كلمة واحدة

191 20 24
                                    

-١-

سوف أبدأ القصص كلها بكلمة واحدة:
أنت
فحيثما بدأت،
ليس هنالك سوى النهايات.

سأدعك تتشكّل،
سنينًا سنينًا،
من جسد إلى روح،
ومن روح خلقت كلمة،
من كلمة إلى السراب.
حيث يسطع النور من السماء ويمتصّ ملامحك.
وهجٌ أبيض مدوٍّ. زهور في يدك.
هذا كل شيء.

أدّعي بأنني أكوّنك من جديد
يا دمي.
أين أهرب؟ وهذه هي النداءات...
طريّة، حيّة،
على أطراف الأصابع.
عاكفةٌ أنا، وقلمي (قد يكون قلمك)
مصوّب بإحكام.
ورقة بيضاء، عصافير
يسقط أحدهم صريعًا أمام نافذتي.
ما ليس هنا هو قطعًا هنا،
عندما يُسجّّل الحضور كاملًا من المطلع.

يعافر الطائر الجريح، أعرف أنه كان هنا
عظامه العارية تائهة في وضعيته الأخيرة؛
نائمٌ على ظهره، وقفصه الصدري منفوخ.
داخل الطائر قفص،
والطائر حرٌ الآن.

جاءت قطة وحملت أشلاء الجسد، في أحد الأيام، حين حدث وعبرتْ من أمام النافذة لاجتياز الطريق،
كنت أجتاز سطرًا.
حدقتُ بالمكان بعد هذا الرحيل.
الحياة دائمًا متأخرة.
كلما نظرت من النافذة لأرتق شق الليل،
لاحظت اختفاءه. ألقيتُ بزهرة جهنمية في وجه الفراغ.
هذه لك.
(الطائر أم أنت؟)

أعتذر عن الخوف المستدقّ في أضلعي
وتأويلاتي التافهة
التي أسلّي بها انتظارًا أتفه،
لا أعلم إن كان يستبق أو يتلو الفاجعة؛
وعناوين كتبي
التي لم تستطع قراءة أكثر من صفحة واحدة منها
لأسباب تحاول شرحها،
وإبعادها عن إحباط ينتابك
من شكل المصير الذي جمعنا معًا.

أقف وحدي،
أواجه كل أشكال الفناء التي تتخيّلها زهرة
على شفير البتلات الشتوية اليابسة
أو يتخيّلها طائرٌ في طيرانه الأزلي
لن يحطّ الرحال أبدًا
فمزاعمُ الوصول أودت به إلى أن يصل الليلةَ بالليلة
هاربًا نحو الأفق.

أنت أثخن من روحي
غير الجديرة بالإنقاذ المرير.
أقول دمي، لأنني أحبّ فكرةَ أن أحب شيئًا فيّ عبرك،
شيئًا عبرك فيّ.
يوشك على الانفجار.

أحبك في دمي،
لأجل بركة الحركة، الاستمرارية
ما يجدد نفسه في الماضي
يظل يبعث ويبيد أبدًا،
لا يهمُد حتى لا تجيد فصله عن طبقاتٍ ماتت منه،
وليس فكرةً غيبية ترمي بها في وجه المجهول الذي يسحقك.

كلمة واحدة.
لم أبارح مطرحي كي أقولها لك،
فضلت تباريح النفس. أن أنام، لا أتيقن مما تحسّه داخلك تجاهي، كيما أبدد نفسي في مطاردتك
على نحوٍ أكثر تطرفًا،
من مطلع هذا الفجر:
أردت ألا تنسلّ الرمال من بين أصابعي،
وعلى الرغم من ذلك، أن أشاهد أطيافًا تعدو أطياف
وهذا الضوء المنحل يكوّنك
لكني أرخيت يدي.

حلمت بك عشرات المرات
استرجعتك مئات المرات
تذوقتك تحت لساني، وانسبت ماءً، بحارًا
هطلت حدائق.
شعرت بك تنمو في حلقي
مثل صخرة.
لا وقت عندي لأخترع نهايات جديدة لك
أنا أقبل بحياتك القصيرة
وبالوعد الذي قطعته
لإذابة شمعها فوق أصابعي.

-٢-

كل شيء هادئ بُعيد رحيلك
مكتنفٌ على نفسه،
مثل فضاء يعدُ بانفجارات مكتومة ذات أصداء
تعيدني للأيام الوادعة،
شيء ما أكثر دقةً مما هو عليه حينما يعبَّر عنه بالأصوات.

أوصيَتَني
بأن أكبح النداءات الحاسمة للحتميات
وألا أسمح للمعرفة التي تراكمت
أن تشوّش بداهةَ الأشياء،
سأفعل أمرًا مغايرًا
لأنني أجبن من أن أركض تحت حمى الشمس
وقلبي يصرخ الوضوح في وجه الوضوح
ما ظلَّ من أزلٍ خلفي
يتبعني.

إنها كلمات ترمى في فم الأبد
إن كان للأبد أن يصير أبدًا
وألّا يسأل ساعة الغد؛ في أي ساعة؟
أسفل المنحدر، ذاك الضباب
الذي تُنسج منه الأخيلة والأحلام؛
سأقول أنه جاءتني الرؤيا،
دنا مني الوحي بشجرة،
تلة، وعيناك.

يحتمل أنني أخطأت التأويل
وتأويل الخطأ يبتغي تأويلًا
ولم تكن هناك لا شجرة ولا تلة ولا عيناك.
حلمٌ ملتبس بذكرى.
ذكرى ملتبسة بحلم،
وهكذا ينحلّ الإطار.
قد تختفي. قد تلغي النهايات.
قد تتمكن من كل استحالة، وتستحيل كل إمكانية، قد أوسد نصف أرقي ميعاد النوم؛
(هل هذا أنت؟ هل أعبّر عنك بقولي أنت؟ أم هذه صورة من ليس له من خلاص من شكل بات يحويه؟
هل اشتعل الإطار لتعلق في وهم السعة؟
أليس ألّا تحدّ شيئًا، يعني أنه صار لا شيء؟
لكن أليس أن تلاحظ أن شيئًا ما مفقودًا، يعني أنه موجود؟)

لا أدري إن كان غيابك يفجر المعنى أم يسلبه
كنت على حق
عندما عجزتَ عن سبر أغوار الكلمات
فيما تظاهرتُ بأنني أعرف فخاخ المعنى وألفيها.
تنعق الغربان، تغادر الأكتاف
يضرب الجسد الرمل؛ يسقط طويًا مطويًا
إن كان للروح أن تستعين بالرمز
كي تعرش عاليًا في طلب سرّ البدايات:
قل لماذا؟
واسعى طيلة النص ألّا تجيب،
عاليًا، وأعلى
حيث لا تتعفن بسرديات الجدوى.

أعطني ذراعك!
هناك نهايات أخرى لخوضها
ستعرف أحدها عندما نبلغ آخر السطر.
ليس هنالك سوى النهايات،
نهايات كثيرة،
ألا يعني هذا أن لا شيء ينتهي أبدًا؟

تلة، شجرة، وعيناكWhere stories live. Discover now