🌺الفصل السادس عشر🌺

434 30 1
                                    

الفصل السادس عشر:

استيقظ كريم ليجد رؤي تحتل ضلوعه باسترخاء تام وتنام بعمق و كأنها لم تنم منذ زمن بينما كان هو محاصراً خصرها بذراعيه بتملك وكأنه يخشي أن تهاجمها اشباحها الخاصة إن تركها بعيداً عن يديه للحظه !!!
نظر لوجهها المرتاح فوق قلبه فيما يضرب عقله خاطر جديد
لقد أصبح يريد رؤي...يريدها في حياته بشكل دائم ...يريد أن ينسي معها نفسه القديمة بحكايتها التي انتهت و دُفنت ليدفن هو نفسه معها...
لكنه الآن استيقظ... استيقظ وعاد الي عالم الاحياء الذي يريد أن يعيش فيه كل لحظه مع تلك الناعمة التي ترقد فوق قلبه وكأنها تضع اعلان لغزو مقبل لن يكون له رادع....
في تلك اللحظة فتحت رؤى عيونها لترفع رأسها ببطيء من فوق صدره وقد ظنت أنه ما زال نائماً كما العادة لتصطدم بعينيه الصافيتين كبحر عميق فتحمر خجلاً من وضعهما ليدرك هو تخبطها كما العادة فيهمس لها فيما ينظر إليها بطريقة مختلفة تماماً عما اعتادت منه:
_صباح الخير لؤلؤه
قطبت باستغراب لتكرر بعده:
_لؤلؤه؟!!!
ابتسم لها كريم بينما يقرص وجنتها لتتعجب اكثر من أسلوبه الجديد معها فيتكلم هو قائلاً ببساطه و كأنه لا يدرك مقدار التخبط الذي أصابها به:
_لما كل هذا العجب؟!!...لقد ناديتك بها مراراً من قبل و آخرهم بالأمس
هزت رؤى رأسها بحيره ليهمس من جديد:
_ما زالت انتظر رد التحية لؤلؤه
قالت وهي تحاول التحرك لخارج الفراش بعد أن زاد توترها أضعافاً :
_صباح النور
سحبها ناحيته من جديد ليهمس بمشاكسه :
_نحن في العادة لا نرد الصباح هكذا في لندن
تكلمت بتعثر و قربه منها يعبث بقلبها عبثاً لذيذاً:
_لا أفهم....ماذا تقصد؟!!!
فيميل علي وجنتها مقبلاً إياها بينما يقول من جديد:
_صباح الخير
ثم يميل إلى الأخرى يفعل المثل هامساً:
_صباح النور
ارتجفت رؤي بين يديه فيرحمها أخيرا ً و ينهض قائلاً بينما يشير إلى دورة المياه:
_سأدخل انا أولاً
ثم اختفى بعدها خلف الباب بينما ظلت هي جالسه مكانها تتلمس وجنتيها بتردد فيما كانت نبضاتها كما لو أنها بسباق لتضع يدها بعدها فوق قلبها مباشرةً بينما تكلم نفسها كمجنونه :
_اهدأي...اهدأي...لا تتوتري...هو غريب الاطوار متقلب كما العادة لا اكثر
لحظات و تذكرت ما تشاركاه أمساً حين كشف كلاً منهما عن اوجاعه الخاصة ليتحدا بعدها لأول مرة ويستغرقا في النوم بينما يحتضن كلا منهما الآخر وكأنهما يعلنان وقوفهما معاً كسد منيع في وجه احلامهم المزعجة .
ابتسمت رؤى بتوتر من علاقتها معه التي اتخذت منحنى جديد ثم نهضت من فوق الفراش لتكمل كلامها مع نفسها بصوت مهتز:
_واضح أن أكثر لحظاته جنوناً حين يستيقظ من النوم
.................................................
_سأخبرك....سأخبرك بني بكل شيء.
تقولها بينما تحارب حتي لا تفقد الوعي من شدة الألم الذي يضرب رأسها أكثر في كل لحظة
جاءها صوت عمار المتوجس كما لم يكن أبداً وكأنه يشعر بأنه يتحرك في منطقة تمتلئ بالألغام فيقول بترقب:
_ما الذي تعرفيه وانا لا أعرفه نوال؟!!!!
سألته هي بالمقابل:
_اخبرني انت أولاً...ما حدود معرفتك بمرض امك رحمها الله؟!!
ينظر لها عمار بتشتت ويشعر بأنها تقوده الي فخٍ ما فيقول بتردد:
_الم تخبرونا دائما ً بأن قلبها ضعيف!!!
فتسأل نوال من جديد بتحشرج:
_ألم يخبرك ابيك بشيء آخر؟!!
يهز رأسه بالنفي ليردد بعصبية و جنون:
_اخبريني انتى....مما كانت تعاني امي بالضبط؟!!!!
نظرت إليه بعينيها الحمراوتين ثم قالت بخفوت:
_لقد بدأ الأمر بعد عيد ميلاد اميره الخامس تقريبا كنت أنت وقتها في الحادية عشر من عمرك... أول من لاحظ وانتبه لأمر السيدة نيفين كان ابيك رحمه الله حين كانت تستيقظ صارخه من النوم ثم تظل تهذر بكلمات غير مترابطة.
كان عمار لا يفهم منها شيء لكن في نفس الوقت كان يكتم أنفاسه ترقبا وخوفاً مما سيسمع!!
ابتلعت نوال ريقها و رغماً عنها تغمض عينيها من شدة الألم الذي بدأ يهاجم رأسها بلا توقف لتكمل بصوت متألم:
_ بعدها بدأت بعض الأعراض الاكثر غرابه تظهر للعيان...كانت تظل تنظر حولها بترقب وكأنها تري ما لا يراه غيرها ، تظل تتلفت يميناً ويساراً وكأن هناك من يناديها ، ثم تطور بعدها الأمر أكثر و أصبحت تتحدث مع اشخاص خلقهم خيالها وتظل تصرخ بهم بأن يبتعدوا عنها.
هتف عمار بجنون وهو يبتعد عنها :
_ما هذا الهراء؟!!!...ماذا؟!!...هل ستجعلين من امي مجنونه ايضا حتي تثبتين براءة ليست موجودة من الأساس ؟؟!.... طريقتك مستهلكة نوال...انتى تغافلت ِ تماماً عن وجودي معها في نفس المنزل ، يعني إن كانت تعاني من الهلوسات كما تحاولي أن توصلين لي كنت سأعلم .
بكت نوال اكثر لتكمل بعد ذلك بتحشرج:
_افهم بني...افهم ...انا رأيت كل شيء بعيني ...رأيتها وهى تهاجم ابيك بسكين وتتهمه بخيانته لها معي انا اولا ثم اتهمت بعدها السيدة سهيلة بأنها أيضاً تحاول أن تسرقه منها وحين هتف فيها ابيك بأنه سيدخلها مصحه حتي تتلقي العلاج ظلت تبكي بهستيرية وتعتذر منه وترجوه بأن لا يبعدها عنكم ....بحق الله السيدة سهيلة انتحرت من فرط يأسها من زوجها كيف ستقيم علاقة مع أبيك؟!!!
ظل عمار ينظر إليها بتكذيب لتهتف هي بحرقه حين لمحت نظرته إليها:
_ألم تسأل نفسك أبداً لماذا كان لا يسمح لها بالبقاء معكم بمفردها؟!!!...ألم تتساءل عن انتظامي في الحضور أنا والسيدة سهيلة ؟!!!...ألم تتساءل أبداً عن السبب الذي جعل ابيك يرفض خروجها من غرفتها في أيامها الأخيرة أو حتى دخولكم انتم إليها ؟!!!
أجابها عمار بصوت مختنق وكأن الهواء حوله يختفي بالتدريج:
_لأنها... لأنها كانت مريضه... مريضه ولا تستطيع الجلوس معنا حتي لا نزعجها بصخبنا!!!!
هزت نوال رأسها نفياً لترمي بعدها ورقتها الأخيرة فيما تقول:
_بل لأنها حاولت قتل ابيك مره اخري حين حاولت كتم أنفاسه بالوسادة أثناء نومه
تجمدت نظرة عمار ليهمس بعدها وعقله يرفض تماماً ما يُقال:
_لو كانت أمي كما تدعين لماذا لم يحاول ابي مساعدتها؟!!!
_ومن قال إنه لم يبحث عن وسيلة أخرى غير المصحة؟!!!...لقد عرضها على اكثر من طبيب وبالفعل استقرت حالتها بعض الشيء ثم ساءت بعدها اكثر واكثر حتي قرر ابيك بوجوب دخولها إلى المصح النفسي لكنه لم يفعلها لأنها توفيت بعد أن اتخذ قراره بأيام .
تراجع عمار للخلف وكأنه تلقي صفعه من نار ليهمس بعدها:
_مستحيل....انتى كاذبة …تدعين علي امي بالجنون حتي تنفين التهمه عن الأخرى...امي لم تكن مجنونة ابداً...أتسمعين؟!!...امي لم تكن امرأة مجنونة!!!!
جففت نوال دموعها لتقول بعدها بتعب وانهاك:
_انا اعرف اسم الطبيب الذي كان يشرف على حالتها إذا أردت استطيع ان ادلك عليه
جلس عمار بالمقابل على الأريكة الجلدية بينما يهز برأسه يميناً ويساراً برفض تام لما يسمع
أمه ليست هكذا!!!....امه ليست مجنونة بل إنها افضل من رأت عينه!!!... بالتأكيد نوال قامت بتأليف تلك الرواية حتي تبعده عن رؤى... أجل هي ... كاذبة... مجرد كاذبة أخرى!!!
وقف عمار قائلاً بأمر متحشرج:
_اعطيني اسم ذلك الطبيب الذي تحدثتِ عنه
اومأت نوال بتعب و فور أن تفوهت بالاسم امسك عمار بهاتفه ومفتاح سيارته ثم انطلق كالمجنون راكضاً من المكان وكأن الشياطين تلاحقه .
...............................................
شركة رسلان
تجلس رؤي بتوتر ملحوظ بينما يتحدث مهاب بجدية لا تظهر الا نادراً فيما يشرح للجميع تفاصيل المشروع الجديد الذي من المفترض أن يبدأ العمل به في اسرع وقت وبينما كان الجميع منهمكاً في المناقشة وتدوين الملاحظات كانت هي منهمكة في تجنب نظراته التي لا تعتقها وكأنها ستختفي من أمامه حتي انه لم يشارك في الاجتماع كما المعتاد بل يجلس فقط ويتابع ادق حركة تصدر منها!!!
لكزتها زينه بخفه لتسألها بهمس :
_ماذا بك؟!!!....هل اسودت عيشتك كما المتوقع؟!!!
نظرت لها رؤى باستغراب فأوضحت:
_منذ بداية الاجتماع وانتى تنظرين ارضاً بينما مديرنا لطيف الطبع ينظر لكِ بتوعد...اعترفي ماذا فعلت؟!!!...هل جرؤت ِ و ألقيت ِ عليه تحية الصباح ام انكِ احرقتِ فطوره؟!!
احمرت وجنتيها حين تذكرت تحية الصباح الخاصة به اليوم لتهمس بتكذيب:
_لا يوجد شيء...توقفِ انتى فقط عن الثرثرة
امالت زينه شفتيها بحنق لتهمس بمثل كانت تسمعه من جدتها:
_يا داخل بين البصلة وقشرتها....
كتمت رؤي ضحكتها وهي تهز رأسها بيأس من تلك الحمقاء التي تجلس جوارها ولكن هيهات عادت زينه تتحدث من جديد لاهيه عن عين كريم المتابعة:
_اخبريني بالله عليكِ لعلي اساعدك....انظري كيف يجلس هادئاً وكأنه ينتظر انتهاء الاجتماع حتي انه لم يعنف علا أو محمد كما المعتاد!!!!
صمتت زينه قليلا حين نظر لها مهاب مؤنبا ً لتستطرد بعدها:
_انا خائفة!!!!.... اقسم أنه يحضر لكِ شيئاً ما!!!!
انتفضت زينه بشكل مضحك علي صوت كريم الحاد فيما يقول:
_انسه زينه ماذا كان يقول مهاب منذ قليل؟!!!!
للحظه شعرت زينه أنها تجلس في درس رياضيات لتجيب بعدها بتوتر فيما تنظر الى مهاب باستجداء:
_لا اعلم سيدي...لقد شردت للحظه...اعتذر منك
نظر لها كريم بطرف عينه فيما يقول بنبره تحمل التحذير بين طياتها:
_اذاً توقفِ عن الشرود قليلاً لدينا الكثير لننهيه اليوم.
هزت زينه رأسها كطفله خائفة من العقاب بينما تكاد رؤى تختنق من كتمانها للضحك وهي تسمع همس زينه مع نفسها بسباب لا ينتهي والمقصود به بالطبع كريم.
تنفست رؤي الصعداء حين انتهى الاجتماع الذي لم تستطع أن تركز به ولو لخمس دقائق بسبب ثرثرة زينه وحصار كريم الصامت لتتحرك بعدها خارج المكتب فيوقفها صوت محمد فيما يقول مبتسماً:
_رؤى نحن سنطلب افطار متأخر...ما رأيك هل نطلب لكِ معنا؟!!!
ابتسمت له رؤي و قبل ان تجيبه صدح صوت كريم الهادئ في ظاهرة طالباً منها موافاته الي مكتبه فتعتذر من محمد وتذهب خلف الآخر الذي يبدو وكأنه فعلاً يحضر لها شيئا ً كما سبق وقالت زينه .
دخلت الي مكتبه لتبتسم لها مريم فيما تقول بممازحة:
_احذري مزاج التنين الغاضب
فتبتسم رؤى بخفه ثم تدخل خلفه لتجده واقفاً أمامها يستند على طرف المكتب ليقول بعدها بأمر:
_اغلقِ الباب
تحاملت على نفسها ثم انصاعت لأمره ليأمر من جديد:
_اقتربي
وقفت رؤى أمامه ليبدأ حديثه سائلاً بهدوء لم يخدعها:
_علي ماذا اتفقنا بالأمس؟!!!!
قطبت بعدم فهم ليجز هو على أسنانه فيما يهدر بخفوت:
_ألم انبهك لوقوفك مع هذا الشاب بالأمس؟!!!...واليوم تفعليها مجدداً
تكلمت بنبرة غير راضيه عن تحكماته:
_هذا زميلي ومن الطبيعي أن أتحدث معه كما اننى لم ابقي معه لأكثر من دقيقتين سألني فيهم سؤال و لم اجيبه حتي....انا لا افهم لماذا تترصده هو بالأخص!!!....انا اقف مع معظم العاملين لكنك لا تغضب الا من وقوفي معه هو فقط!!!
هتف فيها بعصبية وقد فاض الكيل منها:
_لأنه معجب بكِ يا غبيه ...هل انتى عمياء فلا ترين كيف ينظر لكِ ام انكِ تعلمين لكنك تتركيه لتشبعي غرورك الأنثوي؟!!!!
نظرت له رؤى بصدمه مما يقول لتهز رأسها دون معنى ثم تتحرك تنوى المغادرة ليمنعها هو ممسكاً بمرفقها هامساً بغضب منها ومن نفسه بعد أن أدرك ما قاله:
_لا تديري ظهرك لي حينما اتحدث معك
واجهت رؤى عينيه الغاضبين لتهمس بغضب مماثل بينما تحاول التخلص من يده الممسكة بها:
_اترك ذراعي....ماذا تريد انت الأن؟!!!
فيلفها اكثر ناحيته فيما يقترب اكثر هامساً أمام وجهها الغاضب:
_ابتعدي عنه رؤى
فتعانده وقد ثار كبريائها لتقول بغضب بارد:
_لن ابتعد....انت لا شأن لك فيما أفعل
غرس أصابعه أكثر في ذراعها فتتوجع هي دون أن يلاحظ اقترابه منها حد الخطر حتي حاصرها بينه وبين الباب قائلاً بعصبية مكبوتة حتي لا يسمع احد ما يدور:
_ بلى لي شأن واكبر شأن أيضاً...انا زوجك ولا اسمح لزوجتي بالتعامل مع رجل يشتهيها...هل سمعتيني ام اعيدها من جديد؟!!!... انتى زوجتي
غلبها طبعها العنيد لتثير جنونه أكثر فيما تقول بعصبية:
_لست كذلك
ابتسم بطريقة اخافتها ليقترب أكثر حتي اختلطت انفاسهما فيما يضيف من جديد:
_بلى انتى كذلك وسأثبت لك حالا ً
وفى لحظه خاطفه وجدته رؤي يميل عليها مقبلاً إياها بشغف وغضب بينما يثبت رأسها بكفيه حتي لا تحيد عنه فتتسارع نبضاتها بجنون وهو يسرق من أنفاسها أكثر وأكثر متعمقاً في قبلته ليبتعد عنها بعد لحظات لاهثاً بجنون بينما كانت عينيه تهدر بعاطفته المشحونة وهو ينظر لها وكأنه لم يشبع بعد ليقترب منها من جديد واضعا جبهته فوق جبهتها فتهمس هي بتعثر وهي تكاد تسقط ارضاً:
_ارجوك....
فيقابل همستها بهمسه:
_ابعديني...
تضع يدها فوق صدره بنية أبعاده لتجد يدها متوقفة فوق قلبه ونبضاته فتهمس بضعف:
_ابتعد....ارجوك
فيقترب اكثر مقبلاً وجنتيها هامساً بين قبلاته بتملك:
_زوجتي....لي انا فقط....انتى لي ...لي أنا
فتضطرب اكثر واكثر تستجديه بإسمه ليبتعد أخيرا ً بعد أن كادت تيأس منه فتدير هي ظهرها إليه دون أن تجرؤ على الخروج وهي في تلك الحالة ليأتيها صوته من جديد ولم يتمالك نفسه بعد:
_انا آسف...لم اقصد....انا لا ادرك ما اقول أو افعل حين يتملكني الغضب
لم تفهم رؤى جملته للحظه!!...هل يعتذر عن كلامه المسيء ام عن قبلته؟!!!... ليوضح هو من جديد بصوته المبحوح:
_انا اعلم انكِ تتعاملين مع الجميع بحسن دون ان تدركين ما يدور حولك لكن مع ذلك ابتعدي عن ذلك الشاب فأنا أفهمه اكثر منك ولا تعجبني نظراته إليكِ.
لم تلتفت إليه رؤى ولم تجيبه بشيء فقط قامت بترتيب حجابها بعد أن عبث به ثم تنفست بعمق لتغادر المكتب دون أن تفطن لصدمته هو الآخر مما فعل والتي اخفاها عنها ببراعة.
ماذا دهاه ليتصرف معها بهذا الشكل الحيواني؟!!!
كيف حاصرها وقبلها رغماً عنها ؟!!!
منذ متي وغيرته تتحكم بعقله بهذه الطريقة الفجة؟!!
هذا ليس هو...ليس طبعه... ليست طريقته في التعامل مع امرأته!!!
توقف كريم عند تلك الكلمة للحظات....امرأته!!!...هل ستقبل رؤى أن تكون حقا ً امرأته؟!!!
ترى كيف ستكون ردة فعلها على ما حدث منذ قليل؟!!!...كيف ستتعامل مع الأمر؟!!!
وماذا عن روز؟!!!...كيف تلاشت تماماً من عقله وهو يقبل غيرها؟!!!... ولماذا لا يشعر بالضيق الآن كما هو من المفترض بعد أن نقض بكل عهوده معها بهذه الطريقة؟!!
تنهد كريم بإحباط دام للحظه قبل أن يعيد له عقله مذاق شفتيها فيختفي كل ضيقه وتحتل ابتسامه وجهه اثر ما حدث وكأنه يعيش اللحظة من جديد.
...........
من الناحية الأخرى وقفت رؤي امام المرآة في استراحة السيدات تنظر الى وجهها المحتقن بينما تضع كفيها فوق وجنتيها الملتهبتين ....
لا تعلم كيف خرجت من مكتبه ولا كيف وصلت إلى هنا من الأساس!!!
كل ما تعرفه أن قلبها ينبض بجنون وكأنه سيتوقف بعد لحظات
كيف تركته يفعلها؟!!!...هي التي برغم كل مجونها السابق لم تسمح لرجل قط أن يقترب منها بتلك الطريقة الحميمية !!!
كان بإمكانها إيقافه بعد أن فاجئها لكنها تركت له القيادة ليفعل بها ما يشاء...اللعنة لقد استسلمت أمامه بكل خزى وغباء....ماذا سيظن بها الآن؟!!!
مسحت رؤى على وجهها بماء بارد ثم وقفت للحظات تهدئ من نفسها من جديد ثم قررت بأنها ستتعامل مع ما حدث وكأنه لم يكون!!!....
هو لا يحبها ، لا يرغبها...بل ينادى حبيبته السابقة وهو نائم وهذا اكبر دليل بأنه ما زال عاشق لها حتي النخاع...اما هي فلن تكون أبداً اكثر من مجرد فترة في حياته... مرحلة و ستمر ولن تمثل له اكثر من هذا أبداً خاصةً وهو يحمل نفسه ذنب موت حبيبته ...
لحظات و دخلت بضعة موظفات مما جعل رؤى تتراجع وتخرج من المكان وكأنها خائفة من أن يقرأ احد ما حدث على صفحة وجهها .
......................................
تحرك عمار بضعف قد ألم بكل جسده يكاد لا يرى أمامه من فرط الذهول والتعب...
خطواته تتعثر في الطريق الترابي فيكاد أن يسقط كرجل ثمل لا يستطيع التحرك بتوازن
بعيون متسعه زائغه، بذهن غائب ، بأنفاس لاهثه بألم وكأنه وصل لنهاية الطريق دخل إلى مقبرته قبل أن تكون مقبرة عائلته....
مقبرة قد دفن فيها كل ما يملك من شعور واخلاق ظناً بكل غباء أن مدخل القوه بقتل الشعور
لقد اعتصر قلبه بقبضته فلا أثر به ضعف أبيه بعد موتها ولا انهيار صحة عمه حين سلبه كل ما يملك ولا توسلات رؤى الصامتة بالعتق والرحمة!!!
لقد حاسب دون أن يسمع... عاقب دون أن يفهم أو حتى يبحث عن حقيقة كان من الممكن أن يكتشفها بسهولة ويسر لو كان فقط حاول البحث
لقد دفن نفسه وأحلامه مع عائلته الصغيرة... دفن كل ما كان من الممكن أن يكون طريق نجاته
دفن نفسه في ظلمته وكل هذا بسببها هي وبسبب أبيه الذي صمت وهو يظن بأنه يحمى صورتها أمامه
تحرك لأول مرة ناحية قبر أبيه فيسمح بعدها لجسده أن ينهار ارضاً بينما يبذل كل ما في وسعه حتى يُخرج بضعة حروف :
_لماذا اخفيتم عني؟!!!....كيف يكون...؟!!...انتم...
يبتلع ريقه وكأن هناك حجر يقف فوق حنجرته كسيف قاطع فيخرج صوته متألما بينما يبدو وكأنه كبر ألف عام:
_اتعلم كم مره تمنيت موتك؟!!!...كم مره تخيلت نفسي و انا اقتلك وانا اظن بكل غباء انك سبب موتها انت وسهيلة!!!... اتعلم اني تقريباً قتلت عمى حين سلبت منه كل شيء!!!! ... و رؤى...
تنفس عمار بعنف وهو يضرب مؤخرة رأسه بقبر أبيه مرارا بينما نزلت دموعه اخيرا وكأنها فرت من سجنه المؤبد بينما يضيف:
_رؤى...انا...انا دمرتها....لم اترك طريقه دون أن اؤذيها بها....لما لم تخبروني سوى الان؟!!!
تحول بكائه فجأة من الرثاء الي الغضب ليقف متحركاً كمجنون ناحية قبر امه فيصرخ بعذاب:
_ماذا فعلتِ بي؟!!....لمااااااااذا ؟!!!!!....انا ابنك....حولتني لمسخ حقير...جعلتيني كالشيطان امى...لما فعلتِ بي هذا؟!!!
عيون رؤى الباكيه ذعراً في طفولتهم والخائفة المرتعبة حد الموت في كل لحظة يجتمعان بها تجلده بسياط الذنب وكأنها اسواط من نار
انهار ارضاً من جديد بينما يصرخ بلا توقف وكأنه فقد إحساسه بكل شيء حوله:
_لمااااااااذا؟!!....يا ررررب.....لماذا أماه ... لمااااااااذا؟!!!!
كلام ذلك الطبيب المسن لا يغادر أذنيه
" اجل أجل... اذكر السيدة نيفين بالطبع...لقد كانت اول حاله تبدو كالتحدي لي حيث كانت تعاني من انفصام الشخصية و حالتها كانت غير مستقرة...كانت احيانا تبدى استجابة جيده جدا للعلاج وأحيانا أخرى تنتكس حالتها من جديد و استمرت على هذا المنوال لأكثر من سنه ونصف تقريبا ً إلى أن يأس زوجها وقرر إدخالها للمصح الخاص بنا بعد أن كان رافضاً للأمر تماماً ولكن قدر الله وقتها أن تتوفى قبل أن نبدأ في إجراءات نقلها"
صرخ عمار من جديد:
_كنتِ مجنونه...مجنونه وتمارسين جنونك فوق رأسي أنا.... لماذا دمرتِ حياتي بهذا الشكل؟!!...لماذا قمتِ باختياري انا؟!!!....لمااااااااذا؟!!!
انهار بعدها عمار ارضا بتعب وانهاك وكأنه ما عاد يفرق شيئاً عن عائلته التي واراها الثرى
........................................
كان حسين يجلس صامتاً على مائدة الطعام بينما عينيه تراقب ما يحدث أمامه بتعجب فكريم و لأول مرة يجلس متوترا بهذا الشكل...أجل كعادته حافظ على هدوء ملامحه لكن لغة جسده تقول شيئاً آخر تماماً....
عينيه مثلاً لا تنفك وتركض ركضاً لرؤى ، يديه تنقبض وتنبسط بحركات متتالية دون أن يشعر، قدمه تهتز اسفل المائدة بتوتر بينما كانت رؤى على النقيض تماماً أو هكذا ما يبدو له حيث كانت تجلس بهدوء اقرب للبرود وتتجاهل نظرات ابنه المنصبة عليها تماماً ، لا تشارك في اى حديث وتتجنب حتى الالتفات الى موضع جلوس كريم وكأنها تهرب من وجوده حولها!!!
ترى ما الذي يحدث بينهما؟!!!
تكلم حسين موجهاً حديثه إلى رؤى بينما يحاول اضافه العفوية الى صوته:
_ ما الذى يشغل بالك يا جميله؟!!!
اغمضت رؤى عينيها للحظه...فلا يوجد أخرى تجلس على المائدة حيث ذهبت مريم إلى صالون التجميل ولم يبقي سواها فقالت بهدوء بينما تبتسم له بتردد:
_لا...لا شيء عمى...أنه فقط عمار...أخشى من هدوئه...سكونه وابتعاده بهذه الطريقة يقلقني
انقبضت يد كريم بينما اجاب حسين مبتسماً كعادته معها:
_لا تقلق حبيبتي...ابن عمك ساكن لأنه يواجه مشاكل لا حصر لها في عمله فالكل أصبح يعلم أن هناك من يترصده هو بالأخص ومن الواضح أنهم مجموعة لأن هذه الضربات لا تأتي من شخص واحد.
هزت رؤى رأسها بهدوء وهي تدعو الله أن يبعده عنها دائما ً وأبداً فيظهر صوت مريم التي لا تعلم متي وصلت بالضبط فيما تقول بعد أن سمعت حديث أبيها الاخير:
_ هل لكِ ابن عم وانا لا اعرف؟!!!!
التفت الثلاثة إليها لتجلس هي في مقابل رؤى فيما تستطرد من جديد:
_لم اكن اعلم انكِ تملكين أقارب هنا في المدينة …هل حضر قريبك الزفاف؟!!!
توترت رؤى وتبادلت النظرات مع حسين الذى أعطاها حرية الاختيار إن كانت تريد إخبارها فقالت بتردد:
_لا...لم يأتي....نحن علاقتنا شبه منقطعة منذ زمن
وضعت مريم بعض الطعام أمامها لتسأل بفضول:
_لماذا؟!!!
في تلك اللحظة ظهر صوت كريم الحاد فيما يقول بغضب:
_لأنه شخص حقير
صمتت رؤى كليا لتنظر مريم إلى أبيها باستغراب تدعوه ليوضح لها ما يحدث فقال حسين محاولا ً تخفيف الضغط عن رؤى:
_ عمار ابن عمها كان يرغب في الزواج منها لكن رؤى كان نصيبها مع اخيكِ
ابتسمت مريم لتقول بغباء :
_اسمه عمار؟!!!
نظر لها كريم شزرا فقالت موضحه:
_لقد اعجبني الاسم لا اكثر
ابتسمت رؤى على تلك الفتاه التي اقرب بتفكيرها الى طفله لتهمس مريم فيما تقترب منها أمام عيون كريم:
_لدينا الكثير لنتحدث به...لن افلتك قبل ان تخبريني بكل شيء
هتف كريم بحنق منها:
_توقفِ مريم....رؤى لا تحبذ الحديث عن هذا الموضوع
نظرت لأبيها من جديد فغمز لها أن تصمت وتنهى الأمر وبعد لحظات هتفت وكأنها تذكرت:
_ربااااه.... نسيت اخباركم….عيد ميلاد معجزه بعد ثلاثة أيام تقريباً ورائد يرغب في تنظيم حفل مفاجئ من أجلها لأنها كما تعلمون تعانى مع حملها الذي جعلها أشبه بمريضه عقلية لهذا سأذهب الليلة ابى انا وساندي حتى نتفق على كل شيء.
ابتسم لها حسين قائلاً:
_حسنا حبيبتي
ثم استطرد ناظراً الي رؤى:
_اذهبِ معها رؤى ...انتى شبه لا تخرجين من المنزل
_لا عمي ...لا اريد الخروج
هزت مريم كتفيها لتعقب:
_حقاً رؤى لماذا لا تخرجين ؟!!!
ثم أضافت ضاحكه:
_هل لديكِ ثأر؟!!!
ضحكت رؤى بخفه ليسألها كريم بعد لحظات إن كانت قد تواصلت مع نوال لتجيبه بهدوء مبالغ فيه من وجهة نظره:
_لقد كلمتها منذ قليل وأخبرتني بأنها وصلت بلدتها لكن من الممكن أن لا نتواصل كثيراً الايام القادمة لان شبكة الهاتف هناك سيئة للغاية
بعد الغذاء استأذنت رؤى ثم صعدت لغرفتها لتؤدي فرضها لتقرر بعدها انها بحاجه الى حمام ساخن لتزيل عن نفسها توتر هذا اليوم وبالفعل دخلت الى دورة المياه وانهت حمامها لتكتشف بعدها بأنها نسيت ملابسها من فرط توترها الغبي لتلف جسدها الرطب بمنشفة كبيرة ثم فتحت الباب ببطيء لتجد الغرفة خاليه فحمدت ربها ثم ركضت بسرعة ناحية خزينة الملابس لتتسمر تماما حينما فتح كريم الباب فجأة ...
وقف مكانه كتمثال حجري وهو يراها لأول مرة بهذه الطريقة... جسدها المتورد لا يستره الا منشفة مبتلة تلتف حوله بإغراء ، شعرها رطب يرسل قطراته لظهرها العاري بإغواء موجع لعينيه ، كلها تبدو كمثال حي للإغراء أمامه ولا يمنعها عنه سوي طرف منشفة اذا سحبه سي.....
سعل كريم محاولاً تنظيف أفكاره ليشتت بعدها نظره بعيدا عنها ليهمس بعدها بسرعه:
_اعتذر منك...انا لم أعلم انكِ....
لم تعطيه رؤى فرصة ليكمل كلامه حيث سحبت اول ما وقعت يدها عليه من الملابس و ركضت عائده الى دورة المياه من جديد حتى كادت تسقط من فرط سرعتها لتتوازن في اللحظة الأخيرة وتختفي بعدها خلف الباب .
مسح كريم على وجهه بتوتر فيما يلعن حظه معها اليوم....لقد وترها اكثر من اللازم بدءاً بشجاره معها وقبلته لها ليكتمل الأمر معه برؤيتها شبه عاريه !!!
وقف بعدها بتوتر لا يعلم ماذا عليه أن يفعل!!...هل يترك لها الغرفة ام يبدل ثيابه كما كان يخطط حين دخل ؟!!!
عادت قبلتها الصباحية تتلاعب بعقله من جديد ليهمس لنفسه :
" اللعنة....لقد أصبحت كالمهووس...ماذا تفعلين بي هذه الفتاه؟!!!"
ليتخذ قراره بعدها فيخرج من الغرفة ممسكا بهاتفه فيما يقول بلسان حاله:
"إن كنت سأفتح صفحه جديده يجب أن أغلق الأخرى كلياً"
طلب بعدها الرقم لينتظر بضعة لحظات ثم يقول فور أن جاءه صوت جاك:
_مرحبا جاك....هل توصلت لشيء؟!!!



نهاية الفصل السادس عشر

قراءه ممتعه 💙💙





  

بقعة ضوء للكاتبة "هاجر حليم" Where stories live. Discover now