٨ : أغنية حُب

121 7 1
                                    


لم تُؤجل فكرة خروجها حتى عندما سمعت قطرات المطر تطرقُ على نوافذها، لكنّها انتعلت حذاءً كاكي اللون بدلاً من حذاءها الجديد .
بخطى بطيئة و على حافة الطريق ، بعيداً عن الأجساد المتحركة العجولة قدرَ ما استطاعت ، تشقّ طريقها متلذذة برائحة التربة الرطبة التي تمرّ هفوة بين زقاقٍ وآخر . و فور بلوغها وجهتها الأولى كادت أن تنتشي بالحنين و من رائحة البنّ الفذة والتي رغم استحسانها ، فضلت يينا نهارها مع كوب شاي و كعكة مادلين على طاولةٍ صغيرة قرب الجدارِ الزجاجي .

تشرد ببخار كوب الشاي قليلاً ، ثمّ تنظر بعمق بزخات المطر ، بأشباح المعاطف الثقيلة ، باللوحتين المضافتين على جدار المقهى التي جعلتها تدرك أنّ مدّةً قد مضت منذُ أن حظت بلحظة تلتقط فيها أنفاسها بعد سعيٍ طويلٍ . و مدى إحتياجها الشديد لهذا الوقت المستقطع كي تستريح ثمّ تستأنف حياتها مجدداً .

كانت قد انغمست بتحديقها على تلك اللوحتين ، مسلوبة الفكر حتى كادَ دفء كوبها يتلاشى بينما تعطي كلّ عملٍ حقه من التقدير ، تحدّق بواحدة و تصرفه على الأخرى بنهمٍ ثمّ تعيده على ما سبقته خشية أن يفوتها تفصيل.

ترتشف رشفة ثم تريح مرفقها على الطاولة متكئة على كفّ يدها كي تمارس تحديقها المكثّف . تحيا مع لوحات هذا الفنان المجهول ، على أفكارها التي تنقشها بالمنديل إن لم تحضر معها دفتر يومياتها .

هكذا حتى بدى لها أنّ وتيرة أيامها قد تراجعت للخلف، عند دروب حياتها التي لم تتداخل مع دروب جارها .

لا تعلمُ أين و متى ، و لكن عند لحظة غفلت فيها ، مضت أيامها السابقة بوقت قليلٍ معه. لم يتشاركا جلسة شاي منذُ مدة ، ولا وجبة طعام على منضدة واحدة و حتى طريق العودة إلى المنزل بات موحشاً يوماً ما .

فكرت، أيتجاهلها فيلكس ؟

تعثرت أفكارها عندما إلتقط عقلها لحناً مألوفاً، و سريعاً ما أنزلت مرفقها كردةٍ فعل متفاجئةٍ قبل أن تتدارك وتشيح تركيزها نحو البار. عند ملامحٍ مألوفة و إبتسامةٍ لعوبة تقصدها .

انكمشت ملامحها على ذلك البلسم ، و لم تدرك أنّ وجهها العبوس قد استنبطه الآخر كردّ حاد . كان هدف اليوم هو أن تسمح لنفسها بالإرتخاء ، أن تفكر ولا تسهب كثيراً . وهكذا ، لم تترك ثانية للتردد و نهضت متقدمةً بخطواتها الثابتة نحو الذي انتكست ملامحه ، و على وجلْ استقبلها خارج البار:" أعتذرُ إن أسأت إل—"

: " هلّا عانقتني ؟ "

بترت إعتذاره، ليتجعد جبينه و يرمش كثيراً متداركاً ما قيل له ، ثمّ أومأ ببطءٍ ، يمتصُ اللغة من خلالها و أومأ بالثانية على شكل واثق . تأكيداً لصحة ما سمعه و موافقةً عما أرادت منه ، شيئاً فشيئاً يقطع المسافةِ التي لطالما كانت تتأرجح بينهما ، يغمرها بحضنٍ حذرٍ متيبس لم يدم إلا هنيهةٍ حتّى همّ بالإبتعاد خشية عدم إرتياحها منذُ أنها لم تبادله ، غيرَ أنّ قبضةً يائسةً على مريلته و همساً متحشرجاً على صدره قد شلّ حركته .

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Sep 30, 2022 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

When the yearning passes by;Where stories live. Discover now