الفصل٣١(٢)

32.4K 1.1K 52
                                    

الفصل الواحد والثلاثون (2)
********************

تشبثت عيناها به تُحاول جاهدة أن تفسر ملامحه... لقد عاد إلى طاولتهم بعدما إستكمل خطواته نحو دورة المياة.. وبكلمات مقتضبة كانت تغادر خلفه المطعم تخشي ما هو قادم
- هو أنت تعرف الويتر
وتوترت وهي تكمل باقية سؤالها
- أصل وقفته معاك كأنه يعرفك معرفة شخصية
التفت نحوها فازدردت لعابها فعاد يركز بعينيه نحو الطريق
- معرفه قديمة.. أيام ما كنت بخدم في الشرطة
حدقت به جيهان طويلا تقلب رده المختصر في عقلها
- وأنت بتقدر تفتكر كل الناس اللي عرفتهم زمان
رمقها بنظرة خاطفة
- جيهان في إيه .. أنا شايف إن الموضوع ملهوش لازمه إنك تحققي في
جمدها جوابه فحاولت ضبط نفسها.. فما هذا الهراء الذي تفعله.. هو لم يقف معه إلا دقيقتين لا أكثر... صرخت داخلها لحالها حانقه من نفسها ترسم فوق شفتيها إبتسامة هادئة
- أسفه يا جسار أنا مش عارفه فيا إيه... إظاهر إن تأخيرها موترني شوية
واستطردت بحديثها حالمة تضع بيدها فوق بطنها
- لو كنت حامل يا جسار...
وقبل أن تردف بباقي عبارتها كان يعود بعينيه إليها
- اتمنى ده ميحصلش يا جيهان.. لاني مش عايز أطفال حاليا.. واظن إن إحنا إتفقنا على كدة
بهتت ملامحها فأكثر الأشياء التي أصبحت تعرفها عنه إنه لا يحب إجباره على شئ.. صحيح جسار حنون و رجل يعرف تماما كيف يجعل المرأة تشعر بكاملها إلا إنه ذو طباع سيئة.. ظنت إنها ستستطيع خداعه ولكن هيهات هو يعطيها ما يريد إعطاءه لها
زفرت أنفاسها تغمض عينيها وقد رفعت يدها عن بطنها.. فما الذي ستفعله عندما يدرك إنها خالفت إتفاقهم ولم تتناول تلك الحبوب
- أنتي قبلتي محمود قبل كده يا جيهان
جف حلقها فابتلعت لعابها تنظر إليه تهتف بتعلثم
- محمود مين؟
صوب عينيه نحوها للحظات وعاد يركز عيناه على الطريق يهتف ببطئ
- محمود الجرسون
- اعرفه منين يا جسار ومن أمتي أنا بعرف الناس ديه
تمتمت عبارتها بعصبية وسرعان ما أدركت فداحة فعلتها
- مالك اتعصبتي كده ليه.. ده مجرد سؤال يا جيهان
- بجد أنا اتخنقت يا جسار.. إحنا خرجنا نغير جو ولا خرجنا نتكلم عن الجرسون ووقفتك معاه
هتفت عبارتها الأخيرة بتهكم.. فطالعها بعدما أوقف سيارته في جراح البناية التي يقطنون بها
- أصله بيشبه عليكي..
تجمدت ملامحها ولكن سريعاً عادت لطبيعتها تشير نحو حالها
- بيشبه عليا أنا.. لا أنا معرفش ناس بالأشكال ديه الصراحه
وبدهاء إستطاعت إنهاء الحديث.. فانحنت قليلا تدلك جبهتها بتآوه
- مش عارفه الصداع مش راضي يخف ليه... راسي هتنفجر
زفر أنفاسه زفرات متتالية وترجل من سيارته نحوها .. ابتسمت وهي ترى يده الممدوة لها بعدما فك عنها حزام الأمان
ضم خصرها إليه نحو المصعد إلى أن دلف بها الشقة... أعطاها مسكن وقد شعر بالضيق من حاله فكيف لسؤال هذا النادل الذي بالفعل  يعرفه قديما جعله يشك بزوجته
" حاسس إن شوفت مرات حضرتك قبل كده فاعذرني من سؤالي ونظراتي عليها .. أصلها نسخه طبق الأصل من طلقيتي يا بيه"
تمدد فوق الأريكة يطالع التلفاز بشرود وعقب سيجارته بين شفتيه... والعبارة الأخيرة تتردد
" أصلها طبق الأصل من طليقتي"
" أنا كنت متجوزه قبل كده يا جسار... أطلقت منه لأنه كان راجل وحش..ضيعني وحرمني من بنتي اللي معرفش عنها حاجة "
والعبارات تتدافق على عقله دون هوادة... تنهد بسأم ومسح فوق وجهه متمتما
- أنت إيه اللي بتفكر فيه ده يا جسار... صحيح جيهان مش  نفس الصوره اللي كنت شايفها فيها بس هي بتحبك
- جسار
تعلقت عيناه بها بعدما هتفت اسمه وقد استيقظت للتو من غفوتها القصيرة
- بقيتي كويسه دلوقتي
اقتربت منه بتمهل تتلاعب بحمالة ثوبها
- يعني بقيت احسن يا حبيبي
ومن نظرة عينيها إليه كان يعلم ما هو قادم... وإمرأة فاتنة تعرف كيف تصنع طرقها وتنفذ دورها.. اغوته بطريقتها.. ومع الوقت كان يستجيب لها ينهل منها كل ما تقدمه... وهي اكثر من سعيدة همست بأنفاس متقطعه
- بحبك
عاد ليغرق في لذته مبتسمًا وقد ضاعت كلمة حبها التي لا يراها في عينيها إلا إنها مجرد كلمة تنطقها وليس هو رجل أحمق أن لا يفسر الكلمة
والحقيقه التي أصبح يدركها يوما بعد يوم... أن جيهان لا تحبه إنما حبها له حب مصطنع وإنها إمرأة ذو خبرة واسعة تعرف تماما إحتياج الرجال بل وبارعة بجدارة في الفراش بارعة لدرجة إنه أحيانا لا يصدق إنه يوما رأها أمرأة بريئة ظلمها أهلها في زيجتها في سن صغير وزوجها كان رجلا خسيس أذاقها المرار وما هي إلا ضحية
غفت فوق صدره فاغمض عينيه وقد ضجر من تلك الأصوات التي تدور في عقله
ازاحها برفق عنه ونهض.. فوقعت عيناه عليها في غفوتها
- إيه اللي حصلك يا جسار مش ديه جيهان اللي كنت هتموت عليها
والإجابة كانت مفقودة
............
حاولت النوم لمرات عديدة ولكن مهما حاولت فالنوم هذه الليلة بعيدًا عنها... التقطت هاتفها تفتح الرساله التي بعثها إليها بعدما حاول لمرات عديدة مهاتفتها
" فتون مبترديش عليا ليه... فتون مضطر اسافر كام يوم هولندا.. في فلوس في درج المكتب عندك ولو عايزه تروحي تقعدي مع جنات معنديش مشكله والسواق هتلاقي مستنيكي تحت كل يوم.. اي حاجة محتاجاها كلميني وياريت لما اتصل تردي وبلاش جو الأطفال يا فتون... هتوحشيني "
كلمة وراء كلمة كانت تعيد قرائتها... ولكن عندما وقعت عيناها على اسم جنات إبتسمت في تهكم مرير فحتى جنات قد إستطاع شراء ولاءها له.. جنات التي كانت ضد سليم النجار أصبحت تخبرها إنه رجل رائع ومحب
عادت بذاكرتها للساعات الماضية وقد استمعت لحديث جنات مع احمس في المطعم بعدما ظنت إنها ذهبت لجلب بعض الإحتياجات التي يحتاجها المطعم
عادت لكي تأخد الورقة التي دونت فيها الأشياء حتى لا تنسى غرضً
" معقول يا جنات أنتي تعملي كده... أنتي مش عارفه فتون بتثق فيكي أد إيه...ده أنتي السبب الأساسي في خضوعها إنها توافق تتجوزه"
" احمس الله يكرمك بلاش كلامك ده... متخلنيش اندم إني حكيتلك وطلبت مساعدتك..."
تخشب جسدها وبصعوبة إستطاعت تحريك قدميها لتتوارى عن أعينهم..
ابتعد احمس عن جنات يزفر أنفاسه بضيق
" حرمتوها ليه  إن يكون ليها حق توافق أو ترفض... أنا مصدوم يا جنات "
صرخت به جنات حانقه
" يييه أنت مالك مضايق كده ليه... لتكونش حبيتها يا احمس "
طالعها احمس بتوتر
" انا برضوه كنت حاسه بنظرات إعجاب منك ليها... احمس أنا بعتبرك اخويا الصغير... فتون وسليم النجار حكاية طويلة وعجيبة وحكايتهم مهما طالت كانت هتتجوزه.. عارف ليه
وصمتت قليلا تلتقط أنفاسها بحزن عما فعلته ويؤنبها
" لأن الناس اللي زي سليم النجار لما بتعوز حاجة بتاخدها... المطعم ده من أملاك سليم النجار... الجمعية اللي بتساعد فتون.. عمته هي أحد مؤسسينها يعني تمويل الجمعية من فلوس عيلة النجار.. حتى أهلها بتتكفل بيهم عمته... يعني حياة فتون كلها عيلة النجار متحكمة فيها... حتى خروجها من السجن لما اتلفقت ليها القضية سليم النجار هو اللي دفع الكفالة وخرجها زي الشعرة من العجين.. يعني عاجلا او آجلا.. فتون هتكون ليه... هو بيحبها وده اللي شوفته في عينه بس الله واعلم هيستمر الحب ده ولا هيكون مجرد نزوة ويكتشف بعد كده إنه اختار الزوجة الغلط اللي متنسيبش مكانته .. "
" حرام عليكي يا جنات... حرام عليكي.. إنتي عارفه فتون غلبانه وعلى نيتها وعمرها ما هتقدر تفهم الناس ديه... فتون طبعها طيب وغلبان... ده لولا وجودنا معاها مكنتش هتكون كده "
" احمس ارجوك كفايه.. ضميري بيعذبني ومش ناقصه كلام زيادة... لو سليم النجار اذاها هرجع اقفله من تاني وهكون جنات واحده تانيه معاها فلوس تقدر تقف في وش اي حد... أنت متعرفش ارض أبويا ديه تساوي اد إيه.."
هتفت عبارتها الأخيرة وقد استوحشت عيناها وهي تتذكر  تلك النظرة الساخطة التي رمقها بها ابن عم والدها عندما ذهبت إليه حينا إلتقت به في مقر عملها بشركة النجار.. وجعتها تلك النظرة المتكبرة ولو كانت نسيت قديما أمر الأرض التي ترك والده حقه لله.. فهي لن تتركها .. فابن عم والدها رجل ثري بشدة ورغم ذلك ما زال رجل طامع جشع
فاقت على صوت احمس
" هتنقذيها بعد ما تضيع يا جنات"
هتفت بشرود
" هو بيحبها"
" ديه إحتمالات"
" اي شئ في الدنيا مبنى على الإحتمالات يا احمس.. هتقف جانبي ولا لاء يا احمس "
واردفت بتطلع نحو المستقبل
" هساعدك تحقق حلمك وتفتح مكتب بعد ما تخلص جامعتك"

لمن القرارWhere stories live. Discover now