الفصل الثاني

681 88 78
                                    


انقضى الغداء، وجلس الجميع يتبادلون أطراف الحديث، فبادرت أنوار بالاقتراح عليهم بأن يتم تحديد يوم الزواج بالقريب العاجل، وأن يكون بعد أسبوع من تاريخ هذا اليوم، لينظر حسن لوالدته علَّها تفهم ما يعاني، لكنها فرحة لدرجة أنها لم ترى معاناته لأول مرة في تاريخهم، هي ترغب باكتمال فرحته كما تعتقد ورؤيته سعيدًا مستقرًا بمنزله، ليُكون عائلتة وينجب الأبناء، لكنها لم تعلم بأن حسن يَحلُم بالخاطفة، التي تجعله يتخلى عن المنطق والمعقول وأن يتجاوز معها اللامعقول، تم تحديد الموعد بالاتفاق بينهم وبين ريماس بوجود والده ووالدته، لأن ريماس لا تملك سوى عمها الذي تقيم معه ومع عائلته، لأن والدها ووالدتها قضوا نحبهم منذ سنوات اثر حادث سير، ولكنه لم يستطع التواجد اليوم؛ بسبب كثرة الأعمال وتم الأمر على أن يذهب حسن وأبيه للتحدث معه؛ حتى يروا إن كان الأمر مناسبًا له.

في وقت المساء، ذهب محمود وحسن لعم ريماس، واتفقوا على الموعد الذي تم تحديده سابقًا، ليصبح الأمر قيد التنفيذ خلال هذا الأسبوع، ويلتزم حسن التزامًا كليًا بالعهد، الذي قطعه لوالده عند وفاة صديقه والد ريماس، حين أخبره بما طلب منه رفيقه وهو يحتضر، بأن يحافظ له على الأمانة المكونة من ابنته، عهدًا قيد حسن منذ سنتان حين تمت خِطبته على ريماس قبل حتى أن ينهي دراسته، فلا هو بقادر على نكث العهد ولا هو بقادر على البوح بما يجول بوجدانه، وهل يستطيع؟ يعلم تمام العلم بأن ريماس ليست فتاة سيئة بل هي رقيقة جميلة هادئة خجول، لكنه وللأسف يعلم علم اليقين بأنها لم تحتل جزءًا من عقله، ولم تستطع الوصول واحتلال عرش قلبه، هو الهادئ الرزين يرغب بمن تجعله يخرج عن طوره وتعقله، لا يهمه الجمال يريد الاعتراض أثناء النقاش لا يريد الخنوع والقبول والاستسلام كما تفعل ريماس، يريد المشاكسة، فتاة قوية تتحمل الصعاب، وإن لم يكن متواجدًا معها تستطيع الدفاع عن نفسها، لا أن تخاف وتنتظر من يدافع عنها ممن سلب حقها، وفي خضم صراعاته الداخلية وتفكيره بما يرغب، يجد محمود يحدثه بأن عليه البدء باجراءات الإجازة حتى يتمكن من تجهيز ما يلزم ليوم الزفاف، والقيام بتحضير المنزل من كافة احتياجاته، ليوافقه بهدوء على ما يقول، وينصرفا مغادرين منزل عم ريماس.

بعد وصول حسن ومحمود للمنزل توجه حسن مباشرةً لغرفته، دون الخوض بأي حديث مع والديه، علَّه يريح جسده وعقله مما يعانيه، لتبدأ معه معاناة جديدة من نوع آخر، لكن مع اختلاف بسيط في الأحداث، وهي أنه أصبح معتادًا على النداءات التي يستمع إليها يوميًا، مع أن الارهاق بلغ منه مبلغه، وجسده بدأت عليه علامات الانهيار، لكن ما باليد حيلة وكأن العالم والزمن اجتمع عليه ليعاني من كل صوب ضغطًا من نوع مختلف، فضغط مشاعره المتخبطة التي لا يستطيع اظهارها أمام والديه، وإبداء رفضه لإتمام علاقة دام انتظارها من وجهة نظرهم، وضغط حلَّ عليه من قِبل شيء مجهول له، ونداءات لا يستطيع اجابتها، وأثناء تخبط أفكاره وتكالب الضغوط عادت النداءات من جديد، ككل مرة يستمع لها ويبحث عن مصدرها ليجده ولكن لا أثر ولا مصدر، لتتصدر الليلة وتضاف للياليه السابقة ويزداد الارهاق والتعب ولا مُنجد منها ولا مهرب.

المرآة وابنة الشماسWhere stories live. Discover now