أرْوقَةُ الماضي

629 42 216
                                    






[ القسم الثاني من الفصل]






-قُبيل شتاء عام ٢٠١٢-


تخلو الممراتُ من الموظفين بعد انقضاء ساعات العمل الرسمية في مصنع شركة 'تاكيدا' للأدوية الواقع في سايتاما، فتُمسي الأروقةُ موحشةً بأنوارها الخافتة التي تومضُ بوهجٍ أخضر قاتم، وتتراءى أفرعُ أشجار الساحة الخارجية مُتشابكة مُجردةً من الأوراق من خلال النوافذ المُطلة عليها، بينما تُواصل تمايُلها بِفعل رياح تشرينٍ الثاني الباردة.

استرقت الشابةُ نظرة عجلى إلى سِتار الظُلمة الممتد خارج النوافذ، وضيقت حدقة عينيها الفيروزيتين قبل أن تستأنف سيرها بخطواتٍ مُنتظمة، ترتدي معطف المُختبر ذا اللون المتضارب مع خصلاتها حالكة السواد المُنسابة على ظهرها، مُتجهة نحو السلالم المؤدية للدور تحت الأرضي وهي تحملُ ملفًا طُبعت عليه عبارةُ 'المستودع الأول'

كانت 'كاغو' التي تبلغُ الثانية والعشرين من العُمر، الموظفة الوحيدة في قسم تحليل البيانات إلى جانب مسؤولها، وعلى الرغم من أنها بدأت بالعمل في مطلع العام إلا أنها نالت وظيفة مُساعدة مُحلل البيانات، وذلك لقِلة من يحملون شهادة مُتخصصة في ذات المجال.

ولتُثبت كفاءتها، وتُسكت أفواه المُشككين في مقدرتها على مواكبة متطلبات المنصب؛ حرصت في كثيرٍ من الأحيان على المكوث بعد انتهاء فترة الدوام، لتُتم ما كُلفت به من مُهماتٍ وتقارير إن لم يسعها الوقتُ لإكمالها نهارًا.

أمًا عن سبب عملها الاضافي في ذلك المساء، فهو يُعزى لكون مُديرها مُتغيبًا لقضاء اجازته الشتوية، فآلت جميعُ مسؤولياته إليها، ومن ضمنها الاجتماعُ مع مُدراء المصنع لتقديمُ النصائح الدَورية بشأن الإنتاج.

كانت بصدد اعداد تقريرٍ عن الفائض في مخزون دواء حُمى القَش، ومهمتها هي اقناعُ الإدارة بضرورة تقليل نسبة الإنتاج حين يُمسي الطلبُ منخفضًا على الدواء شتاءً، وهو ما استدعى زيارة للمستودع لتدعم تقريرها بالبيانات الفعلية.

قربت كاغو البطاقة المُتدلية عن رباطٍ حول عنقها من الماسح الضوئي لبوابة المستودع، وقبل أن تَطال يدها مقبض الباب، فوجئت به يُفتحُ من الجهة الداخلية، فتراجعت للخلف بضع خطواتٍ لتُفسح المجال لرجلٍ غادره للتو.

انتابها الاستغراب فقد كانت واثقة من أن الأضواء لم تكن مُضاءة بداخل المستودع حين نظرت من خلال نوافذ البوابة، فعاودت الالتفات ناحية الرجل الذي عبر من جانبها مُكمِلاً طريقهُ باتجاه السلالم، ولبضع ثوانٍ لم تبرح مكانها قبل أن تُعيد فتح البوابة وتَلج للمستودع.

أَحَدُهُما مُـعْتِمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن