part 6 : " رِسَالَة صَاعِقَة "

61 7 0
                                    

في مكانٍ آخر...

   ها قد تجاوزت السّاعة مُنتصفَ اللّيل ، لا زال في مكتَبِه ؛ المكانِ الوحيد حيثُ يستطيع الهروب من طيفِها . يُدلِّكُ ما بينَ حاجِبيه بهمجِيّة لعلّ اللّيل يُشفقُ على حاله و يستسلِم للنّوم.

أرجعَ شعرَه الغُرابيّ إلى الوراء و إتّكأَ برأسِه على كُرسيِّه ، لتَهرُب من سوداويّتِه دمعة خِلسة فقد أصبحَ البُكاء لهُ عادة هذهِ الأيّام.

" أُقسمُ بأنّ لي في قُربك و بُعدك عذاب ، عِطرُك هوائي الذي أتنفّس ، ضحكاتِك لحنٌ على مسمعي ، و بريق عسليّتاكِ مفتاح نشوتي...تُذكرينني بها لحدّ الجنون . هل هذهِ محضُ صدفة ؟؟ من تكونين لتقلبي لي كياني من بعدِ سنواتٍ عِجاف . اااااه يا ربّ السّماء.. لما وضعتني داخِل دوّامةٍ لا مخرجَ لي منها ؟؟! فوفائي لطفلتي أبديّ و سلامٌ على روحي التي رافقَت روحها إلى السّماء.. "

أردفَ كلماته عازِمًا على البقاءِ وفيًا لحُبّه المُخلّد لكّنه لن يتخلّى عن صغيرتِه و سيدعَم قرارها مهما كان لعلّها ترى مُستقبَلًا بعيدًا عن حُبّها له تلكَ العنيدة.

صباحَ اليوم التالي...

عادَ إلى القصر بهيبتِه الرُّجوليّة الباردة و كأنّ شيئًا لم يكُن ، يبحثُ بصقراويّتيه في الأرجاء لعلّه يلمح طيفَها ، لكن ما من أثَر حتّى رائِحة عطرها الذي كان يملأ المكان قد إختفى..!

" أين الآنسَة الصّغيرة ؟ هل خرجَت ؟؟ " نبسَ بصوتِه الأجشّ البارِد .

" س..سيّدي..لقد خرجَت مع بزوغ الفجر تجرُّ حقيبةَ سفرٍ و قد تركت لكَ هذِه الرّسالة. " أجابتهُ الخادمة بخوفٍ و هي تُقدِّم له الرّسالة عندما لاحظَت إحمرار سوداويتيه و بروز عروقه.

" واللّعنةةة عليكم ، كيف سمحتُم لها بالرّحيل من دون إذني...هاااا.. ألَم أُحذِّرَكم من قبل أجيبونيييي.. يا حُراااااس "

أجفلَت الخادمة مكانها و قد عرِفت بأن موعِد موتِها قد إقرب فراحَت تأخُذ المغفِرة.

" كيفَ تسمحون للصّغيرة بالمغادرة هكذاااا ، ما هو عملكُم هنا هااااا. " يصرُخ في وجهِ الحارس ممسكًا بياقةِ قميصِه.

" إ..إع..إعذرني..س..سيّدي ..لكنّها قالت لنا بأنّ لكَ علمٌ مسبق بسفرِها و أخذَت موافقتَك. " أردف الحارس بينما جسده يرتجِف بين يدي الوحش الغاضِب.

   دفعَه جانِبًا بعدما تذكّر أمس عندما وافقَ على سفرها ، لكن ليسَ بهذه الطريقة من دونِ وداع فهذا قاسيًا على قلبِه .

أخذَ الرِسالة بعُنف من يدي الخادمة و صعدَ إلى غُرفتها .

تنفّس الخدَم و الحُرّاس الصُّعداء فقد نجوا من جحيم الشّيطان هذه المرّة.

بينما كان يلهَث من شِدّة غضبِه ، زفرَ ما بجُعبتِه من هواء و فتحَ الرسالة ليبدأ بقراءتِها :

" كوكي... أعلم الآن بأنّك ستكون في أقسى مراحِل غضبك عندَ إستلام رسالتي و معرِفتك برحيلي.
آسفة...كان ذهابي بهذه الطريقة لأنني لن أتحمّل توديعك ، أبغُض هذه اللّحظات كثيرًا و أنتَ تعلم ذلك ، فحياتي كانت عبارة عن وداع الأحِبّة فقط...
أخافُ أن أضعُف أمامك لكن صفعتك ذلك اليوم قد أفاقتني من أحلامِ اليقَظة..
 
كان يجب عليّ أن أعلم بأنّ علاقتنا مُقدّسة ليس عليّ تدنيسها بحُبّي الطّائِش..فكيفَ لي أن أتجرّأ على حُبّك و أنتَ كنتَ لي الملاذ ، لكن ما العمل مع قلبي المّتمرّد الذي أعادت أحضانك له النّبض..

أتعلَم عندما كنتُ في سِنّ السّابعة ، كان لي صديق لا أدري لما أذكُره لكَ الآن ههه.. لكن أتى هذا الموقف في مُخيّلتي و أنا أكتُب الآن ذكّرني بحرصِكَ عليّ و إهتمامك الدّائم بي..

كوكي..هل تتذكّر عندما أبرحت شابين من ثانويّتي ضربًا عندما قاما بالتّنمُّر عليّ ؟؟

( قبل أن يُكمل القراءة مسحَ دموعِه لتظهَر إبتسامة مُنكسرة على ثغرِه عندما تذكّر الموقف )

أيضًا بعُمر السّابعة ، قام مجموعة من فتيان الحيّ بالتّنمّر عليّ و قاموا بتمزيق دميتي الوحيدة أمام عينيّ..فجلستُ القُرفصاء و أخذتُ أجهش بالبُكاء إلى أن أتى صديقي آنذاك ..إقتربَ من وجهي ، مسحَ دموعي بإبهامه و جعلني أنتظره على عتبة منزلنا .

دقائق حتّى سمعتُ صوت إرتِطام أجسادٍ بالأرض مصحوبة بصرخاتِ ترجٍ.

  ههههه، هل تعلم كان سريع الغضب مثلكَ تمامًا...قد قام بضرب أربعة أطفال بمفرده و أجبرهم على إصلاح دُميتي و طلب السّماح مني..لم يدعهم يذهبون إلا عندما عادت إبتسامتي إلي .

كان لي سندي و صديقي الوحيد رُغم َ فارق السّن بيننا إلا أنّهُ كان يلعب معي يوميًا..عندما أخبرتهُ إسمي قال لي بأنّهُ يعني " إنفجار الشمس "  و يرمُز للهدوء و التّأمُّل . وعدني بأنّه سيعتني بي للأبد و لن يتخلّى عنّي ، لكِنّه لم يُخبرني إسمه قط لأن والده يمنعه من مُحادثة الفقراء كونهُ سيُصبح وريثًا غنيًا في المُستقبل...

   بالمناسبة إسمي هيليا ، أُمي من أختارت هذا الإسم لي قبل وفاتها..لكنّني أتمنى أن تنساه كما نسيتهُ أنا فقد رميتُ الماضي ورائي حتّى إسمي الذي لم يجلب لي سوى المآسي لطيلة 10 سنواتٍ مُتواصلة ...

أعلم بأنّك لطالما رغبتَ بمعرفة إسمي لكنكَ لم تسألني خشيةَ جرحي و انا سعيدة بلقبي جدًاااا..صغيرة جنغكوك ..

لن أُطيل خطاب وداعي أكثر ، أتمنّى لك حياةً جميلة كوسامتك يا مُنقذي  و آمل أن يلتئِم جرح فاجعتِك بمحبوبتك فإعلم بأنها لن ترتاح عندما تراكَ من السماء ضعيفًا منكسرًا تدفنُ شبابك تحت عنوان الولاء...

وداعًااا مُنقذي ...
هيليا     

( ختمت رسالتها مع آثارٍ للدموع مُبعثرة بين السُطور            تدلُّ على عُمق مشاعر كاتِبها... ) 

 بَعثَرَةُ القَدَرْ ..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن