الفصل السابع عشر/تقاطع طرق

277 29 9
                                    

الفصل السابع عشر/
من قال أننا نحتاج للتخطيط دائما لفعل الشيء ، أحيانا تجتمع الرغبة في شيء مع القدر ، مثل تقاطع الطرق عند نقطة معينة ، القدر يٓسطُر حروفه وعلينا أن نتقبله بإتزان.

طرقات عنيفة أزعجته من نومته ليقف بعدم إتزان متوجها إلي الباب وما إن فتحه حتي إندفعت للداخل تناظره بفحص وقلق .
نظر لها بغضب وأردف:
- إنتي إتجننتي بتعملي إيه هنا؟
نظرت له بعيون دامعة وأجابت بصوت متحشرج:
- عرفت من أدهم إنك إنصبت في آخر عملية ف. فج....أنا آسفة مش هتتكرر.     
لعن نفسه عندما رأي دمعاتها ولكن فضل تركها ترحل على أن تتعلق بآمال واهية .
هبطت لأسفل بقلب يتمزق من الآلم غافلة عن آلمه هو ؛ فلقد جلد نفسه بذات السوط.
حاولت تجميع شتات نفسها وأوقفت سيارة أجرة صغيرة (توكتوك) قاصدة منزلها.
.....
الجميع يعمل على قدم وساق لإستقبال كبير أحفاد  عبد الرحمن الدمنهوري ، وها هي سيارته تدلف فتنتشر هيبته على جميع الحضور ، هيبة فرضتها الظروف عليه اولا ، ترجل من السيارة وما إن هم بالدلوف حتي رأي شقيقته تهبط من سيارة الأجرة.
وقف ينتظرها حتي وصلت إليه فقالت بإبتسامة:
-حمد لله على السلامة يا أدهم.
نظر لها بتفحص ولاح بعض الغضب بعينيه وتحدث بجمود :
- الله يسلمك...كنتي فين؟
توترت من مباغتته في السؤال ولكنها تماسكت وأجابت متحاشية النظر إليه :
- عند واحدة صحبتي.
نظر لها بخيبة أمل وأردف بعتاب:
-من إمتي بتكدبي عليا؟! 
نظرت له بضعف ليسترسل بهدوء:
- صحيح أحمد صاحبي وواثق فيه بس برده مينفعش تقللي من نفسك وتروحيله.
لم تستطع تمالك نفسها لترتمي بأحضانه وتجهش في البكاء ليقول في هدوء :
- جوري علشان تفوزي لازم تبقي قوية.
شعرت برجفان قلبها وأردفت بنحيب:
- مقدرتش يا أدهم.
صمت قليلا وتحدث بغموض :
- هتتحل.... يالا بقي ندخل أنتي ناسية إني خارج من المستشفى.
إبتعدت عنه وأردفت بحيرة:
- صحيح إنت ليه رفضت إننا نجيلك ونطمن عليك!!
أزال بقايا دمعاتها وتحدث بصوت حاول جعله مازحا:
- إنتي بقيتي رغاية كده ليه؟ ...يالا قدامي.
إبتسمت له بمرح ودلفت ليتبعها وهو يشملها ويشمل المنزل بأكمله الغموض.
إستقبله الجميع بحفاوة وتقدمت منه والدته تحتضنه وتبكي ، ليردف معاتبا:
- ليه بس كده؟ أنا قدامك أهو زي الفل.
كادت أن تجيبه ولكن الإتصال الهاتفي له منعها ، نظر إلي هاتفه بتعجب من الرقم المجهول ثم خفق قلبه فجأة وضغط زر الإجابة وما إن وضعه على أذنه ليأتيه صوتها المذبذب بعض الشيء :
-  أدهم إلحقني .
خفق قلبه بشده ملتاعا من صوتها ليهرول من أمامهم في عجالة غير مبالي لندائهم ولأسئلتهم المتعجبة القلقة.
لحظات وكانت إنطلاقته بالسيارة تزامنا مع سؤاله القلق:
- في إيه؟ مالك؟
جاءه صوتها الهامس بإضطراب:
- وأنا خارجة من المستشفى حسيت إنهم مراقبيني وأول ما وصلت البيت شوفتهم من الشباك وكان معاهم خمسة ست رجالة غيرهم ودلوقتي بيحاولوا يفتحوا باب شقتي.
خرج منه سباب لاذع قبل أن يقول محاولا تهدئتها:
- طب إهدي وإدخلي أي أوضة وإقفلي على نفسك كويس..قوليلي عنوانك إيه ؟
- أنا ساكنة في....
تعجب أدهم وقال:
- طب كويس ده قريب مني ، دقايق وهتلاقيني عندك.
ولكن تعجبه إختفي ليحل مكانه الصدمة والهلع عندما سمعها تصرخ وصوتها إبتعد.
قاد سيارته بجنون ليقطع المسافة بينهم وأوقفها بسرعة دون الإهتمام لكيفية ذلك وترك بابها مفتوحا بعدما هرول منها لداخل البناية السكنية.
لم يحتج لكثير من الوقت لمعرفة أي الشقق لها فصوت صراخها ملأ المكان وأرشده عليها.
..............
الغوص في الذكريات مؤلما بقدر ما قد يرسم إبتسامة على وجوهنا.
جالساً بين كتبه رفيقة دربه يقرأ وينهل من عسل المعلومات ويتعلم أكثر عن كل شيء .
دلف والده إليه بعد أن طرق الباب ولم يجد منه رداً كعادته منذ شهور ، وكما توقع وجده يقرأ فى أحد الكتب ومتعمقا لدرجة أنه لم يشعر به بعد ليضع يده فوق ساقه من أجل لفت إنتباهه وأخيرا إنتبه له ليبتسم بهدوء قائلا:
_أهلا يا بابا خير ؟ عاوز حاجة ؟
حاول والده جاهدا لأن لا يبدوا بصوته شيء من شفقته وحدثه بمشاغبة :
_ جرا إيه يا أستاذ صالح هو انا لازم أبقى محتاج حاجة علشان أجي أشوف إبني .
أغلق صالح الكتاب ووضعه جانبا ومازحه:
_في إيه يا محمود هي منار مزعلاك وجاي تقعد عندي ولا ايه ؟
عبس بوجهه وقال مستنكرا:
_ هي أمك دي بتعمل حاجه غير إنها تزعلني وبس ، لكن انا إتعودت على تصرفاتها وطباعها، تعرف يابني لولا إنت وأختك كان زماني مطلقها من سنين .
نظر له ولده بتفهم فكان مدركا لما يقول جيدا فهو يعلم طباع والدته ، ويعلم أنها شخصية صعبة مترئسة تريد أن تتحكم في كل شيء وكل من حولها ، ولكنه بادر بقول لطيف عله يخفف عن والده بعض الشيء :
بس بتحبك موت يا محمود ولسه بتغيير عليك .
نظر له ساخطا وأردف من بين أسنانه:
_حب إيه ال إنت جاي تقول عليه
ضحك صالح من قلبه ليسعد قلب والده بسماع ضحكاته مرة أخرى فأردف بحب:
_أيوة كده يا حبيبي إضحك وخلي الفرح يدخل قلبي ، إنس. يا صالح إنسى وإبتدي من جديد يابني بدل العمر ما يعدي من بين إيدك ، انا مش قادر أشوفك حزين كده وحياتك واقفة .
تحشرجت صوت ضحكاته بألم قائلا:
_إنت مش قادر تشوف إبنك حزين وحياته واقفة ، يبقى أنا أعمل إيه وأنا مش هقدر أشوف إبني تاني لأن حياته إنتهت .
نظر محمود لولده بألم ولم يستطع أن يجاوبه ، ليسترسل صالح بهدوء قدر إمكانه :
_قولي كنت عاوزني في إيه ؟
فور إنتهاء سؤاله تذكر سبب مجيئه ليخبره بما أراده :
_ أدهم خرج من المستشفى كنت جاية أقولك نعدي البيت التاني نسلم عليه .
أماء له بتفهم مردفا:
_تمام هدخل الحمام وأغير هدومي وأجي معاك .
..............
الظروف والمواقف هي من تظهر معدن الأشخاص، فقد نعتقد أن شخصا ما عدو لنا ولكن في الواقع هو أكثر شخصا آمانا.
دلف سريعا بعدما أطاح بمن كان يهم بغلق الباب أرضا ليتخشب مكانه من الصدمة.
فالطبيبان أحدهما ملقي أرضا ويوجد جرح في قدمه ،بينما الآخر جُرح رأسه ولكن وجد باقي الرجال يحاولون السيطرة على حركتها بصعوبة من تململها ومقاومتها القوية.
.........
في منزل آخر ليس ببعيد وإنما هي شقة سكنية أخري لنفس المبنى ليس الا
جالسة تحتسي كوبا من الشاي أمام التلفاز ليدلف زوجها قائلا:
_أومال البنات فين ؟
نظرت له بسخط وقالت :
_ طب قول السلام عليكم ، إزيك يا إل إسمك مراتي .
تجاهل حديثها وسأل مرة أخرى:
_ بناتي فين ؟
وقفت متحفزة وقالت بصوت مرتفع بعض الشيء:
_ وانت كمان إل هتعمل فيها زعلان ، هو مين ال يزعل ويخاصم إنت ولا أنا بعد ما وقفت قدام بناتك تزعق فيا وتقولي عني ست متخلفة ومش بتفهم .
نظر لها بغضب ووقف هو الآخر في تحفز وصرخ بوجهها :
_ لما تضربي بنتك بالقلم لمجرد إنها عاوزة تكمل تعليمها تبقي متخلفة ، بنتك شاطرة طول عمرها في التعليم ليه عاوزة تحرمينا من تحقيق هدفها .
شعرت أنها على وشك أن تجن فمن وجهة نظرها أنه متحامل عليها ولا يستطيع أن يفهم أن معها حق لتهدر:
_ ماهي خلصت كلية الهندسة وخلصنا ، الاول كنت رافضة الكلية دي لأني مش شايفة إنها مناسبة للبنات وإنت برده عملت معايا مشكلة وإتخانقنا بسبب الكلية دي وجيت على نفسي وقولت يالا يا بت معلهش أهي كلية وخلاص وبكرة تخلص ، دلوقتي لما خلصت وقولت نجوزها بقى تقولي لأ يا ماما أنا لسه عاوزة أتعلم وأحضر ماجيستير ودكتوراه ياعني بالتقريبي كده ست سنين كمان لو نجحت من أول مرة ، وأنا إيه يجبرني على كده .
الألم بساقه التي بها إعاقة إشتد عليه ليحاول أن ينهي الحديث سريعا من أجل أن يدلف لغرفته يستريح فقال:
_ يجبرك إنها رغبة بنتك ، إحنا مش هنفرح لما نجو ها وتفشل لانها مش مستعدة ، قربي من بناتك يا تسنيم وكفاية كده بقى وإعرفي إن طول ما فيا نفس وهما عاوزين يتعلموا هفضل وراهم ومعاهم .
رحل وتركها تتآكل لتهمس من بين أسنانها :
_ماشي يا أدهم .
........
نهش القلق قلوبهم فليس من عادته الخروج هكذا لتهتف سمية بقلق:
- إتصلوا بيه شوفوا إيه إل حصل معاه.
- إنتي عارفة إبنك مش هيقولنا حاجة غير لو كان عاوز.
نظرت سميرة لزوجها بغضب ؛ فكيف يكون متحجر القلب هكذا ؟!! ألم يقلق عليه؟!
عذرا أيتها الأم فأنتي تمتلكين قلبا مختلفا فمهما كبر أبناؤك سيكونون صغارا في نظرك يحتاجون الحماية...فلا تنتظري من أبٍ كهذا أن يشعُر مثلك.
- أأأدهم!!!!!
صرخت بها ندي بهلع فنظر الجميع إلي ما تنظر إليه ليكسي أوجههم الصدمة ؛ وهم يرونه مشعث الشعر ملابسه ملطخة بالدماء ..والغريب يحمل فتاة ما غائبة عن الوعي.
ظهر من خلفه شابا آخر يحمل أحدهم وبتدقق النظر صرخت جورية بإلتعاع  :
- أحمد!!
دلف أدهم وأشار للآخر بإتباعه وصعد أمام أعين الجميع المراقبة.
- هاتها هنا يا أدهم.
قالها وليد الذي تبعه وهو يشير إلى إحدي الغرف والتي ما كانت إلا غرفة نبيل سابقا ، بينما أحمد تم وضعه بغرفة مجاورة.
بعد أن وضعها على الفراش وإعتدل في وقفته تساءل وليد بهدوء:
- مين دي يا أدهم؟ وإيه إل حصلها؟!
لاح الندم بعينيه وأجابه :
- دي دكتورة في المستشفى يا عمي، وإل هي فيه ده بسببي.
تعجب وليد من إلقائه اللوم على نفسه ، ولكن لم يتطرق لسؤاله ، نظر لتلك النائمة لا تشعر بشيء مما يدور حولها بتخبط ؛فلا يعلم لما ولكن قلبه ينبض بقوة منذ وقعت عينيه عليها.
رحلا وتركوها ودلفوا لحجرة أحمد فرؤه بدأ يستعيد وعيه.
إقترب منه وليد وجلس بجانبه وتحدث بإبتسامة :
- حمد لله على السلامة يا بطل.
بادله أحمد الإبتسامة وأردف للشاشة وحب :
- الله يسلمك يا خالو يا حبيبي .
-بطل مين ؟ ده يدوب ضرب إتنين وأغمي عليه.
قالها أدهم بإستفزاز ليجيبه أحمد بغيظ:
- حد قالك إني هركليز هضرب بإيد واحدة.
ضرب وليد كفا بكف وأردف:
- عمركم ما هتبطلوا مناقرة؛ ها..هتفهموني بقي ولا إيه؟
قص أدهم عليهم ما فعله الطبيبان ورسالة التهديد ، ليردف أحمد بتفكير:
- لو هما ناويين من الأول على كده ليه يهددوها الأول؟!!!
- ما هو أنا السبب في إل حصل.
- ليه ؟ عملت إيه؟!
ألقى بجسده فوق الأريكة ببعض الحدة وقص عليهم ما حدث منذ ساعتين
(خرج من المشفى وتوجه لنقابة الأطباء لمقابلة وكيل وزارة الصحة كما تم الإتفاق بينهم منذ يومان؛ وقص عليه كل شيء وبالأدلة التي حصل عليها بعدما أمر رجاله وإقتحموا منزل الطبيبان المشترك ليصدر قرار بدائيا بمنعهم من دلوف المشفى ووفقهم عن العمل ، كما أنهم تحولوا إلى التحقيق.
........
إنتهي من قص ما حدث ليعاتبه وليد قائلا:
- كان لازم تنتبه أكتر من كده وتفكر في إنهم ممكن يئذوها.
إنتفض أحمد مجيبا بحماس:
-يأذوا مين يا خالو إنت مشوفتهمش بعد إل حصل فيهم .
إبتسم أدهم بإعجاب عندما تذكر شراستها وكيف تخلصت من الرجال الممسكين بها في حين وصل أحمد تلبية لإتصال أدهم وتولوا إثنيهم الخمس رجال بينما هي قامت بضرب الطبيبان وتلقينهم درسا بكسر وتقطيع أصابعهم بإحدى الأسلحة البيضاء العائدة لأح الرجال بطريقة جعلتهم يلتون من الألم ويصرخون وهي تقول بتشفي:
- كده إنسوا مهنتكم للأبد...
إقترب منها أحمد بصدمة عندما رأهم ملقين أرضا فزعين يلتون من الألم وهمس بغير تصديق :
_ياعني إيه؟  
نظرت له بتشوش وهمست بتعب:
- قطعتلهم أوتار وعصب صوابعهم. 
أنهت جملتها بآخر ذرة قوة كامنة بداخلها فيبدو أن قوتها إرتكزت على الإنتقام منهم لتفقد الوعي، تلقاها أحمد قبل أن تسقط أرضا فإقترب منه أدهم وجذبها بعنف .
....
- تسلم إيدها.
قالها وليد بحماس ثم توجه بالحديث لأحمد:
- وإنت أغمي عليك ليه؟
- واحد مضروب بالرصاص وبعدها بيومين دخل في خناقة منتظر إيه؟!
- ضحك بملئ فاهه ثم أضاف ..عندك حق .
نهض من مقعده ليقول بخبث قبل أن يرحل:
- أما أنزل أطمن إل تحت عن البنت دول يا حرام هيتجننوا عليها.
بهتت ملامح وجهه وعم الصمت قليلا قبل أن يسأل بعد خروج وليد :
- عاملة إيه؟
نظر له صديقه بغضب وأجاب:
- منتظر منها تبقي عاملة إزاي!!
أغمض عينيه بألم وإسترسل:
- عاوز أمشي من هنا.
سأم منه ليسأله ببعض العنف:
- تمشي تروح فين بلاش هبل.
حاول إبعاد عينه عن صديقه وأردف بألم :
- مش هقدر يا أدهم ...وبعدين ميصحش.
- لأ يصح ومتنساش إنها أختي وأنا أكتر حد هيخاف عليها، وعارف إنك بتخاف عليها زيي وعمرك ما هتأذيها، ثانيا متقدرش ليه؟... لازم تقدر أو بمعني أصح تتعذب زيها ده العدل يا صاحبي.
نظر له بصدمة وتحدث :
- لهو أنا مبتعذبش يا أدهم ؟!! تعرف أنا بحبها من إمتي؟ وعندي كام سنة  وحياتي واقفة لأني مش قادر أتخيل واحدة غيرها، أنا وعيت من يوم ما جيت هنا لماما زهرة  وشوفتها على حبها في قلبي ومش سهل عليا .
عاتبه أدهم بالنظرات قبل الكلام مردفا:
- ياعني إنت بس إل حياتك واقفة؟؟
شعر أحمد بالغضب ليقف سريعا ويتحدث بإنفعال:
- أنا مقولتلهاش توقف حياتها بالعكس أنا طلبت منها تدي لنفسها فرصة وتشوف العريس إل متقدملها وتكمل حياتها ، انا مش عايزها تضيع فرص مناسبة وكويسة ، عاوزها تختار الصح والكويس ليها ، انا مطلبتش منها توقف حياتها عليا يا أدهم .
عقد أدهم حاجبيه بحيرة مردفا:
- أحيانا مبفهمكش منين مش قادر تكمل مع غيرها وبتطلب منها تكمل عادي ؟! ...أقولك أنا كمان مش فاهم نفسي المفروض أبعدك عنها طالما مافيش رابط رسمي بيجمعكم وأنا أهو زي ما أنت شايف بقربكم. 
تنهد بصوت مسموع وأردف بإرهاب واضح :
- وأنا مقدر ثقتك فيا يا صاحبي بس ده إل لازم يحصل.
كانت واقفة تستمع لحديثهم فقد كانت قلقة عليه لينتصر القلب على العقل وتصعد للإطمئنان عليه، ولكن صدمت بما سمعت لقد كان قلبها ملتاعا عليه فأصبح جريح منه.
ولكن عليها الثأر لجرح كرامتها وكبرياؤها الأنثوي لذا خطت للداخل بقلب جريح وهتفت:
- فعلا عندك حق ، ده إل المفروض يحصل ، هكمل حياتي وهوافق على العريس.
مش ده إل إنت عاوزه وأنا موافقة بس بشرط؛ مش هتمشي من هنا وهتحضر خطوبتي إل غالبا هتبقي بكرة بالكتير وهتبقي كتب كتاب أصل العريس مهيصدق بيحبني بقي وكده ، وميأسش من رفضي المتكرر ليه ومستني موافقتي على أحر من الجمر علشان نكتب الكتاب وأبقي حلاله وملك ليه، وأنا أهو بطلب منك تبقي شاهد على جوازي و... 
- إطلعي بره.
إنتفضت إثر صراخه ولكن لم تتحرك لتكمل بسخرية :
- مش ده إل إنت عاوزه وبتطلب مني أعمله، عاوز تشوفني مع غيرك ، عاوز واحد تاني يبقي ليه الحق عليا وأبقي ملكه.
- بس...بس
- لأ مش بس ..مش بس فاكر إنه سهل عليا زي ما هو سهل عليك.
- سهل عليا!!!!!!!
قالها بذهول وسخرية لتردف بإنكسار:
- أيوة، سهل عليك تهرب وتقولي كملي حياتك عادي ، عملت إيه إنت إستسلمت لرفض بابا ومحاولتش تعافر علشاني.
أنا بجد آسفة لنفسي إني وقفت حياتي عليك.
ألقت ما في جبعتها ورحلت تبكي بإنهيار.
نظر أدهم بغضب لصديقه وكاد أن يعنفه لما وصلت إليه شقيقته ولكن وجد دموعه تهبط في صمت فعلم أنه يتألم مثلها فإلتزم الصمت وظل يفكر في كيفية جمعهم سويا.
.......
هبطت للأسفل لتساعد زوجة عمها وعمتها لتحضير الطعام لتتفاجأ به أمامها ينظر لها بخبث أربكها.
لم تحتمل نظراته لتجاهد للحديث فخرج صوتها مضطربا:
- عاوزة أعدي.
نظر لها ولخجلها بإبتسامة وأردف بمشاغبة:
- ما تعدي أنا منعتك.
نظرت له بغيظ قبل أن تستجمع قواها وتدفشه ليتنحى لها فهرولت مسرعة من أمامه.
نظر لطيفها بإبتسامة وهمس بهيام:
- بموت فيكي.
- طب إتعدل يا خويا بدل ما أموتك أنا.
تطلع مازن خلفه بصدمة ليجد أدهم ونظرات الغضب والتحفز تسيطران عليه ، ليقول بمرح مصطنع:
- أدهوم حبيبي واحشني يا رااجل.
- لا والله .
- أومااال.
- طب لم عينك ولسانك.
- بحبها يا أدهم.
نظر له أدهم بغضب وتعجب وأردف بحيرة:
- وبتقولها في وشي مش خايف مني؟!!!!!
نظر له قليلا وأردف بصدق:
- لو مقولتهاش قدامك هتثق فيا وتقف جمبي إزاي ؟ وبعدين أخاف ليه ؟وإنت عمرك  ما أذيت حد فينا بالعكس دايما تحمينا وكنت أخ كبير لينا كلنا.
إبتسم بسخرية وتشدق:
- إنت بتثبتني.
أجابه بصدق وعيناه تلمع بإحترام وتقدير:
- أبدا والله يا أدهم إنت مقامك كبير أوي عندي ومش عندي أنا بس كلنا بنحترمك وشايفينك كبيرنا فعلا وبنقدر تعبك ووقفتك معانا دايما.
هز رأسه بيأس مما يحدث حوله مردفا بإستنكار :
- أيوة يا خويا علشان كده ماشيين تحبوا على نفسكم وتصدروني أنا...وإتصرف يا أدهم.
حاول مازن السيطرة على ضحكاته وتحدث بصعوبة :
-  مدوخينك معانا بس تتردلك إن شاء الله.
إبتسم له وتحدث بهدوء:
- ماشي يا مازن هساعدك بس لأنك دوغري وصريح.
رفع مازن يده للسماء قائلة بمرح :
- روح يا شيخ ربنا يكرمك وتلاقي إل توقعك في شباك قلبها متعرف تخرج .
..........
تملمت في فراشها وبدأت بفتح عيناها شيئا فشيء حتي إعتدلت في جلستها بعدما إستعادت  ذاكرتها ما حدث.
تفحصت الحجرة بهدوء وتعجبت من ذلك الآمان الذي تشعر به.
وجدت حقيبتها بجانبها فأخذت منها الهاتف لتجد أكثر من إتصال لتضرب رأسها بكفها بخفة وتتمتم:
- يا خبر زمان عبد الرحمن هيتجنن.
وشرعت بالإتصال به ليأتيها صوته الغاضب:
_إنتي فين يا حور؟ قلقتيني عليكي.
تريثت قليلا وأجابته:
- معلهش يا عبد الرحمن كنت نايمة.
عاتبها بحدة:
- كده ينفع لو كان عدي ساعة كمان من غير ما تكلميني كنت رجعت تاني.
إبتسمت وتحدثت بصوت حنون تحاول تهدئته :
- آسفة يا حبيبي والله ما أقصد أقلقك.
زفر براحة وتنهد وقال:
- خلاص يا عسل كملي نومك يالا.
- في آمان الله.
أغلقت الهاتف وتوجهت نحو الباب وما إن فتحته حتي وجدت فتاه تندفع إلي الداخل لتختبأ خلف الباب.
نظرت لها حور بتعجب وقبل أن تسألها عما يحدث وجدت أمامها شابا يلهث بتعب يردف بإحترام:
- آسف على الإزعاج بس هو إنتي شوفتي بنت هبلة وقصيرة بتجري من هنا.
كان يتحدث وعيناه تلمع بخبث وهو يري جزء من ملابسها ظاهرة من الفراغ بين الباب والجدار.
إبتسمت حور عندما رأت غضب الفتاة عند وصفه لها بالقصيرة وقالت بمكر تجاريه:
- لأ....مشوفتش حد.
تمتم بإستسلام مصطنع:
- خلاص أروح أشوفها تحت بعد إذنك.
كادت ضحكة أن تفلت منها وهي تراه يتأهب لخروجها، أما عن تلك المشاغبة فقد ظنت أنها نجحت في الفرار منه فبدأت في تمتمت عبارات الشكر:
- مش عارفة أشكر......
قطعت كلامها بعبوس عندما وقعت عيناها عليه ليقول بتشفي:
- وقعتي يا رورو ومحدش سمي عليكي.
وجدت نفسها تتمسك بحور المبتسمة على هذا الثنائي المرح وتتخذها درع للحماية وأردفت بتحذير:
- إعقل يا مؤيد أدهم هنا وهيعلقنا لو شافنا.
- ولا يهمني .. حقي هاخده ياعني هاخده.
أردف بتعالي بينما رقية نظرت برعب لتتشدق حور بخبث:
_تقصد إن أدهم ميهمكش ومش هتعمله حساب.
نظر لرقية التي كادت أن تبكي وهي تطالع من يقف خلفه وأردف بغرور:
- أيوة....هو كده بالظبط.
- لأ راجل.
تخشبت قدماه وظهر الرعب جليا على وجهه ليرفع يديه ويشير خلفه و يتسائل بعينيه ، لتهز رأسها بإماءة فيغمض عينيه ويتشدق بالشهادة بصوت مسموع لتعلو ضحكات حور بمرح.
إلتفت مؤيد ليواجه نظرات أدهم الساخرة فأردف بإبتسامة بلهاء:
- أدهومة حبيب الملايين ، حمد لله على السلامة يا عمهم .
إلتهبت عيني أدهم بالغضب ليهتف به :
_اخفي من قدامي ،ولينا حساب بعدين.
تهلهلت أساريره لينطلق بإتجاه الدرج غير مصدق أنه إستطاع النجاة.
نظر أدهم لرقية بإبتسامة قابلتها بغضب:
- كده سيبته ، دلوقتي مش هعرف أهرب منه.
نظر لها بإبتسامة وسأل بتعجب
وإنتي عملتي إيه وعاوزة تهربي؟؟
إصطنعت البراءة وهمست:
أنا معملتش حاجة هو إل خضني وأنا بعمل القهوة لبابا فوقعت عليه حرقته.
وما إن ذكرت الأمر حتي قالت بخضة:
- القهوة .
دفشت أدهم من أمام الباب وهبطت للأسفل.
لم تتوقف حور عن الضحك ربما لدقائق فهي لم تضحك من قلبها هكذا منذ وقت طويل.
وفجأة ودون سابق إنذار توقفت عن الضحك  بعد أن رأته يتأملها .
وحل السكون وسيطر الصمت ، لتبقى فقط لغة العيون التي قد تُعبر عن قلوب تزدهر شِباكها .

زهرة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن