٦: عواقب المرح

77 7 3
                                    

///

١١:٠٣ صباحاً .

عند حدود ساحة ملعب كرة القدم، يجلسُ فيلكس و يشاركه صديقه الوحيد على كرسيّ أبهق متصدّع ، يكادُ أن يجزم انّه بات نصباً تذكاريّاً ينطق بعريقِ هذه المدرسة ، أو أن ما اختلس سماعه عن بعض الأقاويلٍ التي لا تخبو و تتجددّ كل عامٍ بين ألسنة الطلبة ، تحديداً تلك التي تتحدث عن الطالبةِ التي واتتها المنيّة عليه ولا تنفك روحها تفتعل المشاكل كلّما همّ أحد بالتخلص منه قد تكون مدعاةً لأعمدته المتصدئة و المغروسة في آنٍ واحدٍ كجذور شجرةِ الكافور في نهاية المطاف .

و بالرغمِ من أنّ فيلكس قطّ جبان –وهو موقنٌ بذلك في خباياه و ليس أمام بيترأو أيّاً كان– إلّا انه آنذاك لم يكن يميّز ما كان يهابه ، حتّى أنّ الخوفَ لم يطرق في ذهنه لشدّة إعياءه . و هكذا ، كلاهما يستريحان على ذلك الكرسيّ تحت أشعة الشمس بعد ساعة من عملٍ منهوم سلبَ منهما القوّة لإتمامه . يلهثان و يجمعان أنفاسهما بعد أن تشاركا علبة الصودا التي كان مذاقها أكثرَ لذعةً على مريء فيلكس عندما تجرعها ، منذُ أنّها فقدت برودتها ، لكنّ تروية ظمأه كانت أشدّ حاجةٍ من أن يشكو من الطعمِ المرير .

" الحرارة لا تحتمل! " تجهم صديقه بيتر و هو يعصر العلبة الفارغة بقبضة يده بحنق يفور و ظنّه فيلكس يبالغ ، فهي شمسٌ خريفية دافئة ، لكنّه سريعاً ما أحجم عن السخرية عندما عاينه . كان عاقدَ الحاجبين،مكفهرًا متعرقَ الوجه. ينفضُ قميصه الملتصق على صدره بيد ، و الأخرى راح يحركها على وجهه لعلّ هواءً يتجدد إليه بعد أن وضعَ العلبة المنكمشة على جانبه الأيسر من الكرسيّ . على إثر ذلك ، همهم فيلكس مؤيداً، ثم نطق بعد هنيهة عندما نبغت في عقله أوّل فكرة قد ينقذُ بها صديقه من أوجّ حرارة الشمس : " بيتر !" لم يلتفت المنشود لكّنه أبدى ردة فعل عندما سحب نفساً عميقاً يخمد غضباً قد يردي بصديقه قتيلاً ، فالحرارة تكاد تصهر ما بقيِ من رباطة جأشه .

و رغم رغبته الوضّاحة بعدم الحديث و التي تعمدّ أن تكون جليّة جداً لعلّ صديقه العزيز يخرس لكنّ كل ذلك لم يردع فم فيلكس بالتفوّهِ بما فكّر به . فبيتر لن يقتله ، في هذا اليوم بالتحديد . ليس و كأنه يستطيع فعلها على أيّة حال !

تثائب ممَدداً عضلات جسده التي تفرقعت قبل أن يرتخي على جذع رفيقه و يردف هامساً ، بنبرة تفوضُ بالنشوة :"لنهرب. أشعرُ أننا سننجحُ هذه المرة! " كان حذراً جداً من ألّا تسمعهم العصفورة التي تغرّدُ في قلب الملعب ، فعداها لم يكن هناك أمرٌ يتطلبّ هذه السرّية .

" لن أغامر ثانية " نفضه عنه باشمئزاز،يرجع شعره الكثيف بعيداً عن جبهته المتعرّقة و سرعان ما تأففّ مغمضَ العينين حينما أحسّ بالعرقِ ينحدرعلى وجنته شديدةَ الحمُرة . تنهد فيلكس مستسلماً و قد أخذ يصفق بيده كجناح ناحية صديقه الشموس على غيرِ العادة ، فلا تزال صناديق قوارير المياة،العصائرِ و الخبزُ تصطفُ بجانبِ بعضها البعض تنتظر أن يتم توصيلها و توزيعها على رفوف دواليب المخزن.

When the yearning passes by;Where stories live. Discover now