الفصل الحادي عشر

385 73 86
                                    


الفصل الحادي عشر

عاد الشماس مسرعًا ليحتضن ابنته، فهو الأدرى الآن بما تعانيه، وما سيحِل بها لمفارقة قرينها الرفيق، والأدهى أن الأمر لا يتوقف على المفارقة التي حلَّت، بل الأمر أصبح أكثر صعوبة بوجود الختم الحارق، وما إن وصل حتى ألجمته الصدمة، بمشاهدته انهيار شموس الذي لم يسبق له أن رَآهَا عليه، حتى في أصعب لحظات حياتها، فأخذت خطواته بالإسراع ليصل إليها، وما أن اقترب منها حتى علا صوت نحيبها، فأخذ يُهدأ من وقع الألم القابع بنفسها، ولكنه الأكثر علمًا الآن بأن الألم سيتضاعف، إلى أن يقضي على قواها، أو يُجهِز على آخر أنفاسها.

_ بنيتي وقرة عيني، عوضي الجميل، لا تحزني يا قلب أبيكِ وروحه، فأنا لا أقوى على رؤية ألمك، تتمزق روحي لمعاناتك، أعلم أن الأمر صعب، ولكنني أعلم بأنك أقوى من كل صعب، ولولا علمي لما سمحت له بالمغادرة، فاهدأي يا قلب أبيكِ وروحه.

_ لقد تخلى عني، تخلى وهو يعلم بأنني بأمس الحاجة له، لم ينظر خلفه أبي، لم يعبأ بما سَيحِلُ بي، ذهب، ذهب وترك خلفه قلبًا يتمزق بهواه، لم أختره أبي، أنا لم أختر ذاك الألم النابع بثنايا قلبي، لم أختر صاحب الختم، بل هو من اختارني، اختار وأنا انسقت خلف ذاك الخيّار فاقدةً القدرة على نفسي وذاتي، أنت الأعلم أبي بأنني لن أسمح بِذُل ذاتي، لم ولن أطلب من مخلوق أن يبقى لأجلي، عليه أن يختارني لذاتي، لا لرجاءٍ مني بأن يبقى، وهو اختار ولم يُتعب نفسه بالاختيار، بل كان القرارُ سهلًا جدًا، سهلًا لدرجة العبور دون نظرةٍ أخيرة، تاقت لها روحي وعيني.

عبرت شموس عن ألمها بالدموع المتلاحقة على خديها، والكلمات خرجت من رحم المعاناة التي بدأت بها منذ خُتِمت بِختم القرين الرفيق، وسيطرته الكبرى على قلبها الخام، قلبها الذي لم يطأ الحب أبوابه سابقًا، ذاك القلب الذي احتله مالك الختم وأحكم احتلاله.

_ وما أدراكِ بأن القرار كان سهلًا، ألم تري المعاناة بعينيه كما تُعاني، منذ البداية كان لا بد لك من توقع نهاية الأمر، فكما قال سابقًا حينما حلَّ بأرضنا، أنه جاء زائرًا لا مقيمًا، وحسن للحق كان خير زائر، وهو لم يختر أن يكون مالك الختم كما لم تختاري أنت، كما لم يختر أن يكون مكبلًا بعهد لأجل آخرين، وهل كنت بالقرب من الباب وقت عبوره؟

_ لم أرى سوى أنه تخلى عني، لم أرى شيئًا سوى ذاك الأمر، وكيف لي بتوقع كهذا أمر أبي، وأنت تعلم بأنني أكثر من عانى بسبب الباب والعبور، لم أتوقع لم أتوقع ولم أُرد ذلك للحق، ونعم كنت بالقرب من الباب، ورأيته حين غادر غير ملتفتًا لما خلفه، كأنه يتوق للمغادرة، وما عادت جوارحه تطيق البقاء على أرضٍ أنا فيها.

_ ولما تظنين به ذاك الظن، كُلٌ منا له أسبابه وطرقه، فلا تكوني قاسية الحكم عليه، فلا أحد يعلم دواخلنا، وإن كنت تريدين لتأكدت من ذلك بتوغلك إلى عقله ورؤية ما يرغب، لما لم تفعلي ذاك بنيتي.

المرآة وابنة الشماسWhere stories live. Discover now