستطيع، يحيى لم يمت، فإيدر موجود"
ابتسم و دمعة وحيدة تغادر عينه، دائما في أقصَى ضعفه عندما  تلمح والدته الى أن إيدر و يحيى لهما نفس المعنى بلغتين مختلفتين و انه صورة طبق الأصل عن ابيه يغمره افتخار.
بعد صلاة الجنازة في مسجد حارته التي حضرها سكان قبيلته ومنهم والد صديق غربته انير، و زملاؤه في الجامعة و بعض رجال الاعمال الذين يسمع فقط بهم ولم يكلمهم ابدا، وكانوا يطمحون الى تعاون قريب بينهم، تلقى التعازي من الجميع، وقف امامه شاب طويل حسن المظهر
-" رحم الله الفقيد، واسكنه فسيح جناته"
-" بارك الله فيك" لاحظ ايدر ان وجه الرجل مألوف لديه، مهلا أليس هو الطبيب، الذي كان يعالج اباه
-" اعتقد انك عرفتني، انا الدكتور حمزة، بعذ اذنك اريدك في موضوع شخصي، وبما ان الظروف لا تسمح للحديث الان..."، اخرج بطاقته و قدمها لإيدر، الذي اخدها منه، تأملها ثم دسها في جيبه " سانتظرك اتصالك، تعزي الحارة، السلام عليكم "
-" ان شاء الله، شكرا لك... وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته "

كان حمزة اخر المعزين، اعطى اوامره لشباب الحي ان يوزعوا اطباق الكسكس على جميع سكان الحارة، و انطلق الى بيته، وهو يفكر ان يقدم استقالته، فمحاول ان يشتغل في مدينة و اهله في اخرى، دلف الى البيت، لا يسمع الى صوت عبد الرحمن السديس يتلو سورة البقرة من المسجل الموضوع في خزانة خاصة بكتب والده، في غرفة المعيشة، امه بلباسها الابيض الخاص بالعدة، و اخته تانس بلباسها الاسود، جالستان فوق اريكة ....امه  تمسك القرآن تقرأ مع المقرئ بصوت خافت مسموع لتانس الجالسة امامها في خشوع.
و عبير تغسل اطباق الشاي التي خلفتها النسوة المعزيات.... جلس بجانب اخته و اخد رأسها ووضعه على كتفه و استند الى الوراء وهو يسمع صوت والدته و شهقات اخته حتى غلبه النعاس.

بعد مرور شهرين على وفاة والده، عاد الى عمله بعدما رُفضت استقالته و عوض ان يدرس خمس حصص في الاسبوع، اصبح يدرس ثلاثة، على الرغم من ان الذهاب والإياب لمدينة اخرى صعب عليه.. لكنه افضل من لاشئ، التنقل الكثير اجبره على شراء اول سيارة في عائلته الصغيرة، كان فرحهن بها يستحق كل تعبه في التنقلات بين مدينتين، كان يذهب يوم الاثنين صباحا و يرجع الثلاثاء مساءا، ثم الخميس صباحا و يرجع نفس لَيوم... اختار حصص متقاربة مما يضمن له قضاء اطول فترة ممكنة مع عائلته، و في ذلك الوقت كان يقوم باستشارات لفائدة شركات صغرى و ذيع صيته فاصبحت الشركات الكبرى تطلب استشارته، حمدالله انه اصبح دا دخل اكثر من مريح، اخته عبير التي تكبره بسنة كانت تشتغل كمدرسة اطفال في روضة، انقطعت بعد موت ابيها، و الصغيرة تانس مازالت تدرس في الثانوية، كان يجلس في مقهى مطل على البحر، وهو يتصفح ملف خاص بالشغل، وقف عليه ظل حجب عنه اشعة الشمس، رفع نظره في بادئ الامر لم يعرف من يكون، وبعد التدقيق عرفه، انه الدكتور حمزة، احس بخجل كبير و هو يتذكر وعده للرجل بالاتصال به قريبا
-" السلام عليكم، استاذ ايدر"
وقف ايدر و مد يده مصافحا
-" و عليكم السلام دكتور حمزة، كيف حالك؟ تفضل بالجلوس"
-" بخير الحمدلله، كيف حال العائلة"
-" بخير بارك الله فيك، اسف انني لم اتصل، تعرف وفاة الوالد و ما يليه من ربكة"
-" رحمه الله، لا تعتذر، فصدفة خير من الف ميعاد"
-" تفضل ماهو الموضوع الشخصي الذي تريد الحديث عن؟"
-" استاذ ايدر... "
-" ايدر فقط من فضلك"
-" ايدر يشرفني ان اطلب يد اختك المحجبة للزواج" نظر اليه ايدر بصدمة " المحجبة" كرر ايدر، شعر حمزة بالارتباك
-" اسف، لم اقصد التقليل من شأن اختك، لكن عند دخول ابيك للمستشفى كانت مع امك و فتاتين واحدة محجبة و الاخرى لم تكن كذلك..... ولم اعرف اسمها " تذكر ايدر ان اخته تانس تحجبت فقط بعد موت والده، اذا من يقصد هي عبير، شعر براحة داخلية، فان يكون يطلب يد تانس سيخلق حساسية عند عبير خصوصا انها الكبرى، وان يرفض عريس الصغرى من اجل تفادي هذه الحساسية من شانه خلق مشاكل بينهما. حقا لو وضع في ذلك الموقف سيكون صعبا عليه ان يقرر. اخرجه من افكاره حمزة و هو يسأله رأيه.

-" يشرفني ان ازوجك اختي حمزة، لكن من فضلك هل تتكرم و تعطيني ا سمك الكامل " ثم اردف في ارتباك " تعرف الاصول، والسؤال واجب، فلن امنعك ان كنت تريد السؤال عنها، فالحذر واجب"
اجاب حمزة بابتسامة
-" بالطبع، فانا سألت قبل ان اقصدك وما شاء الله لم اسمع الا الطيب، لديك رقمي، انتظر اتصالك، ارجو ان يكون قريبا، فانا سأسافر بعد ثلاثة اشهر الى فرنسا لتدريبٍ طبي و يمكن ان أستقر نهائيا هناك واتمنى ان اخدها معي" ثم وقف ينوي المغادرة
وقف ايدر بدوره، صافحه و ابتسم مودعا" بحول الله، الى الملتقى باذن الله" و تركه وذهب.

بعد رجوعه الى البيت، اختلى بامه و اخبرها بآخر المستجدات، فرحت امه لكنه منعها من قول اي شئ فهو لم يسأل عنه بعد، على الرغم من انه موافق مبدئيا لانه شعوره تجاه حمزة يسوده الارتياح، لكن السؤال ضروري.

مر اسبوع و هو يسأل عن حمزة بطريقة مباشرة او غير مباشرة ولم يسمع عنه الا كل الخير، و قرر مفاتحة اخته، كالعادة وجدها في المطبخ، ما ان جلس على كرسي بجانب طاولة الطعام حتى وضعت امامه كأس شاي بالنعناع و حرشة و مسمن مدهون بالزبدة و العسل، ما ان وضعت اخر طبق حتى امسك بيدها يقبلها، " الله لا يحرمني من شهيوات هذه اليدين، من الان احسد الذي سيخطفكِ مني" قهقت عبير بصوت مرتفع، وهمت بالرجوع الى ما كانت تفعله قبل دخوله، لكنه امسك بيدها و اجلسها في كرسي امامه،
-" هناك موضوع اريد مناقشته معكِ"
-" حسنا" جلست و هي تنظر في عينيه بتركيز
-" احدهم طلب يدكِ مني" شهقت، و انزلت رأسها نحو الاسفل تنظر الى يديها المتكومة في حضنها
-" عبير انظري الي" رفعت رأسها و عينيها، تنظر الى الاطباق فوق الطاولة " عبير انت صديقتي قبل ان تكوني اختي، اقسم لم اكن ساعرض عليك الموضوع ان لم تكوني تستحقينه"
-" انا لا اشكك في اختيارك، لكن ماذا عن امي؟"
-" واين ذهبت انا و تانس؟، فقط قابلي الشخص ان اعجبك فلا تهتمي لاي شئ اخر، حسنا؟"
-" من يكون؟" سألت بهمس
-" هل تذكرين الطبيب الذي كان يعالج ابي؟" أجابت بهزة رأس دليل على عدم تذكره
-" سوف تتذكرينه، بمجرد ان تريه، اسمه حمزة عمره 32 عاما،وهو طبيب كما تعرفين، و الباقي سنعرفه يوم الجمعة سوف ادعوهم لزيارتنا هو وافراد عائلته، بعد صلاة الجمعة بإذن الله"
-" كما تشاء" ردت بخجل
بعد خروجه سمعت شهقة امها و هي تخبر ايدر ان يومين غير كافية للتجهيزات التي تنوي القيام بها، على الاقل امها نسيت حزنها و بدأت تعدد على تانس ما يجب القيام به، نفض الزرابي، تنظيف المنزل من الاعلى الى الاسفل، اخراج جميع الاواني و حكها بالصابون البلدي والحامض، اقتربت من لمتهم وسط البهو و سمعت صوت تانس و هي تتذمر
-" اميييييي، انها مجرد زيارة وليس عرس، ارجوكِ امي لا اريد ليدي ان تتشقق، و عرس دنيا على الابواب" لكن امها لم تهتم لتذمر تانس و لا لتجمد ايدر و اخدت ورقة و قلم تدون عليه ما يجب القيام به...... لكن عبير لاحظت تغير لونه فاصبح يماثل قميصه الابيض شحوبا، تنحنح متمتما بانه عليه ان يرتاح قبل اذان المغرب و انتقل الى غرفته ما ان اختلى بنفسه حتى اخذ يفكر
-" منذ متى لم يفكر بموضوع دنيا؟ " منذ وفاة والده تقريبا ...استلام عمله الجديد، وفاة والده و المسؤولية الجديدة عليه كلها ساهمت في ابعاد ذهنه عن التفكير بها.

اذن فقد اقترب الموعد و العرس بعد ايام فقط، تمالك غضب كبير و هو يتخيل رجل اخر يلمسها او يقبلها كما قبلها، لن يستطيع احتمال الامر، سوف يتخد اية ذريعة لكي لا يحضر العرس،ويرى معشوقته تتزوج بآخر، اتصال من صديقه انير ابعده قليلا عن التفكير في ذريعة للتغيب عن حفل الزفاف.

أنين الهوى  الجزء الأول من سلسة "تايري"Where stories live. Discover now