8/ اشـتـيـاق

220 9 0
                                    


*************

بقى جيب ذاهلاً لبرهة ثم أنزل أيضاً ذراعيه.التعبير الذى بدا فى عينيه دفعها لتعتذر منه ولكن سرعان ما رأته يبتسم مجدداً فماتت الكلمات على لسانها.كان خبيراً جداً فى مسألة العناق هذه وكأنها الأخيرة فى صف طويل من النساء اللواتى توسلته لأخذهن بين ذراعيه.
حاولت السيطرة على صوتها بجهد فقالت :"شكراً!لم يكن ذلك سيئاً"
خمدت ابتسامة جيب فجأة وفكر فى سره: ام يكن ذلك سيئاً؟لقد ذابت بين ذراعيه وبادلته عناقه المحموم وكأنه الرجل الوحيد الذى تريد فى حياتها وكل ما أستطاعت قوله :"لم يكن ذلك سيئاً"؟
لم يستطيع أن يصدق أن ذلك مجرد تمثيل تقوم به لتقنع أمها بأنهما ليسا على خلاف. ولكن إذا كان هذا ما تريده فليكن! أجابها قائلاً :"لا شكر على واجب.هذا جزء من العمل"
البرودة فى صوته آلمت فيبى.بإمكانه على الأقل أن يدعى بإن هذا العناق كان أكثر من مجرد جزء من عمله ! تمكن جيب بجهد أن ينظر أخيراً إلى ساعته:"أتظنين أننا أمضينا وقتاً كافياً هنا أو تريدين أن أعانقك مجدداً؟"
أجفلت فيبى لما سمعته . من الواضح أنه يرغب فى الدخول ربما خوفاً من أن تطلب منه ان يعانقها مجدداً . آه يا إلهى ! ماذا لو ظن ان كل هذا مجرد حيلة لتضع يدها عليه ؟ بعد ان عانقته بقوة لابد أنه فكر فى أنها تستغل كل ظرف لترمى بنفسها عليه.وإذ راعتها الفكرة تراجعت متخفية وراء قناع من الغطرسة:"لا !أظن أن هذا كافٍ"
عاد إلى قاعة العشاء وكان من الواضح أن امها رأت مشهد العناق ذاك وقد بدت راضية.لم ترفع حتى حاجبها عندما ذهبت فيبى لتكلم بعض الأصدقاء على طاولة أخرى تاركة جيب برفقة لارا
من جهتها كانت فيبى متألقة إذ عقدت العزم أن تُظهر لـ جيب بأنها لم تتأثر بذلك العناق على الشرفة مثله هو.
أرخى رابطة عنقه وجلس مسترخياً فى مقعده يتحدث مع الجالسين على المائدة غير عابئ بما نفعله. وعندما رأته يأخذ لارا إلى حلبة الرقص ضاقت عيناها بشكل خطير
كانت مشغولة بعدم النظر إلى جيب وهو يراقص أختها لدرجة أنها لم تلاحظ أقتراب بين على المائدة حيث كانت تجلس.
كان هو وليزا يمران على الموائد على ما يبدو.أصغت فيبى بأذن راحدة إلى ما كان يقوله وكانت تضحك لكن ذهنها شارد تفكر فى جيب وأضطر بين لأن يطلب منها أن ترقص معه للمرة الثانية ليسترعى انتباهها فقال:"من اجل الأيام الماضية التى جمعتنا"
استطاعت فيبى ان ترى من فوق كتفه جيب يضحك مع لارا وهما عائدان إلى طاولتهما فابتسمت بإشراق لـ بين وهى تنهض لترافقه:"هذا من دواعى سرورى"
كان من الغريب أن تراقص بين مجدداً وأن تكون بين ذراعيه وكانه غريب وليس الرجل الذى قررت يوماً ما أن تمضى حياتها معه.ولم تستطيع إلا أن تقارن بين شعورها معه وشعورها بين ذراعى جيب وهو يراقصها. ومجرد التفكير بهذا الموضوع محا الابتسامة عن شفتيها فجأة.
فى اللحظة التالية كان جيب إلى جانبها :"أظن أن الآن دورى"
قال ذلك مبيتسماً ولكن شيئاً ما فى وجهه دفع بين ليفلت فيبى بسرعة وينسحب بلباقة فى حين أخذ جيب فيبى بين ذراعيه واكمل الرقص معها
ـ ماذا تظن نفسك فعلاً؟
ـ عملى. أنت تدفعين لى لأمثل دور العاشق الولهان,وصدقينى ما من عاشق يبقى مكتوف اليدين وينظر إليك تتأملين حبيبك السابق هكذا.
ـ كنا نرقص فقطلاستعادة ذكرى الأيام الماضية.لم يكن من داعٍلتأتى وتحرجينى!
آه تنظنين أننى أحرجك؟ تريدينى أن أتحدث مع المدعوين فى حين أن المرأة التى يُفترض أن تكون حبيبتى تُظهر للملأ أنها لاتزال مغرمة بالعريس! ما الهدف من كل هذه التمثلية إذا كنت سترقص مع بين هكذا؟
فتحت فيبى فمها لترد عليه ولكن سرعان ما غيرت رأيها إذ صعقها أن تدرك للمرة الأولى أنها لم يعد يعنى لها شيئاً
ولكنها لا تستطيع أن تقول هذا لـ جيب . لقد أظهرت له أنها يائسة وتوسلته ليساعدها على حفظ ماء الوجه لذا لا يمكنها أن تقر له الآن بأن كل ما فعلاه لم ضرورياً سيظن أن ذلك كان حجة تذرعت بها لتمضى الوقت ومعه وهى لا تريده أن يتساءل لما تجاوبت مع عناقه.
لذا من الأفضل أن يظن أنها لاتزال مغرمين بـ بين فقالت:"لا أستطيع التحكم بمشاعرى "
ـ إنه متزوج ويُفلرض بك أن تكونى مغرمة بى
ـ الليلة فقط
شعرت فيبى بإنزعاج . كلاهما يدعى الفرح ويجادل الآخر من بين أسنانه وهما يتمايلان على انغام الموسيقى فى حين أتها لم تستطيع إلا أن تلاحظ الفرق بين الرقص معه والرقص مع بين
إذا كان جيب واعياً لهذا الأحساس فهو لم يظهر ما يدل عليه. للمرة الولى كان مزاجه الظريف غائباً تماماً وفكه منقبضاً
قال أخيراً :"نعم اعلم.لقد دفعت لى مقابل 24 ساعة وأى ساعة إضافية تضاف إلى الفاتورة "
كان يضع خده على شعرها فوقفت فيبى متشنجة فى البداية ولكن عندما أدركت كم تبدو سخيفة استسلمت وتركت نفسها تسترخى
من اجل العرض التمثيلى فقط!
لكن هذا لم يكن سهلاً قربه منها يؤثر عليها كثيراً.تلاشت الموسيقى والضحك من حولها ولم تعد تشعر سوى بخفقات قلبها ورائحة بشرته وقوة جسمه المستندة عليه
سألها جيب وكأنه يحاول سحب الكلمات من فمه:"ما الذى كان يقوله لك على أى حال؟"
ـ من؟
أجابها بنفاد صبر: بين . رأيته يهمس فى أذنك.من يره لا يصدق أنه متزوج منذ ساعات قليلة
ـ كان يقول لى أنه يظن أننا أنا وأنت خُلقنا الواحد للآخر وأنه مسرور لأننى سعيدة
ـ يقول هذا لأن من الأفضل له أن يصدق ذلك.لو كان يعرفك حقاً لما ظن انك سعيدة.حتى أنا يمكننى ان أرى تعاستك
ـ أنت مخطئ . كل ما أردته هو ان يكون هذا اليوم سعيداً لججميع لا سيما بين وهذا ما حصل.هذا يكفينى لأكون سعيدة
رأت ذلك فرصة لتقنع جيب بإنها كانت تستعمله وأنها عندما تجاوبت مع عناقه كان ذلك لمجرد التمثيل فقالت له :"على أن أشكرك فما كنت لأتمكن من إقناع الجميع بمفردى لقد أديت دورك بامتياز عليك أن تفكر فى التمثيل إن لك تنجح فى عملك "
ـ لاحاجة بك كى تشكرينى فأنت تدفعين لى
ـ مع ذلك أقدر لك جهودك فقد أضفت الكثير من اللمسات الصغيرة التى أحدثت فرقاً كبيراً كذلك العناق على الشرفة
لمسة صغيرة؟أهذا كل ما كان الأمر عليه بالنسبة لها؟وتصلب فك جيب. هو دائماً من ينسحب عندما تصبح العلاقة عاطفية جداً ولكن هذه المرة مختلفة وهذا لم يعجبه
هل يتصرف مع فيبى كما كان يتصرف مع النساء اللاتى عرفهن فى حياته ؟ عدم التورط أمر منطقى ولكن ذلك ليس بالأمر السهل
قال بنبرة جافة:"لا بأس . لن أخذ منك مالاً أضافياً.على أى حال لم يكن ذلك صعباً"
طبعاً فما هو عناق يهز الكيان بالنسبة إلى جيب.إنه أمر عادى يقوم به دائماً.
ـ جيد
تابع قائلاً وهو يهز كتفيه :"الأمر أسهل عندما لا يكون المرء متورطاً عاطفياً"
ضغطت فيبى على شفتيها قائلة:"يسعدنى انك كسبت مالاً سريعاً وبطريقة سهلة"
فكر جيب بعناقهما وبرقصها بين ذراعيه وبالليلة المقبلة عندما سينام إلى جانبها من دون ان يمسها فقال :"لم يكن هذا الهدف"
تذرعا برحلة جيب إلى سويسرا ليغادرا باكراً فى اليوم التالى قبل أن يستيقظ أحد
والنهوض باكراً لم يكن بالمشكلة الصعبة أقله بالنسبة إلى فيبى فهى بالكاد أغمض لها جفن طيلة الليل بدا لها الصباح لن يطلع أبداً.جزء منها كان يتوق لتنتهى الليلة وتتمكن من الهب والجزء الأخر كان يخشى البقاء مع جيب فى عزلة
عندما عادا إلى الغرفة بدا كل شئ مناسباً لأمسية رومانسية . أغلق جيب الباب بالمفتاح وساد الصمت كسحابة كبيرة خطفت منهما الأنفاس
كان قل فيبى يخفق بشدة وأنفاسها تتقطع فى حين كانت أفكارها تدور كالأعصار فى ذهنها.هذا ليس الوقت المناسب للتفكير بوجه جيب ويديه وعينيه ربما كانت الأمور ستصبح لو أنهما فعلاً حبيبان لكنها لم تستطيع منع نفسها عن ذلك
استمر جيب بتمثيل دوره أمام الآخرين ولكن ما أن أصبحا بمفردهما حتى بقى على مسافة منها.فشعرت فيبى أنها تفتقد لتنيك العينين الهازئتين وتلك الابتسامة البطيئة التى كانت تثير اضطرابها
وقفت دخل الغرفة تحاول أن تنظر إلى أى شئ عداه هو فقد أحست فى أعماقها أنه لو التفت إليها الآن وابتسم لها فلن تتمكن من مقاومته لذا عندما نظر إلها أمسكت أنفاسها
حتى أنه ابتسم لها لكن ابتسامته كانت عادية ولم يكن يفكر بالجو الرومانسى وإنما بإجراءات عملية للنوم قال لها ألا تقلق فسوف يضع صفاً من الوسائد فى وسط السرير ويمكنها أن تنام بسهولة
قال لها :"لم أنس القوانين التى وضعناها"
فذكرت فيبى نفسها بأنه يُستحسن بها أيضاً ألا تنساها
كان السرير ضخم جداً ويتسع لكليهما ولكن هذا لم يمنع فيبى من الإحساس بـ جيب وبقربه منها . تمدد ببساطة ونام من دون أى مشكلة تاركاً إياها تتقلب أرقاً طوال الليل
عندما حل الصباح كانت فيبى قد فكرت مطولاً خلال تلك الساعات الطويلة التى جافاها فيها النوم وقررت أن تعود إلى طبيعتها وتتصرف بشكل مهنى تماماً مثل جيب
عندما خرج جيب من الحماما مرتدياً بذلته مرة أخرى قالت له:
ـ ربما الوقت مناسب لأدفع لك الآن هل يناسب الشيك أم أنك تفضل أن أدفع لك نقداً؟
اشتد العضل فى فك جيب وهو يقول:"لا بأس بالشيك"
ـ جيد
ـ بأسم من أحرره؟
ـ ج. جيبسون
بعد أن وقعته فيبى سلمته إياه فألقى عليه نظرة سريعة ثم قال:
ـ هذا أكثر مما أتفقنا عليه
ـ لقد جرى كل شئ حسب ما هو مخطط له ففكرت فى أنك تستحق زيادة على أجرك
نظر جيب إليها لحظة ثم دس الشيك فى جيب قميصه قائلاً بصوت يفتقد لأى تعبير :"شكراً"
كانت طريقة العودة إلى لندن صامتة تماماً تتجللها أحيانا بعض التعليقات البسيطة عن حركة السير.لم تستطيع فيبى التفكير فى سبب وجيه للتوتر أو الانزعاج فقالت إنها هى من سيقود السيارة مع أنها كانت تشعر بالاثنين معاً
وكان لذلك علاقة بجلوس جيب إلى جانبها خالى التعابير.راعها كم أنها اشتاقت لابتسامته ولم تستطيع إلا أن تقارن بين هذه الرحلة وتلك التى سبقتها فى الأمس عندما راحا يضحكان ويخترعان التفسيرات لإنها قصة حبهما المزعومة
الآن يبدو أن حتى قصة الحب الوهمية محكوم عليها بالزوال. من يراهما معاً هذا الصباح لا يشك مطلقاً أن قصتهما ستكون نهايتها الدموع
أطلقت فيبى تنهيدة رغماً عنها وعندما أدركت ما فعلت تمالكت نفسها فلا سبب يدعوها للشعور بالاحباط لقد تخطت زفاف بين بشكل أفضل مما توقعته جيب أدى دوره جيداً وهى دفعت له كما هو متفق عليه وأنتهى الأمر
وكلما أسرعت فى العةدى إلى لندن وإلى حياتها الطبيعية كلما كان ذلك أفضل
أملت فيبى أن يصلا إلى المنزل خلال نوم كايت وبيللا فيتجنبا بالتالى الاستجوابات الفورية ولكن زحمة السير أخرتهما فوصلا عندما كانتا الفتاتان تتناولان قهوة الصباح متثائبتين أنما يقظتان تماماً
أختفى جيب متذرعاً بتغير بذلته تاركاً فيبى تخضع لوحدها للاستجواب بشأن الزفاف.بدأت الفتاتان تسألان عن فستان العروس وما إذا كان هناك قبعات تنافس قبعة فيبى بجمالها ولكن أمل فيبى بأن يبقى الحديث عند هذا المستوى سرعان ما تبدد إذ قالت كايت إنهما تستعدان لطرح أسئلة المهمة. سألتها عن بين وعن شعورها وعن معاملة ليزا لها ولكن ما كانت فيبى تخشاه تلفظت به إخيراً :"إذاً كيف تدبر جيب أمره؟"
ـ جيداً
ـ لقد أمضى الليلة هناك؟
ـ نعم
ـ هل كان عليكما أن تتشاركا الغرفة نفسها؟
ـ ماذا؟ اوه....نعم!
ـ و ؟
ـ لا شئ ماذا ظننت؟ ليلة حب حمراء؟
قالت ذلك ساخرة وكأنها لم تمضى نصف الليل تتساءل ما ستكون عليه الأمور لو كانا مغرمين فعلاً
ـ لا أظنكما تفكران فى هذا وأنا أرى حب حياتى يتزوج امام عينى. بصراحة كانت صفقة جيدة لكلينا وقبل أن تسألا نعم تعانقنا مرتين ولم يكن هذا يعنى شيئاً كان مجرد تمثيل
ـ هذا صحيح
جاءها صوت جيب من الخلف فأجفلت فيبى و أوقعت القهوة .كان قد أرتدى بنطلون جينز وقميصاً رياضياً فعاد جيب الذى تتذكره ولكنها لاحظت أن ابتسامته قد خمدت تماماً مثل الليلة الماضية فغاص قلبها

رهان على قلبWhere stories live. Discover now