الفصل الحادي و الأربعون

822 41 15
                                    

ويلي... أيا قلب سُجن بين قضبان الحب، و كُبِّل بأغلال الاشتياق...فمن سواها يا قلب يستطيع إغاثتك و إطلاق سراحك..

صهيب قضى ليلته يفكر في أمر جنة و ماذا إن تَسَهلت لها الأمور و سافرت بعيد عنه... كيف سيكون حاله حينها... كيف سيتحمل البقاء بمكان و هي بمكان بعيد لا يدري ماذا تفعل و مع من تتعامل...
فعزاؤه الوحيد في عملها بذاك المكتب هو وجود من ينقل له أخبارها و تعاملاتها مع الآخرين.
لا بد أن يوقفها بأي طريقة.. و لكن كيف؟!..
فلم يهدأ له بال تلك الليلة و كان نومه متقطع بسبب الكوابيس المزعجة التي أرقت نومه.

و على الناحية الأخرى قضت جنة ليلتها تفكر في مخرج لهذه المشكلة إلى أن توصلت لفكرة مجنونة للغاية....فكرة لا تفعلها سوى فتاة طائشة، و لكنها على أتم استعداد لفعل أي شيئ في مقابل حصولها على تلك الفرصة.

في اليوم التالي تفاجأ سيد بمكالمة من صهيب يطلب منه زيارته، فرحب به رغم استغرابه الشديد.
أنهي صهيب أهم أعماله في ذلك اليوم ثم استقل سيارته بعد الظهيرة مباشرة و انطلق مسافرا إلى مدينة شبرا الخيمة.

بعد ساعتين و نصف من السفر وصل صهيب إلى منزل سيد و كانت جنة لم تعد من دوامها بعد.

و في ذات اليوم اتصل بها المدعو ماجد ليُعرفها بنفسه، فانتهزت الفرصة و طلبت منه أن يتقابلا في إحدى الأماكن العامة حتى يتحدثا بحرية أكثر فيما يخص تلك السفرية و لم يُمانع بتاتا، فاتفقا على أن يتقابلا بالكافيه القريب من المكتب بعد انتهاء الدوام مباشرة.

قام بالاتصال بها حين وصل الكافيه، فقامت بدورها بالتلويح له بيديها حتى رآها فأقبل عليها بإبتسامة واسعة و حين رآها عن قرب أعجب بها من حيث الشكل، فـ جنة من ذوات الوجه المألوف الذي يدخل قلب من يراه.

ماجد ليس بالشخص العاقل من الدرجة الأولى، و إنما فيه لمحة من الخفة و الجنون، هو أيضا اجتماعي للغاية و يمكنه أن يتحدث مع شخص لا يعرفه بكل أريحية و كأنه يعرفه تمام المعرفة، و رغم ذلك فإنه حريص للغاية و غامض الشخصية، فلا أحد يستطيع أن يخمن ما يدور في رأسه و هذا ما جعله يكسب محبة الناس و يثبت كفائته في عمله، فهو لبق للغاية و يملك ملكة الإقناع.
قام بتحيتها بحرارة رغم أنه يتعامل معها لأول مرة، و هذا ما أثار تعجبها و لكنها بادلته التحية على أية حال.
استهلت حديثها بقولها:
ـــ أنا كنت فاكراك كبير في السن يا أستاذ ماجد...لا بصراحة فاجئتني.
حانت منه نصف ابتسامة تنم عن غروره ثم قال:
ـــ يا بنتي أنا لسة يادوب ٢٨ سنة بس الحمد لله اسمي مسمع في محاكم مصر كلها.
رفعت حاجبيها باستغراب و اعجاب في آن واحد ثم قالت:
ـــ دا غرور بقى و لا ثقة؟!
ـــ امممم... يعني تقدري تقولي الاتنين.
ضحكت ضحكة بسيطة ثم قالت:
ـــ ليك حق تتغر....المهم بقى نتكلم في موضوعنا.
ـــ اتفضلي.
ـــ قبل أي كلام كنت عايزة أسألك سؤال كدا بس متستغربش.
ـــ كلي آذانٍ صاغية.
ابتلعت ريقها بصعوبة من فرط ارتباكها و خجلها و لكنها استجمعت شجاعتها الواهية و سألته:
ـــ انت مرتبط؟!
اتسعت عينيه بمفاجأة من سؤالها الذي لا يمت بأي صلة لوضعهما الحالي، فازدردت لعابها بصعوبة ثم قالت:
ـــ أنا متأكدة إنك هتستغرب و مش بعيد كمان تقول عليا اني مجنونة.
ـــ بصراحة اه... بس ردا على سؤالك لأ أنا مش مرتبط.
ـــ الحمد لله.... و لا بتحب؟!
تلك المرة انفرجت شفتيه باستنكار و أخذ يقول في نفسه "لا دي مجنونة رسمي...يا نهاار مش باينله ألوان"
ـــ لا انا مش بتاع حب و كلام فارغ من دا... أنا شخص عملي جدا.
ـــ الله عليك يا حبيب والديك... هو دا اللي أنا عايزاه بالظبط.
ـــ هو في ايه بالظبط... أنا مش فاهم حاجة.
حمحمت بحرج ثم رسمت على ملامحها قلة الحيلة ببراعة و قالت:
ـــ بصراحة كدا يا أستاذ ماجد فرصة سفري لفرنسا دي حلم حياتي و معتقدش ان فرصة زي دي هتتكرر تاني... بس للأسف والدي رافض إني أسافر لوحدي...أصل انا يعني بنت ناس محافظة و قد حالهم و عندنا سفر البنت لواحدها دا جريمة و سمعة وحشة للبنت.
رد ببراءة :
ـــ ما انتي مش هتسافري لواحدك....أنا هكون معاكي.
لوت شفتيها لجانب واحد ثم قالت:
ـــ ماهي دي المصيبة الأكبر....ماهو لامؤاخذة يعني انت هتسافر معايا بصفتك ايه؟!
ـــ بصفتي زميلك في الشغل.
ـــ لا لا لا يا أستاذ ماجد احنا معندناش الكلام دا...دا أبويا أقل ما فيها يقعدني في البيت لحد ما يجيلي العدل.
ـــ عدل؟!
ـــ اه... العريس يعني.
أخذ ماجد يضحك و هو يهز رأسه باستغراب من هذه الفتاة التي من المفترض أن تكون أكثر رقة نظرا لطبيعة عملها، و لكنها هذه هي جنة يا سادة.
ـــ اممممم....و المطلوب مني ايه بقى يا أستاذة جنة؟!
ـــ عريس... عايزة عريس.
ناظرها بعينين جاحظة فأومأت برأسها و هي تقول بإبتسامة بلهاء:
ـــ أيوة...انت العريس..
أخذ يهز رأسه يمينا و يسارا لعله يفهم شيئا، أيعقل في أول مقابلة لهما تتقدم لخطبته!!.
ـــ لا دا كدا فعلاً جنان رسمي...انتي طبيعية يا بنتي و لا انتي شكلك كدا و لا فيكي ايه بالظبط!!.
أخذت تتحدث بانكسار و استعطاف:
ـــ اعتبرها خدمة يا أستاذ ماجد و هي خطوبة كام شهر بس لحد ما اخلع من هنا و بعدين هننفصل و يكأننا يعني محصلش بينا تفاهم.
ـــ و الله؟!...على أساس ان الخطوبة دي لعبة؟!... هنلعبها شوية و نسيبها!!
ـــ أنا بتكلم في خطوبة يعني مش جواز و ارتباط بحق و حقيقي...و بعدين دا أنا ياما قريت روايات كان الابطال بيتجوزوا جواز صوري كدا ع الورق و كانت الدنيا بتمشي.
ـــ ااااه روايات....الظاهر كدا ان الروايات لحست مخك.
ـــ أستاذ ماجد دي خدمة لأختك الغلبانة... مستقبلي دلوقتي في كلمة منك.
زفر بنفاذ صبر، فقد فاق جنونها كل توقعاته، ماذا عليه أن يفعل الآن... أيخاطر بإسمه و يرتبط ارتباط صوري!!.. و لكنه سيكتب في تاريخه أنه له سابقة خطبة، و ما الذي يجبره على فعل ذلك.
ـــ يا بنتي و أنا ايه اللي يجبرني إني اعمل كدا؟!
ـــ اطلب المقابل اللي انت عايزه أنا معنديش مشكله.
سكت لبرهة يُقلب الأمر في رأسه، ثم نظر لها بتمعن قليلا ثم قال:
ـــ طاب ليه متبقاش خطوبة بجد؟!
نظرت له بصدمة فاسترسل حديثه:
ـــ انتي حلوة و شكلك صغيرة و في تكافؤ ما بينا و كمان شخصيتك قريبة جدا من شخصيتي... يعني بيتهيألي في كيميا ما بينا... فـ ليه لأ؟!
ـــ انت أكيد بتهزر..
ـــ و الله لو كنتي انتي بتهزري يبقى أنا كمان بهزر.
ابتلعت ريقها بصعوبة... هل أقحمت حالها في ورطة...هو يبدو أنه شخص عملي بالفعل و ذكي... مظهره أنيق و شكله وسيم و لا تشوبه شائبة إلى الآن... و لكن!!.. صهيب... هو من احتل عرش قلبها... لا يمكن لسواه أن يحل محله.
حين رأى حيرتها و اصفرار وجهها، ابتسم ابتسامة متهكمة نوعا ما ثم قال:
ـــ خودي الوقت اللي تفكري فيه براحتك... أنا عن نفسي رافض موضوع الخطوبة الصوري دي... لو كانت بجد اتس اوكي.
نهض من كرسيه و هو يقول:
ـــ هستنى ردك...سواء بالرفض أو بالقبول.. و في كل الأحوال أنا كدا كدا مسافر... يعني ظبطي أمورك و بلغيني...سلام مؤقت.
تركها بحيرتها و ذهولها و انصرف، و بقيت هي تائهة شاردة...فلقد انقلبت خطتها عليها و لا تدري في أي إتجاه تسير.

و تشابكت أقدارنا(مكتملة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن