جنون عشقى أنتى، و القلب يعانى منكِ، نبضاته تتسارع مع طلتك، وتينى تجرى فيه بسمتك، كيانى يتلاشى فى حضرتك، وجدانيّ و جوارحى تتعطش لقربك و أنا بينهم ضائع أنتظر صحبتك.
توجهت جنة إلى المكتب الخاص بالتدريب و جسدها يرتجف من القلق خشية أن يتخذ صهيب ضدها اجراءا صارما لسوء أدبها معه..و اخذت تستأتف تدريباتها بعدم تركيز، تنتظر استدعائها فى أى لحظة من قبله لكى يُلقنها درسا، و بالفعل لم يفت أكثر من نصف ساعة حتى أقبلت عليها السكرتيرة تقول لها:
ــ جنة الأستاذ صهيب عايز يشوف شغلك و يتناقش معاكى فيه...كل واحد منكم هيروح للأستاذ لواحده و جنة أولكم...
ازدردت لعابها بصعوبة من فرط التوتر ثم قالت:
ــ طاب..مينفعش تاخدى انتى الملف يا أستاذة مريم و توريهوله
ــ لا طبعا مينفعش...هو أنا اللى بتدرب و لا انتى؟!
أومأت عدة مرات بقلة حيلة ثم التقطت الملف الخاص بها و سارت باتجاه مكتبه بخطى وجلة إلى أن وصلت و طرقت الباب برفق ثم فتحته و دلفت.
رآها تسير نحوه بوجه شاحب و خطى مترددة، فأخذ يهز رأسه بسخرية من مظهرها الذى يشبه التلميذ المذنب أمام أستاذه.
وضعت الملف على مكتبه ثم قالت بصوت مهزوز:
ــ الملف أهو حضرتك..
أخذ الملف و ألقى عليه نظرة سريعة ثم نظر لها بجدية و قال:
ــ و لما حضرتك خايفة و قلقانة كدا....بتطولى لسانك و تعلى صوتك عليا ليه؟!
ــ ها!!...يقطعنى يا أستاذ أنا آسفه مش هتتكرر تانى..
ــ غلطاتك كترت و أسفك زاد على فكرة..
ابتلعت ريقها بصعوبة ثم قالت بخفوت:
ــ العقاب اللى حضرتك تشوفه اعمله...بس بلاش تلغى تدريبى ان شالله يخليك.
سكت مليا يتأملها بشرود و الابتسامة الهائمة مرتسمة على شفاه، ثم استخرج من درج مكتبه صندوق هدايا صغير و رقيق للغاية ثم مد يده لها به و هو يقول:
ــ اتفضلى...دا علشان تبطلى تبصى فى عربيات الناس.
التقطت منه الصندوق و هى فى غاية الذهول فلم تفهم بعد ماهية تلك الهدية...سألته باستغراب:
ــ هو ايه دا حضرتك؟!
ــ افتحيها و انتى تعرفى.
قامت بازالة الغلاف و هى تنظر له بين حين و آخر بترقب و ذهول، إلى أن فتحتها و فغر فاها و جحظت عيناها حينما رأتها، حيث كانت عبارة جيتار صغير من ماء الذهب فى قمة الأناقة و الرقى، فأخذت تديره بين يديها و تعاينه بانبهار ثم سألته و ما زالت حالة الاندهاش مسيطرة عليها:
ــ هو الجيتار جميل و كل حاجة بس أنا هعمل بيه ايه لا مؤاخذة يعنى.
انفرجت شفتيه بضحكة خافتة ثم قال لها:
ــ إفتحى الجيتار من الجنب.
قامت بفتحه فإذا يوجد بداخله مرآة تأخذ شكله العلوى و هى ممسكة اياه من اليد، فاتسعت ابتسامتها بسعادة غامرة حين تبينت لها الهدية، حتى أن عينيها أدمعتا من فرط الفرح و شعورها باهتمامه التى تمنت أن يكون نابعا من واقع حبه لها.
أغلقت الجيتار ثم نظرت له بابتسامة فرحة أنسته العالم بما فيه، فماذا يريد العاشق أكتر من أن يرى معشوقه سعيدا بسببه، و بما أسعدها؟!.. انه شيئ بسبط زاهد الثمن بالنسبة له جعلها فرحة إلى هذا الحد.
قالت بفرحة تنطق بها عينيها:
ــ أنا مش عارفه أشكرك ازاى يا أستاذ صهيب... دى أحلى هدية جاتلى فى حياتى.
رد عليها بسعادة حاول إخفائها:
ــ طيب ممكن تشيليها فى شنطتك بقى و مشوفكيش تانى بتبصى فى شبابيك العربيات... تمام؟!
هزت رأسها عدة مرات بموافقة و هى تقول:
ــ حاضر عيونى..
رد بدون وعى أو تفكير:
ــ تسلملى عيونك الحلوين دول.
برقت عيناها بصدمه من رده و نبرة صوته الرومانسية و لكن سرعان ما تدارك نفسه محمحما بحرج ثم قال بجدية:
ــ ما تخرجيش بيها قدام الموظفين حطيها فى شنطتك.
أماءت بابتسامة ثم همت بوضع المرآة فى الحقيبة إلا أتها تذكرت أنها تركتها فى غرفة التدريب، فاستأذنت منه لإحضار الحقيبة و العودة له مرة أخرى فأذن لها، و لكنها سارت إلى الباب و ما زالت المرآة فى يدها فناداها صهيب قائلا:
ــ المراية فى ايدك على فكرة.
رفعت يدها امام عينيها فوجدت أنه محقا فقالت و هى تبتسم ببلاهة:
ــ اه لا مؤاخذة يا أستاذ من فرحتى بيها نسيتها فى ايدى...اشقط
ثم قامت برميها من مكانها فى اتجاهه على أساس أنه سيلتقطها بمهارة، و لكنها بدلا من ان تقع فى يديه وقعت على الأرضية الرخامية الصلدة فتفتت فى الحال.
كل ذلك تحت أنظار صهيب المشدوهة و استنكار ملامحه لفعلتها...فمما خلقت تلك المعتوهة لتقوم بهذه الفعلة التى لا تصدر سوى من الأغبياء...
أما هى انفرج فاها على أخره و هى تنظر لفتات المرآة بحسرة...بينما صهيب نهض من كرسيه و استدار ليلقى نظرة غاضبة على آثار المرآة المنكوبة التى لم تبقى بحوذتها أكثر من عشر دقائق ثم صاح بها بغضب مكتوم و هو يكظم غيظه بصعوبة و يصتك فكيه بقوة:
ــ أنا نفسى أعرف انتى مخلوقة من ايه؟!...دا انتى لو طفلة مش هتعملى الحركة الغبية دى...أنا نفسى افهم انتى كنتى بتنجحى فى المدرسة على أى أساس؟!...طاب نجحتى فى امتحانى ازاى بمخك الممسوح دا...أفهم...أنا.. عايز أفهم.
تجعدت ملامحها ببكاء و ركضت تلملم الفتات و هى تناظره بحسرة و تقول:
ــ ما أنا قولتلك اشقط...لو كنت قمت و شقطها من ايدى مكانتش اتفشفشت كدا..
لوى فمه بابتسامة تهكمية قائلا:
ــ اشقط!!...لا فعلا أنا اللى غلطان...أنا اللى غبى إنى جبتلك مراية أصلا...بصى أنا عايزك متسيبيش عربية الا لما تبصى فيها...تمام؟!
نهضت من الارض بعدما جمعت الفتات ثم قالت بتذمر:
ــ و بعدين بقى يا أستاذ انت حيرتنى معاك...يعنى أبص و لا ما أبصش؟!
نظر لها بصدمة مشدوه الملامح حتى أنه سكت و لم يرد من فرط ذهوله بردة فعلها التى تنم عن كم غبائها المتأصل فيها...لا يدرى أهى غبية بالفعل أم أنها تتظاهر بالغباء لتغطى على فعلتها،
و لكنه فى الأخير قال لها بهدوء ما قبل العاصفة:
ــ امشى يا جنة.
أطرقت رأسها بخذى ثم قالت بتوتر:
ــ أنا آسفة يا أستاذ صهيب...طاب هى بكام و أنا هدفع لحضرتك تمنها؟!
ــ بغض النظر عن أسفك و غلطاتك اللى مش عارف هتنتهى امتى؟!...بس المراية دى تقريبا بمرتب حضرتك الشهر دا.
فغر فاهها و كممته بيدها بصدمة و ذهول ثم أغلقته مرة أخرى و قالت:
ــ ماشي أمرى لله...هشتغل الشهر دا لله و للوطن...ثم تمتمت بهمس "جات الحزينة تفرح مالقيتلهاش مطرح"...اهو لا مراية و لا مرتب"
تمتمت بتلك الكلمات و ملامحها على وشك البكاء.
بينما صهيب كان يراقبها باستغراب محاولا كبت ضحكاته التى تجاهد للخروج، فتلك البلهاء صدقت أن مجرد مرآة قد تساوى قيمة مرتبها الأمر الذى أثبت له مدى نقائها و صفاء سريرتها...
ــ قولتلك امشى أنا هتجيلى جلطة بسببك.
ردت بلهفة:
ــ ألف بعيد الشر عنك يا أستاذ ان شالله اللى يكرهوك...أنا ماشية و الله ما انت مزعل نفسك.
ثم خرجت من المكتب و هى تعض على أناملها من الندم على فعلتها الغبية التى أفقدتها ذكرى غالية منه.
بينما صهيب بمجرد أن خرجت و أغلقت الباب خلفها حتى انفجر فى نوبة من الضحك على الموقف برمته.
أنت تقرأ
و تشابكت أقدارنا(مكتملة)
Romanceربما تتحول مصائرنا و تتبدل أقدارنا من مجرد خطأ ارتكبه شخص ما سواء عمدا أو بدون قصد، و لكنه القدر من فعلها، فنستسلم لمصائرنا سواء بعلم أو بجهل، فيعيش أحدنا و يترعرع بين أبوين ليسا بأبويه، و بمكان ليس بمكانه....و لكن هل ستستمر الحياة على هذا المنوال؟...