Ep4

193 18 10
                                    

.. كم سنة ؟
و أنا أسميك الوداع..
و لا أودع غير نفسي ..
.. كم سنة؟

-محمود درويش

.............................................

يجلس على كرسيه الخشبي في مكتبه الفاخر، يحمل السندات بين يديه ليراجعها لمرته الرابعة على التوالي.
منذ رحيلها من المملكة و هو يرهق نفسه بالعمل أكثر، يحاول ان يشغل نفسه بأي شيء ، ما عدا التفكير بها.

نادى على الخادم لكي يحضر له قدحا ثانيا من الشاي، دخل طفل صغير حاملا الطلب إليه بدلا من والده الذي كان متعبا لعلّة مرضية، كان يمشي بخطوات مرتبكة غير واثقة.

كيف لا ، و هذه مرته الاولى التي يقابل فيها سمو ولي العهد شخصيا، وضع القدح على الطاولة بيد مرتجفة ، مما جعلها تنسكب على الاوراق التي كان يعمل بها دون قصد.

التفت الأمير ليوبخه على فعلته ، حينها تلاقت عيناهما لبرهة، تصنم شمس مكانه واضعا يده على يسار صدره بألم، لم يشح نظره عن حدقتي ذاك الغلام و الصدمة كانت سيدة الموقف.

ربّت الصغير على كتف الأمير بقلق ، فقد كان منظره غير مطمئنا، إلا أن الآخر لم يتجاوب معه ، أغلق عيناه بقوة واضعا طرف كفه على أقصى جبينه بإرهاق، مما جعل ذاك الولد يهرول خارجا باحثا عن من يغيث سيده.

رجع الصبي بصحبة صديق الأمير ، الذي كان بدوره طبيبا في الجيش الملكي.

بدأ يهزه ببطئ و ينادي على إسمه، ناظره شمس بنظرات ضائعة، عاد الى وعيه أخيرا مطمئنا صديقه أنه بحال جيدة و لا حاجة للقلق. إلا أن الآخر ألحّ على الكشف عن حالته ليرتاح باله أكثر.

كشف عن عينيه ثم عن عروق معصمه و أخيرا على قلبه.
لم يبدي الطبيب أي تعليق، الا أن ملامح وجهه لم تكن مبشرة ، ران صمت ثقيل بينهما ، حتى تكلم أحدهما بهدوء مثير للأعصاب:" حالتك غير مرضية سمو الأمير، أخشى أن أخبرك بأن مرضك لم يجدوا له علاجا الى وقتنا هذا ."

كان واقفا عند الشرفة يحتسي سوداءه مدعيا اللامبالاة بما يقول صديقه "علاء"، إنتظر أن يخبره عن نوع مرضه ليجبيه الآخر متجها إليه و هو يضرب على قلب الأمير قائلا : مرضك يا سيدي يحتاج إلى أميرة ، لا إلى طبيب."

ناظره شمس بعدم فهم ليكمل:" نعم سموك، كما سمعتني ، أنت تعاني للأسف من مرض نادر يدعى جنون الحب ". أكمل و هو يغمز له ليستفزه أكثر:" أيها الماكر ، أصبحت عاشقا ولهانا دون أن تخبرني، عيب عليك، الست صديقك الصدوق و كاتم أسرا..".

لم يكمل كلامه من اللكمة المدوية التي إستقرت على خده الأيسر، سقط أرضا من قوة الضربة ثم انفجر ضاحكا على حال صديقه.

جارية حرة!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن