قبل نهاية العالم

127 18 10
                                    

"إبراهيم"

متى كانت آخر مرة رأيت فيها ضوء الشمس؟ كل يوم أستيقظ فيه أتمنى أن يكون هذا عبارة عن كابوس و أنا فقط أحلم، أو أكون عجوزًا يخرف نال منه الزمن في حلبة الدنيا الغادرة،فبالتالي كل هذا وهم و العالم لم يصل إلى تلك المرحلة.

أتسند على أحد الأعمدة في محاولة مني أن أقاوم جسدي الخائر تمامًا للقوى، دقائق مرت و أنا ألهث و أتسند، أدعو، أتلو بعض الأذكار، كل هذا فقط من أجل أن أقوم، تأملت المكان المهجور، هل هذا محراب؟ و ما تلك الشموع؟ لم أعد أذكر أكان هذا مسجدًا أم كنيسة، لم يعد يأتي أحد، كسرت الباب لكي لا أضع أي حاجز بين الناس و بين المكان، كل يوم أنتظر أي شخص يأتي ليتعبد، ليتوب، أي شخص يذكر وجود رب لهذا الكون.

السماء مريضة يكسوها السحاب السمين، رغم كل ذلك الكم من السحب إلا أن المطر منقطع منذ زمن، إسمي هو إبراهيم إن كان الأمر يهم، أيضًا أنا في العقد التاسع، أو العاشر، هل كسرت حاجز المئة؟ لم أعد أذكر.

أتحسس السكين المعلق على حائط المكان، العالم به آلاف جرائم القتل، ألا يجسر أحد على أن يقتلني و يريحني؟ لم أعد أعرف هل أنا موجود لكي يترك الله أمل التوبة في الأرض أم أنني جزء من هذا العقاب.

كانت لدي عائلة أذكر هذا، لكني فقدتهم جميعًا في غضون أسابيع، لم يبقى سواي، كل العلماء و الشيوخ ماتوا فجأة، كل القسيسين و الرهبان وافتهم المنية، لم يبقى أي رجلٌ صالح، حتى التدين الشعبي لم يعد موجودًا، الوضع ليس سيئًا، الوضع أصبح فاجعة.

نظرت في الطريق يمينًا، هناك أشخاص نائمون في وسط الطريق حولهم بعض الزجاجات و اللفافات، من الواضح أنهم قضوا ليلة بلا وعي، الناحية اليسرى كان بها رجل و إمرأة يقومون ب...، لا يهم، لكن لا أحد يعبر من أمام المكان، لا أحد يقوم بأي شيء سيء أمام المكان، أعتقد أن النصل تعب من كثرة التعليق، لن يقتلني شخص، لكن إلى متى سأظل عالقًا في هذا العالم؟ لا يوجد تائب واحد، لا يوجد ضمير، هنا كل شئ أسود و قبيح.

إستدرت لأدخل و أبتعد عن هذا العالم الملوث تمامًا، هذا الكون أصبح مريضًا بما يكفي ليتم فصل عنه الأجهزة الحيوية، هذا الكون يجب أن يحكم عليه بالإعدام، أصبح العالم دائرة من الفساد، إن وجدت شخصًا يسرق حقيبة فتاة فالفتاة قاتلة و القتيل مغتصب، قام بإغتصاب إمراة خانت زوجها الذي باع إبنته في سوق العهر، إبنته التي تبيع المخدرات، دائرة من الفساد، لا يوجد أحد مظلومٌ هنا، الكل مذنب، لم يبقَ أي رجل يعرف الله غيري، نعمة أحمد الله عليها أني مازلت أذكره.

تحسست لحيتي و شعري اللذان أطالهما الزمن، الهواء قليل ملوث، الحياة لم تتوقف و هذا غريب، هناك تجارة و عمل و زواج، لكن كل هذا يقام بلمسة شيطانية، التجارة إن لم يكن بها ربا فهي بها سرقة و سطو، و العمل لا يخلو من المصائب لأغراض مشبوهة ناهيك عن المصائب بين العمال أنفسهم، و الزواج لم يعد موجودًا بالطريقة الشرعية، ولا تسألني كيف أصبح.

أتقدم نحو المحراب بخطوات شخصٍ يمشي على لوح زجاجي، أجلس على ركبتاي، أغمض عيني في توسل، عيناي تصير سحبًا تحمل الكثير من المياه تطلقها بغزارة تكفي الوديان و السهول، قد سئمت يا الله، قد تعبت، أصبح هذا العالم عاقرًا يستحيل أن يأتي بأي شئ جميل أو جيد، لن يأتي أحد، لقد أمهلتهم كثيرًا، هم يستحقون يا الله و أنت تعلم هذا، لقد أصبح الحال ميئوسًا منه و لم أقدر حتى على إقناع أحد بالتوبة، لقد تمكن منهم الشيطان يا الله، خلصني منهم يا الله.

سمعت خطوات أمام المعبد، نظرت فوجدت أحدهم يقف ممسكًا بالنصل، نعم إنها السكين التي علقتها، حاولت الهرولة نحوه لكني لم أقدر، زحفت محاولًا الوصول إليه، أخيرًا جاء الوقت، أخيرًا جاء المعاد هيا خلصني من هذا المكان هيا.

تقدم نحوي، رفع يده، و أنهى كل شئ.

نصل إبراهيم Where stories live. Discover now