الفصل السادس (ألم الفٓقّد)

270 35 50
                                    

الفصل السادس/
المحب هو فقط من يستشعر الحب بين الآخرين ويقدره ،وهو أيضا لا يخجل من الاعتراف بعشقه والفخر به ... قد يكن للبعض مجرد كلمات وهمية ولكنها حقيقة أؤمن بها.
تفاجأت زهرة بكلامه لتنظر له   بحيرة وتردف بخجل :
_هو حضرتك عرفتني ازاي؟؟  وكمان ازاي عرفت إني ... إني .....
وجدها متلعثمة لذا بادر بالحديث سائلا بهدوء مبتسماً:
_ انك  بتحبيه ؟
اومأت  له بهدوء وخجل فاسترسل :
_الاولي على مدرستها مش محتاجة وقت كبير في شرح اضافي وزي ما فهمت كنتم بتتكلموا اكتر ماكان بيفهمك اما عرفتك ازاي فلو ركزتي  هتلاقي انعكاس صورتك  في عيونه حتى لو مش بيبصلك .
خجلت زهرة من كلامه كثيرا ولكن لما الكذب  فقد سعدت اكثر ، ولكن في غمرة شعورها وجدت القلق يدق بابها لتتساءل بنبرة مهتزة :
_طب هو حضرتك زعلت إنه اتجوز من غير ما يقولك أو يشورك ؟
_ومين قالك كده؟
‏عقدت  حاجبيها بتعجب  ليقول بعيون يملؤها الشغف كانه شاب عشريني :
_ ‏انا عاشق وتعبت والدنيا حطت عليا كتير عشان أبقى مع  معشوقتي وعشان كده موصي ولادي إل يعشق وتجيله فرصة يبقى مع  معشوقه ينتهزها أو يخلق هو الفرصة و وميستناش .
كان حديثه سحرياً بالنسبة لها أيوجد رجل كهذا ، من الطبيعي أن يكون هذا الرجل هو والد نبيل فكلاهما رائعان .
كانت منبهرة حقا بما دار بينهم وبما يقول ، لذا وجدت نفسها تتحدث دون تكلف أو عناء :
_انا حبيتك وحبيت كلامك قوي .
_ يعني حبتيني أكتر من الواد  نبيل .  سطعت ضحكاتها بمرح وسعادة  فحقا هذا الرجل يُشعرها بالراحة والآمان حاولت السيطرة على ضحكاتها وهي تقول بغنج :
_لو كنت قابلتك بس الاول .
شاركها الضحك بتقارب وتحدث بهمس ماكر :
_ طب بصي وراكي كده لو مصممة  على رأيك .
وبالفعل نظرت لما يشير لتجده واقفا خلفها مباشرة ينظر لها نظرات أذابتها خجلا،إقترب تلك الخطوة وإنحنى قليلا ليقابل وجهها وأردف بمكر هو الآخر :
_لو كنتي قابلتيه هو الأول كنتي عملتي ايه ؟
_ها ...عضت علي شفتاها بإحراج زاد عندما إستمعت له يشاغب والده بعد أن إعتدل:
_حورية البحر مش كفاية ولا إيه يا والدي .
بالله عبد الرحمن الإبتسام وتحدث بحالمية :
_دي بالكون كله يابني تعرف أنا معرفتش الراحة في حياتي غير لما بقت بين إيديا .
_سيدي يا سيدي سمعتي بودانك هو عنده حوريته ياعني مالكيش فرصة .
كانت تذوب خجلا فرؤيتها لهذا الجانب المرح منه يفرح قلبها لتتمتم بهدوء مبتسمة فرحة :
_ربنا يخليهم لبعض .
وقف عبد الرحمن من مقعده وتحدث برتابة: 
_ويخليكم لبعض يا بنتي ،وإن شاء لينا قاعدة تانية علشان نتكلم عن فرحكم.
إنطلقت أجراس الإنتباه جميعاً لتحتل حواسها وتساءلت بإندهاش : 
_فرحنا !! هو إحنا هنعمل فرح ؟!
تعجب قليلا من دهشتها ولكنه أردف بتفهم :
_طبعا يا بنتي دا حقك ولا إنتي مش حابة ؟
صدمها سؤاله ،أيعقل أن لا تريد ؟!لتجيبه بصدق :
_أنا ..أنا مش مصدقة إن ..إني هلبس الفستان الأبيض ويتعملي فرح ،كنت فاهمة إن عمري ما هفرح زي باقي البنات .
إبتلع نبيل غصة مريرة بحلقه، وإختفت إبتسامته المشرقة ،أكانت حبيبته تشعر بهذا الألم  وهو لا يعرف بل قد يكون زاد آلامها عندما أتم زواجهم قبل أن يسعدها ويجعلها تحتفل.
ليردف بحنان :
_زهرتي أنا مش هحرمك من الفرحة دي ،عارف إن وقتها إتأخر بس الدراسة كانت السبب ،بس دلوقتي خلاص ولو حابة نعمل الفرح قبل الرحلة ما تخلص معنديش مانع .
نظرت له بعيون تترقرق بها الدموع ،ولكنها دموع السعادة فهي الآن أسعد إمرأة بالكون فقد رزقها الله بزوج حنون يغدق عليها بالحب .
سعدت كثيرا عندما لقبها بياء الملكية ولم يحُرج أو يستعر من قولها أمام والده ،وزادت فرحتها لرؤية الصدق بعينيه وأنه علي أتم الإستعداد للإحتفال بزواجهم فاقت من شرودها بعينيه علي سؤال والده :
_ها رأيك إيه يا بنتي ؟
أجابته بخجل فرح:
_إل تشوفوه .
_علي بركة الله بكرة إن شاء الله تنزل ترتب أمور الفرح وبعد ما كل حاجة تجهز هنقول لأهل البيت.
أومأ نبيل لوالده بتفهم فهو يعلم أن إختياره لزهرة سيسبب المشكلات مع والدته التي تريد ابنه شقيقتها زوجة له .
وعلي ذكرها هاهي أطلت عليهم متساءلة بعتاب :
_كده بردوا يا نبيل جيت الأرض من غيري ؟!
نظرت لها زهرة بإزدراء غاضب جعل نبيل ينفجر ضاحكا لترسل له نظرات تهديد يقسم أنها تمتلك من البراءة حياة .
كانت زهرة تتابعهم من بعيد فتلك الفيروز أخدته لمنطقة ما بعيدة بعض الشيء لمحادثته في موضوع خاص بينما عبد الرحمن قد رحل تاركا لهم الفرصة للحركة في الأرض بحرية لألا تشعر الفتيات بالحرج ، وهي بقيت حيث هي لتتفاجأ بعد مدة بصديقتها الجالسة بجانبها بعبوس شديد .
عضت فوق شفتاها فهي تعلم أن آيات تشعر بتكتمها على أمر ما وسألتها عدة مرات ولكنها بالطبع لم تجيبها.
حاولت إجلال صوتها عدة مرات إلى أن تحدثت أخيرا :
_ هتفضلي زعلانة مني يا آيات ؟
نظرت لها بأطراف عيناها وأردفت بعتاب :
- كنت فاهمة إني أختك مش بس صحبتك ، انا طبعا فرحانة ليكي حساكي فرحانة وشايفة ضحكك وسعادتك في آخر فترة ، بس إنتي مبقتيش تحكيلي زي الأول ، حتى مقولتليش الأستاذ نبيل عمل إيه يوم المسابقة لما جالك البيت ولا أعرف إتخلصتي من سعد إزاي ؟
نظرت لزهرة لتجد الحيرة مرتسمة على وجهها لتمد يدها ممسكة بكفها فتنتبه لها ولحديثها الصادق :
- انا مش عاوزة أدخل في حياتك يا زهرة ، ربنا عالم عاوزة أطمن عليكي ، ده غير إني حسيتك بتبعدي عني وده ضايقني ، وأكتر حاجة خوفتني إنك تكوني فقدتي الثقة فيا .
أمسكت زهرة بيدها بقوة متحدثة بثقة :
- لا أبدا ، مستحيل ده يحصل ، انتي هتفضلي صديقتي وأختي ، كل الحكاية إن الموضوع ميخصنيش لوحدي وكان لازم يفضل في السر ، لكن أعتقد دلوقتي مافيش مشكلة إني أقولك بدلكن طبعا الكلام ده ليكي إنتي وبس .
نظرت لها آيات مشجعة إياها ، لتبدأ زهرة بقص حقيقة الأمر على مسامعها .
..........
مر باقي اليوم بسلام ما بين التنزه والحديث الشيق والمرح بينهم ،كان لا يعكر صفو هذه السعادة سوي تلك الفيروز  ،الساحرة الشمطاء كما أسمتها زهرة فهي لا تدع نبيل وحده مطلقا ،تضحك معه وتلتصق به حتي أن الطالبات أجمعت علي أنه هناك رابط غير القرابة كالخطوبة تجمعهم ليزيد هذا من حنقها تحول لغضب حزين عندما عادوا إلي المنزل ووجدوا نبيلة في إنتظارهم لتسأل فيروز بطريقة وصوت مرتفع أرادت للجميع معرفة ما يدور بها :
_ها يا عروسة إبني إتفقتوا هتفرحونا إمتي ؟
_قريب يا خالتي ،إنتي عارفة إنه مسئول عن البنات  الفترة دي طبعا لولا كدا كنا حددنا .
_طب تعالي يا حبيبتي شوفي الهدية إل جبهالك من مصر .
رحلتا بعد أن بثا سمهما بروحها دون قصد من إحداهن وبالعمّد والحيلة من الأخرى .
إحدي الفتيات بإندفاع :
_مش قولتلكم أهي طلعت خطيبته .
نظرت آيات لزهرة بحزن لتجد عيناها تملؤها الدموع فحاولت نفي ما يُقال فتساءلت بإستنكار :
_خطيبته إزاي ومافيش في إيدهم دبلة.
لتجيبها أخرى بثقة وكأنها أحد شهود عقد القران :
_ياختي مش مهم ،المهم إنهم هيتجوزوا ،ولا رأيك إيه يا زهرة ؟
نظرن إلي زهرة ليجدناها تصعد الدرج بهدوء وتيه .
في المساء /
((كنت أعلم أني سأدفع تمن سعادتي تلك ..فالحياه كانت قاسية معي لدرجة أنيّ لم أطمئن وإختزن قلبي آهات تزلزل آفاق لا محدودة ..وها هي ساعات الأحزان آتت بلا تأخير))
إنتظرت إلي أن غفلت زميلاتها وهبطت لحجرته كالليلة الماضية ولكنها لم تجده .
ظلت تنتظره إلي الصباح ولم يأت ولم تشعر بنفسها وهي تخلد إلي النوم محتضنه ثيابه. مرت ساعات الصباح الأولى وتناول الجميع الإفطار ماعدا زهرة التي كانت لاتزال نائمة بحجرته وسهر التي ذهبت لزيارة قبر والدها مما جعل الآخرين يعتقدن أن زهرة معها  ونبيل الذي لم يظهر منذ أمس والحاج عبدالرحمن الذي ذهب  باكرا لإستطلاع عملا ضروريا .
وجدت نبيلة أن تلك الفرصة المناسبة  لإحداث ضجة وفضيحة لتحقيق مبتغاها .
صعدت لحجرة ابنها وهي تعلم أن زهرة بها ونبيل ليس موجود .فقد رأتها وهي تدلف أو كانت تنتظرها لتري إذا كانت ستكرر فعلة الأمس .
فتحت الباب لتراها نائمة ولم تشعر بها ،ابتسمت بشر قبل أن تطلق صراخ إجتمع علي إثره من بالمنزل  جميعا حتي تلك النائمة إستيقظت بفزع.
ذهبت إليها لتنتزع  منها قميص نبيل وتلقيه بعنف ثم أمسكتها من ذراعها تهزها بقسوة وتردف بغضب :
_بتعملي ايه هنا ؟!إنطقي جاية أوضة ابني وهو مش موجود لأ ونايمة علي سريره إنطقي .
‏تلبد جسدها وتبلل وجهها بحبات العرق وزرفت الدموع بكثرة ورجفة.
‏ولم تستطع الكلام ،فقط إستمعت لصديقتها تدافع عنها :
‏_حضرتك مينفعش كده سيبي دراعها علشان تعرف تتكلم .
نهرتها نبيلة بعنف وغضب ومازالت مستمرة تسب زهرة وتلعنها وتردف :
‏_تتكلم تقول ايه ،هتقول إيه وكل حاجة باينة أهي،واحدة نايمة في فرشة شاب أعذب هيكون إيه غير إنها خاطية وعاوزاه يبتلي بيها .
‏شهقت الفتيات  بصدمة بينما زهرة سقطت أرضا فلم تتحمل قدماها هول الكلمات .
‏لم تترك نبيلة ذراعها وظلت تعنفها وتسبها بأبشع الألفاظ ،حتي محاولات حورية بإنتزاعها من بين يديها لم تأت بنتيجة ،بل زاد غضبها وإشتعل لتسترسل منادية على إحدي الخادمات :
‏_بت يا سعاد إجري هاتي أم أحمد الداية ،بسرعة يا مخفية.
تفاجأت حورية من الأمر لتصرخ ناهرة إياها :
‏_إنتي اتجننتي يا أم نبيل سيبي البت عاوزة تعملي فيها إيه ؟؟!
كانت نظراتها حقا مرعبة لتدفع حورية بغضب أعمى جعلها تترنح مستمعة لكلامها:
‏_مالكيش صالح إنتي ،لو كانت بريئة صحيح هنعرف ...
‏لم يستطع أحد تخليصها ولم تتراجع عن موقفها مرت ربع ساعة والكل يترقب ،الفتيات تبكي بخوف ،ذهبت حورية وطلبت من أحد الغفر أن يأتي بعبدالرحمن فورا ...
‏وصلت أم أحمد وصعدت في عجالة وتعجب لتجد نبيلة جاثية فوق فتاة ما  لتشل حركتها لكي لا تهرب ، فتساءلت بتعجب:
‏_في إيه يا ست أم نبيل ،خير طلبتني بسرعة ؟!!
لم تمهلها فرصة لتشير لها آمرة :
‏_تعالي إكشفي علي البت دي وعرفيني إن كانت طاهرة ولا لأ...؟
‏صراخ ...عويل ...توسلات تطالب  بالرحمة ...نزاع ..روح ..
‏كانت تحاول أن تخلص نفسها من القيد الذي كتف يديها في الفراش ،تحاول التملص من جسد نبيلة الجاثي فوقها ...،تشعر بيدي تلك المرأة كالسكاكين الحادة تمزق جسدها ..
تنتفض على صوت نبيلة الصارخ :
‏_ما تخلصي يا ولية .
_‏خلصت اهو ...يا لهوي يا ست أم نبيل دي البنية حامل كمان .
‏شحب وجه نبيلة خشية أن يكون ولدها هو أب هذا الطفل ،ولكن لن تترك الأمر للإحتمالات .
‏بينما زهرة توقفت تمام عن الحركة وياللعجب رُسمت إبتسامة سعادة علي وجهها  ، فهي كانت تفكر في إحتمالية هذا الأمر أثناء وجبة الإفطار لشعورها بالتوعك وقدومها لغرفته تلك المرة للتحدث في الأمر بالإضافة لسؤاله عن فيروز وما دار من حديث ، حقا سعادتها الآن وكأنها إكتملت بوجود قطعة منه بداخلها لتتسع إبتسامتها ولكن لم تستمر سوي بضع ثوان ومحت لتتحول لفزع مصدوم بعدما إستمعت لما قالته نبيلة بقسوة :
‏ _نزليه
‏صرخات لم يعلو عليها صوت ...
‏روح تسلب ...لا روحان اغتيلت براءتهم ...
‏قلب تمزق إلي أشلاء ....
‏أنفاس قطعت وإستسلمت إلي ذلك السواد الذي جذبها وهي رحبت برحابة صدر .
‏عام ٢٠١٨/
‏ألقي عبدالرحمن مذكرات والدته بغضب ،بينما حور إرتفع صوت بكاؤها وزاد إصرارها علي الإنتقام لوالدتها وقالت بصراخ غاضب :
‏_أنا مش قادرة أصدق !!
‏كان يشعر بنفسه يحترق ،أراد الذهاب لينعم بحمام بارد عله يطفئ النيران بداخله لذا تحدث في عُجالة وهو ينهض :
‏_حور خلينا ننام ساعتين قبل ما نروح المستشفى علشان نبقي فايقين .
‏أمأت له ورحلت لحجرتها فهي تعلم حاجتهم للنوم ،بعدما إستنفذت طاقتهم بما قرؤا .
‏ ‏(صباحا بالمشفى)
‏هرج ومرج لاحظوه الشقيقان ،ليتقدم عبدالرحمن من أحد العاملين ليسأله
‏_هو في ايه ؟
‏_أستاذ أدهم يا دكتور محدش قادر يمنعه مصمم يخرج ..
‏حينما استمعت حور لإسمه تقدمت لغرفته لتتعامل معه فهو مسئوليتها .
‏تقدمت من الباب بهدوء لتنهر الواقفون بحدة :
‏_إنتوا واقفين كدا ليه ؟كل واحد علي شغله ،يالا ....أنهت حديثها بصراخ حاد إنتفض علي أثره الجميع .
‏دلفت بداخل الحجرة لتراه واقفا علي قدميه يتضح من إهتزاز جسده ترنحه بعض الشئ يحاول السيطرة علي شعوره بالألم ..ووجدت دكتور عبدالسلام وبعض الأطباء والممرضين يقفون حوله يحاولون معه ليجلس بالفراش ويخشون وقوعه ، لتبتدر الحديث ببرود :
‏_صباح  الخير،إيه ده من الصبح كده ضيوف...
‏نظر لها الجميع وكأنها برأسين ،بينما هي وضعت حقيبتها فوق المنضدة وتتقدم من ادهم في ثبات ليصيح عبدالسلام بقلق :
‏_دكتورة خليكي بعيد .
‏نظرت له حور شرزا قبل أن تأمروهم بالخروج ،ليردوا بصدمة وصوت واحد:
‏_إيه !!
‏_زي ما سمعتوا ياريت حضراتكم تتفضلوا بره ،دي أوضة مريض ولسه تحت تأثير جراحة كبيرة .
إبتسم أدهم ليردف بعدم إتزان :
‏_وإنتي متخيلة إنك هتقدري تقعديني هنا ثانية واحدة ما إن انهي كلماته حتي فوجئ بنغزة في منطقة محددة بعنقه فنظر لحور الواقفة بثبات لا يتضح عليها أنها تحقنه ،فقد استغلت الثواني التي تحدث بها وفقد انتباهه وقامت بتجهيز عقارا طبيا مهدئا .
‏سحبت يدها ثم بحركة سريعة ألقت بجسده فوق الفراش .
‏كان يراها ويشعر بما  تفعل ولكنه لا يستطيع التحدث
‏ظل ينظر لها إلي أن ثقل جفنه وذهب في ثبات عميق .
‏أعدلت نومته ثم قامت بالإطمئنان علي الجرح وانتبهت لهم مازالوا بمكانهم ينظرون لها بتعجب صادم لتسترسل بحدة :
‏_هو أنا مش طلبت منكوا تخرجوا بره .
‏إنصاعوا لها بينما هي ظلت تملي علي طاقم التمريض كيفية التعامل معه بعد الآن .
‏بسرعة البرق إنتشر خبر سيطرة الطبيبة حور علي أدهم الدمنهوري ،إستطاعت إمرأة أن تفرض قوتها علي رجل لا يستطيع أعتي الرجال الوقوف أمامه فقد تغلب بصلابته وذكاؤه على الكثير من الرجال ذو شأن .
‏ولكنها البداية ...والبداية فقط .
‏مر اليوم دون جديد وعادوا الأخوان لإستكمال أحداث الماضي .
‏عام ١٩٨٨/
((يبدأ النهار والحياه تعود وإبتساماتي تكذب عليهم فلم يعُد شيء مثل الأول ، أتظاهر بالتماسك من أجلك حبيبتي ..من أجل أن تعودي إليّ))
‏وصل الحاج عبدالرحمن ملتاعاً فليس من عادة زوجته حورية أن تناديه سريعا .
‏فأشارت له حورية للدرج وهي تلهث :
‏_بسرعة يا حق الحق البنية .
‏لم يفهم مقصدها ،ولم تمهله فرصة وأدخلته عنوه للداخل ...
‏جحظت عيناه عندما رأي نبيلة واقفة بجوار الفراش تسبُ وتلعن زهرة ،والسيدة أم أحمد واقفة تنظف يدها من أثر الدماء ...
‏دماء ..ترجم عقله سريعا لينظر للنائمة دون حراك  ليري وجهها الشاحب والفراش من أسفلها مشبع بالدماء .
‏وقعت عصاه أرضا وتقدم ببطيء مخيف كانت عيناه تشع غضب عروقه بارزة كان مخيف وهو ينظر باتجاه نبيلة التي ما إن رأته حتي إبتلعت ما في جوفها بقوة  وإختفى صوتها كما إرتعشت قدماها .
في ذات الوقت /
‏وصل نبيل للمنزل ليجد الطالبات يبكين بحرقة وإحداهن ولم تكن سوى آيات تسرع إليه قائلة بهلع :
‏_أستاذ نبيل إلحق زهرة في أوضتك و.....
‏لم يمهلها لتكمل فقط هرول للأعلى ليقف مشدوها عندما لمح والده يصفع والدته بقوة .
‏إحتل الغضب دمائها لتقول صارخة ضاربة بخوفها عرض الحائط :
‏_بتضربني !!بدل ما تشكرني إني إتخلصت من المصيبة دي ،كنت عاوزني أستني لما حملها يتعرف ويتلزق فينا ..
‏ح....حم.....لها
‏نطق بها نبيل بإرتجاف وهو يتقدم للداخل ،وما إن تقدم بضع خطوات حتي إتضحت له الرؤية ورأي القابعة بين دمائها .
‏اسقط الصندوق الكرتوني من بين يديه وظهر منه رداء ابيض يبدو أنه أراد مفاجأتها .
إنتبه إليه والديه لتندفع تستعطفه قائلة بتمسكن زائف:
_شوفت يا نبيل البت دي جابت لبيت الدمنهوري العار ، وأبوك بيضربني علشان إتخلصت من العار ده .
‏رجفة ....رعشة ...دموع حارقة ..شهقات تأن ....،،كانت هذه حالته وهو يقترب منها أكثر عيناه لا تري سواها ،ينظر لعينيها الذائبة ووجهها الشاحب بحسرة وندم ،وقعت  عيناه علي بقعة الدماء ليعلو صوت بكاؤه وانحني فوقها ليحتضنها بقوة ويضع رأسه فوق صدرها يأن وينعي فقدان طفله . 
‏تأكدت نبيلة من شكوكها وأن هناك ما يجمعهم لتصرخ به  :
‏_كده أنا اتأكدت إن تصرفي صح بدل ما تتورط معاها وتلزقك عيل الله أعلم أصله ايه .
كان غضبها يعميها حقا فلم ترى إنهيار ولدها وبكاؤه الذي مزق قلب والده حسرة على حزنه ليصرخ بها علها تفهم حجم ما أقدمت عليه :
‏_بس ...بس بقي إفهمي إلى بتقوليه الأول إنتي عارفة عملتي ايه ،إنتي قتلتي حفيدك بإيدك ،إطلعي بره بيتي ،إنجري بره ، مش عاوز أشوف وشك هنا .
‏_إنت بتطردني علشان حتة بت من الشارع .
‏لم تهتم بقتلها حفيدها وإنما بطردها ليثور ذلك الأب المكلوم صارخا بصوت عال عليه بحة البكاء :
‏_إل بتقولي عليها من الشارع دي تبقي مراتي على سنة الله ورسوله ومسمحش لحد يقول كلمة في حقها ،وإل قتلتيه دا إبني وعمري ما هسامحك على إل عملتيه .
‏نظرت نبيلة له بصدمة ممزوجة بغضب وأردفت بجنون :
‏_إتجوزت من ورايا ؟! ، قدرت تعمل كده إزاي ؟
جذب نبيل خصلاته بعنف عله يهدأ الصراع برأسه وأردف صارخا :
‏_هو دا ال همك  ؟!ومش هامك إنك قتلتي إبني ،لأ وإنتي عارفة أو حتي شاكة إنه إبني .
أمسكته من تلابيب ملابسه تنهره بعنف وهي تردف مستنكرة :
‏_طبعا دا ال يهمني جايب واحدة الله أعلم أصلها من فصلها وبتقول مراتي م......
‏قاطع صراخها الغاضب يد عبدالرحمن الممسكة لذراعها يخرجها بقوة من الحجرة بل أمرها بجمع ملابسها والخروج من المنزل بأكمله .
.............
‏بعد عشرة أيام /
لا يكفي الحزن الذي يعتصرها وشعورها بالضعف لعدم حماية قطعة من روحها وتأنيب الضمير لتغفوا بعيدا تاركة قلبا ملتاعا يمزقه البُعد وشعور الذنب ..لا يقطع صمتها ويدلف عالمها سوى صوت عبد الرحمن الذي يتلو من  القرآن يومياً لها إيماناً منه أن القرآن هو الشافي من كل داء بإذن الله ، أما نبيل فيتواجد معها أغلب الوقت ولكنه صامت تماما ، لا يستطيع محادثتها فكلما حاول ينهمر في بكاء مرير فيجذبها لأحضانه ماسحا على رأسها مستقبلاً لدمعاتها فوق صدره.
‏مرت الأيام وزهرة كالزهرة الذابلة لا تتكلم مع أحد حتي صديقاتها  والأستاذة سهر حاولنا معها قبل رحيلهم بعد إنتهاء مدة الرحلة ولكن لم يتوصلوا لشيء .
‏ بينما عادت نبيلة للمنزل بعدما أقنعت حورية عبدالرحمن بذلك والذي سأل ولده قبلا فطلب  منه إعادتها لكي لا تنتشر حقيقة الأمر وتصبح سيرة زهرة بين الناس .
‏وبالفعل عادت ولكن بداخلها عزم علي التخلص من تلك الفتاة التي كانت السبب في كل ما حدث لها وكأن لم يكفيها هي ما فعلته لها .

(( لو سألتني إن كنت أُحبكِ سأجيب بأنكي أجمل أحلامي
فالنكافح سوياً في سبيل هذا الحب
فمن اللحظة التي دخلتي بها حياتي منحتني سبباً لكي أعيش .
إنظري أنا وقلبي شعرنا بالوحدة وها نحن إنتمينا إليكي، أنا كنت عابر سبيل ولكني وجدتك لتمتلىء حياتي بالأزهار..عودي إلي زهرتي))
غافلة في سجن آلامها،تريد الصحو وإمساك يده الممدودة إليها ،تشعر بالدفا في صمته ،بأحضانه أكثر مكان إتساعا لها ،نظرة عينه تذيب آلامها.
‏ كانت نائمة كالعادة تنظر للفراغ لتراه يدلف وبيده كوبا من العصير... رأته يتقدم باتجاهها تعلم أنه يبذل قصارى جهده من اجلها ترى الندم والاسف بعينيه قررت ان تساعده وتساعد نفسها قبلا لتبتسم بهدوء وتقول له بصوت منخفض بعض الشيء :
‏_ربنا هيعوضنا صح ؟
‏ نظر لها بعيون دامعة غير مصدق انها عادت اخيرا وأماء بالايجاب لتسترسل  بأمل وعزيمة .
‏خلينا ننزل تحت.
‏احتلت الفرحة عينيه ليسألها بسعادة :
_ ‏بجد يا حبيبتي ؟
_ ايوة عاوز انسى ..عاوز اعيش ، عارفة إن كل عيلتك تحت عاوزة أشوفهم وأتعرف عليهم عاوزة أكمل حياتي من مكان ما وقفت، أرضى باللي ربنا كاتبهولي هيعوضني صح ؟
صاحب تساؤلها دمعات رتيبة ليزيلها بأصابعه متحدثاً:
_صح يا عمري ،صح يا اغلى الناس، يلا قومي البسي وخلينا ننزل واهو بالمرة تتعرفي باخواتي انهي حديثه بمرح أملا أن تستجيب ويطمئن عليها لتعطه ما أراد  على هيئة إبتسامة مردفة بحماس :
_ الله... تعرف ان نفسي اتعرف عليهم من زمان .
قبل أعلى رأسها متمتما :
وأهو يا ستي جم  وهتتعرفي بيهم صحيح مش كلهم بس تتعرفي بالموجود .
قطبت حاجبيها بتعجب وتساءلت :
‏_ ليه مش كلهم؟
أجابها ببساطة :
‏ _وليد اخويا الكبير  ومني أختي الصغيرة بس اللي جم انما سلوى مسافرة مع جوزها وحمدي جه من السفر على بيت نسايبه و..
قاطعته بفضول :
‏_هو مين اولاد طنط حورية .
أجابها بإبتسام فيبدو أنها هي الأخرى قد أحبت حورية ومن لا يحبها وهي بالفعل حورية فأردف:
‏_سلوى بس ، أما مني وحمدي اخواتي شققة و..
قاطعته للمرة الثانية بتعجب :
‏_ طب ووليد ؟؛
ضحك وأجاب :
‏_لا ده من واحدة تانيةأقصد  تالتة .
-بجدد !!!
إبتسم لصدمتها ولأنه يعلم أنها تحاول جاهدة مسايرته وأكمل:
‏_شوفتي الحاج عبد الرحمن وشقاوته ، ده لسه في رابعة وخامسة كمان .
أذهلها حديثه ولكنها لم تهتم كثيراً وأردفت :
‏_ تعرف انا حبيته اوي ،رٓجل طيب قرآته للقرآن ليا كل ليلة قبل ما انام ريحني جدا .
إبتسم لها بحب وشوق وأردف بحنان :
‏_ربنا يريح قلبك كمان وكمان.
‏ انتظر حتى انتهت من ارتداء ملابس مناسبة وأمسك كفها  كالغريق الذي يتعلق بطوق النجاة .
‏في الاسفل /
‏كان الجميع يجلس ما بين سعيد وغاضب الجميع يرحب بعودة الغائب نعم وليد الابن البكري لعبدالرحمن الدمنهوري نستطيع ان نقول بأن أبنائه يتساوون في المحبة اي انه لا يفرق بين سلوى ابنة حبيبته عن ابناء نبيلة أو ما لديه من أبناء آخرين فجميعهم واحد... لا ليس جميعهم فبالنسبة إليه لا أحد كوليد حتى نبيل رغم انه اقربهم اليه .
‏بالطبع هذا يسبب الغضب والبغض من جانب نبيلة فهي ترى ان أبنائها أحق بالمحبة وبكل شيء اما بالنسبة لحورية فهي حق حورية في نقاء قلبها فلطالما اعتبرته ولدها،  كانت دائما القول "انا لم انجب ولدا ولكنك ولدي انا "وبالطبع عاد هذا عليها بحبه ورعايته وهي عوضته عن والدته المتوفاة.
‏ الجميع جالس في جو عائلي محبب  للأعين البعيدة ولكن عندما تقترب ترى مدى التفاقم بينهم.
‏_ مساء الخير .
‏نظر الجميع باتجاه الصوت والذي ما كان غير صوتها لينهض الحاج عبد الرحمن بسعادة ظاهرة  للجميع ويذهب باتجاهها يحتضنها بحنان ابوي تحمد الله على منحها مثل ذلك الأب قائلا بحفاوة :
‏_حمد لله على السلامة يا بنتي .
‏لترد بحب وابتسامة من القلب :
‏_ الله يسلمك يا بابا  الحج .
فرح لمناداته هكذا وأردف :
‏_الله الله ايوه كده خلي صوتك يملا الدنيا بهجة .
تبسمت   زهرة بحبور  لذلك الرجل قبل ان يقع نظرها عن نبيلة من خلفه تنظر لها بكره بان وتتحول سعادتها الى غصة مريرة  شعر بها  نبيل ليضيف بشيء من المرح تعالي يا زهرة اتعرفي على أعقل واحد فينا   وأجن واحدة بردوا .
كان يشير على فتاة جالسة بجوار نبيلة تشبهها كثيرا لتتحدث تلك الفتاة بسخط :
_ ‏أنا مجنونة ..سامعة يا ماما .
أجابتها نبيلة بصوت يملؤه الكره إستشعره الجميع :
_ ‏سامعة يا حبيبتي ، معلهش اخوك في شيطان واكل عقله ومش عارف بيقول ايه
_ نبيلة!!!....
انتفضت مكانها إثر صراخ زوجها المحذر لها فيتحول فزعها إلي رعب حقيقي  وهي تستمع لكلماته النارية :
_هتقعدي هنا يبقى باحترامك بدل ما قسماً عظماً تخرجي ومترجعيش تاني ..زهرة احترامها من احترامي ويا ويله اللي يكلمها كلمة متعجبهاش.
‏أتشتمون رائحة دخان ....نعم وجهها  يشتعل لا ليس وجهها فحسب بل رأسها بالكامل لا جسدها ينكوي بنيران الكره .
‏شعر الجميع  بالشحنات الكهربائية في الاجواء فحاول كل منهم تغيير مجرى الحديث وكانت البداية من
وليد الذي تحدث بإتزان :
انتم هتجوعونا و ولا ايه ؟.ايه يا حور فين البط ؟
إبتسمت له حور بحب وأمومة لم تفشل بها يوما وتحدثت :
_حاضر يا حبيبي ثواني والاكل يجهز .
كانت زهرة مرتبكة فهناك أُناس كُثر ينظرون لها بفضول وهي لا تعرفهم ، إبتسم نبيل لها ثم وجه حديثه لوالده مشاغبا:
‏_ايه  يا حاج مش سامعه بيقولها يا حور لا  انا كده هزعل .
نظر له وليد بتحد مرح وأضاف :
- هي موافقة وده يكفيني .
‏علم عبدالرحمن محاولات ولديه من  تهدئته فحاول مجاراتهم  ليقول  بغضب مصطنع :
‏_هعديها له دلوقتي عشان لسه جاي انما بعد كده ....ترك  باقي الجملة دون تكملة ليزيد  من خوفهم المصطنع ولكن على عكس توقعه من محولاتهم اثارة غضبه صدحت ضحكة مدوية اثرت قلبه وكأنها لم تأثره من قبل نظر لها وهي  تضحك  على حديثهم وكأنها شابة مراهقة وليست جدة فإبنتها لديها إبن وفي سن المراهقة ، كانت تضحك وتدلل بنظراتها اثناء وضع الطعام نظرة ان رآها احد من بعيد يقسم ان هذا الشايب عاشق متيم حد النخاع.
زهرة بصوت هامس بعد أن رأت  نظراته لحوريتة :
- ‏نبيل هو انت هتحبني  كده؟
‏ نظر لها يحاول ان يجمع مشاعره في كلمات تطمئن قلبها ولم يعرف... ولكن نظراته أوفت وفاضت .
_ ‏يلا يا جماعة تعالوا كلوا ، نادتهم حورية منهية حرب النظرات الدائرة فهناك نظرات أخرى توجهت إليها من زوجات عبد الرحمن نبيلة والأخرتين .
ذهب الجميع ليجلسوا حول الطاولة وشرعوا في تناول طعام العشاء
اندمجت زهرة في الحديث معهم وشعرت بالألفة إلى حد ما في  الجو العائلي  الذي لطالما  افتقدته كان هناك عدة مشاعر بداخلها تشعرها بالاضطراب.
‏ فهي تشعر  بالخوف من نبيلة التي ما إن يقع ناظرها  عليها تجدها تلاقيها بنظرة وعيد أخافتها ،كما انها تشعر بمنى لم تتقبلها فنظراتها توحي لها بذلك ، وهناك الآخرين التي لا تعلم أسماؤهم بعد تشعر بمن فيهم يتقبلها ومنّ ينظر وكأن الأمر لا يعنيه .
‏أما هو  فاكثر ما يقلق قلبها نظراته، فعند النظر اليه تغرق بعينيه حقا  تشعر نفسها فقدت السيطرة على نفسها ..هي تريد ان تحادثه  تريد ان  تنظر له دائما.... تريد ان ينظر لها فبحنان عينيه  يشعرها بالاطمئنان، تشعر كأنها تعرفه منذ دهور وليس بضع دقائق ، كانت نظرات عيناه ترسل إليها ذبذبات فتنبض أوردتها بقوة ، هناك هالة محيطة به تشعر وكأنها خاصة به وحده ، تلك الإبتسامة التي يرسلها لها من حين لآخر تجذبها لعالم آخر بعيد عن هذا الواقع .
‏ وليد ماذا فعلت  بي ؟؟

زهرة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن