الفصل العاشر

393 64 181
                                    


الفصل العاشر

مرت ليالي وأنوار لا تستطيع النوم، من فرط اشتياقها لعزيزها الغائب، ولكن ما زاد من قلة النوم لديها استماعها لنداءات متكررة، ظنتها في البداية أضغاث أحلام، إلا أنها لم تفقد عقلها، فكيف لها أن تحلم وهي لا تستطيع النوم، لكن النداءات كانت مستمرة ومستجدية، وتدعوها دومًا لفتح الباب، فأي باب ذاك المطالبة بفتحه، وفي يوم وأثناء ترتيبها لغرف المنزل، وما كادت تجلس لترتاح، إلا أنها استمعت للنداء القادم من غرفة حسن، فاعتقدت في بادئ الأمر بأن حسن عاد، فهرولت سريعًا لغرفته تُلقي نظرةً عليه، فما إن خطَّت قدماها باب الغرفة، حتى ألجمتها الخيبة بأن وجدتها فارغة إلا من رائحة الغائب الغالي، فتقدمت باتجاه فراشه وما إن جلست عليه، حتى تكرر النداء وتكرر واستمر بالتكرار، فأخذت بالصراخ وسقطت مغشيًا عليها، ليأتي على صوت صراخها محمود راكضًا، قلقًا عليها، فحبيبته باتت بهذه الأيام مختلفة، تحدثه بأمر النداءات لكنه اعتقد بأنها تتخيل أو تهيأت للأمر جراء شوقها المفرط لحسن، وما أن اقترب منها حتى وقع قلبه خوفًا على مرآها مفترشةً أرض الغرفة، فتقدم منها مسرعًا يتحسس نبضها، وانتزع جسدها من الأرض، حاملًا إياه وواضعًا له على فراش ولده، وأخذ هاتفه محدثًا أحد الأطباء للقدوم والكشف عليها، وما إن حضر الطبيب، وقام بفحصها، حتى هدأ روعه وبدأ بالاطمئنان عليها، فقد كان الإغماء جراء التوتر والإنفعال الذي تشعر به، وحين استيقظت أنوار، أخذ محمود يحدثها ويُهدأ من توترها، فقصت له ما حدث وما استمعت له، لكن لم تكن إجابة محمود مريحة لأنوار، فما كان منها إلا أن صمتت فلا طاقة لديها للجدال، وبعد وقت قليل ذهب محمود لِيُتِمَّ المتبقي من أعماله، وترك أنوار على أمل أن ترتاح، لكن من أين لها الراحة! وقلبها يتحرق شوقًا لرؤية غائبها، وعقلها يتآكل قلقًا عليه، فقد طال غيابه، وأثناء محاولاتها أخذ قسط بسيط من الراحة، عادت تستمع للنداء، فما كان منها غير أن بدأت بالنداء، والتساؤل عن هوية المنادي، فما كان من الطرف الآخر غير الإجابة، والطلب بأن تفتح له الباب، فتساءلت عن مكان الباب، ليخبرها بأنه متواجد بالخزانة، فأخذت تفتح أبواب الخزانة بشكل هستيري، إلى أن وقع بصرها على شخص أمامها بداخل المرآة.

فمن كان الشخص؟ وماذا أراد من فتح البوابة؟ هل يعقل أن يكون العابر ذو الختم الحارق؟

أخبر الشماس حسن بفتح الباب، فبدأت الأجواء بالاضطراب، حسن وعودته لأرض الواقع وعهده الملزم به، وختمه المقترن بشموس وخوفه عليها، لعلمه بأن عودته ستكلفه حياتها رُبما، وما بين العهد والختم اختيارٌ صعب، وكلاهما مر، الأول تنفيذه لرغبة لا طاقة له عليها، والثاني تركه لمن شغف القلب حبها وفيه فقدها، وما بين العقل والقلب أيهما يختار؟ أما شموس فبمجرد سماعها لقول أبيها، بانَّ القلق على ملامحها البهية، من أن يتخلى حسن عنها وعن اعترافه لها بأنها مالكة القلب وخاطفة الروح، وأن يتركها بأكثر أوقاتها التي تحتاج إليه فيها، أما الشماس، فلا يستطيع أمره وإلزامه بالبقاء هنا لأجل ابنته، فترك له حُرية الخيّار، بأن يعود لأرضه وعهده، أو يبقى هنا لأجل حبه، وها هو القرار يوضع بين يدّي حسن، فماذا يختار؟

المرآة وابنة الشماسWhere stories live. Discover now