3| بينَ الحُبِ والحرب.

110 15 155
                                    

في هذا الجزء نويت ان اقدم شكري لله اولا ثم صانع الفيلم العظيم والشهير (عازف البيانو - The pianist) رومان بولانسكي، رافعةً قُبعتي لهذهِ التحفة الفنية الرمادية بالغة الجمال، حيثُ الهمتني لاكمالِ هذه القصة.

١ ديسمبر، سنة ١٩٣٩
وارسو، عاصمة بولندا.

صوتُ إطلاق النارِ الذي صدر خارج منزل إيزاك عندما كانَ واقفًا يُراقب مشهد السماء وبديع صُنع الإله.. جعلهُ يهرعُ مع والدتهِ واليزابيث خارجًا يستنكرون بافكارهم ما حدث.. فتسارعت دقاتُ قلبِه مع كُل خطوة سَريعة اتخذها يعدو بها في ثنايا المنزل.. حتى فتح الباب على مصراعيه. كانت الشهب قد توقفت، وسماءُ الليلِ سكّنت وخفَتت.. ورغم الحياء الذي غزى قطراتها قبل قليل وجعلها تعود حيثُ كانت.. في غيومٍ رمادية مُنقشعة. الا ان ابتسامة الأرض لم تدُم.. الغسيل الذي لمّع أسطُحها لم يُسعدها، بل عادت تتيبسُ ثانيةً مُنفطرةَ الفؤاد..

فلم تكُن وجوه الواقفين على الأرصفة الرطبة والباردة باسمةً معها كما شاهد ايزاك.. بل كانت الملامحُ مُظلمةً بائسة.. رُعبٌ اعترى احداقهم، فجحظت اعيُنهم بصمتٍ وافواهٍ مطبقة.. وتراجفٌ حاولوا اخفائهُ بيأسٍ تحت معاطفهم، خوفًا من ان يلمحُهم جنودُ النازية، فحتى التراعش هنا ممنوعٌ في شرائعهم..! وكان الخوف حاضرًا كظلالٍ سوداء تحوم حولَ العابرين فتبتلعهم.. ولم تكُن الاطراف والشفاه اقل برودةٍ من طقسِ الشتاء..

مثلهُ مثلهم.. بهدوءٍ يحاول عبثًا السيطرة على تراعُشِ جسده.. يبلعُ ريقهُ بصمتٍ وينظر.. اللون القرمزي اختلط معَ البرك المُتعكرة الصغيرة على الارض وتحولت لبركٍ من دماء، أمامهُم وعلى الرصيفِ المتجمد.. كانت جثةُ الرجل العجوز مرميةً مُلطخةً بدمائها التي اختلطت مع ماءِ المطر الطاهر، صديقه الساعاتي الذي اشترى منهُ الفونوغراف.. صاحبُ متجر البوصلاتِ والاثريات القديمة، يجمعها حيثُ يرميها من لا يحتاجها.. العجوز أبراهام كوزيلوفسكي ذو الأصل اليهودي كان مرميًا بوحشيةٍ فوق الشارع قُرب متجره.. وما كان ذَنبهُ..؟

(جميع اليهود في انحاء وارسو، تم ابلاغهم مسبقًا بارتداء نجمة داوود كشعارٍ ظاهر على الذراع الايمن، امرٌ نافذٌ من السلطات سيعمل به جميع الذين تتراوح اعمارهم من الثانية عشر الى من هم اكبر سنًا، وبموجب هذا القانون! اليهود الذين لا يحترمونه.. ستتم معاقبتهم بقسوة كما عوقِب هذا العجوز!)

صوت النازي هاتفًا بالقانون الذي شُرِع سابقًا.. كان قاتمًا مظلمًا يُبلغهم تهديدًا شديد اللهجة، قبل ان يُحركَ قدمه راكلًا الجثة المرمية، جعلَ بعض النساء والاطفال ينتفضون.. يُغلقُ البعضُ أعيُنهم والآخرُ آذانهُم، وما زاد الأمر سوداويةً وظُلمة! هي بسماتهم المُستهزءة.. فلا يبدو أنهم نادمين على فعلتهم، والأشدُ والأمَرّ ان الرجُل قد قُتل دونَ ذنبٍ يُستَحَقُ من اجلهِ القتل.. فقط لخلعه الشعار؟ ام رُبما لإرضاءِ رغباتهم الوحشية؟ او لمُتعتهم الخاصة حين يُشاهدونَ يهوديًا يُقتل بأشد الصورِ بشاعةً وقسوة، فبالنسبةِ لهذا المشهد لم يكُن قاسيًا كما باقي المشاهد..

خيــطٌ مِــن نــور || ㄥ丨Ꮆ卄ㄒWhere stories live. Discover now