1| فونوغرافٌ قَديم.

246 18 89
                                    

(عَلىٰ أعْتابِ الْمَاضِي.)

١ ديسمبر، سنة ١٩٣٩
وارسو، عاصمة بولندا.

بعدما تم إسدالُ الستار على أحداث الحرب العالمية الأولى ٢٨ يوليو ١٩١٤ - ١١ نوفمبر ١٩١٨. نتيجة مفاوضاتٍ دولية عسيرة استمرت لستةِ اشهر ادت خلالها الى اتفاقياتٍ بين القوى العظمى سواءَ كانت دولُ الحلفاء أم دول الحرب الخاسرة كالرايخ الالماني تم انهائها بتوقيع مُعاهدة فرساي ٧ يونيو ١٩١٩. على الاقل كانت محاولات تهدف للسلام رغم أنها اثارت الكثير من الجدل آنذاك.. واستمرت لسنةٍ واحدة.

الا ان المُضحك المبكي في هذه اللحظات ما كان شيئًا آخر غيرَ رفرفةِ القماش الأحمر ذاك، الراية التي تعلو سطوح اسقف دور الثقافةِ والعلوم المُنتشرة في وارسو منتصبةً أعالي البنوك، المتاحف، الاقسام العسكرية والمبانِ المُهمة.

علمٌ بلون الدمِ الأحمر القانِ تتمركزهُ دائرةٌ بيضاء، رُسم وسطها صليبٌ أسود معقوف، هذا العلم الذي دب الرُعب والخوف في أفئدةِ كُلِ من شاهده وسمع رفرفته حتى ان بعضهم لم يجرؤ على رفع عينيهِ عاليًا فيلمحه.. آبهًا كانَ ام غير آبه، -فبنظرِ اغلبهم إن لم يكُن الجميع- كُل يهوديٍ بغيض لا يحقُ له رمقُ رايتهم المقدسة بعدسته كيلا يُلوث قماش المُسماة (المانيا النازية) هذا المتواردُ قديمًا في نواميسهم.

ففي هذه السنة قام الحزب النازي الالماني باحتلال بولندا.. والآن فتيلُ الحرب بات مُشتعلًا مُجددًا وبدأت الايام تأخذُ على عاتقها سلب وتهشيم الارواح، منهم من نجى ومنهم من لا يزالُ ينتظرُ حتفه، وفي بقعةٍ ما.. بين النواحي، كان البعضُ مُنشغلًا بالتلفت يمينًا ويسارًا بحثًا عن مأوى والبعضُ الآخر اشرعوا في فتح مِظلاتهم فاصدرت اصواتًا خافتة ليحتموا فيها من البلل..

كان المطرُ يهطلُ بغزارة مُسببًا لحنًا عذبًا لقطراتهِ الشفافة التي إختلطت بالارضِ الحجرية، ففرشها بلمعانٍ باهت، كأنها دعوةٌ من الارضِ الى السماء (أن اغسلي وجهي فالاحقادُ لوثته والضغينةُ اخذت مأخذها على سطحي) فأبت الا أن تُجيبها فصار عبقُ المباني المعمارية القديمة مختلطًا برائحةِ المطر، وعلى اثرها انبثقت في أرجاء وازقةِ وارسو تلك الرائحةُ الطينية المنعشة.. وكانَ الغروبُ على وشك الحلول.

غزارةُ القطرات زادت شيئًا فشيئًا مما جعل البولونيون يختبئون تحت سقف الكنيسةِ العالي والممتد صانعًا لهم حاجزًا صغيرًا يجعلهم يصطفون مع معاطفهم السميكة، يفركون قفازاتهم القطنية ببعضها من شدة البرد، هُناك حيثُ اجتمعت قلةٌ قليلة. امرأتان ذواتا سمنةٍ ناعمة تُدردشان بأحاديثٍ هامسة، ووالدٌ مع ولدهِ المُمسك بحلوى المرشميلو، كانت محشوة بحليب السوفليه والنعناع.

خيــطٌ مِــن نــور || ㄥ丨Ꮆ卄ㄒWhere stories live. Discover now